الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آية حيرت المفسرين - يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ

سامي الذيب
(Sami Aldeeb)

2023 / 9 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تقول المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء". وأضافت المادة الثانية: "لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر". ما مدى التزام القرآن بهذه المبادئ، خاصة فيما يتعلق باللون؟

نقرأ في آيتين:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (م50-17: 70).
«وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ» (84-30: 22).

فهم الآية الأخيرة لدى المفسرين:
--------------------
المنتخب الصادر عن الأزهر:
ومن الدلائل على كمال قدرته وحكمته خلق السموات والأرض على هذا النظام البديع، واختلاف ألسنتكم فى اللغات واللهجات، وتباين ألوانكم فى السواد والبياض وغيرهما. إن فى ذلك لدلائل ينتفع بها أهل العلم والفهم.

التحرير والتنوير لإبن عاشور:
وإذ قد كان أشرف ما على الأرض نوع الإنسان قرن ما في بعض أحواله من الآيات بما في خلق الأرض من الآيات، وخُص من أحواله المتخالفة لأنها أشد عبرة إذ كان فيها اختلاف بين أشياء متحدة في الماهية، ولأن هاته الأحوال المختلفة لهذا النوع الواحد نَجد أسباب اختلافها من آثار خلق السماوات والأرض، فاختلاف الألسنة سببه القرار بأوطان مختلفة متباعدة، واختلاف الألوان سببه اختلاف الجهات المسكونة من الأرض، واختلاف مسامته أشعة الشمس لها؛ فهي من آثار خلق السماوات والأرض. ولذلك فالظاهر أن المقصود هو آية اختلاف اللغات والألوان وأن ما تقدمه من خلق السماوات والأرض تمهيد له وإيماء إلى انطواء أسباب الاختلاف في أسرار خلق السماوات والأرض. وقد كانت هذه الآية متعلقة بأحوالٍ عرضية في الإنسان ملازمة له فبتلك الملازمة أشبهت الأحوال الذاتية المطلقة ثم النسبية، فلذلك ذكرت هذه الآية عقب الآيتين السابقتين حسب الترتيب السابق. وقد ظهر وجه المقارنة بين خلق السماوات والأرض وبين اختلاف ألسن البشر وألوانهم
... وأما اختلاف ألوان البشر فهو آية أيضاً لأن البشر منحدر من أصل واحد وهو آدم، وله لون واحد لا محالة، ولعله البياض المشوب بحمرة، فلما تعدد نسله جاءت الألوان المختلفة في بشراتهم وذلك الاختلاف معلول لعدة علل أهمها المواطن المختلفة بالحرارة والبرودة، ومنها التوالد من أبوين مختلفي اللون مثل المتولد من أم سوداء وأب أبيض، ومنها العلل والأمراض التي تؤثر تلويناً في الجلد، ومنها اختلاف الأغذية ولذلك لم يكن اختلاف ألوان البشر دليلاً على اختلاف النوع بل هو نواع واحد، فللبشر ألوان كثيرة أصلاها البياض والسواد، وقد أشار إلى هذا أبو علي ابن سينا في «أرجوزته» في الطب بقوله:
بالنزج حرّ غيَّر الأجساد حتى كسا بياضها سَوادا
والصقلبُ اكتسبت البياضا حتى غدتْ جلودها بِضاضا
وكان أصل اللون البياض لأنه غير محتاج إلى علة ولأن التشريح أثبت أن ألوان لحوم البشر التي تحت الطبقة الجلدية متحدة اللون. ومن البياض والسواد انشقت ألوان قبائل البشر فجاء منها اللون الأصفر واللون الأسمر واللون الأحمر

إلا أنا نجد في القرآن تمييز على أساس اللون، فالمؤمن لونه أبيض، والكافر لونه أسود، كما في الآيات التالية:
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (هـ89-3: 106-107).
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (م59-39: 60).
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (م63-43: 17).

فهم الآيتين هـ89-3: 106-107 لدى المفسرين:
------------------
المنتخب الصادر عن الأزهر:
ذلك العذاب العظيم فى اليوم الذى تبيض بالسرور فيه وجوه المؤمنين، وتسود بالكآبة والحزن وجوه الكافرين، ويقال لهم توبيخاً: أكفرتم بعد أن فطرتم على الإيمان والإذعان للحق وجاءتكم البينات عليه؟، فذوقوا العذاب بسبب كفركم.
وأما الذين ابيضت وجوههم سروراً بما بشروا به من الخير، ففى الجنة التى رحمهم الله بها هم فيها خالدون.

مفاتيح الغيب التفسير الكبير للرازي
هذه الآية لها نظائر منها قوله تعالى: { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } [الزمر: 60] ومنها قوله { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } [يونس: 26] ومنها قوله { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَـٰحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } [عبسى: 38 ـ 41] ومنها قوله { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } } [القيامة: 22 ـ 25] ومنها قوله { تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } } [المطففين: 24] ومنها قوله { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـٰهُمْ } [الرحمٰن: 41].
إذا عرفت هذا فنقول: في هذا البياض والسواد والغبرة والقترة والنضرة للمفسرين قولان أحدهما: أن البياض مجاز عن الفرح والسرور، والسواد عن الغم، وهذا مجاز مستعمل، قال تعالى: { وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ } [النحل: 58] ويقال: لفلان عندي يد بيضاء، أي جلية سارة، ولما سلم الحسن بن علي رضي الله عنه الأمر لمعاوية قال له بعضهم: يا مسود وجوه المؤمنين، ولبعضهم في الشيب.
يا بياض القرون سودت وجهي عند بيض الوجوه سود القرون
فلعمري لأخفينك جهدي عن عياني وعن عيان العيون
بسواد فيه بياض لوجهي وسواد لوجهك الملعون
وتقول العرب لمن نال بغيته وفاز بمطلوبه: ابيض وجهه ومعناه الاستبشار والتهلل وعند التهنئة بالسرور يقولون: الحمد لله الذي بيض وجهك، ويقال لمن وصل إليه مكروه: إربد وجهه واغبر لونه وتبدلت صورته، فعلى هذا معنى الآية أن المؤمن يرد يوم القيامة على ما قدمت يداه فإن كان ذلك من الحسنات ابيض وجهه بمعنى استبشر بنعم الله وفضله، وعلى ضد ذلك إذا رأى الكافر أعماله القبيحة محصاة اسود وجهه بمعنى شدة الحزن والغم وهذا قول أبي مسلم الأصفهاني.
والقول الثاني: إن هذا البياض والسواد يحصلان في وجوه المؤمنين والكافرين، وذلك لأن اللفظ حقيقة فيهما، ولا دليل يوجب ترك الحقيقة، فوجب المصير إليه، قلت: ولأبي مسلم أن يقول: الدليل دل على ما قلناه، وذلك لأنه تعالى قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَـٰحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } فجعل الغبرة والقترة في مقابلة الضحك والاستبشار، فلو لم يكن المراد بالغبرة والقترة ما ذكرنا من المجاز لما صح جعله مقابلاً، فعلمنا أن المراد من هذه الغبرة والقترة الغم والحزن حتى يصح هذا التقابل، ثم قال القائلون بهذا القول: الحكمة في ذلك أن أهل الموقف إذا رأوا البياض في وجه إنسان عرفوا أنه من أهل الثواب فزادوا في تعظيمه فيحصل له الفرح بذلك من وجهين أحدهما: أن السعيد يفرح بأن يعلم قومه أنه من أهل السعادة، قال تعالى مخبراً عنهم { يٰلَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } [يس: 26، 27] الثاني: أنهم إذا عرفوا ذلك خصوه بمزيد التعظيم فثبت أن ظهور البياض في وجه المكلف سبب لمزيد سروره في الآخرة وبهذا الطريق يكون ظهور السواد في وجه الكفار سبباً لمزيد غمهم في الآخرة، فهذا وجه الحكمة في الآخرة، وأما في الدنيا فالمكلف حين يكون في الدنيا إذا عرف حصول هذه الحالة في الآخرة صار ذلك مرغباً له في الطاعات وترك المحرمات لكي يكون في الآخرة من قبيل من يبيض وجهه لا من قبيل من يسود وجهه، فهذا تقرير هذين القولين.
المسألة الثالثة: احتج أصحابُنا بهذه الآية على أن المُكلَّف إما مؤمن وإما كافر، وأنه ليس ههنا منزلة بين المنزلتين كما يذهب إليه المعتزِلة، فقالوا: إنه تعالى قسم أهل القيامة إلى قسمين منهم من يبيض وجهه وهم المؤمنون، ومنهم من يسود وجهه وهم الكافرون ولم يذكر الثالث، فلو كان ههنا قسم ثالث لذكره الله تعالى قالوا وهذا أيضاً متأكد بقوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَـٰحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ } } [عبس: 38 ـ 42].
أجاب القاضي عنه بأن عدم ذكر القسم الثالث لا يدل على عدمه، يبين ذلك أنه تعالى إنما قال: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } فذكرهما على سبيل التنكير، وذلك لا يفيد العموم، وأيضاً المذكور في الآية المؤمنون والذين كفروا بعد الإيمان ولا شبهة أن الكافر الأصلي من أهل النار مع أنه غير داخل تحت هذين القسمين، فكذا القول في الفساق.
واعلم أن وجه الاستدلال بالآية هو أنا نقول: الآيات المتقدمة ما كانت إلا في الترغيب في الإيمان بالتوحيد والنبوّة وفي الزجر عن الكفر بهما ثم إنه تعالى اتبع ذلك بهذه الآية فظاهرها يقتضي أن يكون ابيضاض الوجه نصيباً لمن آمن بالتوحيد والنبوّة، واسوداد الوجه يكون نصيباً لمن أنكر ذلك، ثم دل ما بعد هذه الآية على أن صاحب البياض من أهل الجنة، وصاحب السواد من أهل النار، فحينئذ يلزم نفي المنزلة بين المنزلتين، وأما قوله يشكل هذا بالكافر الأصلي فجوابنا عنه من وجهين الأول: أن نقول لم لا يجوز أن يكون المراد منه أن كل أحد أسلم وقت استخراج الذرية من صلب آدم؟ وإذا كان كذلك كان الكل داخلاً فيه والثاني: وهو أنه تعالى قال في آخر الآية {فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } فجعل موجب العذاب هو الكفر من حيث إنه كفر لا الكفر من حيث أنه بعد الإيمان، وإذا وقع التعليل بمطلق الكفر دخل كل الكفار فيه سواء كفر بعد الإيمان، أو كان كافراً أصلياً والله أعلم.
ثم قال: {فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } وفي الآية سؤالات:
السؤال الأول: أنه تعالى ذكر القسمين أولاً فقال: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } فقدم البياض على السواد في اللفظ، ثم لما شرع في حكم هذين القسمين قدم حكم السواد، وكان حق الترتيب أن يقدم حكم البياض.
والجواب عنه من وجوه: أحدها: أن الواو للجمع المطلق لا للترتيب وثانيها: أن المقصود من الخلق إيصال الرحمة لا إيصال العذاب، قال عليه الصَّلاة والسَّلام حاكياً عن رَبِّ العزة سبحانه: "خلقتهم ليربحوا علي لا لأربح عليهم" وإذا كان كذلك فهو تعالى ابتدأ بذكر أهل الثواب وهم أهل البياض، لأن تقديم الأشرف على الأخس في الذكر أحسن، ثم ختم بذكرهم أيضاً تنبيهاً على أن إرادة الرحمة أكثر من إرادة الغضب كما قال: "سبقت رحمتي غضبي" وثالثها: أن الفصحاء والشعراء قالوا: يجب أن يكون مطلع الكلام ومقطعه شيئاً يسر الطبع ويشرح الصدر ولا شك أن ذكر رحمة الله هو الذي يكون كذلك فلا جرم وقع الابتداء بذكر أهل الثواب والاختتام بذكرهم.

التحرير والتنوير لإبن عاشور:
في تعريف هذا اليوم بحصول بياض وجوه وسواد وجوه فيه، تهويل لأمره، وتشويق لما يرِد بعده من تفصيل أصحاب الوجوه المبيضّة، والوجوه المسودّة: ترهيباً لفريق وترغيباً لفريق آخر. والأظهر أن عِلْم السامعين بوقوع تبييض وجوه وتسويد وجوه في ذلكَ اليوم حاصل من قبل: في الآيات النازلة قبل هذه الآية، مثل قوله تعالى: { ويوم القيامة ترى الَّذين كذبوا على الله وجوههم مسودّة } [الزمر: 60] وقوله: { وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذٍ عليها غبرة ترهقها قترَة } [عبس: 38 ـــ 41].
والبياض والسواد بياض وسواد حقيقيان يوسم بهما المؤمن والكافر يوم القيامة، وهما بياض وسواد خاصّان لأن هذا من أحوال الآخرة فلا داعي لصرفه عن حقيقته.
وقوله تعالى: {فأما الذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم} تفصيل للإجمال السابق، سُلك فيه طريق النشَّر المعكوس، وفيه إيجاز لأنّ أصل الكلام، فأمّا الَّذين اسودّت وجوههم فهم الكافرون يقال لهم أكفرتم إلى آخر: وأمّا الَّذين ابيضّت وجوههم فهم المؤمنون وفي رحمة الله هم فيها خالدون.
قدّم عند وصف اليوم ذكر البياض، الَّذي هو شعار أهل النَّعيم، تشريفاً لذلك اليوم بأنَّه يوم ظهور رحمة الله ونعمته، ولأنّ رحمة الله سبقت غضبه، ولأنّ في ذكر سمة أهل النَّعيم، عقب وعيد بالعذاب، حسرةً عليهم، إذ يعلم السَّامع أنّ لهم عذاباً عظيماً في يوم فيه نعيم عظيم، ثُمّ قُدّم في التفصيل ذكر سمة أهل العذاب تعجيلاً بمساءتهم.

تعليق الأستاذ مجدي حسين أستاذ اللغة العربية في جامعة الإسكندرية في كتابه "التفسير التأويلي":
هل بياض الوجوه يدل على الإيمان والعكس؟ ولماذا لا تكون وجوه المسلمين بيضاء؟ وهل أصحاب الوجوه السوداء بالضرورة في النار؟ وما موقف أصحاب الأعراف؟ وما لون وجوههم؟ وهل أصحاب البشرة البيضاء من المؤمنين مآلهم إلى النار؟ وهل سواد الوجوه نوع من العذاب؟ وهل كل كافر سبق له الإيمان بالضرورة؟
تشير الآية إلى أن العذاب العظيم سيكون في يوم تبيض فيه وجوه المؤمنين وتسود وجوه الكافرين، ودائمًا ما يقترن الإيمان ببياض الوجه والكفر بسواده نحو: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر: 60]، ومنها قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ) [عبس: 38- 41] مما استدعى معه أن نطرح هذا الكم من الأسئلة، والمشاهَد أن جموع المسلمين أميل إلى اللون الأسود وهم المستضعفون في الأرض وعلى خلاف ذلك بشرة غيرهم من اللاهين والعابثين، وبالطبع سيكون الجواب أن هذا على سبيل الاستعارة والمجاز ولا أدري ما معنى الاستعارة هنا! هل ما أخبر به سبحانه لن يحدث وهو مجرد تمثيل أو كما يقال للأطفال بالعامية (كدِا وكدِا)؟
قال ابن عاشور: والبياض والسواد بياض وسواد حقيقان يوسم بهما المؤمن والكافر يوم القيامة، وهما ببياض وسواد خاصان لأن هذا من أحوال الآخرة فلا داعي لصرفه عن حقيقته.
إن هذا البياض والسواد يحصلان في وجوه المؤمنين والكافرين وذلك لأن اللفظ حقيقة فيهما، ولا دليل يوجب ترك الحقيقة، فوجب المصير إليه، والحكمة في ذلك أن أهل الموقف إذا رأوا البياض في وجه إنسان عرفوا أنه من أهل الثواب فزادوا في تعظيمه فيحصل له الفرح بذلك.
قيل: ذلك حين يبعثون من قبورهم تكون وجوه المؤمنين مبيضة ووجوه الكافرين مسودة، ويقال إن ذلك عند قراءة الكتاب، إذا قرأ المؤمن كتابه فرأى في كتابه حسناته استبشر وابيض وجهه، وإذا قرأ الكافر والمنافق كتابه فرأى فيه سيئاته اسود وجهه، ويقال: إن ذلك عند الميزان إذا رجحت حسناته ابيض وجهه، وإذا رجحت سيئاته اسود وجهه، ويقال ذلك عند قوله تعالى: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) [يس: 59].
قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السُنّة وتسود وجوه أهل البدعة، وقال ابن عطاء: تبيض وجوه المهاجرين والأنصار، وتسود وجوه بني قريظة والنضير، وقال أبي بن كعب: الذين اسودت وجوههم هم الكفار، وقيل لهم: أكفرتم بعد إيمانكم لإقراركم حين أخرجتم من ظهر آدم كالذرّ، وقيل في المنافقين، وقيل في المرتدين، وقيل هم قوم من أهل الكتاب كانوا مصدقين بأنبيائهم مصدقين بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث فلما بُعث عليه السلام كفروا به.

فما رأيكم زاد فضلكم؟
----------

مقتطف من كتابي
القرآن الكريم
بالتسلسل التاريخي وفقًا للأزهر
ويتضمن الرسم السرياني والكوفي والإملائي والعثماني مع علامات الترقيم الحديثة ومصادر القرآن وأسباب النزول والقراءات المختلفة والناسخ والمنسوخ والمعاني والأخطاء اللغوية والقراءة السريانية والعبرية
يمكن تحميل هذا الكتاب من هذا الرابط
https://www.academia.edu/66901372








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرازي
عبد الحسين سلمان ( 2023 / 9 / 24 - 13:16 )
تحياتي الحارة استاذنا العزيز ؟

حضرتكم تسأل هذا السؤال:
فما رأيكم زاد فضلكم؟

والجواب : عندنا في العراق نقول للشخص السيء ( سود الله وجهك)
وانا اميل مع ميلان الرازي
أن البياض مجاز عن الفرح والسرور، والسواد عن الغم


2 - ألعبد الاسود الرذيل في تأبين مقتل الحسين
د. لبيب سلطان ( 2023 / 9 / 24 - 21:53 )
في قراءة على الراديو كل يوم 10 عاشوراء في العراق تقليد اذاعة قراءة مقتل واستشهاد الامام الحسين في واقعة الطف، و طالما وانا شابا ما لفت انتباهي مقطعا يوصف فيه قارئ المقتل المشهور الشيخ باسم الحسيني( اذا لم تخني الذاكرة ) الذي له صوتا يبكي الملايين ان هناك رجلا اسود كان عبدا شهد الموقعة وهرب لينضم ويقاتل في صفوف الامام لنصرته وينسب للقارئ ان الحسين خاطب مقاتلين من جيش ابن زياد قائلا ان كنتم احرارا في دنياكم الخ ويذكرالقارئ بانخياز العبد للحسين ويقول - فها هو عبد اسود رذيل مجهول النسب وقد وقف كالحر مع ابا عبد الله يوم
محنته وقاتل حتى قتل
الواقع ان العنصرية متجذرة في ذهنية العرب تجاه السود واعتقد انها لحد اليوم هي كذلك خصوصا في مناطق الجزيرة والخليج والا كيف امكن لهذا الشيخ الحسيني ان يلفظ كلمة عبد اسود رذيل حتى احتراما لتضحيته وموقفه النبيل ولكن ما قاله هو الشائع في وعي عامة الناس واصله بلا شك نابع من الدين ومن الشعر والا كيف قال المتنبي لا تشتري العبد الا والعصا معه ..انهم مناجيس


3 - احتقار الاسود واعتباره عبدا انحطاط يكمن في اعماق ت
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 9 / 25 - 09:00 )
في اعماق تربيتنا للاسف الشديد وحتى لدى افراد وعوائل تعتبر مناضله او واعيه- اقول هذا تثنية لما ذكره اعلاه الصديق العزيز دكتور لبيب-وباختصار ادون هنا الحدث التالي -برز في البصرة بل وعلى نظاق العراق مواطن بصري في الفنون وقدم اعمالا راقيه كمخرج وصار شخصية اجتماعية محترمه ومحبوبه ولكني في يوم وانا احادث احد اقربائي علمت باءن زوجة هذا الفنان هي اخت لاقرب قريباتنا فتساءلت ولماذا لم التق بها - فقيل لي لان العائله جميعا تقاطعها لانه تزوجت فلان الفلاني-فاستغربت وقلت ان هذا الفلان شخصيه ثقافيه كبرى وهو رجل بكل المعايير العقلانيه شريف وفاضل فقيل لي بسرعه -ولكن اصله عبد -والعبد عند محدثي واهل البصره كل من انحدر من اصول افريقية سوداء وذالك رغم مرود عشرات الاجيال على ذالك وحتى انك بالكاد تلاحظ سوادا في لونه ولا يفيد اي تفسير -فاءصله افريقي-يا لتعاسة الحشو الردئ في تكويننا التربوي-تحياتي


4 - بسيطة
احمد علي الجندي ( 2023 / 10 / 7 - 23:06 )
اولا جمهور المفسرين ان البياض والسواد مجازي
ومن قال بغير ذلك لم يتتبع المفسرين
وسبب ارتفاع نسبة القول انه على الحقيقة
تبني الزمخشري لهذا القول مما ادى الى ان يصبح قول الجمهور عند البعض مثل الالوسي وابن حيان الاندلسي
والطنطاوي
وفي الحقيقة الجمهور بين القول انه على المجاز او التفويض
ثانيا
لي في ذلك ثلاثة ابحات والتي وصلت فيها الى ان الغالبية على تحميلها للمجاز
ثالثا
2 الثعلبي : -وقال أهل المعاني : ابيضاض الوجوه : إشراقها واستبشارها وسرورها بعملها وثواب الله عز وجل ، واسودادها حزنها وكآبتها وكسوفها بعملها وبعذاب الله تعالى يدل عليه :

3 مكي بن ابي طالب : -ومعنى تبيض : تشرق كما قال : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ )( {[10568]} ) فهي تشرق لما تصير إليه من [ النعيم( {[10569]} ) ، وتسود وجوه من أجل ما تصير إليه ]( {[10570]} ) من العذاب . -


5 - رد سريع
احمد علي الجندي ( 2023 / 10 / 7 - 23:08 )
اولا
لا لم تحير المفسرين
فالمفسرين بين ثلاثة أراء
1
التغير باللون مجازي
2
التغير باللون حقيقي
3
التفويض اي ترك المعنى كما هو

ثانيا
الاختلاف في التفسير موجود عند المسيحين واليهود فهل نقول عدد حير المفسرين
ولا يكاد عدد لا يوجد في تفسيره اختلاف

ثالثا
غالبية المفسرين الاوائل على التفويض اي لم يتعرضوا الى معنى البياض والسود
وبعدها على المجاز
ولكن لان الزمخشري المعتزلي اختار
الحقيقة
قلدوه
تفسير الزمخشري اثر كثيرا على بقية التفسيرات بشكل مجنون ( تفسير ابن حيان والالوسي وغيرها)
وسبب ذلك تركيزه المبالغ به على الجانب اللغوي والبلاغي

الماوردي : -{ يَومَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } يعني به يوم القيامة ، لأن الناس فيه بين مُثَابٌ بالجنة ومُعاقَبٌ بالنار فوصِف وجه المُثَاب بالبياض لإسفاره بالسرور ، ووصف وجه المُعَاقَب بالسواد لانكسافه بالحزن


6 - ا
احمد علي الجندي ( 2023 / 10 / 7 - 23:10 )
القشيري : الصوفي الأشعري قال في تفسيره للاية : -أرباب الدَّعاوَى تسودُّ وجوههم ، وأصحابَ المعاني تبيض وجوههم ، وأهل الكشوفات غداً تبيضُّ بالإشراق وجوهُهُم ، وأصحاب الحجاب تسودُّ بالحجبة وجوهُهُم ، فتعلوها غَبَرة ، وترهقها قَتَرَة .

- قال أهل المعاني : بياض الوجوه : إشراقها واستبشارها وسرورها بعملها وبثواب الله . واسودادها : حزنها وكآبتها وكسوفها بعملها وبعذاب الله . يدل عليه قوله تعالى( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة )
البغوي

القرطبي : -وابيضاض الوجوه إشراقها بالنعيم . واسودادها هو ما يرهقها من العذاب الأليم .- وقال أيضا - قوله تعالى : - ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة - أي مما حاط بهم من غضب الله ونقمته-

البيضاوي : -{ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } نصب بما في لهم من معنى الفعل ، أو بإضمار اذكر . وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الخوف فيه . وقيل يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة وإشراق البشرة وسعي النور بين يديه وبيمينه ، وأهل الباطل بأضداد ذلك- وقال أيضا: -{ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله } بأن وصفوه بما لا يجوز


7 - اراء المفسرين
احمد علي الجندي ( 2023 / 10 / 7 - 23:14 )
على التفويض
1
مقاتل بن سليمان
2
الفراء
3
الطبري
4
ابن زمنين
5
الواحدي

على المجاز
1 ابو مسلم المعتزلي
2
الثعلبي
3
مكي بن ابي طالب
4
الماوردي
5
القشيري
6
البغوي
7
فخر الدين الرازي
8
العز عبد السلام
9
القرطبي
10
البيضاني


القائلين انها على الحقيقة
1
الطبراني
2
الزمخشري ( وبعدها بدؤوا بشكل كبير يختارون قوله )
3
النسفي
4
ابن الجزي
وغالبية من بعد القرن الثامن

من لم يختر بين القولين فذكرهما بدون ترجيح

1
السرقندي
2
ابن عطية
3
ابو منصور الماتريدي

ملاحظة اخيرة
القران يشهد انه مجاز لان السواد في لغة العرب معناه الهم
( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا )
مثل ان اقول
يوم اسود


8 - احمد على الجندى ؟
على سالم ( 2023 / 10 / 8 - 04:58 )
ماهذا اخ جندى ؟ كلامك كثير وفضفاض فارغ وله اكثر من معنى وان كنت اعتقد حقيقه ان كلامك هنا ليس له اى معنى ؟ فى الواقع انت تجيد اللف والدوران واالهروب والزوغان والشقلباظات الهوائيه والغمز واللمز لكى لايتم وضعك فى خانه اليك وفضحك , انت دائما تطارد الكتاب المفكرين اذا حاولوا تفسير كلام القرأن الغامض ؟ هل تم تعيينك بواسطه جهه ما من اجل ملاحقه الكتاب الشرفاء والذين يحاولوا تصحيح المفاهيم الخاطئه ؟ ارجوك لاتكون مشكاح اخ جندى

اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah