الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام السياسي وسلطة التشيع

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2023 / 9 / 24
المجتمع المدني


عرفت الجزيرة العربية قبل انبثاق الإسلام كفكر لاهوتي الصراع الطائفي والقبلي اذ كان محتدا في اوجه عديدة جعلت صراع تلك القبائل يتخد منحى تجاريا سلطويا فصارت دور العبادات الوثنية موقعا تجاريا، على سبيل المثال كان المغيرة بن شعبة احد اكبر وجهاء قبيلة قريش ومن كبار اغنيائها وقد ناصب العداء للنبي محمد فنزلت سورة القلم ” ... فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ... ” لقد كان ناكرا للقرآن معتبرا ان القرآن اساطير اكتتبها محمد من اقوام واساطير سابقة لا علاقة لها بالوحي الإلهي، لهذا اطلق عليه محمد ابشع الصفات، كان اتجاه الدين الصراع على السلطة والهيمنة فلقد كان المغيرة ذو نفوذ، و محمد اراد جمع القبائل على كلمة التوحيد منطلقا من خلال محاربة الاغنياء فصار التعامل مع طبقة الفقراء المؤمنة بمحمد كداعية ومصلح اجتماعي ونبي، لقد كانت ذروة المرونة السياسية متمثلة في صراع صخر بن حرب ” ابو سفيان ” لمحمد وابقاء محمد لصخر بن حرب لمكانته بين قومه. كان الصراع السياسي تجسيدا للقيم الروحانية ومحاولة للاحتفاظ ببعض اقطاب الرموز القبيلة لتأخذ دروها الفاعل في الحياة الدينية، بعد ان ثبت للعديد من القبائل رجعية الفكر الوثني وعدم صلاحيته كمعتقد يمكن الاحتفاض به كموروث اجتماعي.
لقد اتضحت معالم المنهجية التاريخية في عصر صدر الإسلام من خلال انحياز فئة تتجه للإيمان الديني الخالص وفئة تخلط المعتقدات الدينية في المصالح الدنيوية، فصار التدين اتجاه ديني لاهوتي ودنيوي.عند قرائة الهوية للمجتمعات العربية الإسلامية لاحظنا العديد من المدارس الدينية التي اقتربت او ابتعدت عن المسار الديني للإسلام، فصارت تتكاثر فيها الملل والنحل على مختلف مشاربهم، لهذا تسلل عبر التاريخ التفكير الإسلامي الأممي فانتج الدولة الإسلامية الى ربطها بالدولة الوطنية رغم ان محمدا لم يؤسس دولة اسلامية حقيقية في الجزيرة العربية إلا انها كانت البذرة الدينية لقيام الدولة الدينية.
لقد واكب الفكر التشيعي الإسلام في القرن الثالث الميلادي اي في بداية تشكل الخلافة العباسية، التي توسعت فيها الإنقسامات الدينية والميول الفلسفية والاعتقادية فصارت الأفكار تتصارع من اجل ايجاد صيغة سياسية للمعتقد الديني. صارت الدولة الوطنية كلها اطار لعمل المواطن في القيام بواجباته الوطنية والدفاع عنها، فلم تكن ضمن اسس المشروع السياسي للدولة التكتل الديني وزج المعتقدات فيه إلا في مراحل تاريخية قليلة كما حصل في طريقة التعبير عن المسلك العقائدي في الدولة الفاطمية، القرامطة وغيرهم من جماعات استخدمت اسلوب العنف لتثبيت معقدات العقيدة الدينية وفق منهجية خاصة. فصارت كل جماعة او كل نخبة تطبق نشاطها السياسي الخاص لتمييز هويتها الوطنية في الذات السياسية، لقد تصدر التسنن تاريخ المعتقدات الدينية من بداية عصر الإسلام ثم الفتوحات الإسلامية الى قيام الدولة الوطنية في العراق عام 1921 الى سقوط النظام العراقي عام 2003 في العراق على يد القوات الأمريكية، التي ازالت نظام التسنن الإسلامي في تاريخه الطويل الى اعتماد فكر التشيع كأسلوب منهجي سياسي للحد من سلطة التسنن التي هيمنت على التاريخ الإسلامي كله.
صار الإيمان بولاء النخبة لولاية الفقية وان لم يتم تأسيسها كنهج عقائدي لكنها طبقت بشكل او بآخر طبيعة الولاء للفكر التشيعي في ايران، فصار الانتقال من الايمان بالهوية الوطنية الى الايمان بالهوية السياسية. لم يكن في مقدور المفكر للشأن الإسلامي ان يحصي مرحلة الإسلام السياسي للشيعة ان مثلوا ذواتهم كهوية دينية لها وجود عقائدي، تاريخيا لم يفكروا بهويتهم الدينية رغم مذهبية اتجاههم كفكر تشيعي، فلم يشهد لهذا الاتجاه المذهبي إلا من خلال اول نشاط سياسي اسلامي إلا عند انتصار الدولة الدينية في ايران عام 1979، لكن الثورة الاسلامية في ايران نفسها ورثت مجتمعا علمانيا استند على مفاهيم الدولة العلمانية غير المذهبية، مما جعل المجتمع الايراني يرى في مفاهيم المعتقد التشيعي نمط جديد للدولة، يرى فيه المواطن صيغ تعامل مذهبي، لقد انتج هذا التفكير لدى قادة النخبة التي عادت للعراق وقد تشربت من الفكر التشيعي وضع التاريخ الإسلامي برمته في اطار ايديولوجية التشيع، وقد فهموا ان مشكلة الدولة العراقية والحكم في العراق وعلى مدى تاريخه منذ تأسيس الدولة العراقية ” مشكلة طائفية ” عن قصد او غير قصد انتمت النخبة بالتبعية والولاء لتجربة الثورة الايرانية.
ان مفهوم التشيع للقيم الدينية الإسلامية قد اضعف بشكل شديد مفهوم عقيدة التسنن التي اعتمدت على التاريخ الإسلامي وقد جسدت محور الايمان واساس قيام الإسلام كفكر وحدوي غير طائفي. ادى الايمان المطلق بالتجربة الايرانية وبثورتها الى تحويل الاتجاه الديني للإسلام الى عقيدة التشيع التي حولت فيها المجتمع العراقي من مجتمع علماني اسلامي الى مجتمع حارب التسنن، الى الاتيان بمظاهر تخلف عديدة الى تقسيم المجتمع العراقي واضعاف الدولة الوطنية ليس فقط في تحويل تاريخها الوطني وانحرافها عن الخط المدني للدولة، الى تبعية قيادة الدولة للعناصر والمليشيات المسلحة التي فتكت بكيان الدولة وحولها الى مقرات ومؤسسات دينية تحاصر التسنن وتجد السبل في القضاء على رموزه الدينية. لقد تراجع دور العراق الدولي والوطني وانهارت مؤسساته كلما ازداد نفوذ تلك المجاميع اضعف دور الدولة وموقعها الدولي فتراجع العراق كدولة موحدة وحل محلها مجاميع تتخذ من مذهب التسنن العداء حتى بات حال الدولة تكتل سياسي طائفي لا غير.
لقد واجه الفكر العلماني واليساري، صراعا حقيقيا داميا على الساحة العراقية والإيرانية، في تطبيق المبدأ الجديد ” التشيع السياسي ” حتى باتت ايران تمتد بأذرعها الجهادية في اختراق امن واستقرار الدول الاضعف ان تسير في فلكها المذهبي. صار واضحا طبيعة التكتل السياسي في العراق القوى السياسية الشيعية المتنفذة في الساحة العراقية حتى ولد واقع جديد مثل الصراع الشيعي الشيعي، فصارت صيغة التعبير عن معنى الواقع العراقي لا تتم إلا بها .
اننا امام مشهد عقائدي مذهبي خطير حول تاريخ العراق برمته الى ميدان نزاع حتى جعل هدف النخبة الحفاظ فقط على مراكزها السلطوية مهما وصل حال العراق من ضياع وانهيار في القوانين الوطنية والحقوق المدنية. ان مصطلح التشيع السياسي طريقة تفكير الاسلام السياسي في العراق. وفق المفهوم الشيعي فان استبيان مضمونه العقائدي يمكن للإسلام السياسي ان يتجلى في فهم الفرق الإسلامية الشيعية لتبني هذه العقيدة ذلك ان الجماعات الإسلامية اعتمدت منهاج التسلح وحددت مفاهيمها في اطار محاربة التسنن في توجيه تلك المفاهيم للإسلام كدين تم تجهيزه كنظام فكري يجسد التشيع كعقيدة مركزية للدولة. التشيع وفق هذا المفهوم نظام واحكام و رؤية سياسية توسعية لعمل نظام سياسي يستلهم كيانه كنظام سياسي اسلامي، اذ ليست الاحكام الدينية في معرفة الله الخالق انما تشكيل مفهوم سياسي مستقل يجسد ذلك النظام في الايمان بالغيب. ان المفهوم الديني المجرد، الذي دعا اليه النبي محمد، هو غير مفهوم الايمان الغيبي وفق العقيدة النظرية للتدين، اي ان الله فكرة سياسية عقائدية تتمحور في ذاتها بحسب مفهوم التشيع. ان التجرد عن هذه الفكرة يكون ايمان المتشيع ناقصا بل ولا وجود في تاريخ التشيع، لهذا نشأ الصراع الشيعي الشيعي وفق تناقض او قصور الايمان بتغلغل مبدأ العقيدة الشيعية بين الافراد والجماعات، ادى هذا التوجه في عمق الشرخ الواسع بين عقيدة التشيع والتسنن، حتى بات المذهبان على طرفي نقيض لا يلتقيان مهما حاول الطرفان التوفيق عبر الرواسخ الايمانية التي بني على اساسها الإسلام وجوده.
لقد قدم لنا نموذج التشيع في ايران نوع الاسلام السياسي بأشكاله المتعددة، العراق، لبنان، اليمن، البحرين، سوريا، الى تصدير الثورة الايرانية عبر سياسة الخارجية الايرانية، الى العلاقة الايرانية في الربيع العربي، وما آلت اليه المرأة الشيعية في انهيار كيانها، في النجف، كربلاء، تجربة حزب الله في لبنان، وما قدمته الحوزات من تفرد وتضاد في العقيدة الدينية وهذا التحول الجديد للشباب وللجيل الجديد الذي ابتدأ في العراق بعد سقوط نظام الحكم العلماني الذي قاده صدام حسين ومؤسسته العسكرية. لقد اختلفت مواقف الشيعة العرب في العلاقة مع ايران، حتى انقسم ميول التشيع في العراق وايران بين الايمان والولاء او الرفض المطلق لإيران. انبثق جيل جديد بعد سقوط النظام العراقي وبعد وفاة السيد الخميني، جيل لم يعد ينتمي بالولاء والطاعة لمعتقدات التشيع، وقد تشكك الكثير منهم لمصير ايديولوجيا الثورة الإسلامية في ايران.
لقد ساهم الصراع الانثروبيولوجي في بناء الإنسان الاجتماعي والثقافي في تطوير الوعي في زرع الثقافات وتطوير ادائها في كل زمان ومكان، لقد قدمت الحضارات والمجتمعات البشرية عبر ادوارها العديدة الكثير من المعتقدات لهذا تسلح الجيل الجديد بالوعي الاجتماعي مفرزا تاريخ العقائد عن بناء الدولة الوطنية ومحاربة مظاهر التخلف التي جلبها الفكر التشيعي في التطبير ومظاهر العزاء في قم وكربلاء، الى غيرها من مظاهر التخلف. لقد انتج الفكر التشيعي تفاقم الامن وانهيار اجهزة الدولة وصار السلم الاجتماعي فكرا فوضويا عمل على تمزيق هوية الاوطان وانعدام هويتها التاريخية.
اننا امام صراع وجود ان نكون او لا نكون، اما ايمان الوحدة الوطنية والدولة التي تجعل القوانين سيد التعامل الدولي في اطار متزن او الغرق في عوالم التخلف المذهبي الذي جلب معه تراجع الدولة المدنية وانهيار طاقاتها الى تاريخ التخلف العقائدي، ذلك ان العقائد الراسخة تسلقت فوق التاريخ وتجمدت في فصولها انظمة الحكم المدني الى دولة معاصرة تستند على التاريخ المعاصر ونبذ التخلف الطائفي. ان محنة العصر تمثلت في انهيار الفكر الايديولوجي التشيعي، ومحاولة اتباعه التمسك بردائه بحماية مصالحهم الشخصية اطول مدى ممكن، ذلك ان الدين مؤسسة مالية واسعةكسبت من خلال ابقاء المعتقدات الموروث المالي كي يبقى الوهم التجارة الرائجة ليكون التشيع للنخبة الثروة والسلطة على حسب الدولة الوطنية. ان المطلوب من كل المنظمات اليسارية والعلمانية وكل اصحاب الفكر التقدمي محاربة مظاهر التشيع في فكره السياسي المبرمج وقطع دابر اذرع التشيع في الدول التي تدور في فلك ايديولوجية ولاية الفقية، وتحويل مسارها التسلحي الى قيام دول تنتهج وعي الفكر الوطني، اننا امام مسؤولية تاريخية في اعادة مجد الدولة الوطنية وازالة جذور الطائفية ليصبح في مقدور النخبة الوطنية تأسيس الدستور الوطني واعادة بناء الدولة التي انهار بنائها عام 2003 في العراق، بعد الاحتلال الامريكي.
لقد عبر العام 2006 في العراق انطلاق اول بذرة النزاع الطائفي في بغداد، لم يكن النزاع الطائفي في حقيقته فصل التركيبة الاجتماعية بين السنة والشيعة، ذلك ان التمازج الاجتماعي لم يفرق وقتئذ بين ماهو سني وشيعي، لكن النظام الجديد انتج مشكلة اجتماعية حقيقية في فصل المجتمع على اساس الولاء للمذهب، فتطور النزاع الطائفي في العام 2007 اذ بدأت عناصر تنظيم القاعدة بتفخيخ السيارات وتفجيرها، وقد تسببت تلك التفجيرات مقتل آلاف العراقيين بطرق عشوائية لم تفرق بين الشيعة والسنة، كانت تشبه الىى حد بعيد هولوكوست اضطهاد اليهود بشكل ممنهج في الحرب العالمية الثانية واستهدافهم كقومية بهدف حرقهم وابادتهم جماعيا في اكبر عملية اضطهاد عرفها تاريخ المانيا النازية، وقع للشعب العراقي هولوكوست طائفي. في ذلك التاريخ ابتدأ النزاع بين حزب الدعوة والسنة، كان مبدأ حزب الدعوة عدم المصالحة وكان رفضهم في الاتحاد مع جهود الحركات اسلامية حتى انه حارب في ستينات القرن الماضي تنظيمات الشباب المسلم واتهمهم بعدم الخضوع للشرعية المرجعية ذلك ان التنظيمات كانت سنية الاتجاه، فصار التسنن بحسب حزب الدعوة عمل خارج عن الإسلام، لقد كان السيد محمد باقر الصدر يخاطب شعب العراق ” يا ابناء علي والحسين وابناء ابي بكر وعمر ان الحكم السني الذي مثله الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم على اساس الاسلام والعدل حمل علي السيف للدفاع عنه اذ حارب جنديا في حروب الردة تحت لواء الخليفة الاول ابي بكر ... ان الحكم السني الذي كان يحمل راية الإسلام قد افتى علماء الشيعة قبل نصف قرن بوجود الجهاد من اجله ... من اجل حماية الحكم السني الذي كان يقوم على اساس الإسلام ” (1) السيد مرتضى العسكري والشيخ مهدي الآصفي، اتهموا جماعة محمد هادي السبيتي بالتعاطف مع الطائفة السنية ذلك ان السبيتي في عام 1980 كتب بيان التفاهم ذلك انه وصف حكم العراق يجب ان يكون على اساس المواطنة فقط، اي ان الولاء للعراق وليس للمذهب، لقد خالف كلام السبيتي عقيدة السيد محمد باقر الصدر الذي دعا لقيام دولة اسلامية لهذا تم ابعاد السبيتي من حزب الدعوة لانها رؤيا خالفت نظرية ولاية الفقيه.
لقد اكد الواقع العملي لقادة حزب الدعوة ان فهمهم للمشكلة السياسية في العراق ينطلق من مبدأ الطائفة ولا علاقة له بالانتماء للوطن. لقد قدم بيان شيعة العراق بعد سقوط النظام عبر بشكل صريح عن النظرة الطائفية لحزب الدعوة الذي اكد على شرعية تفرد نظام الحكم الشيعي في العراق لهذا انهارت قيمة المواطنة والعدالة الإجتماعية، لم يكن فقط حزب الدعوة المسؤول عن تدهور قيم المواطنة، انما كان هناك قادة سياسيين سنة اشرار في حكم السياسة العراقية، لقد واجه السنة مباشرة بعد سقوط النظام العراقي عام 2003 فقدان هويتهم السياسية ووجودهم ككتلة وطنية، لقد كان الخطاب القومي العروبي يمثل السنة منذ تأسيس الدولة العراقية حتى سقوط نظام حزب البعث على يد القوات الامريكية. برز بشكل مباشر الخطاب السني مقابل خطاب قادة الشيعة الطائفي وقد انتج هذا التوجه التحول من الخطاب العروبي الى الخطاب السني الطائفي. لقد ترسخ الخطاب السني لشخصيات مثلت الحزب الإسلامي العراقي او مثلت هيئة علماء المسلمين. كان للشيعة برنامج متكامل بهدف السيطرة على نظام الحكم المدعوم من قبل السيد السستاني، بينما كان هدف الطائفة السنية مقاومة المحتل. لقد توسعت دائرة الصراع الطائفي بين السنة والشيعة عند دخول تنظيم القاعدة للعراق وابو مصعب الزرقاوي، فلقد اعلن الزرقاوي الحرب على الطائفة الشيعية اذ قال ” اذا نجحنا في جرهم – اي الشيعة – الى ميدان حرب طائفية فسيكون من الممكن ايقاظ السنة النيام اذ انهم سيشعرون بخطر داهم وابادة وشيكة على يد هؤلاء الشيعة ” (2) لقد تعرض الشيعة الى مئات العمليات الارهابية التي تم دعمها من القاعدة منذ سقوط النظام الى العام 2005 تم تفجير مراقدهم الدينية ومدنهم الى مظاهر قتل فريدة وبأساليب امعنت في استرخاص الدم العراقي، وقد اشير بالمقابل ان منظمة بدر التي اتهمت بقتل السنة قد قامت بقتل العديد من ضباط السنة في الجيش العراقي وقد كانت العديد من السجون السرية التي احتوت العديد من السنة تعرضوا للتعذيب والقتل بلا محاكمة، حتى ادخل باقر جبر وزير الداخلية قوات بدر وجيش المهدي فتم تشكيل مغاوير الداخلية وظهرت في العام 2005 فرق الموت في الواقع العراقي كان هدف هذه الفرق اعتقال وتعذيب السنة وقتلهم.
لقد تعرضت بغداد نفسها بين الكرخ والرصافة الى التقسيم والصراع الطائفي فنجحت منظمة بدر اختراق المناطق السنية في الكرخ، فقام على سبيل المثال بتطهير مدينة الحرية بكل اقسامها، فقام بتصفية المناطق السنية بأعلى اساليب العنف فقامت بتصفية حي العامل، حي الاعلام، حي الجهاد، والبياع من السنة، لكن بقيت مناطق العامرية، الغزالية، الدورة، صعب اختراقها على فيلق بدر وجيش المهدي، على ان منطقة الرصافة تم تقسيمها بين جيش المهدي ومنظمة بدر، عدا منطقة الاعظمية فبدأت الحواجز الاسمنتية تفصل بين الطائفتين لتقليل الصراع بينهما. لقد اظهر الصراع السني الشيعي في العراق، لم يكن طائفيا في حقيقته انما سياسي كما اعلنه حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين، في مؤتمر اسطنبول لنصرة الشعب العراقي وقد اعلن الدكتور عدنان الدليمي ان هذا الصراع فارسي هدفه القضاء على اهل السنة. من خلال استعراض سيناريو الصراع على هرم السلطة، تبين بشكل لا يقبل الشك، ان التوجه الديني الطائفي شكل سياسي ونموذج قمعي بهدف تحويل نظام الحكم من كيان الدولة المدنية الى تشكيلات طائفية مسلحة لم تمثل الاسلوب الحضاري للدولة انما تطبيق مظاهر كيان سياسي عنيف للسيطرة على المال العام بكل ما يحتويه من موارد تتحول ارصدتها الى حسابات اقليمية خارج حدود الوطن المغتصب. اننا امام دولة عراقية تحتضر طوال تلك السنين منذ عام 2003 لم تمتلك قادة في الفكر الاقتصادي الوطني، لم تمتلك ادنى تصور للدولة المدنية، بل تحولت مدن العراق الى مجاميع طائفية تنفق مليارات الدولارات على مناسبات دينية.
ادت عقود العنف والاضطراب الاجتماعي في العراق بعد سقوط النظام الى تفكيك الهوية العراقية وازالة الحد الفاصل بين التدين والتدنس، حتى باتت الهوية الشيعية العلمانية تتضائل باستمرار وتوسع بدلا عنها التدين السياسي. لقد عانى الفكر العلماني حالة اغتراب وانفصال عن المجتمع فما كان امام هذا الفكر إلا افساح المجال للحياة السياسية في اطارها المتدين، فالتدين الشيعي قام على المعرفة في الشق المتعصب والشق الآخر في استغلال السلطة الدينية لصالح الاقارب ولعائلة النخبة الحاكمة. لقد اتضحت معالم انهيار الدولة بشكل سريع بعد سقوط النظام فصار خط التشيع المساند للاحتلال الامريكي متبنياً خطاب الكراهية في عموم المجتمع العراقي فانتشرت التكتلات الطائفية العرقية العشائرية لا علاقة لها بالنظام المدني للدولة ومؤسساتها، ثم دعم المعارضة العراقية التي جسدت شكلا لا مضموناً، لم يكن هناك ادنى تفسير منطقي في الولاء لأحمد الجلبي في انه اول من قدم للعراق على متن مصفحة امركية، لم نعلم كذلك من نوري المالكي، احمد نوري المالكي، ولا سبب هيمنة عمار الحكيم لثقله السياسي رغم فقدان كفائته السياسية ولم يمتلك غير ميوله الدينية، ولا محمد ناصر الكربولي ان يكون عضوا في البرلمان العراقي ولا اهميته في الحياة السياسية، كذلك يثير التساؤل حول محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب العراقي فما علاقة دوره السياسي في الهندسة المدنية، وكونه عضو في اتحاد رجال الاعمال العراقيين، فما اهمية هذا الرجل في صناعة قوانين الدولة العراقية؟ وما اهمية اسامة النجيفي الذي شغل منصب رئيس مجلس النواب العراقي الحاصل على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية؟ فما علاقة تحصيله العلمي كسياسي في بناء دولة مدنية؟ كذلك السيد اياد علاوي واسرته واقربائه خارج وداخل العراق ما علاقتهم بحكم العراق؟ لماذا تحكمت اسرة محمد بحر العلوم بالمناصب الدبلوماسية والسفارات، ولماذا هيمن هادي العامري على مطار بغداد وقد كان مع القوات الايرانية في قتال العراقيين؟ ثم لماذا احتكر مسعود البارزاني العمل السياسي في شمال العراق وفرض سيطرته كرئيس دولة داخل العراق؟ حتى ان الشعب العراقي لم يعرف للآن ماهي حقيقة محمد رضى السستاني، فما علاقة رجل دين بالسياسة؟ ان الامر اظهر بوضوح نفوذ عوائل وتشكيلات مسلحة فلم توجد دولة منذ سقوط بغداد عام 2003 ؟
ان الجواب على هذا السؤال يتمثل في تاريخ العوائل العراقية التي ورثت السياسة العراقية من اصول عشائرية لا علاقة لها بالفكر السياسي، احمد الجلبي ابن عبدالهادي الجلبي ومسعود برزاني ابن ملا مصطفى مسعود برزاني، وعدنان الباججي ابن مزاحم الباججي، فلقد كان تشكيل الوزارات اغلبها تم تشكيلها في العهد الملكي الى سقوط النظام عن طريق الاصهار والاقرباء وكل هؤلاء لا علاقة لهم بسياسة الدولة العراقية. لم تكن جميع المناصب الوزارية هدفها بناء دولة، انما كانت مناصب استندت اصلا على خلفيات عشائرية، وعائلية، كذلك لم يتغير شكل العراق في العهد الجمهوري، كان نظام عسكري هدفه فقط قلب النظام الملكي فلقد كان عبدلكريم قاسم وابن خالته فاضل عباس المهداوي الذي تسلم منصب رئيس محكمة الشعب، فلقد اصدر احكام اعدام لخصومه، ثم ظهرت سلطة رجل الدين السيد محسن الحكيم، محمد باقر الحكيم وعبدالعزيز الحكيم وجد عمار الحكيم. لم يكن الفكر الديني مجهزاً بوعي التزام مبدأ قيام دولة. لقد ظهر عمار الحكيم في حكم العراق، ومعه الطاقم الديني الموسع في شخص مقتدى الصدر، ونوري المالكي، الجعفري، الكاظمي، وكلهم تشكلوا من طريقة التفكير الدينية في اطار ابتزاز قدرات العراق وتحويل المال العام في اتجهات سياسة التشيع، الصورة نفسها تتكرر مأساتها في التخبط بقيام دولة بعد انقلاب 17 من تموز عام 1968 وعودة حزب البعث للسلطة، فعلي حسن المجيد وحسين كامل تسلما منصب وزارة الدفاع وعدي صدام حسين استلم منصب نقابة الصحفيين وله فصيل مسلح يسمى فدائيي صدام وقصي صدام حسين يتسلم قيادة الحرس الخاص، كذلك عودة الحكم العشائري في برزان ابراهيم الحسن و وطبان ابراهيم الحسن، فصار نظام الحكم العشائري لصدام حسين بكل ما يتصل بنظامه العشائري، اين مفهوم الدولة؟ اين نظام الدولة وقوانينها وشخصياتها وتاريخها وكيانها في الكتلة الدينية والعشائرية؟ لم يكتب في تاريخ العراق قيام دولة منذ عام 1921 العهد الملكي حتى سقوط النظام الجمهوري 2003 فتاريخ جميع العوائل التي لها علاقة بنظام حكم العراق لها جذور تاريخية في العراق ارتبطت بالصراع على السلطة، لم يتيح الحكم العشائري والديني الفرصة لمفكر اقتصادي كعبدالرحمن البزاز، العقلية الاقتصادية والقانونية الكبرى التي كانت مؤهلة لتطوير العراق كنظام دولي لقد كان عميدا لكلية التجارة والاقتصاد وله العديد من الكتب في القضايا القانونية والسياسية والاجتماعية والفكرية وعميد لكلية الحقوق في جامعة بغداد، ان انتهى به الامر عام 1968 الى الاعتقال في قصر النهاية وتعرض في السجن الى عمليات تعذيب قاسية واصيب بجلطة دماغية افقدته القدرة على الحركة الى ان توفى. ان هدف قيام دولة مدنية تواكب العصر بكل ما يحمل من منطقات تنموية بحاجة قبل كل شي تربية جيل قادر على الانسلاخ من واقع الولاءات العائلية والقومية والميول الدينية، فمازال الطريق طويل امام عراق الغد كي يتحرر من تبعية الولاء الديني الى تبعية الدولة التقدمية ذو النظام المدني المبدع.

مصادر البحث:
1 - مباحث الاصول، القسم الثاني، السيد كاظم الحائري، الجزء 1 ص 138 .
2 – احتلال العراق، ربح الحرب وخسارة السلام، علي عبدالامير علاوي، ص 350 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف


.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد




.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال


.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا




.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة