الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هو الانتخاب الثقافي؟ (3) والأخير

داود السلمان

2023 / 10 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المستقبل: وهو الفصل الرابع عشر والأخير
وبعد أن رسم المؤلف حدود الانتخاب الثقافي، واشار إلى ثمة تاريخ موغل بعمق حوادث القرون، كلها دلت دلالة واضحة، أن هناك ملامح واضحة رسمت كل شيء، على ضوء مجهر فكري، صاغ تلك الاحداث عن دراية ومعرفة. لم يفته هناء بأن يحدد مستقبل لتلك الثقافات، وفق تغير المناخات السياسية والثقافية، وحتى الاقتصادية، وبحسب سير الزمن، لأنّ الزمن يسير نحو الأمام، في حركة دائمة. ذلك خصص المؤلف هذا الفصل لرسم مستقبل، كان ينظر اليه نظرة فاحص مدقق.
وحدد ذلك كالآت:
(1)سياسة الأمن
يرى المؤلف إن السلم والحرية لا يبقيان ويدومان إلا إذا كانت جميع البلدان آخِذةً في التطور في اتجاه كاليبتي. وقد يبدو هذا كلامًا طوباويًّا، ولكن الحقيقة هي أن هذه العملية آخذة في التحقق الآن، لقد انتهت عصور الاستعمار، وبلغت القوى العظمى أقصى حدود التوسع، وهي الآن على الطريق إلى عملية التحول إلى مجتمعات كاليبتية. ونحن ربما يراودنا خوفٌ من ظهور إمبراطوريات ريجالية جديدة على نحو ما حدث من قبل في التاريخ، وقد تكرَّر ظهورها مراتٍ لا حصر لها. ولكن لدينا الآن إمكانية غير مسبوقة لوقف مثل هذه التوجهات العدوانية، وأعني بذلك جهود الأمم المتحدة وغيرِها من منظمات دولية تعمل جميعها من أجل الحفاظ على السلم ووقف أي محاولات تستهدف إرساء قواعد للإمبريالية والعدوان، وكلما زادت كفاءة جهود الحفاظ على السلم، قلَّت احتمالات نشوب حروب جديدة، وحين ينتفي خطر الحرب سيتجه كل بلد على الأرجح إلى التطور على الطريق نحو الطابع الكاليبتي.
يقول: ولعل ضمان استقرار الحدود بين الأمم هو الوسيلة الأكثر فعالية في اتجاه إضفاء طابع كاليبتي كوكبي، ولكن هناك أيضًا إمكانات أخرى للتأثير على بلد في الاتجاه الكاليبتي، وهنا تمثل حركة حقوق الإنسان أمرًا بالغ الأهمية؛ ذلك أن أيديولوجيا حقوق الإنسان من أهم الأسلحة مَضاءً وقوةً في يد النزعة الكاليبتية. إن الديمقراطية وحرية التعبير، وحرية الفكر والضمير، وحرية الاجتماع وتكوين الأحزاب، والحرية الفنية، والمحاكمة النزيهة … إلخ؛ هي مبادئ تحدُّ، وبصورة فعالة، من احتمالات قيام نظم حكم ذات طابع ريجالي ولها السيطرة على الناس. وتدل الخبرة العملية على أن حقوق الإنسان تحظى بأكبر قدر من الأمان حين توجهها منظمات دولية؛ مثل اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية، دون أن تخضع لسيطرة الأجهزة القومية. وجدير بالذكر أن المحكمة القومية ستظل دائمًا أقلَّ موضوعية من أي منظمة دولية حين تتعرض المبادئ التشريعية للبلد المعنيِّ للنقد. ويشهد التاريخ بأن المحاكم القومية غالبًا ما ساومت لأسباب نفسية حين يتعلق الأمر بحالات تتناول ظاهرة مثل الذعر الأخلاقي أو مطاردة السحرة. وغير خافٍ أن من الخصائص المهمة للذعر الأخلاقي أن المتورطين فيه إلى آذانهم يعجزون عن رؤيته.
(٢) السياسة السكانية
الباحث يقول: إنّ الأرض تكتظ بسكانها، والنمو الأُسِّي للسكان هو الخطر الأعظم الذي يتهدد السلم العالمي والاستقرار الإيكولوجي؛ لذلك أصبح ضروريًّا ضرورة مطلقة بذل الجهد للتحكم في النمو السكاني في تلك البلدان التي زاد فيها معدل النمو إلى أقصاه. وواضح أن ضبط النسل إجباريًّا، على نحو ما نرى في الصين، إمكانية نظرية قائمة، ولكن سيكون من العسير إلى أقصى درجات العسر تنفيذُه في حالات كثيرة؛ لذلك علينا أن نبحث عن إمكانات أخرى للحد من معدل زيادة المواليد.
ويضيف بأن إضفاء الطابع الكاليبتي من شأنه أن يؤدي تلقائيًّا إلى نقص معدل المواليد؛ ولهذا فإنه نهج مستصوَب في هذه الحالة أيضًا. وسبق أن تحدثنا عن وجود آلية أخرى يمكن أن تحدَّ من نمو السكان، وهي الآلية التي سميناها موارد إضفاء المكانة والهيبة، ويمثل التعليم أحد هذه الموارد. وإذا سلَّمنا بأن التعليم هو الطريق إلى تحقيق المكانة والهيبة فإن الأبوين سينزعان إلى أن يُنجبا عددًا قليلًا من الأطفال وتوفير فرص تعليم جيد لأطفالهم؛ بدلًا من تربية وتنشئة أطفال كثيرين لا يملكون القدرة على تعليمهم تعليمًا جيدًا ولفترة تعليمية طويلة. علاوةً على هذا، سوف ينجب الأبوان أطفالهما وهما في سن متقدمة نسبيًّا إذا ما كانت الأولوية الأولى لتعليمهما ولمستقبلهما العملي. وهذا أيضًا يقلل من النمو السكاني؛ ولذلك فإن أية سياسة توفر التعليم وتجعله هدفًا جذابًا لكل أبناء المجتمع سوف تحُدُّ كثيرًا من النمو السكاني.
ويقرر أنه في حالات المجاعة أو الحرب، لا يضع الناس في الحسبان الاعتبارات الإيكولوجية بعيدة المدى. وإذا تركنا الأمر للحرب والمجاعة والأوبئة لكي تكون لها السيطرة والتحكم في الزيادة السكانية في العالم، فسوف تستنفد الموارد الإيكولوجية وسيكون من المستحيل الحد من التلوث؛ لذلك فإن السياسة السكانية الكاليبتية ضرورية لأسباب إيكولوجية.
(٣) سياسة الهجرة
وباعتقاد الكاتب أن الهجرة تأتي في المرتبة الثانية بعد الحرب؛ ذلك أن الهجرة من الثقافات الريجالية، وهي أكبر خطر يتهدد الطابع الكاليبتي للمجتمع. إن الهجرة الجماعية المكثفة ذات التكوين المتجانس ستفضي على الأرجح إلى تكوين تشكيلات انعزالية أو معازل (جيتو) وإلى إضفاء طابع ريجالي، هذا على عكس الهجرة المحدودة وغير المتجانسة؛ إذ يمكن أن تفضي إلى إضفاء طابع كاليبتي، وربما يكون عسيرًا على بلد ذي طابع كاليبتي أن يرفض اللاجئين إليه من منطقة ريجالية دمرتها الحرب. ولا ريب في أن كرم الضيافة خاصية طبيعية تتسم بها ذهنية المجتمع الكاليبتي، وأن المصير البائس للفرد اللاجئ يُحدث انطباعًا نفسيًّا يفوق الاعتبار التجريدي لثقافة البلد المضيف، ولكن المتوقع على المدى البعيد أن تؤدي سياسة الهجرة الليبرالية إلى غلبة مشاعر كراهية الأجانب وإلى غلبة الطابع الريجالي للمجتمع؛ على نحو ما نرى وبكل وضوح في أوروبا الآن.
(٤) السياسة الاقتصادية
لا يرتاب الباحث في أن ارتفاع نسبة البطالة في فترات الركود الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى نتائج ذات طابع ريجالي، ولكن إذا ما ظل المجتمع مستقرًّا فسوف يكون بالإمكان تخفيف الآثار النفسية؛ وذلك عن طريق توفير ضمان اجتماعي واقتصادي للعاطلين؛ ذلك لأن الأخطار التي تتهدد المجتمع لا الفردَ هي علة قيام نظام حكم تسلطي؛ ومن ثم يصبح ضروريًّا وضْعُ سياسة اقتصادية توفر للمجتمع قدرة على مقاومة تقلبات الأوضاع الاقتصادية. ومعروف، يعتقد، أن رد الفعل التقليدي عند السياسيين إزاء حالات الركود الاقتصادي هو محاولة تحقيق نمو اقتصادي، والتكهن بأن تقدمًا اقتصاديًّا دوليًّا سوف يحدث وشيكًا ويحل جميع المشكلات. ولقد حظي اقتصاد المجتمع الغربي بمرحلة نمو طويلة الأمد هيأت له إمكانية إقامة هياكل اقتصادية تعتمد على النمو كأساس للعمل وأداء دور محلي وعالمي. ويبدو أن السياسيين والاقتصاديين هم الوحيدون العاجزون عن إدراك أن للنمو حدودًا؛ ولهذا نحن بحاجة إلى تفكير اقتصادي جديد يسهم في خلق نظام لا يعتمد على النمو كضمان للاستقرار ولتحقيق أمن اجتماعي.

(٥) السياسة الإعلامية
ثمة آلاف المنظمات تحاول جذب انتباهنا كل يوم، كما يرى الكاتب. ويذكر من هؤلاء المعلنين التجاريين والمتنافسين السياسيين في حملاتهم، والحركات الدينية والمنظمات الإنسانية والصحف ومحطات التليفزيون. إن حياة أو موت شركة مياه غازية أو مؤسسة دينية رهن قدرتها على جذب انتباهنا إليها، وإن هؤلاء الفائزين في تلك المنافسة الشرسة التي لا ترحم من أجل لفت الأنظار؛ هم الأقدر على استثارة كوامن نفوسنا ونوازعنا النفسية. والملاحظ أن الصحيفة القادرة على خلق حالة ذعر أخلاقي بشأن منظمة للجريمة لا وجود لها، سوف تتفوق في المنافسة مع صحيفة أخرى تكتب تقارير عن انخفاض معدلات الجريمة. وليس المهم هنا ما إذا كانت قصص الأخبار صحيحة أو ذات صلة بالموضوع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و