الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت الرحيم في هولندا

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

2023 / 10 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1-تمنح الحكومة الهولندية مواطنيها ثلاثة حقوق صحية مهمة وفريدة. حق الموت الرحيم، حق الانتحار الرحيم، وحق عدم الإنعاش القلبي الرئوي.
يستطيع جميع السكان إختيار الحق الأول أو الثاني بالاتفاق مع طبيب العائلة، وضمن شروط طبية في غاية الصرامة . بينما يستطيعون اختيار الحق الثالث بشكل شخصي أحياناً دون موافقة طبيب العائلة.
2-الغاية من هذه الحقوق هي تخفيف الألم والمعاناة بسبب الأمراض الخطيرة ، والتي لا يوجد علاج فعال لها، أو علاج تلطيفي دائم. إنها حقوق ترى أن الحياة ونوعية الحياة أمران مهمان معاً، وترى أيضاً أن الإنسان قادر على تحديد نهايته فلسفياً إن خانه الجسد بطريقة كارثية.
3- بغض النظر عن الارتباكات الأخلاقية والانتهاكات التي تسبب بها هذه الحقوق ، فإنها في جوهر التشريعات العلمانية التي لا ترى أي دور للمعتقدات الدينية في تحديد شكل وجوهر الحريات والحقوق الإنسانية .
وهي كذلك تعبير سامق عن أصالة الحريات الممنوحة للإنسان.
4- كثير من دول العالم لا توافق الحكومة الهولندية على هذه القوانين. وهذا ما جعل هولندا مقصداً لسياحة الانتحار الرحيم لأشخاص أزرى بهم الألم وفتت عظامهم وقبل ذلك أرواحهم.
5- الألم والمعاناة لدى أصحاب المعتقدات الدينية وسيلة تطهيرية من الآثام ، كما هي اختبار وابتلاء من الرب للفوز في العالم الآخر بالجوائز الموعودة أو إتقاء للعقاب.
غير أن الأمر مربك أيضاً ، فالظن الشعبي أن من تألم وعانى ومات فهو ذو حظ سعيد لأنه تعرض لاختبار وابتلاء دنيوي من الرب . ومن عاش سعيداً ومات دون معاناة أو ألم فهذا يعني أن الرب شمله بعطفه ومحبته ووفر عليه الشقاء.
وهذا هو السبب الوحيد الذي يجعل القناعات الدينية مريحة للإنسان، فهي تكفيه عناء الجدال والنقاش وتقدم له أجوبة مرضية في كل حالة.
6-خلال التفشي الكبير لكوفيد19 في هولندا، قام الكثيرون من ذوي الأعمار المتقدمة بإعلان رغبتهم في عدم الإنعاش. وذلك تحسباً من البقاء على قيد الحياة بعد الإنعاش وهم في حالة جسدية مزرية جداً ، موصولين إلى أنابيب التنفس والتغذية.
٧ أليس من الممكن التوفيق بين خيار إنهاء الحياة الطوعي وبين المشيئة الإلهية؟
ألا يكفي أيضاً أن يختار الإنسان صاحب المعاناة الشديدة إنهاء حياته لكي يظل مديناً لربه بالشكر والفضل ، وليس بالتساؤل والحيرة وربما بالجحود ، فمحنة الألم غير المبرر مطحنة حواس وعقل ولا تترك خلفها سوى الشكوك.
8- ليست هذه الحقوق الصحية طارئة ، وليست وليدة الثقافة الغربية المعاصرة. هي تظهر تاريخياً عبر ثقافات مختلفة .
وقد ناقشها مثلا أفلاطون في جمهوريته. يذكر أفلاطون أن المرضى غير القادرين بسبب معاناتهم على عيش حياة طبيعية، لا ينبغي أن يتلقوا علاجًا لإطالة العمر. من الواضح أن أفلاطون يعارض القتل الرحيم النشط لكنه يقبل القتل الرحيم السلبي.
وهي ظاهرة مستمرة الحضور لأنها نزوع طبيعي إنساني للحياة الكاملة. وهذا المفهوم يشمل صحة الروح وصحة الجسد.
وما تفتقده الثقافة العربية المعاصرة هو أطروحة شاملة حول هذا الموضوع ، وبالتأكيد عن تاريخ أخلاقيات الطب الدينية بشكل عام. وتتبع تطور وجهات النظر الديانات السماوية الثلاثة المهيمنة على الضمير الجمعي، حول المشاكل الطبية والأخلاقية من العصور القديمة إلى يومنا هذا. ومناقشة المواضيع الحساسة كالإجهاض ، والتلقيح الاصطناعي، وتحديد النسل، والقتل الرحيم، ، وتحسين النسل، والتعقيم، والموقف من الشفاء بالإيمان والمعتقدات الطبية غير العقلانية.
9-"عايشين من قلة الموت"
تُردَّد هذه العبارة في البلاد العربية. وهي تحمل حقيقة مأساة وجودية كبيرة. ويكاد صدر قائلها أن يتفجر بالقهر والغضب المكظوم والاحتجاج على شروط حياته المعاصرة، بشقيها المادي والروحي.
أي خطاب عقلي أو عاطفي أو علمي أو عقائدي لا ينحني خشوعاً أمام تلك العبارة؟
ولماذا لا تتحول إلى سؤال استفهامي استنكاري ، يطال كل شيء ؟
أليس تأكيد فيلسوف القرن التاسع عشر آرثر شوبنهاور جميلاً وصحيحاً : "من الواضح تماماً أنه لا يوجد شيء في هذا العالم يمكن لكل إنسان أن يتمتع فيه بحق أكثر من حياته وشخصه".
الجواب عند المستفيدين من انتشار الفكر الغيبي المريح والممتع للجميع، مثل حساء ساخن في ليلة برد الوجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با


.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط




.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-