الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان فوكو سلطوياً ضدّ الإنسان

محمد احمد الغريب عبدربه

2023 / 10 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مفهوم السياسة الحيوية من احد مداخل التحليل الفلسفي لمفهوم السلطة لدي فوكو، ففهم السلطة والسياسة تغير من البعد الكلاسيكي له إلى فهمٍ آخر مبني على تصور جديد يتضمن قيمة الحياة ومعناها، وهذا التصور مبني على تصورات فوكو الأخرى حول الاجراءات التأديبية والانضباطية، واهتمام السلطة بمراقبة الجسد والانسان بشكل دائم، وان السلطة بتحليلها الثنائي من فوق الى اعلى لا تفسر المنطق الحقيقي لصيرورة السلطة، انما هي تعمل من اسفل الى اعلى والعكس وتعمل في اتجاهات متعاكسة معقدة، وهي ايضا تنتشر في المؤسسات والعيادات والسجون وبين الاشخاص في شكل قيم تشكلها هذه المؤسسات والاطراف المختلفة في العلاقات والصراع.
ووجه فوكو نقدا للسياسة الحيوية السكانية التي تمارسها الدولة، والتي تعني الاهتمام بصحة الافراد ووقايتهم من الامراض المعدية، والاهتمام بتغذيتهم والحفاظ علي اجسادهم، وتنظيم رغباتهم، وعقلنة تصرفاتهم بشكل، مما يعني التحكم في حياتهم، وتوفير فرص حياة جديدة لهم، وذلك يأتي تحت لواء العقلانية السياسية، وبداية الفكر الليبرالي للدولة، وفوكو هنا يرفض هذه التكتيكات والاستراتيجيات التي تمارسها الدولة، ولكنه لا يرفض ممارسات الدولة بشكل عام وتوقفها عن هذا الفعل السلطوي بشكل كامل، فخطابه لا يصطدم بهدم الدولة كسلطة، ولكنه يفكك بعض انماطها المتعلقة بالسياسة الحيوية والعقلانية السياسية لديها، ويدعو الي نمط جديد لممارستها السلطوية.
وهذا التوجة في الدعوة الى نمط جديد، يشكك في ماركسية فوكو، فهل هو ماركسي ام لا، وهذا يؤكد قدرة فوكو علي اثبات مقولة انه غير مصنف، وانه لا ينتمي لتوجة فلسفي معين، او تقليد فكري محدد، ففوكو ينتمي لفوكو فقط، وهل هذا يعني بأصالة افكار فوكو، ام نية داخلية خاصة به تريد تحقيق مجد فكري ذاتي خاص به، لا يتعلق بافكاره التي تتبنى الانسان ومحاربة السلطة.
فدعوته الي نمط جديد للدولة وهو متعلق بمفهوم الحوكمة، يثبت السلطة والدولة بطريقة عكسية، وهو ما يزيد من ازمة الانسان والفرد والمجتمع في مواجهة خفايا سلطة الدولة ونيتها الدائمة في تحقيق مصالحها علي حساب الاخرين، وهذا التثبيت السلطوي يتحقق ايضا حتي اذا نجحت الدولة بمفهوم الحوكمة الرشيدة الذي يعني تطوير السلطة بتحقيقها تنمية الاقتصاد واعتبار الفرد ليس موضوعا تهيمن عليه السلطة، انما فردا مشاركا في صنع القرار، ولديه الحرية في تدبير حياته، فبهذا ينتقل الفرد من موضوع فقط ومتحكم فيه الي ذات متحركة مشاركة في السياسات السلطوية التي تمارسها الدولة في مختلف المجالات.
ولكن دون الصدام المباشر مع الدولة، فالتغير هنا في طريقة تفكير الدولة ووضع الفرد، وليس محاربة سلطوية الدولة بشكل كامل وكلي، واذا نجحت الدولة في تحقيق رفاهية المواطن من خلال النمط الجديد الذي دعا فوكو له في ممارستها السلطوية، سيكون هناك شرعية سياسية تكتبسها الدولة بشكل كبير، فالدولة وادارة الحكم في المنطق السياسي النظري والعملي تعتمد علي الشرعية السياسية التي تعني شعور المواطن في الدولة الحديثة بالرضا والانتماء الي الدولة اذا استطاعت الدولة من تلبية رغباته الحياتية، وهذه الشرعية السياسية اذا تحققت تصبح فرص الدولة بالاستمرار اكثر لتبقى في ممارسة السلطة، واذا نظرنا الى الوضع المعاصر للعالم نجد انه تحول الى عالم سلعي توظيفي لا يهتم بالانسان فقط، حتى ان من يتحكمون بالعالم ومقدراته هم الذين يجلسون على كراسي السلطة ، او رجال الاعمال، او اصحاب المهن الاجتماعية الراقية، او بشكل عام من يحصلون على مكاسب كبيرة للغاية مقارنة بالانسان العادي الذي ليس له دورا او قيمة حقيقية تحقق وجوده كانسان مركزي في العالم، يعانون من ازمات ادراكية ونفسية بأنهم لا يستطيعون تحديد مواقعهم ودورهم بشكل شخصي، فهم يحققون ادوارهم وفقا لمنطق العالم وليس منطقهم.
فدعوة فوكو ستورط الانسان المعاصر اكثر في هذا العالم الملئ بالسلعية وفقدان الانسان لدوره واحساسه بوجوده، وذلك عبر ثغرة الشرعية السياسية التي لم يلتفت اليها فوكو، ولم يسعي لشرح الوضع بين الفرد والدولة بعد نجاحها من التخلص من التكتيكات والاستراتيجيات الانضباطية والهيمنة علي الفرد وجسده وحياته والعقلنة السياسية المحضة، وما دور الشرعية السياسية في شكل هذه العلاقة، ومستقبل هذه العلاقة، وهل يمكن ايقاف توريط الدولة بدورها الجديد في الهيمنة وتأزيم وضع الفرد والمجتمع، ام ان دورها القديم المتمثل في سياسات الضبط والمراقبة سيستمر بشكل جديد ونمط جديد وليس هناك تغيرات حقيقية في دورها، وقد يصل الامر الي زيادة هذه السياسات الانضباطية والهيمنة على الفرد وقدرتها على التلاعب بالفرد وتحقيق مصالح الدولة على حسابه، فهناك زيادة في الشرعية السياسية تكتسبها الدولة بنجاحها في دورها الجديد.

واذا استمر الامر علي ذلك يصبح فوكو ومشروعه الفكري ضد الانسان، رغم اعتماد هذا المشروع على الدعوة لتحرير الانسان من السلطة والممارسات العقابية والرقابية، التي تقلص وجوده، وتنفي وعيه، ففوكو انطلق من هذا التحليل ووصل الى مفهوم موت الانسان مؤكدا اهمية وجود مشروع فكري يسعي لإحياء الانسان مرة اخرى بعد اختفاء وجوده في هذا العالم المتوحش الذي يسير في نظم فكرية وسياسية ليس لأحد أن يسيطر عليها , إذ أنها تتجه وبسرعة نحو المجهول.
ورغم هذا النقد القوي تجاه فوكو بخصوص النمط الجديد لممارسات الدولة، الا انه قد تكون لدي فوكو رؤية تتميز بالتغير الجزئي لدور الدولة وفهمه بحقيقة عدم تحقيق المشروع الماركسي بهدم الدولة التي تعيش في سياسات رأسمالية متوحشة ضد الانسان، فالتجارب الشيوعية حاضره في ذهن فوكو، وقوة الدولة والمشروع الرأسمالي ايضا حاضرة في ذهنه، ففوكو قد يسعى إلى محاربة هذا التوحش والدفاع عن الانسان ولكن بشكل جزئي ومرحلي قدر الامكان لصعوبة التحول الماركسي للدولة في عصرنا الحالي.
وهناك اتهامات كثيرة ضد فوكو، منها طرده من الحزب الشيوعي الفرنسي، وكراهية الشوعيين الفرنسيين له، وذلك بناءًا على اتهامات ضده من الشيوعين بانه خرج عن التقاليد الماركسية وانحرف عنها بشكل كبير، وايضا هناك اتهامات بانه من نظّر ودعم السياسات النيوليبرالية التي تعني الليبرالية الجديدة، وهي شكل جديد من السيطرة والتحكم التي تمارسه الدولة ضد الانسان ولكن وفقا لمتغيرات الواقع العالمي، فهدفها الحقيقي ليس الدفاع عن الفرد، وانما استمرار مصالح السلطة ضد الانسان، وهذه السمعة السيئة لفوكو تقلل من حظه في دعوته المستمرة للدفاع عن الانسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل