الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(( حبياً نحو العبودية ))

محمد ساجت قاطع

2023 / 10 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


((حبياً نحو العبودية))





سألني أحدهم ذات يوم :

_ هل تحب أن تكون عبداً للحسين ؟

_ فأجبته : لا

_ لا ؟! (مستغرباً)

_ لا بكل تأكيد ، إني أرفض أن أكون عبداً لأي شخصٍ كان ، وخصوصاً إذا كان هذا الشخص هو الحسين بن علي ، لأن الحسين يأبى لي ذلك ، فما فهمتهُ وتعلمته من نهضة الحسين ، أنه لم يرد من خروجه سوى أن أكون حراً ، ولكيلا تُرهقني الذلة من بعده ، وأصبح بعد ذلك ضحيةً للاستبداد.
فإن الحسين لم يخرج لتحريرنا من عبودية ، ليضعنا في عبودية من نوع آخر. فإنك يا عزيزي بفهمك هذا للحسين تقتله مرةً أخرى.

_جميل ، ووجهة نظر أجمل، ولكن تبادرَ في ذهني سؤال : هل الخلل في فهمي أنا أم في فهم المجتمع للحسين ؟ ثم لماذا هذا السعي الدائم نحو العبودية؟.

_ كلا ، الخللُ ليس فيك يا عزيزي ، ولا في المجتمع ، إنها فقط التراكمات تفعل فعلها.

_ ماذا تقصد ؟

_ أقصد أن قضية الحسين تم استغلالها كثيرا لترسيخ الاستبداد ، وفرض السيطرة على الرعية وترويضهم ، ولكبح جماح الثائرين، وليكن في علمك أن دوام الاستبداد دوامٌ للعبودية!

_حسناٌ، إنك تدفعني مع كل إجابة لك إلى الحيرة ، أجبني على سؤالي الثاني (لماذا هذا السعي الدائم نحو العبودية؟).

_حسناً، سؤالك هذا يحتاج إلى الكثير من الهذيان للجواب عليه !، وسأحاول أن لا اتفلسفُ عليكَ كثيرا ، أن شعبنا المسكين يا عزيزي رزحَ تحت الاستبداد كثيراً ، فهو كلما خرجَ من استبداد دخل في آخر، والاستبداد يا عزيزي يزرع في نفوس الشعوب الخنوع والعبودية والذلة (الاستعباد) ، وعندما يستمر الاستبداد طويلاً ، يصبح الاستعباد أمرا مألوفا، ومن المسلمات، فتكون العبودية هي الحالة الطبيعية، والحرية أمرا طارئا. (فالشعوب التي تخضع طويلا تحت الاستبداد ،لا يكون الشعور الطبيعي لديها إلا الاستعباد).

_لقد صدقت في قولك ، فإنك بالفعل قد هذيت كثيراً ! إني أشعر بالدوار بسبب هذيانك هذا ، ولكني فهمت من هذيانك أن الحسين لم يرد منا بخروجه سوى أن نكون أحرارا ونتخلص من كل نوع من أنواع العبودية.

_نعم بالفعل ، وكأنني أسمعه ينادي من بعيد : أخشى أن ترهقكم الذلة من بعدي.
وماذا فهمت أيضا ؟ من هذياني !!.

_فهمت أن تراكم الاستبداد يولدُ رغبة في الاستعباد ، فيكون شعور الشعوب التي تخضع للاستبداد طويلا هو الشعور بالعبودية ، وما الحرية لديها سوى أمرا طارئا لا يدخل في خانة المألوف. ولكني وصلت إلى نقطة جوهرية من خلال هذيانك هذا !!.

_وما هي ؟.

_ان الشعوب التي رزحت تحت الاستبداد كثيراً، وكان الاستعباد عندها شعوراً جميلاً، حينما تحصل على استغلالها وتكون أمام فرصة لحكم نفسها بنفسها ، كما هو حال الشعوب الحرة ، فعندها تنبعثُ لديها وبصورةٍ لا إرادية تلك الرغبة الجامحة نحو العبودية من أعماق عقلها ووعيها الباطن، فهي أمام هذه الفرصة السانحة لنيل حريتها وما ينتج عنها من كرامة ورفعة وحياة كريمة هانئة ، بعد ذلك لا تراها إلا وهي تضرب بعرض الجدار تلك الفرصة ، ولا تلبث إلا نحو السعي إلى البحث عن شخصٍ ما ليكون سيداً لها وتصبح هي في منزلة العبيد وإبداء الطاعة كما تعودت سابقاً! ، لتهنئ تحت براثن العبودية مرة أخرى، ولا تقتصر هذه الرغبة نحو العبودية على شخص ما ، بل قد تتبلور إلى عبودية من نوع آخر عبودية لجهة معينة أو تيار معين .. ولكن هل تعلم المشكلة أين ؟

_أين ؟ ، ولكن ألا تظن أنك قد هذيت أكثر مني ؟.

_ بلى ، المشكل ، أن هذه الرغبة الجامحة للعبودية، وهذا السعي الدائم نحوها ، لتكون على درجة معينة من المقبولية ، ولتصبح شيئا مألوفا، يتم تزينها بأكبر شعلة تناثر وهجها في فضاء الحرية وهذه الشعلة تتمثل بالحسين ، فهذا الإنسان الخالد قد خرج بنهضةٍ تقاطعُ كل مفاهيم الظلم والتسلط والطغيان (الاستبداد) لما تتركه في المجتمع من الذلة والخنوع والعبودية (الاستعباد) وما يترتب عليها بعد ذلك من سحق لكرامة الإنسان، وسلبه أبسط حقوقه ، ودعى ونادى بكل شجاعة وإقدام بكل مضامين العدالة والمساواة وإنصاف الحق والحقوق بين الناس حياةٍ هانئة وعيشٍ كريم وحقوقٍ مكتسبة. وقد قدم ماله وعياله وأصحابه أجمعين في سبيل أن تشيع هذه المضامين بين البشرية ، ليحيى الإنسان إنسانا..
فكل العجب العجاب أن يتم التوفيق بين هذا الإنسان العظيم صاحب النهضة المجيدة المملوءة بالقيم الإنسانية وبين العبودية التي قدم ما قدم في سبيل خلاص الإنسان منها..
فترى هذه الشعلة يتم إخفات وهجها على مدى العصور ، لكيلا تضيئ الآفاق بنور الحرية ، وهذا الإنسان الثائر يُذبح في كل مرة يتم وضع العبودية في خانته. فما لكم كيف تحكمون ؟ أين العبودية من الحسين !!.

_أن هذه الرغبة الجامحة بالعبودية المتجذرة في اللاوعي الجمعي لدينا ، نحاول تزينها لتصبح مقبولة ومسلم بها لدينا فنلصقها بالحسين رمز الحرية!!

_نعم، إننا نلصق العبودية بأبي الأحرار.!!!

✍محمد ساجت السليطي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنيش: صاروخ الشهيد جهاد مغنية من تصنيع المقاومة الإسلامية وق


.. الأهالي يرممون الجامع الكبير في مالي.. درّة العمارة التقليدي




.. 121-Al-Baqarah


.. 124-Al-Baqarah




.. 126-Al-Baqarah