الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملامح الهوية الدينية العراقية تأريخيا ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 10 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا ليس الدين وحده وفقا للرؤية أعلاه هو المسئول عن تشكيل الهوية الدين، الواقع والتجربة والخبرة عوامل أساسية مهمة في بناء وإعادة تشكيل هذه الهوية، لذا أنا أميل إلى التفسيرات التي تعلل سبب أختلاف الهوية الدينية المبنية على عقيدة واحدة من مجتمع لمجتمع، الفارق الجغرافي والتاريخي ومحصل التجربة وتراكم الإرث الواقعي أسباب ذا جدوى وأثر في هذه الصياغة بشكل حازم وجاسم، فالهوية الدينية أحيانا تأخذ الأسم بشكل مبسط ومن الدين الضروري جدا، أما تفاصيل وتفرعات وإحداثيات الهوية فمتعلقة بما هو خارج الظاهرة الدينية كجوهر وهو ما يطلق عليه التدين أو الأداء التعبدي الخاص والعام.
نعود للعنوان ونتحدث عن ملامح هذه الهوية التي تجعلنا أن نفرد لها عنوانا أخر يميزها بشكل منفرد دون أن نضمها إلى عنوان هوية أكبر ديني أو عنصري أو حتى حضاري أجتماعي، وأول هذه الملامح أنها هوية تقترب كثيرا من الأرض وطبيعتها السهلة والمنبسطة، فهي واضحة برغم من أنها في داخلها تراكيب مختلفة لكنها تتطبع دوما مع الأرض، ومن أهم صفاتها"؟
• الكرم وأحيانا الإفراط في الكرم فمعروف أن الأرض العراقية تعيش أشهر طويلة من الجفاف بسبب قلة الأمطار وأعتمادها على السقي ريا من الأنهار، إلا أن فيضان النهر يمنحها كرما وتراكم في المادة الخصبة، فتنتج زرعا ومحاصيل وفيرة تغطي حاجته بعد الفيضان وتزيد، فعلاقة الشخصية العراقية بالكرم علاقة طبيعية تستمد عملها وأثرها من علاقة الماء بالتراب.
• الغضب والفرح والحزن والإفراط في التعبير عن حالات انفعالية طبيعية خارج حدود المعقول وأحيانا خارج حدود الأفتراضي، صفات عامة للشخصية العراقية مردها ليس لخلل في يناء هذه الشخصية، بقدر ما هو تأثير البيئة والطبيعة عليها من خلال التناقض بين مفردات الطبيعة ومواسم الشح والإفراط، درجات الحرارة العالية صيفا مع رطوبة عالية في مناطق الغمر المائي أو المجاورة للماء، يقابلها ايام شتوية تنقلب فيها إلى الضد الكامل برد قارص وجاف غير ممطر في أغلب الأحيان، هذا التناقض سبب للشخصية العراقية مزيجا من الإفراط والتفريط في موضوع واحد، فهو قد لا يحزن لأشياء من الطبيعي أن نحزن لها، ويفرط بشدة مثلا لموقف قد لا يحتاج لهذه الدرجة من الحزن أو الفرح، هذا الأمر ممكن أن يصيب حتى الشخصيات الوافدة للمجتمع العراقي لأن فعل البيئة ماضي على من يعيشها ويتطبع بطبعها.
• النسيان وهذه الميزة بقدر ما هي سلبية عند الكثير من علماء النفس والأجتماع إلا إنها ذات فائدة للنفوس والشخصيات التي تعاني من تتالي عوامل الإحباط والقهر والظلم، ولولا عالم النسيان لا يمكن للشخصية العراقية أن تشعر بوجودها مع كم الظلم وتوالي الخيبات، فالنسيان لعب دورا مهما في عملية تقبل العراقي لواقعه وتجاوز المحن، مما ساهم في صلابة وقوة هذه الشخصية أمام كل الظروف وقدرتها على التأقلم، الميزة في النسيان العراقي أنه مستمر لا يتحدد بظرف أو حال أو مناسبة.
• التشبث بالأمل حتى مع عدم توفر الأسباب الموجبة أو المشجعة له، قد يقول البعض عن هذه الخاصية أنها نوع من الأحتيال على الذات في محاولة لإيجاد مبررات وهمية تسوقها لتخدع نفسها، والحقيقة هي ليست كذلك، فالعراقي صبور وصبور جدا حتى يظن البعض أنه شبه ميت أو جامد، وأنا أرى أن الثقة المطلقة التي يحملها العراقي تعود لعمق التجربة التي خاضها، فهي أوحت له أن لا شيء غير ممكن في الوجود، وحتى المستحيل سيأتي عليه زمان يفقد صفته ويتحول إلى واقع.
• ولعل أجمل ما في الطبيعية الحياتية للشخصية العراقية هي قدرتها على التفاعل والتعامل مع الأخر بدون حواجز وكأنها تعرفه وتتعامل معه منذ زمن، هذا الأعتياد والتعود والقبول السمح وما يعرف عند العامة بـ (الفطاره) نابع من كونه ينسى سريعا ويحب سريعا وبسامح حتى لو كان فاله مليئا بالأحزان، لذا لا أتردد أن أصف العراقي دوما بـ "الفطير" وليس الساذج الغبي.
هذا الحال والملامح الإيجابية لا تعني بأن الشخصية العراقية لا تملك صفات سلبية أو أنها شخصية ملائكية، فالإنسان بقانون الطبيعة خليط عجيب من أثار ومؤثرات ونضاد وتعارض ومواقف وإشكاليات، فهو ليس ملاكا بأي حال ولا شيطانا أيضا بأي حال، وقد وصف الله حال الإنسان بقوله عن نفسه (فألهمها فجورها وتقواها)، ووضع على الإنسان وظيفة كبرى هي التسوية والتعديل والعمل بالصالح (قد أفلح من زكاها)، أما إهمالها وتركها دون رعاية وتنمية وإصلاح والنتيجة تنطبق مع بقية النص (فقد خاب من دساها)، والدس هو خياري وأختياري نتيجة عدم التحصين والتحصيل.
يقول الكاتب والباحث باقر ياسين في كتابه "شخصية الفرد العراقي" الصادر عن دار آراس للطباعة والنشر في مورد تحديد الجانب السلبي منها، أن هناك (ثلاث صفات سلبية خطرة في شخصية الانسان العراقي تتمثل في التناقض والتسلط والدموية)، ويوعز وجود هذه الصفات إلى تأثيرات تكوينية مما اصابها من اعتلالات بفعل العوامل والظروف التاريخية الخارجة عن تكوينها الذاتي والتي لحقت به بفعل الاحداث والممارسات الخاطئة، فهي بالأصل كما يبدو من كلامة كانت تخلو من هذه الصفات، ولكن الخارج الفعال والمؤثر هو من قاد الشخصية العراقية لأن تتحول إلى هذا النوع من السادية المتمثلة بالتناقض الدموي والعنف الناتج من تركيبة قاسية، الحقيقة مع أن الكثير ممن يكتب في علم النفس والأجتماع يشير بناء على أستنتاج ظاهري للممارسات السلوكية، سرعان ما يلتقط الظاهرة ويعممها دون البحث عن جذورها أولا، وثانيا هل أن هذه الظاهرة قياسية معيارية أم طارئة إنفعالية؟ .
إن العنف حتى يكون طبيعيا في الشخصية لا بد أن يكون سلوكا معتادا ضمن منظومة منطقية نفسية وعقلية ترى في العنف حق وممارسة طبيعية، أما لو كان العنف رد فعل أو علاج لحالات من القهر والظلم وأرتدادات نفسية قاهرة تجبر الفرد على سلوكها، فلا تكون جزء من طبع الشخصية أبدا، فالعنف أيضا نوعان مختار وطبيعي والأخر إلجائي طارئ ينتهي بأنتهاء أثر الباعث أو المحفز، ومن طبيعة الشخصية العراقية هو أنها تستجيب سريعا لردات الفعل وقد تتصرف بتطرف أحيانا، فالعنف الذي يشير له الباحث ياسين ليس عنفا طبيعيا داخل الذات العراقية، والدليل أن مظاهر التسامح والعيش المشترك والتعاون بين أفراد المجتمع تمنع بشكل حازم أن يتحول العنف إلى ظاهرة.
إذا الشخصية العراقية الطبيعية التي تتميز بالبساطة وسهلة التعامل والخالية من العقد النفسية المزمنة لا يمكن أن تكون بأي حال عنفية أو دموية، وبالتالي لا يمكن وصفها بالمتناقضة أو ذات السلوكين المزدوجين في حال واحد، الشخصية العراقية لا تعاني من الازدواج السلوكي بقدر ما تعاني من التهميش والظلم، فتتصرف وفقا للموازين ووفقا للأحتمالات بنجاح التصدي للظلم والتهميش، هذا ما ينفيه الكثير من الباحثين العلميين المعاصرين منهم حميد شاكر الذي يجزم بعدم وجود حالية الازدواج كمكون طبيعي داخل الشخصية من طبيعتها فقط، وينفي أبضا الفصام الشخصي الطبيعي عنها، فيقول (هي ليست اخلاقية ، ولاهي سياسية ، ولا حتى اقتصادية ....او غير ذلك ، وانما هي جذور حضارية ، تعود بينابيعها العلمية الى عيون تركيبة الاجتماع التاريخية التي أنبنت على واقعية تداول الحضارات وصراعها على ارض الانسان العراقي، وان تركيبة هذا الفرد العراقي قد اكتسب معالم شخصيتها الانسانية، ومن ثم الاجتماعية من تلك الحقب المتطاولة الفعل والحركة والاصطكاك والتزاحم الحضاري).
هنا يشير الباحث حميد إلى أن ظاهرة أزدواج الشخصية العراقية ظاهرة هي من تراكمات الواقع الغير طبيعي تبقى وتنتهي بوجودها مع الزمن (اذا لم نقل ان احد مكونات بلورت الازدواجية في شخصية الفرد العراقي هو تناشزات الدوائر، او المكونات التي تعيش داخل الاجتماع العراقي باعتبارها مخلفات لما تركته او ورثتّه الحضارات التي تصارعت على الارض العراقية، لتذهب اخيرا ويبقى الانسان العراقي شاهدا حيا عن هوياتها الحضارية التاريخية المتصارعة الراحلة !!)، لقد شخص الباحث هنا بشكل سليم ما يؤثر في ملامح الشخصية العراقية عندت أشار الى حقيقة أن الحضارات كونها نشاط إنساني يحمل هوية وواقع ونتاج وطبيعية مختلفة عن غيرها، وبالتالي منتجها النهائي يترك أثارا مختلفة ليس على صعيد المعرفة والبناء الحضاري فقط، بل أيضا على شخصية ونظرة ورؤى الإنسان الذي وقع تحت تأثيرها أو ساهم فيها، فبالتالي كثرة الألوان وتعدد الوقائع يفسد على الشخصية الفردية أن تستفيد من كل الحضارات بما يعزز من وجودها وملامحها، خاصة إذا افق المسير الحضاري عنف وحروب ودم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة