الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هو الانتخاب الثقافي؟ (1)

داود السلمان

2023 / 9 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"الانتخاب الثقافي" هو: نظرية عن ظواهرَ يمكن أن تنتشر داخل مجتمع ما، مثل الشعيرة الدينية أو أسلوب في الفن أو طريقة في الصيد. وتشتمل النظرية على ثلاث عمليات أساسية؛ أولًا: أن تنشأ الظاهرة، وهذا هو ما يُسمى التجديد أو الإبداع. ثانيًا: يمكن أن تنتشر الظاهرة من إنسان إلى آخر أو من جماعة من البشر إلى جماعة أخرى، وهذا ما يُسمى التكاثر أو النقل أو المحاكاة أو الانتشار. وثالثًا: العمليات الأساسية في النظرية هي الانتخاب، وتعني بالانتخاب أيَّ آلية أو عامل يؤثر في مدى انتشار الظاهرة من حيث الكثرة أو القلة. ويضيف أنّه أوضح أنواع الاختيار هو الاختيار الواعي من جانب البشر.
هذا هو كتاب للمؤلف أجنر فوج بهذا العنوان، وبترجمة شوقي جلال. إذ نشر الكتاب لأول مرة عام 1999.
وفي مدخل الكتاب، يوضح الكاتب بقوله: إنّ تفسر نظرية الانتخاب الثقافي لماذا ثقافات أو عناصر ثقافية بعينها تنتشر وتَذيع، ربما على حساب ثقافات أو عناصر ثقافية أخرى، والتي يكون مآلها الاندثار. وتشتمل العناصر الثقافية على الهيكل الاجتماعي والتقاليد والدين والطقوس والفن والمعايير والأخلاقيات والأيديولوجيات والأفكار والابتكارات والمعارف والتِّقانة … إلخ. واستلهمت هذه النظرية فكرة شارلس داروين عن الانتخاب الطبيعي؛ ذلك لأنها تنظر إلى العناصر الثقافية باعتبار أنها تماثل الجينات؛ بمعنى إمكانية تكاثرها من جيل إلى جيل وأن تتغير خلال هذه العملية. ويمكن لثقافة ما أن تتطور لأن عناصر ثقافية بذاتها مهيأة أكثرَ من غيرها للانتشار والتكاثر؛ الأمر الذي يماثل الأنواع التي تتطور؛ لأن أفراد النوع تتوفر لديهم سمات معينة تجعلها أكثر ملاءمة من غيرها للتكاثر، ومن ثَم نقل هذه السمات إلى ذرياتهم.
ولا يرتاب المؤلف في أن ظواهر مثل الدين والأيديولوجيا والسياسة والأخلاق ومعايير السلوك لها دور أساسي في أي ثقافة من الثقافات؛ لذلك تستحيل علينا دراسة التغير الثقافي بدون دراسة التغيرات التي تطرأ على قواعد السلوك هذه وعلى فلسفات الحياة. إننا لا نستطيع وصف عقيدة أو أيديولوجيةٍ ما تأسيسًا على مصطلحاتها هي وحدها دون أن نفقد الموضوعية العلمية. ومن ثم يتعين الحفاظ على مسافة علمية - زاوية نظر خارجية - حتى يتسنى لنا دراسة أسباب تطور منظومة عقيدية وَفق اتجاه بذاته، وحتى يتسنى لنا مقارنة منظومات عقائدية مختلفة على أسس موحَّدة ومتكافئة. وحريٌّ بالعالم أن يتبرأ من كل أسباب الانحياز الذاتي للعقيدة موضوع الدراسة، وأن يكون أشبه بعالم البيولوجيا يدرس أكثر الكائنات الحية تفردًا على سطح الأرض، وقد احتفظ بدرجة كافية من الموضوعية تجاه الأيديولوجيات والفلسفات المختلفة. وقد تفيد هنا كثيرًا زاوية النظر البعيدة عن المحورية الإنسانية. بيد أننا للأسف غالبًا ما نواجه مشكلة تحول دون قَبول هذا النهج في التفكير؛ بسبب تعارضه مع نظرتنا إلى العالم القائمة على أساس من المحورية الإنسانية. ويلزمنا هنا قدرٌ كبير من التفكير المجرد.
تاريخ نظرية الانتخاب الثقافي
وهو موضوع الفصل الثاني من الكتاب، وفيه يذكر الكاتب أنّه للانتخاب الثقافي نزعة تطرية إذ ظهرت فكرة الانتخاب الثقافي، أولَ ما ظهرت، في إنجلترا أيام العصر الفيكتوري. ثقافة حققت نجاحًا خلال عملية الانتخاب الثقافي أكبر مما تحقق في أي مجتمع آخر. ولكن قبل الحديث عن هذه النظرية يتعين علينا أن نلقي نظرة على نظرية التطور البيولوجي التي وضع أساسَها كلٌّ من لامارك وداروين.
ويضيف كان عالم البيولوجيا الفرنسي جان بابتست لامارك أول من تحدث عن تطور الأنواع؛ إذ اعتقد أن الحيوان الذي اكتسب سمة نافعة له أو قدرةً على التعلم يصبح قادرًا على نقل هذه السمة إلى ذريته (لامارك، 1809). وسُميت باسمه، اللاماركية الفكرة القائلة بإمكانية توارث السمات المكتسبة.
ثم يأتي بعد ذلك باجهوت، وايلور، على خط التطور، بحسب المؤلف : " وتصور باجهوت أن البشر الأوائل كانوا لا يعرفون أي شكل من أشكال التنظيم، ثم وصف كيف نشأت بداية التنظيم الاجتماعي حين قال: «ولكن عندما بدأ ذات يوم تكوينُ الدولة لم يكن ثَمة صعوبةٌ في تفسير سبب استمرارها. وأيًّا كان ما يمكن أن يقال ضد مبدأ «الانتخاب الطبيعي» في المجالات الأخرى، إلا أنه لا يخالِجُنا أيُّ شك في أنه كانت له الهيمنة هنا في مطلع التاريخ البشري. اعتاد الأقوى قتْل الأضعف قدر المستطاع. ولست بحاجة إلى التوقف هنا لأبرهن على أن أي شكل من أشكال الدولة أفضل من لا شيء؛ وأن تجمعًا من الأسر التي ربما لا تشعر سوى بقدر من الولاء والقلق تجاه رئيس فرد سيكون وضعها يقينًا أفضلَ من مجموعة من الأسر التي لا تَدين بالطاعة لأي أحد.."
أما تايلور فله أثرًا واضحًا على الفكر التطوري وعلى مفهوم الثقافة، كما يعتقد المؤلف. والذي أضاف ونحن نعزو أساسًا إلى تايلور فكرة أن المجتمع المتمدن الحديث ظهر نتيجة تطور تدريجي لمجتمعات أكثر بدائية. وتقضي النظرية السائدة في عهده بأن شعوب الهمج والبرابرة ظهرت نتيجة تحلل مجتمعات متمدنة. وتشتمل كتب تايلور على وصف شامل للأعراب والتقنيات والعقائد السائدة في ثقافات مختلفة، وكيف تغيرت. ويناقش كيف أن أوجُهَ التماثل بين الثقافات يمكن أن ترجع إما إلى الانتشار أو إلى تطور مستقل موازٍ. ولا نجد في كتاباته إشارة صريحة إلى نظرية داروين عن الانتخاب الطبيعي.
لكنّ.. ومنذ عام 1852م، كما يرى أنجر فوج المؤلف، وقبل أن ينشر داروين كتابه «أصل الأنواع»، قدَّم الفيلسوف الإنجليزي المبرز هربرت سبنسر عرضًا لمبدأ يقضي بأن أكثر الأفراد ملاءمةً وصلاحية يبقون على قيد الحياة، بينما الأقل صلاحية يموتون خلال الصراع من أجل الوجود. ولم تكن لهذا المبدأ أولَ الأمر سوى أهميةٍ أدنى شأنًا في فلسفة سبنسر التطورية، التي ارتكزت على فكرة مؤداها أن جميع أنواع التطور تخضع لمبادئ أساسية واحدة. ذلك أن الكون والأرض والأنواع والأفراد والمجتمع تتطور جميعُها وَفق النمط ذاته وفي الاتجاه نفسه، أي، حسبما رأى سبنسر، في اتجاه المزيد من الاختلاف والتوازن دائمًا وأبدًا.


....................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض