الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طير الليل أو النعوشة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 10 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقال أنه في قديم الزمان كانت هناك امرأة فقيرة تعيش مع زوجها وتعمل معه في الحقل الصغير في حاشية القرية. وكان زوجها هذا مثل بقية الرجال في ذلك العهد القديم، لا يكنون الإحترام للنساء حتى ولو كانت زوجاتهم، وخاصة إذا لم تكن قادرة على إنجاب الأطفال، فكان يعاملها بقسوة وشدة ويجبرها على العمل ليل نهار وكثيرا ما كان يعاقبها بالضرب والإهانة. كانت تلك المرأة ترغب وتأمل دائمًا في إنجاب طفل لعله يكون ونيسًا لها في تلك الحياة القاسية، ويعطيها نوعا من الإحترام والتقدير الإجتماعي كـ "أم"، ويخفف عنها الإرهاق والتعب الناتج عن العمل الطويل في الحقل والبيت، آملة أن يخفف من قسوة الرجل الذي يسيطر على حياتها التعيسة، لكنها فقدت حملها لعدة مرات بسبب الإجهاد الشديد والتعب والقلق الذي كان ينتابها.
وفي أحد الأيام شعرت بأنها تحمل في رحمها جنينا، ففرحت فرحًا شديدًا وقررت أن تعمل كل ما في وسعها من جهد لألا تفقد الجنين قبل الموعد الطبيعي وأن تأخذ كل إحتياطاتها لألا تغضب زوجها بأي طريقة كانت. وبعد عدة شهور ولدت الطفل الموعود، وكانت تشعر بالسعادة كلما نظرت في وجهه فهو الإبن واالحامي المنتظر الذي طالما حلمت به. ومرت الأيام والسنين، وكبر الطفل تحت رعايتها، وفي أحد الأيام طلبت منه أن يذهب إلى إحدى جاراتها لإحضار "غربال" كانت في حاجة له لإعداد العشاء. وينفذ الطفل أوامر أمه ويذهب إلى بيت جارتهم ويطلب منها الغربال. وفي طريق العودة وجد الولد طائرا جريحا لفت انتباهه، فترك الغربال من يده ليمسك بذلك الطائر لينظر إذا ما كان يمكن إنقاذه ومداواته ما إذا كان جريحا، إلا أن الطائر خاف من الطفل الصغير فطار قليلاً قبل أن يستقر على الأرض من جديد، فجرى الولد ليمسك به مرة أخرى دون جدوى، وهكذا مرة بعد مرة حتى نسى أمه والغربال تمامًا. وبعد فترة طويلة، وبعد أن يأس من الإمساك بالطائر الجريح، أحس الولد أنه تأخر وأن الشمس قاربت على الغروب وأن والدته سوف تعاقبه، لكن لم يكن أمامه سوى العودة مرة أخرى إلى البيت وإخبار أمه أنه فقد الغربال في مكان ما في الطريق. فانهارت الأم من شدة الغضب وكذلك من الخوف من زوجها الذي سيضربها حتما إذا لم تعد العشاء قبل عودته. وصارت تضربه حتى سقط على عتبة البيت الحجرية وشج رأسه ومات على الفور. كانت صدمة الأم رهيبة وكأن صاعقة سقطت عليها من السماء، ها هي من الغضب والخوف تقتل إبنها الوحيد الذي طالما انتظرته وحلمت به وأحبته، فصارت تبكي بكاء شديدا ومن شدة الحزن واليأس ظهر ريش على جلدها وغطى كل جسدها وظهر لها جناحان، وطارت في عتمة المساء في السماء هربا من حزنها.
هذه الأسطورة متواجدة في تونس وليبيا وفي شمال أفريقيا عموما، هي مصدر وتفسير لقصة الطائر الليلي المسمى "النعوشة" في ليبيا وتونس، آجضيض نقّيض بالأمازيغية. وهذا الطائر الليلي والذي يعتقد البعض بأنه نوع من البوم الذي يهاجم الأطفال ويخطفهم ليلا. وتحولت هذه الأسطورة تدريجيا لتصبح نوعا من القصص التربوية والأخلاقية لفرض الطاعة على الأطفال وحسن السلوك، ذلك أن النعوشة حين طارت بعيدًا قررت الانتقام من الأولاد والفتيات الذين يثيرون الشغب ولا يستمعون لرغبات أهلهم ولا ينفذون أوامرهم حرفيا، وأصبحت تراقب عن كثب وما أن ترى طفل مشاغب حتى تقرر عقابه فتنقض عليه فتمتص روحه عن طريق أنفه ويموت على الفور، ذلك أنها تتسلل مع غروب الشمس إلى مضاجع الأطفال الرضع لتمتص ألسنتهم، ويحدث لهم حالة من الاختناق حتى الموت، أو تمتص دماغهم، أو تقف على صدورهم حتّى الاختناق. عند رؤيتها أو سماع صوتها يجب المناداة بصوت عال وطلب الغربال حتى إن سمعت اسم الغربال تتذكر موت ابنها فترأف بأي طفل وتذهب في حال سبيلها. ولذلك لا يجب ترك الأطفال بمفردهم خاصة حديثي الولادة. ولا يجب أن يخلو بيت من غربال في مدخل البيت أو مدخل غرفة نوم الأطفال، لأنّ "النعوشة" تصطاد فرائسها عادة في الليل وهم من الأطفال الصغار وخاصة الذكور. ويُقال إنها تخاف ولا تقترب من المنازل التي يعلق بها الغربال الذي يذكرها بابنها، كما تشم رائحة الأطفال من خلال ملابسهم المعلقة على حبل الغسيل والتي يجب نزعها من فوق الحبل قبل غروب الشمس.
ولها أسماء متعددة حسب المناطق، فهي "الجثامة"، "التابعة"، "أم الصبيان"، "النعوشة"، "طير الليل"، للّيس"، وهي أيضا دويس النجدية والسعلاء الحجازية، وهي أيضا "السعلوة" التي تستوطن الأنهار في سورية والعراق، وهي أيضا عشتار إلهة الحب الجسدي والحرب التي كانت تسيطر على الحياة والموت، نزلت إلى الجحيم ، بعد وفاة زوجها تموز، لإعادته للحياة، لكن غياب عشتار يوقف الحياة تماما وتنضب العيون وتجف الأنهار وتتيبس المزروعات والأشجار، مما يزعج الآلهة ويدفعهم إلى إطلاق سراحها. كل عام في السنة الجديدة ، كان يُطلب من الحاكم "الزواج" من إحدى كاهنات عشتار، لضمان خصوبة الأرض وعودة الحياة. ثم تم استيعاب هذه الأسطورة من قبل الثقافة السامية وأعطت مكانًا للاسطورة المعروفة باسم ليليث، ولا سيما في التلمود المعروف بتلمود بابل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعش يتغلغل في أوروبا.. والإرهاب يضرب بعد حرب غزة | #ملف_الي


.. القرم... هل تتجرأ أوكرانيا على استعادتها بصواريخ أتاكمز وتست




.. مسن تسعيني يجوب شوارع #أيرلندا للتضامن مع تظاهرات لدعم غزة


.. مسؤول إسرائيلي: تل أبيب تمهل حماس حتى مساء الغد للرد على مقت




.. انفجار أسطوانات غاز بأحد المطاعم في #بيروت #سوشال_سكاي