الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنقسام الهوية الأجتماعية العقائدية في المجتمع العراقي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 9 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


البعض من الباحثين والكتاب عندما يدرسوا حالة أجتماعية ما فمن السهل عليهم إطلاق الأحكام الجاهزة والتوصيفات المدونة التي سبق وإن تم تنظيرها أو تبنيها لرؤية ما أو دراسة ما، هنا لا أحاول أن أقفز فوق كل النتاجات وأصفها بالعشوائية أو اللا علمية، ولكن من خلال تتبعي للكثير مما ورد في الأبحاث والمؤلفات التي درست المجتمع العراقي دون أن تنصفه أو حتى تتريث في إطلاق التعميمات، وقبل حتى تطبيق النظريات الأجتماعية بمنهج حقيقي يلحظ الطبيعة الأجتماعية لهذا الشعب، والتعمق في الدراسات النفسية التي كونت هذه الشخصية الأجتماعية ودور الذائقة الفردية والجمعية تجاه ما يعرف بالضمير الفردي والجمعي لها، ولم يدرسوا التاريخ السياسي والثقافي والأجتماعي له دراسة أحترافية فقهية تمحيصية لا تعتمد على المبسوط مما يسمى حقائق تأريخية، كما أن الغالب منهم لا يعرف دور اللغة واللهجات والتنوع الجغرافي والأقتصاد البيئي وعلاقة كل ذلك بالطبيعة الأجتماعية للظاهرة محل الدراسة، لذا فما يطلق من أحكام قد تقترب لمسافة ما وأحيانا تذهب بأتجاه أخر يسيء ويقلل من قيمة الدراسة، وربما يعطي تصورا غير حقيقي وغير منطقي عنها، مما يقدح بجهود الباحث ويضعه موضع المتجني.
لقد تعرضت الهوية الأجتماعية العراقية الدينية على مر الأزمان للكثير من التشويش والتشويه ولأسباب كثيرة، أغلبها كانت دوافعه قصدية ومتعمدة من أعداءه وجيرانه والغزاة عموما بشكل مكثف، هذا عرض بالتالي هذه الهوية إلى التراجع وإلى نوع من التناشز الظاهري، حتى أني أجزم أن الشخصية العراقية ليست منقسمة على نفسها أو مصابة بالازدواجية كما يصفها الكثير من الباحثين، بقدر ما هي ذكية وطامحة وحية تحاول أن تتغلب على الظروف، ولكن ما ينقصها دوما هو الحل الصحيح أو الأمثل الذي يعيدها علة سراط الصيرورة المناسب، والسبب يعود دوما لعامل الدين الذي يقهرها ويجرها إلى زواياه الحرجة فيستجيب لها فيخضع لعبودية المعبد وأشتراطات الكهنة وهم أكبر أعدائها، ومع ذلك يبقى يتململ ويتمرد وبثور ويغضب عندما يجد أقرب أو أقل فرصة للتعبير عن حاله بشكل أهوج يرتد بالأخر عليها، فيزيد من ألمها وتقهقرها لكنها تبقى مستمرة على نفس الطبع الفطري ولم تتغير.
وبالعودة لهم أدق للهوية يقول الباحث حافظ فرج أحمد مقربا بشكل دقيق للثوابت العامة لماهية الهوية وتعريفها فيقول (الهوية يقصد به حالة استقلال الذات والانتماء إلى الشيء، وهي أيضاً حالة الشيء كونه متميزاً، وتعد مطلباً أساسياً لكل البشر، وتحديدها واجباً حتمياً، يقع جزئياً على عاتق المسؤولين عن مهمة ضبطها وتوجيهها على اعتبار أن شكل ومضمون الهوية من الواجبات التي لا يمكن تجاهلها أو التخلي عنها) ، هنا الباحث يشير إلى ثلاثة مفاهيم في تقديمه لمعنى الهوية:.
أولا _ هو المفهوم المزدوج بين أستقلال الهوية عن الفرد بأعتبارها رؤية الأخر وكيان خارجي له حدوده الخاصة، وأيضا أنه ليس إدعاء الشخصية عن ذاتها، وهذا لا يمنع أن يكون المستقل الخارجي منتمي أيضا لها ليس أنتماء لصقي أو تركيبي، لكنه أنتماء تكويني فلولا وجود الشخصية لم ولن توجد الهوية ابدا.
ثانيا _ تميز الهوية هو تميز فردي ذا طابه ماهوي وجوهري، فلا توجد هويتان متطابقتان إلا في المشتركات العامة التي تمثل الحد الأدنى من التوافق والتشارك الضروري، أما الأستنساخ أو تلازم الأستنساخ لتكوين هوية عامة من فرديا متنوعة فهة أشبه بالمحال.
ثالثا _ الضرورية الحتمية للهوية لا يأتي فقط من أهميتها للدراسة، ولكن كونها مطلب وجودي حقيقي ومستمر لبيان أن الوجود ليس مسـألة تناسخ أو توالد فقط، فلكل كائن في الوجود هوية إذا كان قادرا على أن يتحرك مستقلا عن النظام التشغيلي المعد مسبقا، هذا بالأساس تخصيص للإنسان بشكل مركز وبدرجة أقل للحيوان وبدرجة أقل منها للنباتات، وبدرجة ضئيلة لباقي الطبيعيات، لا تفلت منها إلا العناصر الوجودية التي تخضع لقوانين مطلقة وحدية.
إذا الهوية أيا كانت التصنيف الذي يعتمد لوصفها يخضع للعناصر الثلاث أعلاه، وعندما نتكلم عن الهوية الدينية فإننا نتكلم عن تنوع طبيعي أصلا في المستقل والمنتمي أولا، وعن طبيعة هذا التميز من ناحية ماهية الدين وماهية التدين وماهية الإيمان لدى الفرد وأيضا جواهرهما، وهذا التعدد هو المسئول عن فهم أختلاف الناس في عنصر أو أكثر من مفردات هذه الهوية، إذا مسألة التوافق العام الجبري على حدود هوية مرسومة مسبقا كما يفهم البعض من رجال الدين أو المتدينين هو خلاف المنطق العقلي وخلاف المنطق الديني أيض (فلا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد)، البناء الصحيح أن تتمسك الهوية بمحددات أساسية يقوم بمقامها نوه الدين والتدين والإيمان دون أن تخرق، وبعدها الفرد حر فيما يراه دون الإحلال بتلك الأساسيات، عندها يمكننا أن نعطي ملامح لهوية أجتماعية دينية مميزة وعامة ومحددة لا لبس فيها ولا أختلاف.
لقد تعرض المجتمع العراقي على مدى قرون متوالية لهجمة شرسة من صنوف متعددة من الممارسات القهرية لتشويه الهوية الدينية له، فمن التغيير الجبري للصراعات السياسية لربط المصالح العامة بالدين، وأخيرا هيمنة مؤسسة دينية واحدة تتحكم حسب أنظمتها ومعتقداتها في تصنيف الأخرين، فكان دائما ما يكون الغرض الأساسي منها هو القضاء والمحو التام لمعالم العقيدة المختارة أجتماعيا أو الراسخة بالتداوم والتسليم بها، يعزي البعض السبب لهذا الهجمة إلى أسباب رئيسية منها مثلا ضعف الالتزام الديني او ضعف الإحساس بالمواطنة لدى الافراد، أو وجود تناقض بين قيم الدين واعمال المتدينين واخلاقهم وسلوكياتهم وخاصة النماذج القدوتية أو القيادية (الرموز)، اذ ان التوافق بين قيم الدين عموما واخلاق المؤمنين له من اقوى الدلالات على القوة المنبعثة من قوة العقيدة هذه والايمان بها.
قد يكون لهذا التحليل والتبرير وجهة نظر صحيحة ولكن لي للدرجة التي تساهم في تشويه الهوية الدينية أو التأثير العام عليها، هناك قاعدة يرددها العراقيون بشكل دائم وهي مما يعتبر من المسلمات الفكرية، تقول القاعدة (أن الناس على دين ملوكهم)، بمعنى أن القيم الدينية ممكنة التبدل والتغيير وفقا لمصالح وهوية السلطة، والحقيقة أن هذه الهوية المتغيرة لا يمكنها أن تعمل إلا بأشتراطات مهمة وقد تكون النتائج غير مضمونة غالبا، فالعقيدة الدينية الأجتماعية لها أساسيات حتمية فطرية قبل أن تكون معرضة للتحديث والتغيير، ثانيا أن السلطة مؤقتة والإيمان الجمعي ليس من السهل أن يتغير وفقا لمزاجات متغيرة إلا إذا أقهرت الشخصية فوق طاقة التحمل، وأخيرا أثبتت التجارب التاريخية ليس كل مجتمع هو على دين سلطته، فقد أسقطت مجتمعات السلطة عندما مست بقيم الهوية وتعارضت معها.
وقد واجه الضمير الأجتماعي ومدلوله الديني الشخصي للهوية الأجتماعية العراقية وعبر تاريخية الطويل اشكال من التهديد والسعي الى التخريب، وهو اليوم يواجه هذا التحديات التي تستهدفه بطريقة منهجية منظمة كما يبين الكثير من الباحثين، بان الاتجاه السائد فعليا وعمليا اليوم نحو تهويل الجانب السلبي لها وتزييف وتشوية صورتها، ليس بمجرد مجهودات فردية ومحاولات غير مقصودة أو غير مفتعلة وبالغالب هي موتوره يدفعها التعصب الأيديولوجي او الخصام السياسي لظاهرة الشخصية العراقية الجدلية والتي عجز الزمن عن قهرها، وانما هو اتجاه منظم بالحقيقة ويسير وفق خطط مرسومه بدقه ومن جهات ظاهرها التناقض والتضاد وباطنها التنسيق والتكامل في عدائها لهذه الشخصية وهذه الهوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمات سودانية: مشروع من أجل تعزيز الصحافة المحلّية في السودا


.. فراس العشّي: كاتب مهاجر من الجيل المطرود




.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن