الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معرفة الله فطرية ام مكتسبة؟

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2023 / 10 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خاض الفكر الديني صراعاً عبر تاريخه الطويل بهدف ترسيخ ايمان الانسان بالعلم اللدني للإله، اي العلم الروحاني الذي لم يخضع لزمان ومكان ولم يكتسبه الله من خلال المعرفة انما هو علم قديم قدم الذات الإلهية تماما كما يولد الإنسان بلون جلده يكون هكذا اندماج العلم الإلهي بكيان ذاته، ومن خلال هذه العقيدة الدينية تطور المعتقد الغيبي للمعرفة بتقسيماته التي اطلق العنان فيها الى فطري ومكتسب بحسب علاقة العابد بالمعبود. ان الامور العقائدية غير قابلة للجدل لانها مع تاريخ الأديان تحولت لمعتقدات راسخة، لكن تاريخ الفكر الديني قد قدم محدثات تحولت عقائداً. تماما كما هو الحال من انكر وجود الله لأنه غير موجود على المستوى اليقيني للعقل، فصار وجود الله من المسلمات واستحدث مفهوم عدم وجود الله من محدثات العقل كذلك، مقابل الفكرة التي تناقض الفطرة والعقل، فهل الفطرة من احكام العقل ام انها لعجز العقل، فهل دليل انهيار العقل امام المسلمات الغيبية توجب الايمان الى خالق لهذا الكون؟ استدراجاً لقوانين العقل نورد ادناه:
1 –الفطرة : بحسب لسان العرب، هي ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به، طبيعة الإنسان التي درج عليها في خياله وميوله ومشاعره ، فهي كما اشار علم النفس عبارة عن صفات وقابليات تولد مع الانسان وتتوزع على قدراته البدنية، النفسية، العقلية، وقد اشار في السيد الخميني ” ... في عالم بعد الموت اذا غلبت على باطنه ملكة الشهوة والبهيمية واصبح حكم مملكة الباطن حكم البهيمة ، كانت صورة الإنسان الملكوتية على صورة احدى البهائم التي تتلائم وذلك الخلق ، واذا غابت على باطنه وسريرته ملكة الغضب والسبعية وكان حكم مملكة الباطن والسريرة حكماً سبعياً كانت صورته الغيبية الملكوتية صورة احد السباع والبهائم واذا اصبح الوهم والشيطنة هما الملكة واصبحت للباطن والسريرة ملكات شيطانية كالخداع والتزوير والنميمة والغيبة تكون تكون صورته الغيبية الملكوتية على صورة احد الشياطين حسب ما يتناسب وتلك الصورة ” (1) بحسب السيد الخميني الغى المفهوم الروحاني للفطرة وحولها الى ملكة الشهوة والبهيمية وصار الباطن في قلب الإنسان عند غياب شكله الغيبي ان يتحول الى حياة البهائم فيتحول الى حيوان وشيطان فلا وجود لسرائر القلوب وصفائها عندما تتملكها الشيطنة، اين اذاً ودائع الله في خلقه اذا كان الخميني قد اشار الى فساد السريرة ولم يفصل الشكل الإلهي عن الشيطاني في سرائر النفوس فلم تكن هناك ومضة نورانية في القلوب بل صار غوص المرء في مقدار انحرافه يكون شكله الحيواني. نحن امام فقه إسلامي يقلب مفاهيم معرفة الله في الفطرة الى الطعن في الصور الغيبية التي لم تعترف بملكة الفطرة تلك التي ثبتها الشرع كحقيقة في النفوس. فالفطرة بحسب التفسير الديني منغمسه في كيان الإنسان وهي الأصل في برهان جوهره البشري وليس كما انكرها السيد الخميني في معرض تشككه بالوازع الشيطاني للإنسان.
2 – العقل: مجموعة من القوى الإدراكية تشمل الوعي والمدركات الحسية، من تفكير، حكم، ذاكرة، لغة، والقدرة على التمييز والتخيل، وصنع القرارات، اي بتسلم العقل صياغة قدراته في المواقف والانفعالات والصور من العالم المادي، اذ بدون العالم المادي تتضائل قدرات العقل بشكل شامل، لكن العقل رغم اعتماده اساساً على العالم الموضوعي إلا انه صار سبيلاً في الجدال في الفلسفة الدين ولعل من بين مصادر الجدل علاقة العقل في الجسد، اي العلاقة بين العقل والدماغ المادي والجهاز العصبي، مما ادى الى قيام الفلسفة المادية والمثالية، الصراع بين معتقدات العلم وما يراه الدين. العقل في كل الاحوال وعي الذات فهناك من ينسب العقل الى كيانات غير حية، متمثلة بالروحانية المطلقة او ان العقل هو الروح، وقد تعددت المدارس الفلسفية في تفسير معطيات العقل على انه نشاط حيوي خالد بعد الموت مرتبط بالنظام الكوني وبتفسيرات خضعت عبر آلاف السنين لمفاهيم ميتافيزيقية ربطت العقل بنظام العدل الإلهي من ثواب وعقاب حتى انطلق الدين برمته اساساً من المعتقدات الغيبية التي فسرت طبيعة العقل البشري موضع مقالنا هذا.
3 – المعرفة ان للكون إله : ان معرفة ظواهر الكون التي اعتمدت اساساً على روحانية الفطرة، كان ارتباط المعتقد في معرفة كائن علوي راقي الوجود روحاني خارج العقل، ما جعل تلك المعرفة تنتج احساس الإيمان بوجود الفطرة كجزء حيوي وفعال في كيان الإنسان. لقد تم الربط بين الفطرة وعجز العقل البشري في تفسير كنه الكيان الإلهي وربطه فيه بسبب الوجود البشري. لقد تم ربط العقل بالفطرة في انها استلهمت معرفة الوجود الإلهي من خلال ايمان العقل بوجود خالق للكون. لكن هذا الإيمان قد تسبب في الكثير من الإشكالات والصراعات الفكرية على مدى التاريخ ومازال ليومنا هذا يسعى العلم لفصل العقل عن العلم اللدني، علم الغيب الإلهي، في عدم صلاحية العقل سبر اغوار الغيب واعتماده على العالم المادي الذي يستمد العقل البشري من خلاله معرفته، فلا دليل للعقل مادام خاضعا لعالم غير مادي في اثبات وجود منشئ لهذا الكون.
لقد ظهر العديد من النظريات الفلسفية التي تبحث في العقل تعود الى عهد افلاطون، ارسطو وسقراط، وكلها قد وجدت جذورها في الفكر الديني وكان التركيز على العلاقة التي تجمع بين العقل والروح، ولعل منبع الاستنتاج المنطقي في الربط بين الروح والعقل تمثل في ايجاد التبرير المنطقي لفكرة الفطرة التي تم استخلاصها كخط وسيط بين الخالق والايمان به. ان الحقيقة تكمن وراء تثبيت ركائز العالم الروحاني او الجوهر الإلهي ان العقل البشري تمكن من صياغة الذات الإنسانية انها تمحور وجودها في الإله المطلق الوجود بحيث صار العقل ان لم يوجد هذا الإله مضطرا الى صنعه ليكون البديل عن اسئلة العقل التي لم تنته في ايجاد خط جامع بين المعرفة الفطرية والإله الذي وجد مكانه في العقل البشري.
ان تطور التفسيرات عبر التاريخ الديني للإنسان كان في اثبات الخالق ممكن الوجود الى واجب الوجود، اذ لا يمكن ان يخرج عقلا اي موجود عن احد هاذين الفرضين، لقد ابعد العقل الإنساني احتمالية الافعال الفطرية لغير الإله، ولهذا راي العقل ان تسلسل العلل محال ذلك يفضي الى موجود غير معلول لموجود واجب الوجود (2) الفطرة هي الافعال التي تكمن في اللاوعي وتعمل بشكل مستقل عن العقل، وهي عمل العقل وتطوره في المسار البيولجي عبر ملايين السنين ولا يترتب على ذلك بمعنى رحلة البحث عن خالق لهذا الوجود، فالدافع الفطري كما عرفه علم النفس التربوي الحالة التي تثير السلوك في ظروف معينة حتى ينتهي الى تحقيق غاية، اي ما كانت تأثيراتها بيولوجية هدفها فطري بدوافع وراثية لا يحتاج الفرد الى تعلمها فهي تلك الدوافع البيولوجية تخص التعبير عن فيزيولوجيا تحدث تغيرا في التوازن العضوي والكيميائي للجسم فتدفع الكائن الحي الى اشباع وارضاء الرغبة الفيزيولوجية كي يعود الجسم الى توازنه الطبيعي قبل الحاجة للدافع الفطري. تلك الحاجات تظهر عند الولادة اي قبل سن التعلم والخبرة، وهي عامة بين افراد النوع الواحد كدافع الامومة، الجوع، الدافع الجنسي، اي هي نشاط بيولوجي للحفاظ على النوع. لا علاقة للدوافع الفطرية بوجود او عدم وجود خالق للكون، فالدوافع الفطرية للمعرفة كحب الاستطلاع هي اصل التطور الحضاري والعلمي، حب الجمال دافع المبدأ للفنون وحب العدل دافع مبدأ سن القوانين والنظم الاجتماعية وغريزة الشعور الديني في البحث عن موجد للكون مبدأ الاتجاه الى المعتقد. ان احساس الإنسان عند انقطاع الرجاء في حياته يحيي عنده الإحساس الفطري الى عالم الروحانيات او القوى الغيبية في انها المنقذ، فاتباع العقل للغيب لم يجسد حقيقة وجود الخالق بقدر ما جسَد لحظة انهيار الذات وتشبثها بالحياة، فهل تتحكم الفطرة والعقل على صحة التقاليد في اتباع الأديان؟ لقد امتلك الإنسان العقل واستطاع من خلاله ان يميز الحق والباطل فالبحث عن ايجاد دوافع روحانية للجسد خارج الإطار العقلي يفرغ وجود العقل كطاقة بيولوجية لها علاقة بالتركيبة المادية للجسد، لان قضية البحث عن وجود عالم روحاني ليس في مقدور العقل اتيانه، ولا يندرج ضمن الحقائق الروحانية، فهذا الصراع بين العقل والذات قد اشار اليه القرآن ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ... اقد افلح من زكاها وخاب من دساها ” اذا كان القرآن قد اشار الى حرية النفس في النبذ والاختيار، فهذا مسار عقلي لا علاقة له بالطاقة الفطرية للإنسان، فلو كان العقل قد تعلم الإختيار بين الفجور التقوى، هي طاقة اختيارية وليست قدرية. التوحيد والايمان بوحدانية الله، اختيار عقلي درج عليه التقليد الإجتماعي ، ففي الحديث المروي عن الشيخ الكليني في اصول الكافي ما نقله هشام بن سالم ” فطرة الله التي فطر الناس عليها ” فقال هي التوحيد. فما علاقة التوحيد بالفطرة بحاجة الجسد لإتمام النشاط البيولوجي والكيمياوي لبقاء الجسد؟ وما علاقة الحديث ” كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون ابواه يهودانه وينصرانه ” اذا كانت الفطرة قد قادت الى التوحيد فهل ستقود كذلك الى اعتناق الدين الإسلامي؟ فالتوجه للدين ذات التوجه للعدل والجمال وللجنس في بقاء النوع، هي افعال بيولوجية جسدية كيمياية تتم داخل الجسم. بحسب الفكر الديني فأن النفس البشرية مفطورة على الإيمان بوجود خالق للكون، فالأمور المفطورة تساوي في العلم بها العالم والجاهل، الصغير والكبير، فهذه الفطرة انما يتساوى فيها الجميع في جميع الملل والنحل، فهذا يعني بحسب التفكير الديني ان الإنسان لو تجرد عن المعرفة فإن فطرته تقتضي حصوله على المعرفة الإلهية كوجود الله وكماله فهذه الفطرة تكفي لتسيير الإنسان نحو الله. ان اول اعتراض يواجه المؤمن بعقيدة الفطرة انها لو كانت المعرفة فطرية فلماذا يختلف الناس فيها؟ اذ كان يفترض ان لا يقع خلاف في فطرية المعرفة. لو كان انقياد الإنسان لمعرفة الله فطرياً ومن ضروريات الحياة لتساوى الناس فيه، لكن الناس اختلفت فيه فمعرفة الله مختلف فيها، فهناك عشرات القبائل في مجاهل الغابات الافريقية والآسيوية لا تعرف طريق الله ولم تسمع عنه ولم يقودها احساسها الفطري بوجوده. هذا يعني ان معرفة الله ليست فطرية. ان عجز الوصول لمعرفة الله لم يشترط فيه ظهور الإستدلال، فالخلاف الواقع بين الناس يثبت التناقض وعدم اهلية الافعال الفطرية كحالة روحانية مرتبطة بالخالق. يفترض في المعرفة الفطرية التي يكون طريقها الوحيد الى اثبات حقيقة الله في الذات البشرية ان تكون نقية المصدر لا تتملكها الشبهات مادام مرجعها الله دون سواه. لقد فرض التناقض في الإيمان بالخالق عن طريق الفطرة في غياب الجواب عن حقيقة الفطرة الموجودة عند الناس فماهي علاقتها في الاتجاه الطبيعي للتدين؟ لم تستدع معرفة الله من خلال فطرة الإيمان بوجوده انها حقيقة ذاتية عند الفرد مادام الإنسان لا يحسن التعبير عنها. فمادام وجود الشئ في النفس ينبغي العلم بوجوده، فالفطرة اذا كانت موجودة وطريقها مفتوح وواضح في معرفة الله لا نجد اساليب القدح بها ونكرانها على انها انعكاسات بيولوجية لحفظ النوع. فمن بنى ايمانه ونظريته على معرفة الله من خلال الفطرة وقع في خطأ المعتقدات الدينية، فالذات البشرية ارادات وعلوم ومعارف مكتسبة لا علاقة لها بعلم الله اللدني ” الغيبي ” ذلك ان الفطرة لو كانت حقيقة واقعة في تاريخ الإنسانية وان معرفة الله فطرية المصدر لم نجد من ينكر وجود الله؟
ان من ينكر وجود الله يطعن بشكل مباشر في عدم اهمية معرفة الله بالفطرة، فتتحول الحالة الى مجرد نظرية خاضعة للطعن والشك وغياب الصلاحية، ذلك ان الأدلة العقلية لا تؤيد المطالب الإلهية في النصوص الدينية. لقد اثبتت العديد من الفرق الإسلامية مثل القدرية والجهمية، انكار الفطرة وعدم جدواها في المعتقدات الدينية، فلا يجوز التحايل على صفات الإنسان على سبيل المثال في انه قد يدرك بعض صفاته ولا يدرك الأخرى، تماما قد يدرك آخرون صفة الفطرة فيهم وآخرون لا يدركونها، فهذا تحايل على الطبيعة البشرية التي لا شك انها تدرك مالها وما عليها، فكل شخص عليم بذاته ولا علاقة للصفات القلبية في حب الله او الخوف منه. فمادامت الفطرة نتاج إلهي كما ثبتها الفكر الديني، فلماذا لا يسود الاعتقاد ان الله حل في بعض بني الإنسان فهذه وحدة الوجود الروحانية فكما حل شكلا روحانيا في الفطرة قد حل في المسيح شكلا جسدياً. كذلك ما علاقة هذه الفطرة بالشدائد التي يتعرض لها الإنسان؟ لم يعن ذلك رجوعه الى فطرته فلا علاقة بمكنون الذات في ارتباط الفطرة بالذات الإلهية.
4 – معرفة الله ليست فطرية : كيف يمكن ان تكون معرفة الله فطرية وقد قال الله : ” والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون ” (3) فهذا استدلال على بطلان فطرية المعرفة، فمذهب الإيمان بربط العلاقة بين العابد والمعبود عند اهل السنة والجماعة في علم الله اللدني، لم ينسجم مع صريح الآية القرآنية فعدم معرفة المولود عند ولادته من امور الدنيا ازالت عنه فطرته في معرفة الله. فلو كانت النفس البشرية تستلزم الإقرار بمعرفة الله منذ الولادة لم تكن تلك النفس لتختار طريق الضلالة او الهدى ولكانت قد اختارت طريق الهدى في استدلال معرفة النفس بالله. ليس اختيار الخير والشر إلا لكون النفس البشرية قد افتقدت التجلي الإلهي، ذلك ان الفطرة في مفهومها الديني حالة علاقة ادراكية من الإنسان وخالقه، لم يكن فيها معرفة الله شيئا فشيئاً فهي حاسة كاملة في النفس البشرية. اما حالة عدم ادراكها عند الولادة فهذا دليل نقص كمالها مما يجعل مفهوم معرفة الله من خلال الفطرة امراً فوضويا لا دليل على كمالها.
5 – معرفة الله الفطرية لا يستدل بها : اذا كان الاستدلال بوجود الله واجباً فإن معرفة وجوده نظرية لا فطرية، فالعلم بالله ” ليس ضروريا بل هو اكتسابي ما قد ثبت انه يقع بحسب نظرنا على طريقة واحدة ووتيرة مستمرة .. فيجب ان يكون متولداً عن نظرنا واذا كان كذلك فالنظر من فعلنا فيجب ان تكون المعرفة ايظا من فعلنا لان فاعل السبب ينبغي ان يكون فاعل المسبب .. ” (4) فنظرية المعرفة تستوجب النظر في الفعل والاستدلال فهذا يلغي الركون إلى الايمان بعلم الله اللدني وتغلغل معرفته في النفس البشرية، فالعقل البشري تقوده القنوات المادية في الوجود والوعي ولا مدخل لهذا العقل من خلال مغالق الغيب ودخول المعرفة الإلهية اليه، فهذا كله يبين ان معرفة الله مكتسبة ولا علاقة لها بالفطرة. ان وجه التبرير غير المنطقي في الفكر الديني اعتمد على اساس الحاجة للنظر والاستدلال في قضية معرفة الله بالفطرة لمن فسدت فطرته، تفكير لم يرق لمنطق علمي وواقعي، بدليل ان فساد الفطرة انطفاء الوجود الروحاني وعدم ثباتها في النفس البشرية، فالكافر والمؤمن، كلاهما دينيا قد تغذى وجودهما منذ الولادة على الفطرة فاستدل بها المؤمن وتمرد عليها الكافر، فهذا ان صح يزيل قدسية القدر الإلهي ” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ” (5) فعقيدة القدر من اساسيات الإيمان بالله، وشاء الله ان يعطي او لا يعطي بحسب مشيئته.
6 – الفطرة ضمن اقدار الله : بحسب العقيدة الدينية، الفطرة ضرورة من اساسيات خلق الله وهي في نفس الوقت بحسب النص القرآني ” وكل شي عنده بمقدار ” (6) فلو كانت الفطرة ضرورة اودعها الله في عباده لوجب على الذي افتقدها ان يكون معذوراً لان الله قد سلبه تلك المعرفة لإنزال قدره عليه، فيكون غير العابد معذورا في عدم معرفة الله بالفطرة. فمن سلب افئدتهم وفي الفؤاد يولد الإيمان بالفطرة ” ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ” (7) فهو يزيدهم في كفرهم وضلالتهم. فلو صح ان الله قد خلق عباده على الفطرة لماذا جعلها في قلوب غير المؤمنين ثم ازالها عنهم وهو عالم للغيب؟ الم يعلم ما قدره عليهم؟ ذلك ان الفطرة لا تفسد ببقاء اصلها إلا من مجريات القدر فهذا شأن إلهي يلغي صلة الله الروحانية في اختيار من يشاء من عباده، فهي موقوفة على الاختيار الإلهي وهذا ليس عدلاً فأما ان نختار القدر او ان نلغيه كي نبرر بقاء الفطرة في معرفة الله اصلا من اصول الاستدلال في خلائق الله جميعاً. اذا كانت معرفة الله اختيارية، حاصلة باختيار الله والله شاء لم يعطها لأناس، بدلالة القرينة القرآنية ” يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ” (8) فالضلالة تنفي معرفة العابد للخالق من خلال الفطرة، ذلك ان الضلالة صفة تكفيرية للنفس البشرية لن تنسجم مع من يعرف الله وقد شاء الله له ان يعرفه فالهداية تستقيم مع الفطرة والضلالة تستقيم مع من افتقد طريق المعرفة الى الله، هذا يعني ان الفطرة لم تزرع إلا على اساساً قياس المشيئة الإلهية وليس على اساس ولادة المرء بالفطرة. بحسب الفقيه والعالم الإسلامي ابن تيمية قدم لنا استنتاجات عقلية قاصرة لم تصل الى اقل قواعد الاستدلال والمنطق فلقد اشار ” ... والانسان حادث كائن بعد ان لم يكن والعلم الحاصل في قلبه علم ابتداء، فلابد من علوم بديهية اولية يبتدئها الله في قلبه وغاية البرهان ان ينتهي اليها ” (9) فما علاقة علم الابتداء في القلوب لمعرفة الله من خلالها؟ ان استنتاج الإيمان وظهور كوامن القلوب ما بطن منها وما ظهر في الصدور انها ” يوم تبلى السرائر ” يوم القيامة، فهل هي توصيفات لعلوم دنيوية وما علاقة تلك العلوم البديهية بالفطرة التي تعرفنا بالله من يوم مولدنا؟ ذلك ان غاية البرهان عند الله الخوف منه واطاعة اوامره والتقرب اليه بأركان الإيمان. ليست العلوم استدلال البديهيات وفي حقيقتها متوقفة على الايمان بالله، ذلك ان العلم النظري المكتسب هو ما يتثبت في يقين العقل من مصادر معرفة ولا علاقة للفطرة بالمعرفة الرابطة بين الله وقلوب عباده، فهي ليست موضع استشهاد لفلاح العلوم في القلوب: ” فلا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ” (10) فماهي حصانة بديهيات العلوم كي تجعل من القلوب موطن الفطرة عندما يعتريها الخلل والعمى؟ اكدت الشريعة فطرية معرفة الله، رغم تصدرها مبادئ الشريعة، بيد ان الطبيعة البشرية لم تشذ في استقلال ذاتيتها اختيار الايمان او نبذه، بعيدا عن طريق الفطرة وخطوطها الدينية التي رسمتها الشريعة، فلم تجنح النفس الى مدبر هو منتهى غاياتها، ولم تفزع اليه عند الشدائد.
لقد فاضت الشريعة الإسلامية خصوصا وعقائد الأديان عموما، بجعل الإلهام مصدر الفيض الروحاني كي يخاطب العقل عوالم الغيب بزجه في ظنون ومغالق تضلل العقل وتدفع به للإنكفاء والتراجع في الاستدلال العلمي والمنطقي، باستحداث انماط اتصال بين العقل والنقل على اساس قدسية النص، كما فعل ابو حامد الغزالي في معرض اتصاله بعالمه الروحاني انه اختار طريق التصوف في معرفة الله مستبعدا باقي المناهج الدينية في طريق الوصول الى الله، فلم تسترشد طريقه الفطرة، بل فاض بإيمانه استغراق القلب في الاحساس بروحانية من يعبد. ان طريق التعبد في معرفة الخالد ممنهج عبر مجالات العقل وحثه عنوة في الإيمان بما يوجب ان يراه المؤمن مناسباً لقناعاته الذاتية لهذا تأتي التجارب الذهنية مختلفة بين متعبد وأخر، عن طريق الإيحاء بالفطرة فهي وفق المشيئة الإلهية ميزان بين الكافر والمؤمن، يمنّ بها الله لمن يشاء ويحجبها عمّن يشاء. ان التعرف على الله يأتى اساساً من الواقع الإجتماعي والجغرافي الذي درجت عليه الشعوب، ومن خلاله تم الإيمان به، فلو ولد المسيحي في ارض اسلامية لكان مسلماً، لقد ورثت الشعوب معتقدات الدين ولم تعلم مسبقاً ان في وجودها السابقة لبشريتها تلك الفطرة التي تعلقت في اذهان الشريعة لمحاولة ايجاد تاريخ بيولوجي لله في الانثروبولوجيا، اختار آخرون التزهد، التصوف، الكهانة، وغيرها بربط عقولهم في استنطاق الغيب في معرفة الله وقد آمنوا بمعرفته سواء قبل او بعد الولادة، وهي بلا شك شطحات عقلية ترضي ايمان المتعبد، لكنها تدفع بالعقول التماس طريق الرجاء في ان الوهم قد يكون حقيقة.

المصادر :

1 – الاربعون حديثاً، السيد الخميني، تعريب محمد الغروي، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، ص 42 .
2– دروس في العقيدة الإسلامية ، ص 72 ، استاذ محمد تقي مصباح اليزدي.
3– سورة النحل، الآية 78 .
4– نقض المنطق، ص 38، شيخ الاسلام احمد بن عبدالحليم ابن تيمية، مطبعة السنة المحمدية. القاهرة.
5– سورة القمر 49 .
6– سورة الرعد 8 .
7– سورة الانعام 10
8– سورة النحل 93 .
9– درء تعارض العقل والنقل، ابي العباس تقي الدين ابن تيمية، ج 3 ص 309. طبعة دار الثقافة، السعودية.
10– سورة الحج 46 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الجواب على عنوان المقال
سمير أل طوق البحراني ( 2023 / 10 / 5 - 09:15 )
بعد التحية. هذا هو الجواب:
وينشا نآشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده ابوه

اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في