الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمكنة من غير عباءة باشلار ١ من ٢

اسماعيل شاكر الرفاعي

2023 / 10 / 1
المجتمع المدني


امكنة خارج عباءة باشلار
( ١ )
يعكس الحضور الكثيف لبعض الامكنة في إعلام البلدان العربية والاسلامية وفي خرائطها السياحية : الدور الضخم الذي كان لهذه الامكنة في التاريخ ( يوم كان التاريخ من صناعة الحضارة الزراعية ) ، ولكنه يعكس في الوقت نفسه : الغياب التام لامكنة ورموز الحضارة الصناعيةالحديثة ، مما يدل على ان هذه البلدان : ما زالت تراوح على ارضية الحضارة الزراعية : سياسةًواقتصاداً واخلاقاً وفلكلوراً ، اما التداول الخجول لمفاهيم : المواطنة وحقوق الانسان والحريات والمجتمع المدني ودولة المؤسسات ، فهو لا يعكس شيئاً مما هو سائد على ارض الواقع بل يعكس قوة التأثير العالمي الناعم للحضارة الصناعية حتى في البلدان التي لا يشكل التصنيع اية نسبة من دخلها القومي ...
( ٢ )
لا تتقّرى يداي ( يغتلي فيهم ارتيابيَ _ حتى تتقراهم يدايَ بلمسِ . البحتري ) ، وجود ما يشير الى ان بلدان شمال افريقيا على خلاف بلدان المشرق قد اسست او شرعت في التأسيس لاماكن ومنڜآت ومؤسسات يقصدها الناس للزيارة من غير واعز ديني ( حيث يزور الناس ما خلفه الماضي الزراعي من امكنة وقبور بقصد التبرك والحصول على المراد وتقديم النذور ) فجميع الامكنة - التي تستعرضها الشاشات - كانت في التاربخ العربي الاسلامي : مثابات للجيوش ، ونقاط انطلاق لغزو الجوار الاقليمي والتمدد الى ما وراءه ،  او كانت مدارس واكاديميات لتبرير الغزو العربي للقارات الثلاث  ، واضفاء الشرعية الفقهية على تنظيم تجميع وتوزبع الغنائم وجباية الضرائب . في هذا الوقت المتأخر بما يقرب من ٨٠٠ عام عن اوربا : تبدأ بلدان  شمال افريقيا وكذلك بعض بلدان المشرق باستحداث منشآت على سواحلها المتوسطية والمحيطية لجذب السياح ، في ذلك الوقت البعيد ،  بدأ فن المعمار والرسم في اوربا يتجاوزان المحرمات الكنيسية . في بدايات عصر النهضة ، اصبح الفنانون والفلاسفة ( مدرسة كاتدرائية : شارتر ، بدايات القرن/ ١٢     )  على يحاورون الطبيعة التي كانت  الكنيسة الكاثوليكية طوال العصور الوسطى تْحَرم الحوار معها ، وتحارب مَن يخرج بنتيجة جديدة ( كوبرنيكوس ، غاليلو )  من هذا الحوار ...
( ٣ )
لكن ان يستمتع اهالي شمال افريقيا بطبيعتهم المحلية ، وان يقدموها للسائح  بالشكل الجديد الذي اضافوا اليه الكثير : يعتبر من زاوية نظر تاربخية ، شيء متقدم جداً ، بالمقارنة مع ما يجري في بلدان الخليج والجزيرة من ضجيج وضوضاء على انه هو التنمية المستدامة ، وانه التأسيس الحقيقي لاماكن حديثة تشير الى ولوج بلدان الخليج والجزيرة الحضارةَ الصناعية ... 
( ٤ )
هل يعقل ان تكون نتيجة التنمية في بلدان الجزيرة والخليج ؛ عمارات شاهقة تديرها شركات اجنبية بلغات اجنبية ، لا مفردة فيها من لغة القرآن التي ذبح ملوك وامراء الخليج باسم ( صحيح تأويلها ) شعوب الشام والعراق وليبيا واليمن منذ عام ٢٠١١ والى اليوم ؟
( ٥ )
ستكون شعوب الجزيرة والخليج الضحية المؤكدة لهذه ( التنمية ) ، وسوف لن يختلف مصيرهم كثيراً عن المصير الذي واجهه السكان الاصليون في امريكا واستراليا بعد الكشوفات الجغرافية ١٤٩٣. وستواجه شعوب الجزيرة والخليج مصير العزل ذاته الذي واجهته شعوب الهنود الحمر ، اذ تم عزل الخليجيين عن ادارة هذه ( التنمية )  ، ووضعوهم في احياء سكنية مسوّرة ، كما لو كانوا مصابين بمرض معد : وتركوهم بيد مشايخ ( آل الشيخ ) يثقفونهم على فوائد بول البعير ، وزواج التسيار والمتعة ، وتطهير الماء الذي سقط فيه احد جناحي الذبابة بغطس جناحها الثاني فيه ...
( ٦ )
لو وليتَ وجهكَ شطر المشرق او شطر المغرب فستجد بانها : امكنة دينية ، تلك التي يزورها الناس بكثافة في مكة ضمن المملكة العربية السعودية ، القدس وبيت لحم في  فلسطين ، " آيا صوفيا "  في اسطنبول ، جوامع وقصور الامويين والمرابطين والموحدين في بلاد المغرب واسبانيا ، قبور أئمة الشيعة في النجف وكربلاء وقم . ولو انكَ يممتَ  وجهكَ شطر المشرق او شطر المغرب ، فلن تجد مكاناً حديثاً ذا  شأن وله تأثير حاسم على مصائر الشعوب والاوطان : الّا ان يكون علمانياً وغير ديني ، ولا يؤمه في الغالب الا المكلفين بادارته : كمقرات رئاسات الدول والحكومات  والبرلمانات ، وكالجامعات وكالمختبرات والجمعيات العلمية ...
( ٧ )
لا تصنع الامكنة آيديولوجيات وتطالب الناس بالتعصب لها ، انها ليست ناطقة لتقوم بهذا الدور . وحين ينقسم  مريدوها على انفسهم ، ويتشظون الى فرق وشيع وملل ونحل متناحرة على وراثة المكان ، او على وراثة بعض مقولاته الدينية او الفلسفية او السياسية : فلا يعود سبب ذلك الى المكان بحد ذاته  ، وانما يعود الى ان مريدو المكان قد بدأوا بالانتاج والاضافة الفكرية : ( لكن  مهما كانت عبقرية هذا الانتاج في معطياته الفلسفية ، يظل مقيداً بحدود معطيات الحضارة التي ولد فيها ، وهي الحضارة الزراعية التي قيدت حتى سقراط وتلميذه وارسطو برؤيتها الاجتماعية في الموقف من المرأة ونظام العبودية والمشاركة السياسية . ) وهذا الانتاج الفكري لا يخرج عن اطار مفهومي : احتكار الحقيقة والولاء لاعضاء الدين او المذهب ، اللذيْن يضمان معظم مفاهيم الحضارة الزراعية السياسية والفقهية والتشريعية ، فاحتكار حيازة الحقيقة يعني احتكار التأويل الصحيح للدين ( او لسواه من المنظومات الفكرية الكبرى ) وتكفير الآخر المنافس ، وان عضو الدين او عضو الطائفة هو من " العارفين " حتى لو كان مصاباً بلوثة الاميتين : الامية الابجدية والحضارية  ...
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص


.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة




.. تراجع الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية.. واعتقال أكثر


.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ




.. لحظة اعتقال طالبة رفعت علم فلسطين بيوم تخرجها في أمريكا