الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم الإسلاميون ( الدولة الإسلامية و الإقتصاد)

مصطفى عبداللاه
باحث

(Mustafa)

2023 / 9 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قد تطرقنا في بحث سابق تحت عنوان وهم الإسلاميون ( الدولة الإسلامية)، إلى إدعاءات دعاة الإسلام السياسي حول مشروعهم الإسلامي وقد بحثنا ذلك الإدعاء لنكتشف انه ادعاء اقرب للخيال من الحقيقة وان الإسلام أبعد ما يكون عن النظام السياسي فضلاً عن أن يكون دولة، وطرحنا بعض من القضايا و الملفات التي من المفترض أن يقدمها لنا أي نظام حكم و قدر تطرقنا سريعاً إلى الملف الاقتصادي، الا أننا في ذلك البحث سنعرض سنركز على ذلك الملف تحديداً ولنرى هل يقدم لنا دعاة الأسلمة نموذج إقتصادي يمكن الارتكان إليه...

الإسلام والنموذج الإقتصادي...
من المعروف أن النماذج الاقتصادية المتعارف عليها الآن هي نتاج الحداثة والفلسفة الأوروبية بالرغم من التباين بين تلك الأنظمة، وبالطبع لا يمكن لدعاة الدولة الإسلامية الاستناد إلى تلك النماذج الغربية سواء ليبرالية رأسمالية كانت أو اشتراكية لأنها وكما ذكرنا انظمة علمانية مستحدثة و ومن المعروف حسب المنطق الإسلامي وحسب الحديث النبوي أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وحسب منطقهم أيضاً لا يمكن الإعتماد الا على نموذج اقتصاد إسلامي ولكن المعضلة تكمن في أن الإسلام لم يقدم لنا نموذج إقتصادي حقيقي غير اقتصاد الحرب المعتمد على الغزو وسلب الشعوب المفتوحة تحت الراية الإسلامية باعتبارها غنيمة للمسلمين ولبيت مال المسلمين، وهو ما قامت عليه دولة الخلافة الإسلامية طوال ثلاثة عشر قرن من الزمان ، ولكن بما أن العالم قد تغيير الآن وأصبح هناك قوى عظمى لن يقدر عليها المسلمون، فهنا لا يجد الإسلاميون أنفسهم إلا في حيص بيص، فالحيص هو أن نموذجهم لا يقدم آلية اقتصادية حقيقية يمكن أن تقوم عليها الدولة والبيص هو لأي نظام نحتكم اشتراكي أم رأسمالي!، وإذا سلمنا لهم بهذا مع الأخذ في الإعتبار أن عدم وجود نموذج اقتصادي لدولتهم الذي يدعون إليها و اعتمادهم على نماذج علمانية دليل على ضعف طرحهم ومدى هشاشة ذلك الطرح، ولكن هل من الممكن أن يتوافق مشروعهم الإسلامي مع أي من تلك النماذج الاقتصادية الحديثة!..

الاشتراكية والإسلام
ومع فشل تقديم المشروع الإسلامي أن جاز أن نطلق عليه مشروع اي آلية اقتصادية يمكن الاعتماد عليها قد يرتكن دعاة الأسلمة والدولة الإسلامية إلى النموذج الاشتراكي، وهو النموذج الذي يدعوا إلى تأميم الملكيات الخاصة وتحويلها إلى ملكية عامة تحت إدارة وإشراف الدولة مع الملكية العامة لوسائل و أدوات الإنتاج، وكنوع من أنواع تغير الجلد الذي اعتدنا عليه من الاسلاميين، ولكن هل يصح فعلاً اعتمادهم على النموذج الاشتراكي ؟ هل لا تتعارض الإشتراكية مع نظرتهم الأصولية الإسلامية؟ في الحقيقة أنهم أنفسهم ومشايخ هم قد رفضوا الاشتراكية منذ زمن و ونعتوها بالكفر والضلال وينطبق هذا على كل من ينتمي إليها فيقول الشيخ ابن باز فقيه السعودية عن الاشتراكية الآتي (ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة، والمخالفة لما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام: ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر من أتباع ماركس، ولينين، وغيرهما من دعاة الإلحاد والكفر ، سواء سموا ذلك اشتراكية، أو شيوعية، أو بعثية أو غير ذلك من الأسماء، فإن من أصول هؤلاء الملاحدة أنه لا إله، والحياة مادة. ومن أصولهم إنكار المعاد، وإنكار الجنه والنار، والكفر بالأديان كلها . ومن نظر في كتبهم ودرس ما هم عليه، علم ذلك يقيناً، ولا ريب أن هذه العقيدة مضادة لجميع الأديان السماوية، ومفضية بأهلها إلى أسوأ العواقب في الدنيا والآخرة) ١، فإذا كانوا قد وصفوا الاشتراكية بالكفر والإلحاد فإذا لا يمكن الإعتماد عليها كنموذج إقتصادي في دولتهم الإسلامية، فهي أيديولوجية كفرية وضالة ويرفضها علماء المسلمون، فضلاً عن أن الإسلام لم يحرم الملكية الخاصة فالنبي محمد نفسه قد امتلك ممتلكات خاصة ومنها ارض فدك، فكيف يمكنهم تحريم ما احله الله، وتاميم الممتلكات الخاصة وتحويلها إلى ملكية عامة !!

الرأسمالية والإسلام
ومع رفضهم للنموذج الاشتراكي لن يتبقى أمامهم إلا اللجوء إلى النموذج الاخر وهو الرأسمالي ولكن هل من الممكن أن تتماشى الرأسمالية النابعة من الليبرالية العلمانية والإسلام الأصولي مع ترفضها هي الأخرى! أولا لابد أن نعرف أن الرأسمالية بأنها نموذج اقتصادي قائم على حرية امتلاك وسائل الإنتاج و ادوات الإنتاج مع موجود سوق حر يسمح بطرح تلك الموارد الإنتاجية، ويحوي النموذج الرأسمالي في عباءته بعد من المتطلبات الأساسية والتفاصيل مثل وجود بنوك تقوم بأقراض المستثمرين و مواطنين يضعون أموالهم في تلك البنوك ك ودائع ويحصدون من وراء تلك الودائع فوائد البنكية كي يتثنى للبنوك إقراض المستثمرين من خلال السيولة التي توفرت لديها من ودائع المواطنين مع وجود مضاربات في البورصة التي يطرح بها أسهم لشركات استثمارية مساهمة يمكن لكبار أو صغار المستثمرين شراء تلك الإسهام ويصبحوا مساهمين في تلك الشركات، ولكن هل ما طرح قد يتعارض مع الإسلام في شئ، والحقيقة هي نعم وما نقصده هنا بالطبع النظرة الأصولية للإسلام تلك النظرة الذي عليها المشروع الإسلامي من الأساس، فإذا تحدثنا عن الودائع والفوائد البنكية من وجهة نظر إسلامية نقلا عن موقع إسلام ويب استندآ على فتوى ابن المنذر ناقلا عن إجماع أئمة المسلمين الآتي (فإن وضع الأموال في البنوك الربوية مقابل فائدة محددة سلفاً مع ضمان رأس المال هو الربا الصريح الذي نزل القرآن بتحريمه، ومحاولة البعض تصوير ذلك بأنه استثمار حلال محاولة باطلة تبطلها أدلة الكتاب والسنة والإجماع والواقع.ويجدر هنا ذكر قول ابن المنذر رحمه الله ناقلاً إجماع علماء المسلمين إذ يقول: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معدودة. اهـ)، ويقول الشيخ ابن باز في هذا (فأجاب: لا يجوز التأمين في البنوك الربوية، ولو لم يأخذ فائدة؛ لما في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان، والله سبحانه قد نهى عن ذلك)٣
بل حتى مجرد العمل في البنوك قد حرمه أيضاً فيقول ابن باز في ذلك ( : لا ريب أن العمل في البنوك التي تتعامل بالربا غير جائز؛ لأن ذلك إعانة لهم على الإثم والعدوان، وقد قال الله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] وثبت عن النبي ﷺ أنه لعن أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء أخرجه مسلم في صحيحه)٤، وإذا تطرقنا إلى المضاربات في البورصة فيقول موقع إسلام وجواب ناقلا عن قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي الآتي ( يجوز الاتجار في البضائع عبر البورصة ، إذا تحققت شروط البيع الصحيح ، ومنها أن يبيع الإنسان ما يملك ، والواقع أن البورصة يجري فيها كثيرا بيعُ الإنسان ما لا يملكه وما ليس عنده ، وهذا منهي عنه شرعا .
فقد روى أبو داود (3503) والترمذي (1232) والنسائي (4613) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ . قَالَ : ( لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي)٥ فهم أيضا قد حرموا المضاربة في البورصة الا إذا قمت ببيع فيها ما تملك وهو من الصعب تحقيقه في مضاربات البورصة بأعترفهم، فإذا كانوا قد من حرموا الإقراض البنكي و الودائع والفوائد البنكية وحتى مجرد العمل في المؤسسات البنكية والمضاربات في البورصة الا بشروط تعجيزية، فكيف من الممكن أن يعتمدوا على النموذج الرأسمالي في دولتهم وهو يرفضون أبسط الأسس التي يقوم عليها الحراك الاقتصادي في ذلك النموذج !!؟ وفي النهاية يجيب علينا الشيخ علي نايف الشحود في موسوعته في الرد على المذاهب بتحريم الرأسمالية بشكل مطلق فيقول :( والنظام الرأسمالي نظام بشري لا يحكم شرع الله تعالى . ومن الأمور الظاهرة فيه أنه لا يرى مهمة للدولة سوى حماية أصحاب رؤوس الأموال، والدفاع عن البلد التي هم فيها، ولأصحاب رؤوس الأموال تنميتها بكل طريقة يريدون وإن خالفت جميع الشرائع والحريات، ولا تمانع الرأسمالية من وقوع الفوضى الاعتقادية، والفكرية، والسلوكية، والاجتماعية ما دامت لا تضر بأموالهم مباشرة)...

و في النهاية نريد أن نتساءل اذا كان مشروعهم الإسلامي لم يقدم نموذج حقيقي للاقتصاد وإذا تنازلنا معاهم واحتكامنا إلى النماذج الاقتصادية العلمانية مع وجوب الاعتراف بفشل الاسلام في تقديم رؤية اقتصادية حقيقية، نجدهم رافضين لكل تلك النماذج بحجة أنها تخالف شرع الله، فكيف يمكن لمجتمع أو دولة أن يقوم بدون نموذج اقتصادي أو آليات اقتصادية حقيقية و واضحة!! هل سيرجعون بنا إلى مجتمعات ما قبل التاريخ !! أم أنهم كالعادة يقولون كلام ممتزج ببعض الرصاص وهم حتى لم يقدموا إلينا شئ لنفحصه، هل مشكلتنا أنهم حتى الآن لم يقدموا لنا نموذج واضح يمكن الأخذ فيه و الرد أم مشكلتهم هم !؟ في الحقيقة أن الجماعات الإسلامية ودعاة الإسلام السياسي و الدولة الإسلامية لم يقدموا لنا يوماً طرح حقيقي متماسك في اي شئ نحن لا نجد إلا أناساً قد إتخذت من الشعارات مذهباً ومن الإرهاب والتحريم دينآ وهم في الحقيقة فارغون، لا يعرفون إلا التحريم يريدون بنا التوقف عند أربعة عشر قرناً مضت من الزمان يريدون أن نعتمد على اقتصاد غزو البلدان ونهب ثرواتها وقهر البشر و بيعهم في الأسواق كما فعل أسلافهم رضوان الله عليهم، في الحقيقة هذا هو مشروعهم الإقتصادي وهذه هي ملامح دولتهم..

١ إبن باز :العقيدة الصحيحة وما يضادها ص ١٨
٢https://www.islamweb.net/ar/fatwa/58307/%D9%81%D9%88%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D9%88%D9%83-%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%86%D9%87%D9%89-%D8%B9%D9%86%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86
٣مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 19/ 153
٤مجموع فتاوى ومقالات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب