الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أساتذة مدارسنا الملاحية المنسية

كاظم فنجان الحمامي

2023 / 10 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


هناك في المسطحات المائية البعيدة، وفي السواحل التي خنقتها الاملاح والاطيان، وفوق المنصات النفطية والعوامات الرحوية، وفي كل شبر من المياه الإقليمية العراقية. هناك في تلك المناطق النائية توجد لدينا مدارس تواصل مهمتها الوطنية المعتادة في التدريب والتأهيل البحري التخصصي بلا انقطاع وبلا توقف منذ عام 1919 وحتى يومنا هذا بمعدل 24 ساعة باليوم. .
مدارس زاخرة بمناهج العلوم التطبيقية في معظم الفروع البحرية والخدمية والمينائية والساحلية. الأساتذة فيها هم التلاميذ، والتلاميذ هم الأساتذة. .
سألت أستاذي الكابتن كاظم غضبان (رحمه الله) ذات يوم، وكان يقود ناقلة النفط (خانقين) من ميناء الفاو القديم إلى البحر عبر ممرات السد الخارجي، وكانت بغاطس 33 قدما، وهو الحد الأعلى الذي بلغته دلتا شط العرب قبل عام 1980. سألته: هل يمكن ان نطلق عليك الآن لقب الخبير الأول في الإرشاد البحري ؟. فأجابني بكل تواضع: أنا حتى الآن اتلقى علومي على مقاعد مدرسة الممرات الملاحية العراقية. وأقوم بتحديث معلوماتي كل يوم. بينما يأتيك الآن من ليس له خبرة ولا مهارة، وتنقصه الخدمة البحرية الفعلية، فيضع نفسه فوق قمة الهرم الملاحي والهندسي، ويحدثنا عن تهافت البلدان المتقدمة عليه للاستفادة من خبراته ومهارته في تقنيات المزاعم الفراغية. .
اتواصل كل يوم مع ربابنة المرفأ في الموانئ النفطية والتجارية، اشعر بالفرح الغامر عندما أرى ابداعاتهم ومواهبهم تتجلى أمامي على أرض الواقع، وعندما أراهم يقودون السفن العملاقة بكل جدارة وبكل دقة. وعندما اشاهدهم يشرحون لنا كيفية عمل المنظومات الملاحية الذكية، فالمهارة ليست هواية، وانما قمة شاهقة يصل إليها البعض، ويموت آخرون حسرة دون تحقيقها. . .
لا أحد يشعر بهؤلاء الاساتذة الكبار، ولا احد يطالب بتمديد خدماتهم التي يحاصرها قانون التقاعد القسري. يتقطع قلبي ألما وحسرة على قرب رحيلهم وتهميشهم والاستغناء عنهم. يحدث هذا أمام أعيننا في الوقت الذي يستعرض فيه المتطفلون خبراتهم الوهمية عن خور عبدالله، ناهيك عن اتهاماتهم التي يطلقونها علينا جزافاً من وقت لآخر. ولا أدري كيف تفرط الدولة بعمالقة هذه المدارس التي ظلت تبهرنا بانجازاتها منذ القرن الماضي. انا لا أقصد أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية، التي ترقد الآن في ردهة العناية المركزة. لكنني أناشد القوى الوطنية الفاعلة بضرورة توفير مستلزمات الدعم والاسناد لهؤلاء الأساتذة الحقيقيين، الذين اذهلوا العقول بعمليات الإرشاد والإرساء والاقلاع والمناورة في الممرات الملاحية الضيقة وداخل أحواض الاستدارة. واشادت بمهارتهم خطوط الشحن البحري. .
كم تمنيت ان ينصفهم الاعلام، وتمنحهم الجهات المعنية حق الظهور على شاشات التلفاز لكي يسلطوا الاضواء على الحقائق المخفية، ولكي يصححوا المفاهيم المغلوطة، ويدحضوا الأكاذيب المضللة. .
وتذكروا في الختام ان أكثر الناس حرصاً على عدم إثارة الفزع في قلوب العصافير هو الصياد الذي يقتلها، فلا تنخدعوا بأبطال الشاشات الملونة. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-