الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة التخلف وسيكولوجية الفرد

فراس الجندي

2023 / 10 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ظاهرة التخلف في المجتمعات العربية ظاهرة تستحق الدراسة والبحث، ليس من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فقط، بل على المستوى النفسي لفهم هذه الظاهرة بشكل جيد، فمن الضروري دراسة الأسباب التي تقف خلف هذه الظاهرة، من أجل تشخيصها وإيجاد العقاقير الفكرية لعلاج هذه الظاهرة المرضية. يقول القبطان الفرنسي ميسونMisson في كتابه القرصان : " إن الذين يولدون ويترعرعون في العبودية، يرقصون على أنغام أغلالهم."
لا يمكننا القول إن الدول العربية هي دول تتمتع بالديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان، وتؤمن بالاختلاف بالرأي، وتسمح بالتعددية السياسية، وإن المواطن العربي يعيش في دولة الرفاهية والرعاية الاجتماعية .نحن نعرف أن الدول العربية هي دول الأزمات، أزمات اقتصادية خانقة، تتعلق بالحريات والتضيق السياسي، غياب مطلق للديمقراطية، غياب العدالة الاجتماعية، قمع وسجون متلاصقة، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة التطرف، وخاصة التطرف الديني بكل أشكاله، بالإضافة إلى الكارثة الأهم والأخطر، وهي ثقافة التخلف التي نتج عنها كل الأزمات التي ذُكرت. فثقافة التخلف تعود إلى تخلف المجتمع، هذا التخلف الذي يمثل انتحار جماعي بسبب عدم وضوح الرؤية وفقدان الأمل، والشعور بالعجز المطلق عن إجراء عملية التغيير والتنمية، وفشل كل الجهود المبذولة للتخلص من الاستبداد وتغيير الواقع السياسي والاجتماعي المتخلف، فالتخلف الثقافي المحض لا يدخل في إطار ضعف التنمية وقلة المواد فقط، فالخليج يمتلك من الموارد المالية الكثير، ومع ذلك تحكمه ثقافة التخلف التي ينتج عنها سلوكيات مرتبطة في بيئة التخلف. هذه السلوكيات تُعتبر بمثابة مرض العضال الذي ينهش الجسد حتى يتملكه ويقتله. إن الفرد في البيئة العربية يعيش حالة من السبات أقرب إلى الموت، عاجز عن مواكبة التطورات وإنتاج المعرفة العلمية. هذا المرض نشأ وترعرع في ظل الاستبداد على مر التاريخ. فالفرد يعيش نمط التسلط العكسي المتعلق بقيم الاستبداد والتسلط التي نشأ عليها أثناء العملية التربية الأولى، فالرجل يمارس السلطة التي منحته إياها ترسانة العادات والتقاليد المرتبطة بالخرافة والأساطير ، المستندة إلى فتاوى ونصوص دينية ، فنجده يمارس الاستبداد على أطفاله وزوجته، ويعتقد أن أطفاله وزوجته ملك شخصي له يحق له التصرف بهم متى شاء، هذا الهرم السلطوي يجعل الزوجة تشعر بالدونية وتقتنع بأنها أدنى من الرجل، بسبب منظومة الاستلاب المعرفي والنفسي أثناء عملية التربية ، فهي تلقت هذه التعليمات من أمها بأن المرأة أدنى من الرجل ( المرأة بنصف عقل) وهي أقل شأناً منه ،والواجب أن تعيش في كنفه وظله ليؤمن لها الحماية، وهي بدورها عليها تلبية حاجاته ورغباته متى شاء البطرك. هذه العادات تأخذ شكل قانوني أو نص ديني مقدس لا يمكن الاقتراب منه، وبالتالي يتم إلغاء دور المرأة كلياً ويمنعها من ممارسة حقها الإنساني. والأمر الأخر الذي نلاحظه يتعلق بمنظومة العمليات المعرفية واختلالها، فالفرد الذي يعيش في بيئة التخلف، ومجتمع التخلف الخالص عقله في الماضي وجسده في الحاضر، حيث يعتمد على منظومة معرفية أقرب إلى البدائية ، ويأخذ موقفا عدوانياً من الحاضر، نتيجة عجزه عن محاكمة الأشياء بطريقة عقلانية ، فسلوكه يميل إلى العشوائية وعدم القدرة على تنظيم شؤونه اليومية بسبب سيطرة الخرافات والأساطير التي تغذى عليها بطفولته ، لذلك يقف موقفاً عدوانياً من التطورات المحيطة به ، ويرفض تقبل الجديد أو محاولة التجديد أو محاولة فهم الجديد الذي يقترب من بيئته، وبالتالي يُفسر كل الظواهر المحيطة به ويردها إلى القدرية والعلة الأولى ،والقدرية المطلقة والجبرية هي من تحكم سلوكه، لذلك يقول ( الإنسان مُسير وليس مُخير) هذه العبارة التي تحكم سلوكه اليومي، لذلك يقوم الفرد في البيئة المتخلفة بقمع مشاعره ، لأنه ليس مُخير بل هو مُسير، يقمع عواطفه ويكبت مشاعره ، ولا يملك القدرة على التعبير والإفصاح عن مشاعره ، فالحب يصبح جريمة لا تُغتفر وخاصة لدى المرأة في مجتمعاتنا العربية ،لأن الحب مرتبط بالغواية كما تقول الأساطير، ولا يستطيع الفرد أن يقول لأبيه بأنه عاشق، أو أن يُصرح أمام الآخرين بحبه وعواطفه، بل يمارس قمعه لعواطفه، الأمر الذي يؤدي به للتعرض إلى مجموعة من الاضطرابات النفسية، كالاكتئاب والسلبية في التفاعل مع المحيط الاجتماعي. إن مجتمعاتنا العربية قد عاشت ومازلت تعيش في بيئة التخلف، فهذه البيئة تؤثر بطريقة التربية، وطريقة التفكير فنرى الفرد مصاب بخصاء ذهني نتيجة عجزه عن التعبير عن قدراته وعجزه عن السيطرة على المحيط الذي يعيش فيه، وبالتالي تكون أحكامه مسبقة جامدة ذات طابع تحقيري بحق الآخرين من الديانات أو القوميات أو الأحزاب السياسية المختلفة عنه. وفي معظم الوقت يمارس آلية الإنكار كآلية دفاعية ليبرر عبوديته وقهره، حيث يتظاهر بالمعرفة، ويتفاخر ويبالغ في المظاهر والإسراف، هذا السلوك هو نتاج طبيعي لحالة الخواء الداخلي، والخصاء المعرفي والشعور بالدونية. فالفرد في بيئة ثقافة التخلف يتسم سلوكه بالتعصب بكل أشكاله، هذا التعصب ناتج عن جهل ولا يستند إلى المنطق العلمي، فالفرد في بيئة ثقافة التخلف لا يملك سلوك إحكام العقل لأنه ترعرع في بيئة سلبته قواه العقلية والمعرفية، ودجنته على ممارسة العبودية، ففي هكذا بيئة تنعدم الحياة وتنعدم معها قضية التعايش والتسامح وتكثر الأمراض كالطائفية والمذهبية، والمناطقية وتكون هذه البيئة تربة خصبة للاقتتال بين مكونات الشعب الواحد. هذه البيئة هي بؤرة لنشوء التطرف الديني، ورفض قيم الديمقراطية، لأن قيم وممارسة الديمقراطية بالنسبة للفرد في البيئة المتخلفة أسلوب لا يتناسب مع طبيعة الحياة التي يعيشها. لذلك يقبل أن يعيش في بيئة متسلطة سياسياً ،ويتخلى عن حريته ويكبل يديه بسلاسل العبودية ،خاضعاً لتعاليم الاستبداد، يتفاخر بالطاعة العمياء للعادات والتقاليد التي أنتجتها الطبقة الحاكمة، وكل يوم يصلي لأصنام السلطة من أجل إرضاء منظومة الاستلاب التي قهرته منذ نعومة أظفاره، فثقافة التخلف تُنتج السلوكيات العبودية التي تحمل كل أشكال القهر بداخلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة