الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنتوقف عن الكتابة .. لنوقف الكتابة

ضياء المياح
كاتب وباحث، أكاديمي

(Dhiaa Al Mayah)

2023 / 10 / 4
المجتمع المدني


أيها الكٌتاب دعونا نتوقف عن الكِتابة لأنه لم يعد ثمة أحد يقرأ، دعونا نوقف كتابتنا لأنه لا أحد يطلبها ولم تعد سلعة مرغوب بها. البعض لا يملك الوقت ليقرأ وإن ملك البعض وقتا فهو مشغول بمتطلبات الحياة أو المعيشة وإن زاد من الوقت قليلا فسيقضى بالمشاهدة والاستماع والألعاب، وجميع هذه التسالي لا تتطلب جهدا عقليا كما هو الحال مع قراءة ما مكتوب. لنوقف كتاباتنا ما دام لا أحد يقرأ لنا، فقط نحن من يقرأ لبعضنا، صرنا نكتب لأنفسنا ونقرأ لبعضنا. وأخشى أن يأتي اليوم الذي تسأم فيه أنفسنا من كتاباتنا ولا نقرأ لبعضنا. هذا الموضوع لا يتعلق بدولة العراق فقط، فكثير كثير من الدول تشاطرنا الحال.
صارت الكتابة هي المومس الوحيدة بين الأخوات الشريفات من الأغاني والأفلام والفيديوهات والصور الفنية والرسومات والإذاعات والتلفزيونات وحتى الصور الشخصية بدأت تشغل الناس ويتابعوها. بدأت الكتابة تخفي ملامح وجهها حين يمر ذكرها بين أخواتها وتحاول أن تختفي عن الأنظار حينما تتنمر عليها أخواتها أو يستعرن منها وأصبحت هي المكروهة الوحيدة في عالم اليوم. كل الأخوات يتفاخرن بكثرة الخاطبين ومن تزوجت تفاخرت بكثرة الذرية وتعدادها وانتشارها بين الناس ومعرفتهم وتعلقهم بها، إلا تلك الكتابة العانس الكئيبة التي لم يتقدم لخطبتها أحد بل ولم يفكر في الارتباط بها أصلا أي أحد.
وفي ظل منافسة أخواتها، لم تعد الكتابة تبني الأوطان وترسخ البنيان في المجتمعات وتربي الأجيال. لم تعد الكتابة قادرة على تأشير الوطنيين وفضح الفاسدين. لم تعد الكتابة تعلي شأن الناجحين والعباقرة والعلماء وتحط من شأن الفاشلين والعاجزين عن القيام بأعمال مفيدة. لم تعد الكتابة قادرة على إظهار الصورة البهية للوطن والمواطن. إن هذا كله ليس بسبب عجز الكتابة أو عدم قدرتها، بل بحكم منافسة الأخوات وانشغال الأفراد. لم تعد هذه الكتابة البائسة قادرة على بيان العلم والمعرفة وتوصيلها إلى الناس. لهذا دعونا نتوقف عن الكتابة لأن أخوات الكتابة لن يدعنها وشأنها وسوف يضيقوا عليها الخناق لإيصالها إلى مرحلة اليأس والتفكير بالاعتزال أو الانتحار.
ورغم إن الكتابة هي أكبر أخواتها عمرا وأولهن ظهورا وأكثرهن توسعا وتمددا منذ بدء الخليقة ولغاية عصور قريبة جدا والأكثر استخداما لتوثيق أحداث الماضي والحاضر من الأفعال والأقوال، وهي خيرهن صديقا وجليسا وأفضلهن أنيسا وأسرعهن بناءً لقارئها، إلا إنها عشاقها قليلون ومريديها يتناقصون كونها تتطلب جهدا عقليا من أجل أن تبني فكرا صلدا لا تتجاذبه الاراء وتطيح به أحداث اليوم المتسارعة والمتناقضة. ولأن الإنسان اليوم لا يهتم ببناء الفكر كاهتمامه ببناء بيته وسيارته وشهادته التي لم يبذل جهدا كبيرا في قراءة ودراسة كتبه المنهجية، لم تعد الكتابة ذات أهمية كبيرة له. ولأننا نكتب للإنسان الذي لم يعد يهتم لهذه الكتابة، فدعونا نتوقف عن الكتابة له ونكتب لأنفسنا فقط ونقرأ ما نكتب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاقم معاناة النازحين في رفح بعد سيطرة إسرائيل على المعبر وت


.. أعداد الشهداء الفلسطينيين تتزايد جراء الهجوم على غرب رفح.. و




.. الشاباك يتخلى عن اعتقال المزيد من الفلسطينيين بسبب اكتظاظ ال


.. الأونروا تحذر من استمرار توقف دخول المساعدات من معبر رفح




.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا