الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما أشبه اليوم بالبارحة

أياد الزهيري

2023 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


يقولون أن التاريخ يُعيد نفسه , لكن بالحقيقة ان هناك أحداث تتكرر, ولكن تتكرر بآلياتها وأهدافها , وليس بشخوصها , في حين بعضها يجري بشكل عفوي عندما تجتمع لها نفس الظروف والأسباب فتتكر مرةً أخرى ، ولكن كما قلنا بشخوص أخرين وبتاريخ وأرض مختلفة, لأن حتى التاريخ والحركة الأجتماعية للبشر تحكمهم قوانين وأن تكن ليست بصرامة قوانين الفيزياء والكيمياء ,أي المادية , وهناك أحداث مرسوم لها , وتجري أحداثها بتخطيط من يرعاها , ومن هذه الأحداث التي مرت على العراق والتي أخذت طابع الغير عفوي , والمرسوم من قِبل المخططين لها , من ذلك الهجمات التي تعرض لها العراق من قِبل الوهابيين , وعندما نمعن النظر في هذه الهجمات نرى أنها جرت على أيدي نفس الجهات , وبتوجيه نفس المخططين , فالطرف الأول كان من قِبل الجار الجنوبي للعراق , المملكة العربية السعودية , وعلى يد طائفة لها نفوذها القوي فيها , أما الطرف المخطط والداعم لها فهو الغرب الأمبريالي .
في ليلة تشرين الثاني 1927م هجم الوهابيين على أحد مخافر الحدود العراقية بقيادة فيصل الدويش , وقد قتل أكثر من عشرين شخص مابين رجل وأمرأة وطفل وعامل وشرطي , وقد ذكر ذلك السيد عبد الرزاق الحسني في كتابه (العراق بين دوري الأنتداب والأحتلال) , وينقل السيد الحسني أن ماحدث كان له علاقة مباشرة بالأزمة السياسية بين الحكومة العراقية آنذاك برئاسة جعفر العسكري والحكومة البريطانية , وهذه الأزمه سببها أعتراض البرلمان العراقي على قبول الأتفاقية العراقية – البريطانية عام 1927م وأعتبرها العراقيين بأنها تكريس للأنتداب البريطاني على العراق , وقد حدد مدتها البريطانيون ب25 سنه , هذا الأعتراض أزعج الحكومة البريطانية , لأن بريطانيا قدمت لأحتلال العراق للبقاء فيه , وقد قامت بحملة عسكرية كبيرة لطرد الأتراك من العراق الذين أحتلوا العراق لمدة 400 عام , وهي عملية ليست بالسهلة , قدمت خلالها بريطانيا كثير من الخسائر, فمن المنطقي أنها تنوي البقاء فيه والسيطرة على مقدراته , ولها أهداف أستراتيجية بعيدة المدى , أزاء ذلك يكون من المستبعد تسليم البلد لأبنائه , وكانت تلك الفترة من التاريخ زمن أستعمار الشعوب من قِبل الأوربيين الذين سعوا لأقتسام العالم , في حين أن العراقيين من الشعوب ذات المزاج الحار , وممن لايقبل أن تستعبدهم قوة أجنبية , وعدم قبولهم هذا يرجع لعدة أسباب , منها ماله علاقة بالأرومة العربية ذات الأنفه والعزة والكبرياء, ومنها ما له علاقة بأنهم ينتمون الى دين يأبى ذلك وخاصة الجنوبيون الذين ينتمون الى ثقافة وأنتماء حُسيني رَبى فيهم روح المعارضة والتضحية والثورة , فما كان من الأنكليز الا أن حركوا الوهابيين , وهم الضد النوعي للشيعة سكان الجنوب العراقي , لغرض أقلاق الوضع في بلد تقوده حكومة جديدة , ولا تمتلك أمكانيات قوية تستطيع دفع الأذى عن شعبها في حالة حدوث هجوم خارجي عليها , وأنها حكومة جديدة العهد بالحكم , ومازالت أدواتها الدفاعية ضعيفه جداً وبالتالي حصلت بريطانيا من خلال هذا الضغط على ما أرادت ووافقت الحكومة العراقية على مصادقة المعاهدة العراقية- البريطانية على مضض , وقد أكدت صحيفة (وستمنسر غازيت) هذا الأعتقاد بتحريك البريطانيين للقبائل الوهابية , حيث نشرت في 22 كانون الأول 1927م ( أن السبب الأكبر في أمضاء المعاهدة العراقية الجديدة في آخر لحظة يرجع حسب أعتقاد بعض الدوائر الى أزدياد قوة الوهابيين على حدود العراق الجنوبية) , وهي بلا شك محاولة للتقليل من غلواء العراقيين في موقفهم من المعاهدة , وكسر تصلبهم في موقفهم التفاوضي , وهذا أمر ليس بعجيب لأن نفس السيناريو قامت به بريطانيا أتجاه الأمير عبد الله حاكم الأردن آنذاك , حيث تردد في توقيع المعاهدة الأردنية –البريطانية , فحركوا الوهابيون على حدود الأردن الجنوبية مما أرغم الأمير عبد الله على القبول بتوقيع معاهدة بين الأردن وبريطانيا , وفق ما أرادت بريطانيا.
أن ما حدث قبل قرن من الزمان تقريباً هو ذات السيناريو الذي جرى على العراق والأردن لأرغامهما على توقيع معاهدات على الضد من أرادتهما , وقد جرت على أيدي نفس المحتلين , فقد أُعيد سيناريو تكريس الأحتلال الأمريكي في العراق عن طريق عقد معاهدة أستراتيجية بين العراق وأمريكا , يكون للقوات الأمريكية وجود عسكري , الغرض منها ظاهرياً هو تحقيق الأمن والسلام على الأراضي العراقية وحماية العملية السياسية من أعداءها , وحين بدأ البلد يتجه نحو الأستقرار طلبت الحكومة العراقية والتي كانت برئاسة السيد نوري المالكي عام 2014م أجلاء القوات المسلحة الأمريكية من الآراضي العراقية لأنتفاء الحاجة منها ,هنا ثارت ثائرة أمريكا, وأستشاطت غضباً من حكومة المالكي من هذا الطلب بأنسحابهم من الأراضي العراقية , والتي جاءت بآلتها العسكرية لتبقى فيه , ولأهداف أستراتيجية بعيدة المدى , هذا الطلب الذي يُريد أخراج هذه القوات من الباب , خططت لولايات المتحدة الأمريكية وبمساعدة حليفتها بريطانيا , صاحبة الخبرة الطويلة بشؤون العراق , بأن تعود هذه القوات من الشباك , وأن تكون عبرة لحكومة المالكي ولغيرها من الحكومات العراقية التالية , ولحكام المنطقة عامة , وهنا أستخدمت أمريكا وبتوصية من بريطانيا ورقة داعش , وأستثمار ظرف العراق القلق , والحكام الجدد ذوي الخبرة القليلة في أدارة حكم الدولة . داعش كانت من أقوى وأخطر الأوراق ضد النظام الجديد بأعتبار أن نسبه كبيرة من أعضاء الطاقم الحكومي , هم من الطائفة الشيعية , كما أن البعث مستعد للتحالف مع الشيطان لأسقاط هذا النظام الجديد , بالأضافة الى فرقاء سياسيون غير منسجمون مع بعضهم , بل ومتآمرون على بعضهم البعض , وخاصة السياسيون السنة والكرد , الذين يمتلكون أجندات مختلفة تماماً عن سياسيوالشيعة , كما أن السياسيون الشيعة منقسمون على أنفسهم, مما وفر فرصة ذهبية للأمريكان من لعب ورقة داعش , وهكذا دخلت طلائع داعش عابرة للحدود العراقية من غرب الموصل , وحدث ما حدث من قتل وترويع للأهالي الأبرياء , وما رافقه من قتل وتدمير لقوات الجيش العراق , وأحتلال للمدن العراقية الواحدة تلو الأخرى , حتى وصلت قوات داعش الى أطراف بغداد , وأصبح البلد على حافة الأنهيار . هذا الضغط والموقف الخطير جعل الحكومة العراقية في موقف حرج ومضطرة الى أبقاء القوات الأجنبية على الأراضي العراقية وخاصة الأمريكية , وكما أعترفت جريدة (وستمنستر غازيت) البريطانية بأستخدام بريطانيا للقوة العشائرية الوهابية عام 1927م , كذلك أقرت وزيرة خارجية أمريكا هنري كلنتون في تصريح تلفزيوني لها بأنهم أي الأمركان , هم من صنعوا داعش كأداة أستخدموها في سياستهم الخارجية. حقاً كانت ورقة داعش , ورقة أبتزاز وضغط بوجه الحكومة العراقية من أجل قبولها بأبقاء القوات الأمريكية على أراضيها , وتحقق لها هذا , وبذلك , ومن خلال هذه المعطيات الواقعية يتبين زيف الأدعاءات التي ساقتها أمريكا وبعض دول الجوار العراقي , وبعض الأعلام المحلي المرتبط بدول تناصب العراق العداء , بأن داعش هي ردة فعل طبيعية للسياسة الطائفية للنظام الجديد في العراق . أن لداعش ما كان لها أن تكون , ولا كان للأمريكان من فرصة للأستغلالها في تكريس وجوده المحتل لأراضي العراق , وتركيع الأنظمة السياسية في المنطقة لولا حالة التشرذم , وحالة عدم الوعي السياسي للأحزاب السيسية , والنفس الطائفي عند بعض الأطراف العراقية , كما لعب النفس الأنفصالي عند بعض الأحزاب الكردية من دور كبير في صناعة أرض رخوة غير صالحة لأقامة نظام سياسي قادر على التصدعي لكل الأخطار التي يتعرض لها البلد . أن التاريخ يكون عبرة لأولي الألباب من السياسين , ودرس للشعوب أن تجنب بلدها الفوضى , وأن لا تكون مطية سهلة للمخططات الأجنبية , فيكونوا أدوات فاعلة في تدمير بلدانهم لصالح قوى خارجية لا تكن لهم الخير والسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة