الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميثولوجيا الملائكة أولياء الله

طلعت خيري

2023 / 10 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


دخلت ميثولوجيا الملائكة بنات الله في كافة مفاصل حياة المجتمع المكي ، ورغم مضارها الاقتصادية على الطبقات الفقيرة والكادحة ، إلا أنها بالنسبة لهم مصدر انبعاث روحي وقربى للآلهة ، التي لا تضع عليهم أي حدود عند ممارسة الحريات الشخصية ، كما أنها ترفع عنهم كاهل الخطيئة ، فترى تلك الطبقات في حالة فقر مستمر غير قادرة على النهوض بالقواقع المعيشي ، لكثرة المناسبات الدينية التي يقدم فيها أصحاب تلك المعتقدات النذور والقرابين للآلهة ، فالمجتمع المكي مر بحالة من الخوف والتهديد والاستبداد الديني ، تحت ضل الملائكة أولياء الله ، فتلك التهديدات مفتعلة ، لكي يشعر الجميع بالخطيئة ، فكلما ازدادت الخطايا ، أزاد ريع المنافع الاقتصادية من تلك الخرافات والأساطير ، فالدعم المالي مستمر في استحداث وإنتاج البدع الجديد للتكفير عن الخطيئة ، ففي كل موسم يتغير نمط الاستعدادات للطقوس والمواكب وشعارات الإلهة ، وهذا الاستحداث بمثابة فنون جديدة تضاف الى طقوس الإلهة ، مما كلف الطبقات الفقيرة عبئ مالي جديد الى جانب ما ينفقونه على الطقوس القديمة ، فمنظري تلك الخرافات قائمون على قدم وساق في استحداث كل ما هو جديد لإرغام المجتمع على دفع الأموال ، والا سوف ينالوا سخط الإلهة

قلنا في موضوع سابق ، سيقوم التنزيل بعملية فرق فكري داخل القاعدة الجماهيرية المكية ، لتفريقها بين مؤيد ومعارض للطرح الجديد ، من خلال تصحيح الأفكار والمعتقدات ، لفصل الحق عن الباطل ، فالتهديد والوعيد الأخروي هو أسلوب لردع تهديدات الإلهة للمجتمع ، في استغلال رزقهم ومقدراتهم وأموالهم لصالح جهات نفعية ، فالعامل النفسي عند مرتكبي الخطيئة يتفاعل مع تهديدات الإلهة ، ويأخذه بالحسبان ولو كان ذلك على حساب أمنه المعيشي والحياتي ، لهذا السبب كان التنزيل يدعو الى الأعمال الصالحة ، للتخلص من الخطيئة ، فان كان لتكفيرها ثمن عند الوثنيين ، فعند الله مجانا ، ضربه قاصمه للفكر الوثني الشركي في صميم الاعتقاد ، عندما نقل التنزيل معتقد الملائكة أولياء الله الى يوم القيامة لإخضاع المشركون والملائكة ، للاستجواب ، ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله ،الملائكة ، فيقول الله للملائكة ، اانتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيلا ، رد الملائكة ، سبحانك ما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك أولياء ، ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ، فقد كذبوكم بما تقولون ، فما تستطيعون صرفا ولا نصر ، ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ{17} قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً{18} فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً{19}

من الانتقادات التي وجهها الفكر الوثني المكي للدعوة القرآنية ، بشرية محمد ، وقالوا مال هذا الرسول ، يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق، لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا، أو يلقي إليه كنز ، أو تكون له جنة يأكل منها ، وقال الظالمون ، ان تتبعوا إلا رجل مسحورا ، انظر كيف ضربوا لك الأمثال ، فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ، تبارك الذي ان شاء جعل لك خير من ذلك ، جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ، سواء تفاعل محمد مع طرح المشركين ، أو لم يتفاعل ، أو فتن به ، أو لربما طرأ على باله تساؤلات أخرى ، حول بشريته ، فلا بد من تحديد ماهية لمن قبله من المرسلين ، لغلق الشبهات وإنهاء الموضوع ، وما أرسلنا من قبلك يا محمد من المرسلين ، إلا أنهم ليأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ، أتصبرون وكان ربك بصيرا

وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً{20}

ان منظري الأفكار الشركية والوثنية ، ذات الطابع السياسي ، لا ينظرون الى مصلحة الشعوب ، إنما الى مصالحهم الاقتصادية ، فقط ، فأي تغير فكري في سيكولوجية الجماهير التي انبثقت منها زعامتهم ، سوف يتصدون له بكل ما لديهم من وسائل ، حتى لو اضطروا الى شراء الذمم وشراء الأفكار ، فمحاباة الطقوس واعتقاد المجتمع له دور كبير في بقاء نفوذهم السياسي والسلطوي والاقتصادي ، بعد ان أبطل الله اعتقاد الملائكة أولياءه ، جاء المشركون بطرح سياسي جديد ، بخصوص الملائكة ، للطعن بالملائكة التي أنكرت شراكتها مع الله ، في قولهم ما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك أولياء ، مفاد الطرح هو ، لما كانت للملائكة مكانة عظيمة عند الله ، لماذا لم ينزلها علينا ، أو ينزل هو لنراه بأعيننا ، وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا انزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبير ، رد الله عليهم ، يوم يرون الملائكة سواء ان كانت ملائكة العذاب الدنيوي أو ملائكة العذاب الأخروي ، لا بشرى للمجرمين ، ويقولون حجرا محجورا ، يستغيثون بمن يحجز الملائكة عنهم

وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً{21} يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً{22}

ضربه قاصمة لأصحاب المصالح ، من رأسماليين وكهنه وأسياد بطريق غير مباشرة ، انطلقت من القاعدة الجماهيرية المكية ليكونوا هم الطرف الفاعل والمساهم في انهيار المصالح الاقتصادية للمنتفعين ، مفادها يا أهل مكة ، أن ما تقدمونه من نذور وطقوس وأموال وأنصبة محاصيل للملائكة أولياء الله ، لا تجدون منه شيء يوم القيامة ، وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعناه هباء منثورا ، أصحاب الجنة يومئذ خير مستقر وأحسن مقيلا ، وبهذا الفرق العقائدي ، توقف المجتمع المكي عن الإنفاق المالي على الإلهة بكل أشكاله ، مما انعكس ذلك على النشاط الاقتصادي ، للمضارين في أسواق الملائكة أولياء الله ، استمر الفرق العقائدي في تفكيك القاعدة المكية ، ليطول هذه المرة العلاقات الاجتماعي ، كالأصدقاء والأخلاء ، من مشاهد يوم القيامة ، ويوم تشقق السماء بالغمام ، الغمام ليس الغيوم ، إنما من الغم ، ونزل الملائكة تنزيلا ، اتخذت الملائكة منازلها كعباد لله لا كآلهة معه ، الملك يومئذ للرحمن ، وكان يوما على الكافرين عسيرا ، ويوم يعض الظالم على يديه ، يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ، يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلان خليلا ، لقد أضلني عن الذكر بعد اذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ، وقال الرسول يا رب ، ان قومي اتخذوا هذا القران مهجورا ، وكذلك جعلنا لكل نبي عدو من المجرمين ، وكفى بربك هاديا ونصيرا

وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً{23} أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً{24} وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً{25} الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً{26} وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً{27} يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً{28} لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً{29} وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً{30} وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً{31}

الصراع الفكري مستمر ، والتحديات مستمرة ، من اجل إثبات الوجود ، لا من اجل البقاء ، لقد مضى على الدعوة ، وقتا طويلا في مكة تدعوهم الى عبادة من يستحق العبادة ، فهم على اطلاع كامل على آلية نزول الآيات ، فأرادوا قلب تلك الإلية سياسيا لصالحهم ، في تحدي جديد ، حيث طرح المشركون ، على محمد آلية مغايره ، لنزول القران ، وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القران جملة واحدة ، رد التنزيل على محمد لا على المشركين ، لان السؤال موجه له ، كذلك لنثبت به فوأدك ورتلناه ترتيلا ، والترتيل يخص النزول ولا علاقة له بالتلاوة أو قراءة القران ، ترتيل بمعنى آيات تتبع آيات ، ارتال من الآيات ، وفقا للحدث لا للزمن

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً{32} وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً{33} الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً{34}








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتحدون موسكو.. مظاهرات حاشدة في تبليسي ضد -القانون


.. مسيرة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تطالب بوقف الحرب على غز




.. مضايقات من إسرائيليين لمتضامنين مع غزة بجامعة جنيف السويسرية


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس