الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء 2 / هل للعدالة . . أن تكون حقيقة واقعة

أمين أحمد ثابت

2023 / 10 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نستحضر تساؤلات الجزء الأول ضمن محتوى جامع متضمن في إجابة أي مثقف نخبوي كان – خاصة العربي المطبوع على تحويل . . حتى امر او قول بسيط اعتيادي الى موضوع نقاش جدلي – في اعتقاده – بينما هو استهلاك كلامي مهترئ لا قيمة له ، حتى أن ذلك القول المتناقش حوله لا يصلح مطلقا أن يعد موضوعا ليجري نقاش حوله او أن احاديث الاختلاف لا تعد جدلا أصلا ، بقدر ما هو كلام عابر ، يكشف امراضا نفسية عند افراد نخبنا ، فهناك من تحركه لا شعوريا عقدة نقص واخر تحكمه عقدة الظهور ( الادعائي ) وغيرهما تحركه نزعات إما العبث الطفولي العندي المماحك في تمظهر كما لو كان معبرا عن الاختلاف او نزعة استهلاك الوقت لا أكثر – وتلك الإجابة تكون كالآتي :
العدالة موجودة واقعا مقولات مجردة فقط ، ولكنها لا توجد بتلك الصورة المثالية الأخلاقية المجردة ، فحضورها واقعا بصورتها النسبية ولا وجود ابدا لصورتها المطلقة كغيرها من المنطوقات الفكرية والأخلاقية النظرية المجردة ، وبذا ما يجعلها عموما ( منقوصة ) او غير مكتملة في أي زمن ومكان اجتماعي في سائر البلدان وفي مسار تاريخها الخاص ضمن المسار التاريخي العام لشعوب مجتمعات الأرض ، وأخيرا فالعدالة موجودة في مختلف الأزمنة التاريخية المعلمة بمسميات ( الحقب او العصور او المراحل او الفترات الزمنية من التاريخ ) – أي أن العدالة لا تغيب مطلقا – ولكن لكل فترة او مرحلة زمنية طابعها الخاص للعدالة واقعا ، ولذا فإنها يختلف حضورها الواقعي من زمن لآخر من التاريخ – كما ويزيد على ذلك عند بعض من المتحذلقين ، انها يختلف طابع حضورها الواقعي من بلد الى آخر ومن مجتمع الى آخر ضمن ذات المرحلة او الفترة التاريخية العامة – تذرعا باختلاف طابع التفسير والتطبيق لمفهوم العدالة – هذا غير المتذاكين في ربطها بمستوى ودرجة التطور والتخلف من بلد لآخر ومن مجتمع لآخر – بينما منهم ممن يعشق جدل السفسطة بتأويل الكلم ، يجزم – وبكل ثقة ذاتية متضخمة – بعد استهانة بنا يتصوره ( نقدا لاذعا ) بقوله لما الفهلوة التي نمارسها ، فالعدالة كمنطوق مقولة نظرية شيء والعدالة كحقيقة مجتمعية شيء آخر ، ولا يصح جمعهما في سلة موضوع واحد ، كون الأولى ليست سوى تعريف نظري فكري مجرد قائم بذاته المفردة بصيغة المطلق ، بينما الأخرى في طبيعة وجودها الملموس واقعا يتحدد التعريف بها من خلال تدخل لأمور وعوامل وظروف وخصائص وسمات مجتمعية أخرى تكون من خارج بنية مفهوم العدالة – وهو ما يجعل حقيقة العدالة واقعيا تختلف من بلد الى اخر ومن مجتمع الة اخر ضمن نفس المرحلة التاريخية ، وهو ما يجعلنا أن نستقرئ او نستبطن بإمكانية – بل مؤكدا – أن يعيش شعب مجتمع بعينه صورة عدالة افضل في مرحلة من مراحله القديمة عنها من تلك التي عاشها في مراحل زمنية لاحقة وبعيدة – مثلا ما يدعي به الاسلامويين المعاصرين اليوم – مثلهم غالبية العقل اليمني – أن العدالة الواقعية كانت في ارقى صورها في عهد الملكة بلقيس ، وانقى صورها ( المثالية ) في عصر حكم الخلفاء الراشدين مقارنة بصورتها اليوم . . في أي بلد او مجتمع من مجتمعات الأرض .
قد يبدو للمرء – القاصر فهما او الفاهم المتعجل بالحكم – أن محتوى الإجابة السابقة قد اصابت أفادة بجوهر الفهم والمعرفة السليمة كجواب واحد على كافة التساؤلات التي وضعت قبلا ، وبكونها قد أغلقت باب الاجتهاد لمتابعة بحث الموضوع . والحقيقة أن طروحات الإجابة السابقة لم تكن سوى تسطيحات فهمية لفهم العدالة وتجريفا هروبيا من بحث جوهر المشكلة التي نتناولها موضوعا – وتدفعنا نيتنا الحسنة هنا وجوب التعرض لعموم الاحكام التي وردت في الجواب الجامع عند نخبنا – سابق الذكر – لنقطع دابر تشويه الفهم وتلطيخه بفهوم زائفة سطحية في عقول انسان مجتمعاتنا العربية واليمنية خصيصا .
نعم ودون شك لا وجود لتطابق في مسألة العدالة بين صورتها الفكرية المجردة كنص نظري او معتقد ذهني وصورتها التي تظهر عليها واقعا ، ولكن ذلك لا يجيز ( مطلقا ) تناول صورة منها دون الأخرى كموضوع مبحوث ، فالثانية لا تستقرأ ويحكم عليها ( تقييما ) وتصحح ( تقويما ) إلا من خلال الاستقراء القياسي المقارن مع صورة منطوقها المثالي المجرد ، والعكس صحيح ، فالنص الذهني الفكري الأخلاقي المجرد لمفهوم العدالة لا يمكن ادراكه وفهمه إلا من خلال صورة التمظهر الواقعي الحاضر للعدالة اجتماعيا – وإلا سيعد ذلك المفهوم ترفا تخيليا عابرا لا قيمة له . . سريعا ما يمحي عبر مسار التاريخ . وأيضا ، نعم تختلف صورة العدالة من مجتمع لآخر في نفس الوجود الزمني العام ، وتختلف من حقبة تاريخية الى أخرى لعموم المجتمعات البشرية و . . أيضا لمجتمع واحد بعينه ، ولكن لا يعني ذلك الاختلاف – وفق الطروح المتحذلقة - ( مبني على عوامل وظروف وامور لا علاقة لها بمفهوم العدالة . . تدخل عليها لتؤثر على صورة وجودها الواقعي – وبمعنى آخر ، لولا العوامل والظروف والأمور الخاصة " الاستثنائية غير السوية " لما اختلفت صورة العدالة من مرحلة تاريخية الى غيرها ومن مجتمع الى اخر ) – بل أن العدالة واقعا تمثل صورة وجه من أوجه المجتمع المعني او البشري العام ، أكان في زمنية وجوده المرحلي القديم او الوسطي او الحديث او المعاصرة ، وهذا الوجه هو منتج من منتجات المجتمع في صور وجوهه الأخرى ، والتي تجتمع ببنيان تكويني وجودي تعطي حقيقة صفة وسمة الخصوصية لهذا المجتمع عن غيره ، وحقيقته الذاتية وجوديا من زمن الى زمن تاريخي اخر ، والذي عليه . . مثل ما تعد المقولة النظرية الفكرية الأخلاقية المجردة لمفهوم العدالة . . كواحدة من غيرها من المقولات النظرية الفكرية والأخلاقية المرشدة قيميا لسائر المجتمعات وعبر مسار التاريخ البشري ، فإن صورة التمظهر الواقعي للعدالة لا تعد سوى وجها من أوجه حقيقة الوجود المجتمعي وطابع حقيقته في مرحلته الزمنية – وبمعنى اخر اكثر تبيانا للقصد والمغزى الذي نرمي إليه ، يمكننا القول لا يمكن الحكم والاستقراء التحليلي لمجتمع بعينه او عامة - راهنا او مقارنته بما كان عليه قديما او بغيره من المجتمعات في ذات المرحلة التاريخية – وذلك من خلال وجه من أوجه حقيقة المجتمع ك ( العدالة ) لوحدها ، بل من خلال ( وحدة تنوع أوجه حقيقة المجتمع ) إما في اطار وجوده الزمني المحدود بعينه لمقارنته إما مع غيره من المجتمعات ، او مع روح المعنى والمدلول الأخلاقي والقيمي المجرد العام ، بحيث يكون التركيز الحاضر بحثا لوجه واحد بعينه من أوجه حقيقة الوجود المجتمعي في زمنيته التاريخية – كمسألة العدالة واقعا – لا يصح انها تتغير تحت تدخل تأثيري من خارج بنيتها وبما يمنحها كحقيقة مجتمع ولو حتى لوجه واحد منه ، بل أن الفهم العلمي السليم ادركا للمجتمع بكونه ليس سوى ( وجودا لبنية عضوية حية متماسكة التكوين ، والذي ترابطه مفاصل محورية في صورة شبكة متداخلة شديدة التعقيد ، والتي دللنا عليها سابقا بالأوجه المختلفة لتمظهر حقيقة المجتمع واقعيا ، والتي منها وجه ( العدالة ) الناضحة واقعا على وجود طابع المجتمع وزمنية وجوده ، ولذا فإن وجه العدالة يتعادل نسبيا مع الأوجه الأخرى التي تبنى عليها حقيقة المجتمع الكلية . . لا أن تتأثر تغيرا مسألة العدالة ( واقعا ) بعوامل أخرى ، كأن ترتقي من خلالها او تنحسر وتختل واحيانا لتصل الى التلاشي او الاضمحلال من خلال عوامل وظرفيات وامور من خارجها ولا تتصل بها ولكنها تحضر كشرطيات جبرية تحدد طابع العدالة التي تحضر واقعا . . لا أكثر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟