الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة52

عبدالرحيم قروي

2023 / 9 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مؤلف "الحقيقة الغائبة"
للدكتور فرج فوذة شهيد العلمانية
الحلقة الخامسة

هو الهروب لأنه أسهل من المواجهة ، وهو النكوص لأنه أهون من الإقدام ، وهي المظهرية لأنها أيسر من إدراك لجوهر ، وهم في مزايدتهم على المظاهر يغالون في المطالبة بالشريعة ، وهي مطالبة تتسق مع ما درجوا عليه واتسق تفكيرهم معه ، فتطبيق الشريعة في مجتمعنا الحالي ، على ما تركه السلف دون اجتهاد ومراجعة ، إنما تمثل مظهراً لا غناء فيه ، وظاهراً من الأمر لا جوهر له ، ومجرد إطار شكلي لا مضمون داخله ، أما الجوهر والإطار والمضمون فهو ما أشرت إليه من قواعد تنظم المجتمع على أساس لا تتناقض مع جوهر الدين في شئ ، ولا تصطدم مع معطيات العصر في إطارها العام ، وهو مطلب بالنسبة لهم عسير ، فهم مطالبون أولاً أن يروا العصر على حقيقته قبل أن ينظروا له ، وأن يعيشوه قبل أن يبرمجوه ، وأن يتفاعلوا معه قبل أن يخططوا مستقبله ، وهم في النهاية سحابة صيف لا أشك أنها إلى زوال ، وغيم داكن لا أحسب إلا أنه إلى انقشاع .
ا
رابعا : إن أصحاب وجهة النظر الأولى ، وأقصد بهم الداعين إلى التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية ، يضمرون عداء لا حد له للديموقراطية ، إما عن قصد نتيجة عدم إيمانهم بها كما أسلفت ، وإما عن حسن نية من الكثيرين الذين يدفعهم حماسهم للشريعة إلى المطالبة بإقرارها بعرضها على مجلس الشعب ، دون أن تناقش على نطاق شعبي واسع ، مع تلويحهم بسيف الخروج عن الدين لأعضاء المجلس ، إن هم رفضوا أو تأنوا أو ترددوا ويتجاوز البعض فيحالون القفز فوق المجلس ، متوجهين مباشرة إلى رئيس الجمهورية ، ومطالبين له بوضعها – هكذا – موضع التنفيذ الفوري الناجز .
ولأن الأمر كما أوضحت ليس أمر شريعة بل أمر اختيار بين الدولة الدينية والدولة المدنية ، وهو اختيار كما شرحت من قبل ، بين بديل واضح ومطبق وهو الدولة المدنية ، وبديل آخر لم يجهد أصحابه أذهانهم في بلورته وتوضيحه وهو الدولة الدينية ، فأنه من الصعب والأمر كذلك أن يقضى بشأن هذا الأمر في جلسة أو اثنتين ، أو في أسبوع أو اثنين ، بل إنني أتصور سبيلاً آخر لطرح هذا الأمر ومناقشته ، وهو سبيل أرى أنه الأوفق والأصح ، ليس فقط من وجهة نظري ، بل إنه لزوم ما يلزم بالنسبة لأمر هذا شأنه ، وتلك طبيعته ، ولعلي قبل أن أعرض تصوري في هذا الشأن ، أتسمع رأي المعارضين لقولي جملة وتفصيلاً ، وكأني بهم يقولون ، ها هو يلتوي بالكلم ، وينكر علينا حقاً يرضاه للآخرين ويطلبه لنفسه ، ويتصور الديموقراطية وفقاً على آرائه ونظرائه ، ولا يلتزم بالدستور الذي أقر أن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للقوانين ، ولا يلزم نفسه بإرادة الأمة التي أنشأت هذا التعديل ، وتمثلت في استفتاء شعبي أعطى التأييد الكامل له ، وهي كلها آراء جديرة بالبحث والمناقشة ، وتستحق بالفعل كثيراً من التوقف والتأمل .
أما عن الدستور فلا أحسب أنه قد جاء بجديد ، فأغلب القوانين القائمة مستمدة من مبادئ الشريعة الإسلامية ، مما يجعل منها المصدر الرئيسي للتشريع في مصر ، مع ملاحظة أرى أن إبداءها واجب ، وتتلخص في أن الدستور ليس كتاباً مقدساً ، وأنه يحق لأي مواطن أن يختلف مع بنوده أو أن يعترض عليها ، وله أيضاً أن يطالب بتعديلها ، على أن يسلك في هذا السبيل ما نظمه الدستور نفسه من سبل لتعديل مواده أو إلغائها أو الإضافة إليها ، بل أن أصحاب وجهة النظر الأولى يعترضون على الكثير من نصوص الدستور ، مثل النص على تعدد الأحزاب الأمر الذي يختلف عن اعتقادهم في قصرها على حزبين هما حزب الله وحزب الشيطان ، بل ويتجاوز أغلبهم تلك الجزئية إلى الاعتراض على ما يتعلق بنظام الحكم في الدستور جملة وتفصيلاً .
ما بالهم إذن يلقون الحجة وهي مردودة إليهم ، ويطلقون الرأي وهو مأخوذ عليهم ، ويستندون للدستور وهو غير مقبول منهم ..
وقريب من ذلك احتكامهم إلى الإستفتاء دليلاً على التأييد الشعبي ورفضهم الاعتراف بشرعية جميع الاستفتاءات التي حدثت منذ اختلفت معهم الثورة وحتى الآن ، عدا استفتاء واحد صادف هوى في نفوسهم ، ومس من قلوبهم الشغاف ، وحلق بهم في أحلام وردية وامتشقوه سلاحاً يخرسون به الألسنة ، ويذودون به عن أوهامهم حيناً وأحلامهم أحياناً .
هو الهوى حين يتسلط ، والغرض حين يستبد ، والمنطق حين يهرب ، والعقل حين تغشاه العاطفة ، والحجة حين يشوبها الضعف والكلام حين يحتوى خبيئاً ، معناه ليست لنا عقول .
ليس الدستور إذن هو السند ، و ليس الاستفتاء هو الحجة ، وإنما سبيلهم الوحيد كما أتصور ، أن يفعلوا ما فعله الآخرون ، وهو أن يتقدموا إلى الشعب ببرنامجهم السياسي ، وأن يشكلوا حزبهم أو أحزابهم ، فإن حازوا الأغلبية في انتخابات حرة فقد ألزمونا بالحجة الدامغة ، وأخرسونا بالفعل السديد ، و قد اخترت لفظ ( أخرسونا ) عن قصد لاعتقادي أنه سوف يكون واقعاً لا مراء فيه ، ففاقد الديموقراطية لا يعطيها ، لكنه إن توصل للحكم بإرادة الشعب كان له ما أراد .
هنا قد يحتج القارئ بأن القوانين الحالية لا تتيح لهم تشكيل أحزاب على أساس العقيدة الدينية ، وهو نص قانوني له وجاهته، لكون الأحزاب السياسية منبراً لكل المصريين مهما اختلفت عقائدهم ، لكني أحسب أن المناخ الرديء قد تجاوز ذلك وأن الإخوان المسلمين على سبيل المثال يملكون حزباً ، ومكتب إرشاد ، وصحفاً ومجلات حزبية وغير حزبية تدافع عنهم وتتبنى آراءهم بل ووصل الأمر إلى تواجد ممثلين لهم في المجلس النيابي بعد تحالف الوفد والإخوان المسلمين ، ذلك التحالف الذي يشبهه بعض الظرفاء بزواج المتعة الذي تعترف به بعض طوائف الشيعة وتنكره طوائف السنة .
هم موجودون إذن ، وهم توصلوا بالشرعية إلى تواجد شرعي ، وإنكار تواجدهم إخفاء للرؤوس في الرمال ، والسماح لهم ولغيرهم من التيارات السياسية الدينية بتشكيل أحزابهم له من المزايا ما لا يستهان به ، فسوف يلزمون بوضع برامج سياسية ، وسوف يدور الحوار معهم على أرض الواقع السياسي ، وسوف يكون حوار دنيا لا حوار دين وسوف يكون هدفهم كراسي الحكم لا قصور الجنة ، وسوف يحجم أئمة المساجد عن المزايدة على مقولاتهم لدخولهم آنذاك في دائرة العمل السياسي الصريح .
وسوف تتحول الأحزاب السياسية إلى معارضتهم بدلاً من المزايدة عليهم ، وسوف يختلفون فيما بينهم بأكثر من اختلافهم مع الآخرين ، وسوف يواجهون بعضهم البعض بأكثر مما يواجهون الآخرين ، وسوف يتحاورون في ساحة ليست ساحتهم ، ويتكلمون لغة تصعب عليهم مفرادتها ناهيك عن قواعدها ، وفي كل هذا رحمة من الله أي رحمة ، ولطف بالوطن أي لطف ، ولا حجة هنا للقائلين بأن ذلك سوف يدعو إلى إنشاء أحزاب دينية قبطية ، وأنه سوف يمزق الوطن طائفياً ، فدرس التاريخ ينبئنا بأن ذلك غير وارد ، وإن ورد فلا تأثير له ، وغير بعيد عن الأذهان حزب أخنوخ فانوس ، الذي تكون وقضى دون أن يزيد عدد أفراده على الآحاد ، وغير بعيد تجربة الوفد حين استوعب الأغلبية الساحقة من أقباط مصر ، الذين تحتويهم دائماً راية العلمانية ، وتستهويهم شعاراتها ، وهو أمر ما زالت أسبابه قائمة ، وحديث ذلك يطول ، وهو في مجمله حديث يهون من أسباب التخوف ولا يدعمها ، ويؤكد ما أدعو إليه ولا ينفيه .
هذه هي وجهة النظر الثانية أيها القارئ ، أفضت فيها لكثرة ما أفاض أصحاب وجهة النظر الأولى في عرض آرائهم وتزيينها ، وأحسب بعد ذلك أنك إلى اختيار ، وأن التفكير الهادئ سوف يقودك إلى قرار ، بل إنني أحسب أنك توصلت بعد ما سبق إلى مجرد التردد فسوف أحمد الله ، ولعلك أدركت معي أنهم قد اختاروا الطريق السهل ، وأن اتباعهم إلى ما لا تعلم وما لا يعلمون أمر جلل ، وأن يجتهدوا قبل أن يجهدوا الآخرين بحلم لا غناء فيه ، وأن يفكروا قبل أن يكفروا ، وأن يواجهوا مشاكل المجتمع بالحل لا بالهجرة ، وأن يقتصدوا في دعوى الجاهلية حتى لا تقترن بالجهل ، وأن يعلموا أن الإسلام أعز من أن يهينوه بتصور المصادمة مع العصر ، وأن الوطن أعز من أن يهدموا وحدته بدعاوى التعصب ، وأن المستقبل يصنعه القلم لا السواك ، والعمل لا الاعتزال ، والعقل لا الدروشة ، والمنطق لا الرصاص ، والأهم من ذلك كله أن يدركوا حقيقة غائبة عنهم . وهي أنهم ليسوا وحدهم .. جماعة المسلمين .
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 232-Al-Baqarah


.. 233-Al-Baqarah




.. 235-Al-Baqarah


.. 236-Al-Baqarah




.. 237-Al-Baqarah