الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امكنة لم تتدثر بعباءة باشلار / الجزء الثاني

اسماعيل شاكر الرفاعي

2023 / 10 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ا
( ٨ )
في فترة لاحقة من تطور منظومة الفكر الديني التحق مفهوم : " شعب الله المختار " بها . فعمل مع مفهومي : الولاء والبراء ، على مساندة مفهوم حيازة الدين اليهودي للحقيقة وحده دون سواه . فتكوّن من هذا اللقاء منظومة فكرية متساندة . يسند كل مفهوم منها المفهومين الآخرين ويؤيد صحتهما ، بهذه الطريقة عملت المنظومات الفكرية للحضارات الزراعية التي لا تستطيع البرهنة على اطروحاتها وفرضياتها ، ففي ذلك الوقت الذي تفصلنا عنه فترة زمنية طويلة (  ما يقرب من ثلاثة آلآف عام ) لا أحد : لا من اهل السماء ، ولا من اهل الارض يعرف شيئاً عن تكنولوجيا التصوير ، لكي يصور واقعة الاختيار ، ولم يسجل احد  الحوار الذي دار بين الاله " يهوه " وبين ممثلي الشعب اليهودي اثناء الاحتفال بتلك الواقعة البهيجة :  لقد احتار المؤرخون لاحقاً الذين يرفض علمهم التاربخي اثبات صحة وقوع حادثة اختيار " يهوه " لشعبه وتفضيله ايّاه على باقي شعوب الارض : من غير وثيقة تدل على تلك الواقعة . هل يتنازل المؤرخون عن الوثيقة كشرط علمي لاثبات حدوث واقعة ما : اكراماً لعيون " يهوه " أو اكراماً لعيون القبائل البدوية اليهودية . لا تجد اطروحات الحضارة الزراعية سنداً لها في احداث التاربخ  ، ولا يمكن لاي شيء مهما كان حسبه او نسبه ، ان يثبت صحة واقعة اختيار الله لشعبه من بين شعوب الارض (  تثبت مفاهيم الحضارة الزراعية صحتها :  فقط حين تتحول من عالم الفنطازيا واللامعقول الى عالم الحضارة الصناعية المعقول : وهو عالَم ملوس ومُشاهَد وعياني ، وقدم برهاناً على كل شيء فيه : من استخراج مختلف الثروات من باطن الارض الى حقيقة وجود الكهرباء الى الطيران الى الانشطار النووي الى غزو الفضاء الى المكان الافتراصي الذي يضم الآن معظم الاسرار السياسية والتكنولوجية والفضاء الخارجي ) فاثبات صحة الحدوث : هو الشرط الذي يفرضه عالم الحضارة الصناعية على عالم الحضارة الزراعية لكي يجيز استخدام مفاهيمه . ولان عالم الحضارة الزراعية لم يستطع تقديم الدليل الملموس على صحة امكان حمل المرأة من غير رجل ،  او امكان النفخ في هيئة الطير باسم الرب " يهوه " لتصطفق اجنحتها وتطير ، ظلت مجرد مفاهيم اخبارية تنتمي الى الازمنة الشفاهية ( اللاكتابية )  التي كانت فيها المعرفة تنتقل عبر السند : قال فلان عن فلان عن علان ، وصولاً الى الرأس المنشيء للحكاية ، لكن تم التصديق بها فعلا من قبل قبائل البدو العربية ومن الكثير من شعوب الارض ، بعد ان تم غزوها وفتح اراضيها ومدنها ، فالمعرفة التي تم نشرها في الحضارة الزراعية تم نشرها بالسيف ، واجبر الناس على الاعتقاد بها : على انها معرفة مقدسة جاء بها الانبياء من عالم الغيب ...
٩ )
يقوم الانبياء وفق نظرية المعرفة الدينية الشرق اوسطية : - بنقل المعرفة من عالم الغيب الى البشر ، ومفهوم : شعب الله المختار يشبه المفاهيم الزراعية والاقتصادية والطبية التي ارسلها الله ببريد انبيائه الى البشر : بل هو ارفعها واجلها مقاماً ، لانه يتعلق باختيار الله لمجموعة احبابه من البشر الذين يشعر من دونهم بالوحشة والكآبة ، وتملأ اخبار حروبهم وغزواتهم وسبي النساء المتبادل ومفاخذتهن : تملأ اعطافه بالبهجة والسرور  . كانت المعرفة يتم انتاجها في الشرق الاوسط القديم في بيوت الله ، واستمر هذا التقليد الى اليوم ، فما زالت شؤون الحياة الاساسية تديرها فتاوى الفقهاء انطلاقاً من مفاهيم طائفية وعنصرية وخرافية .  وهي  تجربة خاصة بالشرق الاوسط : تدخل فيها آسيا الصغرى وتركيا ولا تدخل فيها اليونان التي لم يخرج الاسكندر المقدوني منها ٣٣٥ ق.م ، متجهاً الى الشرق ( بابل وبلاد فارس)   يبشر برسالة دينية ...
( ١٠ )
في اكاديميات الحضارة الزراعية التي هي اساساً بيوت الله ، تم انتاج معرفة شاملة ملأت نتائج بحوثها : الافق الثقافي بالمفاهيم الدينية والسباسية والاجتماعية  (المدراش والتلمود اليهوديان ، اللاهوت المسيحي ، الفقه وعلوم القرآن الاسلامية ) فحين يستقر الانسان ، فأنه لا يستطيع الاستمرار بالبقاء مستقراً دون معرفة علمية ( وليست خرافية )  بواقع الحياة من حوله لانتاج غذائه ، وانتاج ضروريات العيش الاخرى ، وحين لا يتمكن من انتاج هذه المعرفة الضرورية :  يهاجر  ( وهذا سبب اساس في هجرات الشعوب والقبائل الضخمة : الهندو اوربية والقبائل العربية والمغولية والتركية ) ولكن الانسان تعوّدَ ان يخفي دوافعه الحقيقية ( تعود ان يخفي غرائزه بأقنعة ثقيلة من الدوافع الانسانية : انه لا يتحدث عن اطماعه : بل عن طموحه في " انقاذ الجنس البشري " او " انقاذ الانسانية  " ) وراء ستار كثيف من مفاهيم التضحية والفداء ، متحدثا عن اوامر  الاله لللقيام بغزو الشعوب الاخرى لهدايتها . وفي  غزوات " الانقاذ " هذه ، يكون الانبياء الموهوبون عسكرياً قادتهم ( ومعظم انبياء القبائل الاسرائيلية ، وما اكثرهم في التوراة : يكتفون بالهذيان الشعري ، لكن الجميل )  . وكانت شعوب الشرق الاوسط القديمة التي لم يخرج من بين صفوفها انبياء ويجيؤون لها بالمعرفة اامقدسة من عالم الغيب يتم تسميتها  بالڜعوب الامية او الشعوب الجاهلية ، وهي التسمية التي لحقت بالعرب قبل الاسلام . لقد نجح اليهود في صراعهم الثقافي مع القبائل العربية في نشر نظرية الارتباط الضروري بين النبوّة وبين المعرفة ، مما جعل عرب يثرب ( المدينة ) يتحرقون شوقاً الى ان يُبعَث فيهم نبيٌ من بين صفوفهم . وكان الشعب اليهودي هو الشعب الوحيد من بين شعوب المنطقة الذي يزخر تاريخه بالانبياء ، وبناء على ذلك يكون اليهود : هم وحدهم اصحاب المعرفة الصحيحة والصادقة ، اما المعرفة التي تأتي عن طريق آخر غير طريق النبوة : فهي معرفة مشعوذين وشياطين : كاذبة وغير صادقة . ولولا النبوّة لما حصل العرب على المعرفة التي منحتهم قدرة منافسة اليهود ، الذين لا منافس لهم في عالم المعرفة وقتذاك . قد لا نجد اخباراً مفصلة وافكاراً مبوّبة على شكل فصول عن الثقافة والصراع الثقافي في كتابات الطبري وابن كثير والمسعودي ، ولكن يمكن ان نجد لها صدىً في هذه المؤلفات ، وفي غيرها من المؤلفات التي تناولت الغزوات والطبقات ... ومن هذه الفكرة ؛ فكرة شعب الله المختار : تسربت افكار العنصرية والشوفينية ، والكثير من افكار المركزية والنرجسية وحب الذات ، وما يدعو اليه البعض في ايامنا من تكوين : حكومات او احزاب انقاذ ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah