الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع العقل العربي

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2023 / 10 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المشكلة في مجتمعاتنا العربية ليست فقط في رفض النقد سواء على مستوى الجماعة الأولية (الأسرة والعائلة) و الثانوية (المجتمع والدولة) ، المشكلة أيضآ في أسلوب النقد ذاته ، يعني إدارة الإختلاف أو حتى الخلاف الذي سرعان ما يتحول لوصلة متبادلة من التقريع والتقريح المتبادل.

ولو حللنا الأمر لوجدناه بدأ إما بنقد محترم ولكن الطرف الآخر رفضه وثار لمجرد وجود نقد ضده ، وإما نقد بدأ بلمز وكلام سئ مبطن ، أو بفجور صريح في العبارة ، وفي جميع الأحوال تظل المصلحة الشخصية بترجي منفعة أو خوف من مطرقة أو اعتبار لمقربة هي الحاكمة في الحكم والنقد وادارة الإختلاف ، أي المسألة تتعلق بمدى محبة أو مهابة الشخص لا بفكرة ومقالة الشخص.

فعلى سبيل المثال لا الحصر تمامآ ، لو قال مسؤول سواء أكان مديرآ في عمل أو حاكمآ في بلد مقولة ما تحفل بالتناقضات والأخطاء لوجدنا الغالبية العظمى تنقسم ما بين فريق مصفق ومهلل وفريق معدد للمآثر والمناقب ، ونفس المقولة لو قالها أحد لا هو قريب ولا حبيب يخاف من غضبه ولا مسؤول يخاف من مطرقته لانبرى نفس الفريقين في النقد المبطن ان كانوا قلة محترمون واللاذع الفاجر ان كانوا على الطبيعة الحقيقية المقيتة لأغلبهم.

والسبب في كل هذا وذاك بالأساس راجع للتربية الأسرية والتنشئة المجتمعية تحت لواء لا تجادل ولا تناقش واتبع ما تؤمر به فأنت لن تغير الكون ولن تأتي بجديد ، ولست أفهم ولا أوعى من السابقين حتى لو كانوا قد ماتوا في غياهب الصحراء وسفوح الجبال ورقدوا في جب القبور منذ قرون وقرون ، وشعور مزعج ضاغط بعقدة الذنب وتأنيب الضمير لو حاول هذا العقل أن يراجع نفسه أو حتى أن يسمع أو يستمع لذاك الصوت الشريد في البرية المنادي بالتغيير.

هذا ما يتربى عليه الغالبية العظمى من الإنسان العربي وفي المجتمعات البائسة المتخلفة المجرورة للماضي والمكسورة بحروف ظلام وجمود ، خُلعت عليها القداسة زورآ وبهتانآ وما أنزل الله تعالى بمعانيها سلطانآ ولا بيانآ.

فخلقت هذه التربية وتلكم التنشئة ما يمكن تسميته بالعقل العربي القياسي حتى مع اختلاف مرجعياته ، وهي سمة السواد الأعظم من العرب ، فهو عقل يبحث بالقياس عن أي ماضوي ليقيس عليه حاضره ويخطط به مستقبله!!! ، لأنه تربى في الأسرة والمجتمع أن التفكير الإبداعي والنقدي التحليلي إنما هو ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، فغاب النقد الموضوعي والصراع الصحي بين الأفكار والآراء والذي ينعكس في مرونة تقبل الآخر وقبول التغيير وموافاة الجديد أو خلقه وإحداثه ومراجعة الذات وتقليم الفكر وتهذيب الرأي .

فانزوى عقله الإبتكاري الإبداعي لطغيان وسطوة عقله الراكد التقليدي القياسي سواء أكان طفلآ صغيرآ يجلس على مائدة الطعام أمام أبيه وأخيه الأكبر ، أو جالسآ على الأرض أمام شيخه على المنبر ، أو جالسآ على الكرسي أمام أستاذه وهو يحضر ويناقش رسالة الدكتوراه فغاب الإبداع والإنتاج الإبتكاري والتطوير الفكري واكتفينا باستيراد ما يجود به الآخرون ، ينطبق ذلك على من كانت مرجعيته معنونة بالشعارات الدينية أو حتى ماركسية فيغيب الإبتكار والإتيان بالجديد وما بين هذا وذاك تمور الجموع وتتوه في اللامكان وخارج الزمان وسط مراعي القحط والجدوب بعصا الجذوب .

بل عانت القلة التي قدر لها أن تفلت من التنميط والتدجين وثقافة القطيع وحافظت وطورت عقلها الديناميكي الإبداعي ليجد هذا العقل نفسه كقلة في ميدان معركة أقسمت قطيع جموعه المقابلة على محاربته وقمعه إما طمعآ موهومآ في جنة الآخرة أو خوفآ من نار أتونها حامية على نقح إدراك هذه القطعان لحقيقة أن عمرها قد قد ضاع على مآدب الأوهام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنع في اليابان.. إطلاق أول قمر صناعي خشبي في العالم • فرانس


.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: غالبية الناخبين العرب في ميشي




.. ألمانيا: المعارضة تدعو شولتز إلى إجراء تصويت على الثقة أمام


.. تصعيد جديد أم دبلوماسية محتملة؟ كيف سيحسم ترامب قراره مع إير




.. التطورات الميدانية في لبنان.. غارات إسرائيلية في مناطق عدة و