الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنبياء والرسل وفهم ماهية علم الاجتماع في خطاب شيخ الأزهر - قراءة نقدية

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2023 / 10 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في كلمته بمناسبة المولد النبوي الشريف، يوم الأربعاء الموافق 27 سبتمبر 2023م، قدم السيد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ( وهو يعد من الشخصيات المرموقة والمؤثرة في المجال الديني والفكري، وله العديد من المساهمات في تعزيز الحوار البناء والتفاهم بين الثقافات والأديان) مجموعة من الأفكار المهمة التي ترتبط بعلم الاجتماع وتتعلق بطبيعة الحياة البشرية وعلاقتها بالرسل والأنبياء. وتميزت كلمته بعمق الطرح والتحليل، وأثارت انتباهي بطرحه لتساؤلات مشروعة تتناول الضرورة الحقيقية لوجود الرسل والأنبياء في ضبط حياة الناس. واحدة من التساؤلات التي أثيرت هي ما إذا كان وجود الرسل والأنبياء أمرًا ضروريًا لا مفرّ منه في ضبط حياة الناس على منهج الحق والعدل والخير، أم هو أمر ثانوي يمكن الاستغناء عنه بواسطة التشريعات والسياسات. ويعد هذا التساؤل محوريًا في النقاش حول دور الرسل والأنبياء في المجتمع في خطاب الدكتور أحمد الطيب.
وعموما، سأحاول في هذه المقالة تسليط الضوء على أهم تلك الأفكار، وهي على النحو الآتي :
• انطلق شيخ الأزهر في بداية حديثه من خلال ما هو متعارف عليه في علم الاجتماع من كون " الإنسان كائن اجتماعي، لا مفر له من العيش مع الآخرين من بني نوعه". ويستطرد شيخ الأزهر بالتحليل والتفسير بالقول " يحتاج إليهم ويخالطهم ويدخل معهم في علاقات اجتماعية شديدة التعقيد وكثيرا ما تجري هذه العلاقات على قاعدة من الخلاف والتنازع والمد والجزر بين دواعي الأثرة والإيثار والحب والبغض والخير والشر وغير ذلك من الثنائيات المضادة المغروسة في فطرة الإنسان وطواياه وكلها تدور على الصراع بين المصلحة العامة والمنفعة الشخصية والتي عادة ما تتغلب على نوازع الخير والعدل والرحمة والمركوزة هي أيضا في نفس الإنسان" . أعتقد ما طرحه شيخ الأزهر يعكس وعيًا عميقًا وفهمًا للحياة الاجتماعية، فضلاً عن رصد العوامل والقواعد والمعايير الاجتماعية التي تحكم تفاعلات الأفراد في المجتمع، كما يُبين قدرة الدكتور أحمد الطيب على تحليل تلك القضايا وإلقاء الضوء على التناقضات والتحديات التي تواجه المجتمعات البشرية.
• يؤكد الدكتور الطيب بأن القوانين العلوية، والتي تشير إلى القوانين والقيم الأخلاقية والروحية المستمدة من الرسلات السماوية تتجاوز القوانين الوضعية البشرية. فهي مصدر إلهام وتوجيه للناس في تنظيم حياتهم وتعاملهم مع بعضهم البعض، كما أنها تعزز القيم الأخلاقية مثل العدل والصدق والتعاطف وتعلم الإنسان كيف يعيش حياة صالحة ومفيدة ومتوازنة. وهذا ما أكده ابن خلدون في كون الدين يقوم بدورًا هامًا في توجيه سلوك الأفراد والمجتمعات. فالدين كما يراه ابن خلدون يساهم في تنظيم المجتمع وتحديد القيم والأخلاق والقوانين التي تحكم تفاعلات الناس. وهذا أيضًا ما أوضحه ماكس فيبر حين ذكر بأن للدين دورًا مهمًا في تشكيل القيم والمعتقدات والسلوكيات في المجتمع، فضلا عن توجيه سلوك الأفراد وتحدد تفاعلاتهم.
• أتفق مع الدكتور الطيب في كون القوانين الوضعية بالرغم من كونها تعكس الاعتراف بأن التشريع والسياسة يمكن أن يكون لهما دور هام في تحقيق التغيير الاجتماعي ومعالجة المشكلات الاجتماعية. إلا أنهما تُشكلان جزءًا من مجموعة من الأدوات والمقاربات التي يمكن استخدامها لتحقيق التغيير الاجتماعي، بالتالي الأمر بحاجة إلى وجود قوانين علوية تعزز القيم الأخلاقية والممارسات الجيدة والحياة الصالحة.
• يوضح الدكتور أحمد الطيب في خطابه بأن الأنبياء والرسل كان لهم دور في التغيير الاجتماعي. وهنا أتفق معه في كون الأنبياء والرسل كان لهم دورًا هامًا في ضبط حياة الناس وتوجيههم نحو الخير. حيث قدموا تعاليم وقيمًا أخلاقية تسعى إلى تحقيق العدل والسلام والتوازن الاجتماعي. إلا أن الأمر كان بحاجة إلى توضيح بأن بعض الأنظمة السياسية قامت بتوظيف الدين لتعزيز سلطتها، وهذا ما أشار إليه ابن خلدون، حين بين بأن الدين قد يستخدم كأداة لتعزيز السلطة السياسية والاجتماعية، فالحكام والطبقات الحاكمة حسب وجهة نظر ابن خلدون قد يستغلون الدين لتعزيز موقعهم وتبرير سلطتهم. وهذا الأمر أكده أيضا كارل ماركس عندما بين بأن الدين يمكن توظيفه كأداة سياسية واجتماعية للسيطرة والتحكم الاجتماعي، فضلا عن تهدئة النفوس وتهدئة الفقراء والمستضعفين، مما يؤدي إلى ضرب الطبقة العاملة ومنعها من التمرد ضد الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية. في حين يرى ماكس فيبر بأن الدين يمكن أن يكون مصدرًا للصراعات والتوترات في المجتمع، كما يمكن أن يؤدي إلى تشدد المعتقدات والتعصب الديني، وقد يتم استخدامه كأداة للسيطرة والتلاعب بالأفراد.
• يشير الدكتور الطيب إلى وجود علاقة بين الدين والاجتماع. فالرسالات السماوية توفر إرشادًا للناس في مختلف جوانب حياتهم، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية. وهذا الأمر بينه إيميل دوركهايم عندما أكد على دور الدين في التماسك الاجتماعي وتشكيل الهوية الجماعية، إلا أنه يرى الدين كمجموعة من الرموز التي تربط الأفراد ببعضهم البعض وتعزز التكافل الاجتماعي. وهنا أتفق مع الدكتور أحمد الطيب في كون الدين ليس مجرد رموز إنما هو مجموعة من القيم الأخلاقية التي تعد جزءًا مهما من التفاعلات الاجتماعية، فهي تسهم في توفير النظام والتوازن في المجتمع.
• في الحقيقة وبناء ما طرحه الدكتور الطيب يمكن أن تتجلى أهمية بعث الأنبياء والرسل في عدة جوانب منها:
1. يعتبر بعث الأنبياء والرسل وسيلة لتوجيه البشرية إلى معرفة الله والعبادة الصحيحة والسلوك القويم. حيث يقدمون تعاليم دينية وأخلاقية لتوجيه الناس نحو الخير والعدل والرحمة وتحقيق السعادة الروحية.
2. يكلف الأنبياء بنقل رسالة الله إلى البشرية، وهذه الرسالة تحتوي على توجيهات وتعاليم تساعد الناس على تحقيق السعادة والسلام في الحياة الدنيا والآخرة.
3. يهدف بعث الأنبياء والرسل إلى تحقيق العدل والمساواة والسلام في المجتمعات. يدعون إلى التعاون والتسامح والمحبة، ويحثون على الابتعاد عن الظلم والفساد والتمييز.
4. يقدم بعث الأنبياء والرسل توجيهات لتنظيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بما يحقق التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الشخصية. حيث يحثون على إقامة العدل وحماية حقوق الفرد وضمان رفاهيته وسعادته.
5. يساهم بعث الأنبياء والرسل في تعزيز الجانب الروحي للإنسان وتعزيز إيمانه. ويقدمون تعاليم وأدلة تؤكد وجود الله وتعزز العلاقة بين الإنسان والخالق.
• بين الدكتور الطيب بأن فهم التطور البشري قد يشمل اتجاهين رئيسيين: التطور المادي، والتطور الخلقي. فهو يرى بأنه يمكن اعتبار التطور المادي كل ما هو متعلق بتقدم المعرفة العلمية والتكنولوجيا والتطور الاقتصادي والاجتماعي. ومن جهة أخرى، فهو يري بأنه يمكن اعتبار التطور الخلقي فيما يتعلق بالأخلاق والقيم والتطور الروحي والعقلي. وهنا أيضا اتفق معه في كون الأنبياء والرسل لهم تأثير على التطور الخلقي والروحي للبشرية، ولكنهم غالبًا ليسوا مرتبطين بشكل مباشر بالتطور المادي. فالتطور في المعرفة العلمية المادية يتطلب استخدام الأسباب والشروط الحسية المادية، وإذا توفرت هذه الأسباب والشروط، فإن التقدم العلمي والتكنولوجي سيحدث بالتأكيد. وبغض النظر عن وجود النبوة أو عدمها، فإن المؤمنين والملحدين سواءً، سيستفيدون من هذا التطور. أما الحالة الروحية والخلقية، فتتصل بتعاليم الأنبياء والرسالات السماوية. تتضمن هذه الرسالات قواعد ومبادئ وممارسات تتعلق بالقضايا الروحية والأخلاقية وسيستفيد منها المؤمنون فقط. كما يرى الدكتور الطيب بأنه قد يكون هناك توجيهات وتعاليم تنطبق على وقت معين أو ظروف محددة، ولذلك فإنها اكتملت مع ظهور الإسلام، بالتالي لن تكون هناك نبوة جديدة لإحضار قواعد ومبادئ جديدة. ومع ذلك، أوضح شيخ الأزهر بأن البشر لا يزالون بحاجة إلى التطور والتقدم في تطبيق وممارسة القيم الروحية والأخلاقية لتحقيق السلام والعدل والتعايش الإنساني وفقا لقواعد ومبادئ الإسلام كونه انتهت معه عصر الرسل والأنبياء. وهذا يعني ببساطة بأننا يجب أن نفهم بأن النبوة والأنبياء والرسالات السماوية لها وظيفتها وهدفها الخاص في توجيه البشرية نحو الخير والعدل والتقدم الروحي. وعلى البشر أن يسعوا للاستفادة من هذه التعاليم وتطبيقها في حياتهم اليومية لتحقيق تحسين الذات وتطوير المجتمعات.
• وهنا قد أطرح تساؤل مهم وهو : ما هي بوصلة الإنسان، هل الجانب الروحي والأخلاقي أم الجانب المادي؟ . في الحقيقة بوصلة الإنسان تشمل جوانب متعددة من حياته وتجربته. تعتبر الجوانب الروحية والأخلاقية جزءًا هامًا من هذه البوصلة، جنبًا إلى جنب مع الجوانب المادية والاجتماعية والعاطفية. لذا، يجب أن تكون البوصلة الشخصية للإنسان متوازنة وتأخذ في الاعتبار جميع الجوانب المختلفة، بما في ذلك الجوانب الروحية والأخلاقية والمادية.
• إذن يمكن القول بان الخلل أو المشكلات الاجتماعية تبرز في المجتمعات البشرية عندما يكون هناك اختلال أو عدم توازن بين الجوانب المختلفة في حياة الإنسان، بما في ذلك الجوانب الروحية والأخلاقية والمادية والاجتماعية. على سبيل المثال، إذا تم التركيز بشكل مفرط على الجانب المادي والاقتصادي فقط، دون الاهتمام بالقيم والأخلاق والروحانية، فقد يحدث انحراف في السلوك والتصرفات، مثل الطمع والانغماس في الاستهلاك المفرط، دون اهتمام بالآثار الاجتماعية والبيئية. كذلك عندما يتجاهل الناس الجوانب الروحية، قد يكون هناك شعور بالفراغ الروحي والتشتت العاطفي، مما يؤدي إلى عدم الرضا الشخصي والتواصل العميق مع الآخرين. بالتالي، يعتبر التوازن والتفاعل السليم بين الجوانب المختلفة في حياة الإنسان أمرًا هامًا للحفاظ على صحة المجتمعات والتعايش السليم. ومن ثم يتوجب تعزيز الوعي بأهمية الجوانب الروحية والأخلاقية وتعزيزها في التعليم والتربية وفي مختلف مناحي الحياة الاجتماعية.
• وفي الختام، يمكن القول بأننا دائما بحاجة إلى التفكير العميق والتدبر في الأفكار التي تعزز التعاون والتضامن بين الأفراد والمجتمعات، وتعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية في الحياة اليومية.وخطاب الدكتور أحمد الطيب يقدم وجهة نظر قيمة يمكن أن تثري فهمنا للعالم وتساهم في بناء مجتمعات بشكل أفضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات