الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مملكة إسرائيل في التاريخ القديم

عضيد جواد الخميسي

2023 / 10 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


احتلّت مملكة إسرائيل تلك الأرض الواقعة على البحر الأبيض المتوسط والتي عُرفت تاريخياً كجزء من كنعان ، حاملة أسماء عدة : "فينيقيا" ، "فلستين" ، "يهود مديناتا" ، و "يهوذا" ، وبعد تدمير الرومان للمنطقة عام 136 ميلادي ؛أُطلق عليها "سوريا - فلسطين" .
وبحسب التوراة ، سُميّت المنطقة على اسم النبي العبراني "يعقوب" ، المعروف أيضاً باسم إسرائيل المشتق من كلمة (يسرائيل) والتي تعني "مُصارع الرّب " .
كانت إسرائيل هي المنطقة التي استوطنها أبرام ( إبراهيم ) ، و توسعت حدودها على يد ابنه إسحاق من بعده ، ثمّ حفيده يعقوب ، كما غزاها القائد العبراني"يِهُوشُوَّع" (يشوع) حوالي عام 1250 قبل الميلاد ، بعد الخروج من مصر بأمر النبي موسى .

ذُكرت إسرائيل على أنها كيان اجتماعي لأول مرّة في نقش الفرعون المصري "مرنبتاح" (عام 1213 ـ 1203 قبل الميلاد) ، والذي ورد فيه أن "إسرائيل مُدمَرّة ، مسلوبة الجذور" (كيريجان ، ص 59).
يبدو أن تلك العبارة تشير إلى شعب وليست مملكة ، ولم يكن هناك إجماع علمي عن المعنى النهائي ، ولا حتى عن سبب وجوب ذكر إسرائيل على لوح يُمجّد انتصار مصر على الليبيين ؛ ما لم يكن الإسرائيليون جزءاً من التحالف المعروف باسم "شعوب البحر" ، إلا أن هذا الأمر بعيد الاحتمال .

بحلول عام 1080 قبل الميلاد ؛ أقام الإسرائيليون مملكتهم على الأرض وأسسوا لثقافة استندت إلى الحضارات السابقة . وذلك حسب ما كتبه العالمان "جي. ماكسويل ميلر"، و "جون أج . هايز" ، في المقطع التالي :

"ما يقرب من ألفي عام من التاريخ المدوّن والإنجازات الثقافية الرائعة التي سبقت بدايات تاريخ مملكتي إسرائيل ويهوذا؛ شهدت تلك الفترة الزمنية المُبكرة نهوض كبير في الآداب و العلوم والفنون والتقنيات ، لا سيّما في بلادي الرافدين والنيل . حيث تُظهر القطع الأثرية المُكتشفة في المواقع القديمة من فلسطين ؛ أن بني إسرائيل ويهوذا كانوا قد ورثوا حضارتين عريقتين متطورتين ." (ص 27-28)
إلاّ أن ذلك التفسير للتاريخ يتعارض مع الاعتقاد السائد في أن الإسرائيليين قد برزوا في كنعان وفرضوا ثقافتهم على السكان الأصليين في أعقاب غزوهم للمنطقة !.

انقسمت المملكة إلى قسمين بعد وفاة الملك سليمان (عام 965-931 قبل الميلاد) ؛ حيث مملكة إسرائيل في الشمال ، ومملكة يهوذا في الجنوب. وفي عام 722 قبل الميلاد ، غزا الآشوريون المملكة الشمالية ورّحلوا سكانها وفقاً للخطة السياسية العسكرية الآشورية ؛ مما أدّى إلى شهرة ما يسمّى قصة "الأسباط ( القبائل) العشرة المفقودة" من مملكة إسرائيل . أمّا البابليون ؛ فقد غزوا مملكة يهوذا عام 598-582 قبل الميلاد، و اقتادوا كبار الكهنة والكتّاب والحرفيين والمهنيين المهرة إلى بابل ؛ كأسرى حرب من مملكة يهوذا .

في فترة لاحقة ؛ سمح الفرس لليهود بالعودة إلى مواطنهم عام 538 قبل الميلاد ، وأعتبروا منطقة بلاد الشام جزءاً من إمبراطوريتهم لحين سقوطها في يد الإسكندر المقدوني ( عام 356-323 قبل الميلاد) . وبعد وفاة الإسكندر ، أصبحت بقبضة الملك بطليموس الأول ، ثم الإمبراطورية السلوقية حتى عام 168 قبل الميلاد . وخلال تلك الفترة ثار الإسرائيليون تحت قيادة "المكابيين" الذين أسسوا سلالة الحشمونيين .

استولت روما على المنطقة في عام 63 قبل الميلاد ، وأدى استياء الناس من الاحتلال الأجنبي إلى فترات من الاضطرابات حتى قيام ثورة "بر كوخبا" (عام 132 ـ 136 ميلادي) التي شهدت هزيمة اليهود وتدمير أورشليم . ثمّ ليعيد الإمبراطور الروماني "هادريان" تسمية المنطقة إلى "سوريا - فلسطين " .

القصة التوراتية
وفقاً للرواية الواردة في كتاب سفر التكوين التوراتي ، قاد النبي أبرام ( ابراهيم) شعبه إلى أرض كنعان حسب توجيهات إلهه :
"وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ امْرَأَتَهُ، وَلُوطًا ابْنَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا الَّتِي اقْتَنَيَا وَالنُّفُوسَ الَّتِي امْتَلَكَا فِي حَارَانَ. وَخَرَجُوا لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ ." (12: 1-5).

في كنعان ، أسس النبي إبراهيم ومن بعده ابنه إسحاق ثم حفيده يعقوب (إسرائيل) ؛ ثقافة "العبرانيين" والتي معناها الحرفي "الجوّالون".

كان ليعقوب اثنا عشر ولداً؛ إلاّ أن يوسف كان ابنه المُفضّل الذي أغاض إخوته ، فباعوه للإسماعيليين عبداً ، ثم أعيد بيعه في مصر . وبمجرّد وصوله مصر، برز في قدرته على تفسير الأحلام وأصبح مستشاراً لدى الفرعون عندما أنقذ المنطقة من المجاعة . عند ذلك الوقت ، نزح كل من والد وأخوة يوسف إلى مصر واستقروا فيها ضيوفاً مُرّحب بهم :
"فَكَلَّمَ فِرْعَوْنُ يُوسُفَ قَائِلًا: «أَبُوكَ وَإِخْوَتُكَ جَاءُوا إِلَيْكَ. أَرْضُ مِصْرَ قُدَّامَكَ. فِي أَفْضَلِ الأَرْضِ أَسْكِنْ أَبَاكَ وَإِخْوَتَكَ، لِيَسْكُنُوا فِي أَرْضِ جَاسَانَ. وَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَهُمْ ذَوُو قُدْرَةٍ، فَاجْعَلْهُمْ رُؤَسَاءَ مَوَاشٍ عَلَى الَّتِي لِي»" (تكوين 47 :5 ،6 )
وبمرور الزمن حسب سفر الخروج ؛ زاد عدد نفوس الإسرائيليين ، الذي أدّى إلى استبعادهم خارج مصر :
"وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَأَثْمَرُوا وَتَوَالَدُوا وَنَمَوْا وَكَثُرُوا كَثِيرًا جِدًّا، وَامْتَلأَتِ الأَرْضُ مِنْهُمْ ." ( خروج 1 :7 ) .

فُرض على الإسرائيليين أن يكونوا عبيداً في مصر حتى تحريرهم من قبل النبي موسى الذي جاء بهم إلى أرض كنعان ؛ وذلك حسب وعد ربّهم في أن تكون مُلكاً لهم حصراً !. إلاّ أن موسى لم يتمكن من دخول تلك الأرض ؛ بسبب معصيته لأوامر ربّه ؛ لكنّه أناط مهمة قيادة الاسرائيليين إلى (يشوع) الرجل الثاني من بعده للوصول إلى الأرض الموعودة . وقد انتصر يشوع على السكان الأصليين ، وقسّم الأرض بنفسه .
"وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى فِي نَفْسِ ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلًا:«اِصْعَدْ إِلَى جَبَلِ عَبَارِيمَ هذَا، جَبَلِ نَبُو الَّذِي فِي أَرْضِ مُوآبَ الَّذِي قُبَالَةَ أَرِيحَا، وَانْظُرْ أَرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي أَنَا أُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مُلْكًا، وَمُتْ فِي الْجَبَلِ الَّذِي تَصْعَدُ إِلَيْهِ، وَانْضَمَّ إِلَى قَوْمِكَ، كَمَا مَاتَ هَارُونُ أَخُوكَ فِي جَبَلِ هُورٍ وَضُمَّ إِلَى قَوْمِهِ. لأَنَّكُمَا خُنْتُمَانِي فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةِ قَادَشَ فِي بَرِّيَّةِ صِينٍ، إِذْ لَمْ تُقَدِّسَانِي فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَإِنَّكَ تَنْظُرُ الأَرْضَ مِنْ قُبَالَتِهَا، وَلكِنَّكَ لاَ تَدْخُلُ إِلَى هُنَاكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنَا أُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ»."( سفر التثنية 32: 48 ـ 52 ) .
"هذِهِ هِيَ الأَنْصِبَةُ الَّتِي قَسَمَهَا أَلِعَازَارُ الْكَاهِنُ وَيَشُوعُ بْنُ نُونَ وَرُؤَسَاءُ آبَاءِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْقُرْعَةِ فِي شِيلُوهَ أَمَامَ الرَّبِّ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَانْتَهَوْا مِنْ قِسْمَةِ الأَرْضِ ."(سفر يشوع 19: 51 ) .

تجدر الإشارة إلى أن الرواية التاريخية عن غزو كنعان مذكورة فقط في التوراة ، بينما ثبت من خلال الأدلّة الأثرية في المنطقة المعروفة باسم كنعان ؛ أن هناك اضطرابات واسعة النطاق قد حصلت فيها مابين عام 1250 وعام 1150 قبل الميلاد ، والتي لا تتوافق وقائعها المذكورة بدقة في الادلّة مع تلك التي في كتاب التوراة .

في الواقع ؛ كانت تلك الحكاية عن رجل يُدعى يشوع قاد العبرانيون لغزو كنعان ؛ هو دافع للإيمان بالنصوص التوراتية. ولكن الثابت تماماً ؛ في أن شيئاً ما قد حصل فعلاً مابين عام 1250 و عام 1150 قبل الميلاد ( انهيار العصر البرونزي ) ؛ الذي أدى إلى تشريد السكان الأصليين ، ليس فقط في كنعان ، وإنما في أماكن أخرى من جميع أنحاء الشرق الأدنى . لذلك يرفض بعض علماء العصر الحديث رفضاً قاطعاً فكرة غزو بني إسرائيل لأرض كنعان ، ويشيرون بذلك إلى أدلة أثرية تدعم حججهم ؛ في أن الإسرائيليين قد اندمجوا سلمياً مع الكنعانيين . وأن الاعتقاد بغزو المنطقة من قبل قائد إسرائيلي ، لم يظهر إلاّ في زمن لاحق من فترة السبي البابلي مابين عام 598 وعام 538 قبل الميلاد ، وأن تلك الحكاية قد دُوّنت فقط ؛ لأغراض السرد التوراتي في إعادة كتابة النصوص خلال فترة الهيكل الثاني (حوالي عام 515 قبل الميلاد - عام 70 ميلادي) .
كما يضيف علماء الرأي المضاد للرواية التوراتية ؛ أن أبرام ( ابراهيم ) كان في الأصل آمورياً من بلاد الرافدين وانتقل إلى كنعان ، وأن المدونون العبرانيون اللاحقين ؛ كانوا غير راضين عن روابط أسلافهم مع بلاد الرافدين . لذا فهم اخذوا يكتبون تاريخاً جديداً يسلّط الضوء على علاقة شعبهم الفريدة بإله حقيقي واحد يحكم جميع جهات الكون . ومن أجل ترسيخ تفوقهم السياسي والاستيطاني ؛ جعلوا من الإله الكنعاني الصغير( يهوه ) الرّب الأعلى والأسمى في الوجود ، ثم قاموا بتأسيس ممارسات دينية مختلفة لتمييز مجتمعهم عن الآخرين في عموم المنطقة .

النظرية التي أشار لها كلا العالمان ميلر ، وهايز ؛ هي مجرّد تخمين وقبول إلى حد كبير مثل الإيمان بالرواية التوراتية . لكنهما يعتقدان أيضاً ؛ أن التوثيق من خارج التوراة والأدلة الأثرية يشير إلى أن المنطقة في ذلك الوقت ؛ "كانت نوعاً من بوتقة الانصهار ، لعناصر متنوعة تعيش في ظل ظروف سياسية ودينية مختلفة (استثنائية) والتي شكلت الأساس في وجود مملكتي إسرائيل ويهوذا اللاحقتين "( ص78). وحسب هذه النظرية ؛ من المُستبعد في أنه كان هناك غزو ؛ بل هو قبول واستيعاب تدريجي للنازحين في عموم أراضي المنطقة .

الملوك الأوائل
تحولّت إسرائيل إلى مملكة موحدة في ظل قيادة الملك "داود" (حوالي عام 1035-970 قبل الميلاد) الذي جمع مختلف القبائل وعمل على توحيدها عند توليه الحكم بعد ملك إسرائيل الأول" شاول" (حوالي عام 1080-1010 قبل الميلاد) . كما اختار داود مدينة أورشليم الكنعانية عاصمة له ، ويُروى أنه نقل تابوت العهد إلى هناك . وطالما يُعتقد أن حضور الرّب الحيّ يكمن في ذلك التابوت ( نفس فكرة العقيدة الرافدينية حيث يتجسّد الإله في تمثال المعبد ) ، فإن نقله إلى أورشليم سيجعل المدينة مركزاً سياسياً ودينياً ذات أهمية كبيرة . وكان الملك داود قد خطط في بناء معبد كبير لإيواء تابوت العهد فيه ؛ ولكن تلك المهمّة وقعت على عاتق ابنه سليمان ( بناء هيكل سليمان) ؛ الذي توافق حكمه مع ذروة عظمة الإسرائيليين ، حسب ما جاء في كتب العهد القديم .

قام الملك "سليمان" بإبرام المعاهدات مع بعض ممالك المنطقة مثل؛ صور ، ومصر ، وسبأ . واهتّم برعاية مشاريع البناء التي جعلت من أورشليم مدينة عظيمة وفخمة (بما في ذلك الهيكل الأول) . وقد تم وصف فترات حكم الملوك ؛ شاول ، وداود ، وسليمان ؛ في أنها من العصر الذهبي لتحقيق الوحدة والنماء ، رغماً من أن علماء التاريخ في ملاحظاتهم عن المدّوَنات التاريخية التي ذكرت في أن هناك صعوبات اقتصادية واجهتها المملكة ، مما اضطّرت في التنازل عن بعض المدن للفينيقيين . وأن سياسات الملك سليمان الصارمة قد أدت إلى انفصال قبائل يهوذا عن المملكة بعد وفاته .

كان الدين في مملكة إسرائيل هو "الهنوثيية" (الإيمان بعديد من الآلهة مع التركيز على إله واحد الأقوى بينهم) ، وشدد الملك داود ، كما كان الملك شاول من قبله ، في جعل الرّب يهوه الإله الأسمى من بين جميع الآلهة . ويبدو أن داود وسليمان على وجه الخصوص ؛ كانا قد استثمرا هذا الاعتقاد لمصلحتيهما في توحيد الشعب ، ولكن بعد وفاة الملك سليمان انشطرت المملكة إلى شطرين؛ حيث احتلّت مملكة إسرائيل المنطقة الشمالية عاصمتها "السامرة" ، ومملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها "أورشليم" . بيد أن المملكتان تتحالفان أحياناً معاً ، وتتحاربان في أخرى ، إلاّ أنهما لم تتمكنا من تحقيق نفس القدر من القوة والثروة مثلما كان الأمر في عهدي الملك داود وابنه سليمان .

الملوك اللاحقون والغزاة
ازدهرت مملكة إسرائيل في عهد الملك "عُمري" (عام 876-869 أو عام 884-872 قبل الميلاد) ، والملك "أخآب" (عام 876-853 قبل الميلاد) ، ومن بعدهما كانت قبيلة "ياهو" (عام 842 -746 قبل الميلاد) ، وذلك حسب الأدلة الأثرية ، وما جاء في النصوص التوراتية . ولكن يبدو أن الوضع غالباً ما اتسم بعدم الاستقرار الناتج عن التنافس بين مملكتي إسرائيل ويهوذا .

أيّاً كان الأمر؛ فقد كانت إسرائيل في عهد الملك أخآب قوة عسكرية كبرى ؛ واتضح ذلك من خلال نقش في مسلّة الملك الآشوري "شلمنصر الثالث" (عام 859-824 قبل الميلاد) الذي نصّ على أن ؛ الملك أخآب كان قادراً على حشد جيش ضخم لمواجهته ؛ قوامه أكثر من ألفي عربة وعشرة آلاف من المحاربين المشاة ( البحوث العلمية الحديثة مُعترضة على تلك الأرقام ، وتصفها بغير المنطقية) .

في عهد "حزقيا" ملك يهوذا (حوالي عام 715-686 قبل الميلاد) ، أصبحت يهوذا أقوى المملكتين . وفي عام 722 قبل الميلاد ، سقطت مملكة إسرائيل في يد الآشوريين تحت حكم الملك "سرگون الثاني" (عام 722-705 قبل الميلاد) ، وحسب المخطط الآشوري ، تم نقل السكان إلى مناطق أخرى ، مما أدى إلى فقد أسباط إسرائيل العشرة . وكان للعالمان ميلر، وهايز إضافة أخرى ، كما في المقطع أدناه :

"لم تعد إسرائيل موجودة كمملكة مستقلة في وقت مبكر جداً من فترة الهيمنة الآشورية. حيث تم الاستيلاء على عاصمتها في السامرة عام 722 قبل الميلاد ، وأُلحقت أراضي إسرائيل فيما بعد بالمملكة الآشورية . بيد أن مملكة يهوذا قد حافظت على هويتها الدينية طوال تلك الفترة ؛ إلا أن السيطرة الآشورية عليها تكاد تكون كاملة." (ص 314)

كانت مدينة أورشليم استثناءً من الهيمنة عندما صمدت بوجه الآشوريين . والملك حزقيا حسب الرواية التوراتية ، قد شهد سقوط السامرة عاصمة مملكة إسرائيل ؛ لذا فقد عمل على تعبئة جيشه استعداداً لحماية عاصمته أورشليم . وكان مُراهناً على صمود أورشليم في التصدّي لحصار الجيش الآشوري عام 703 قبل الميلاد ؛ بقيادة الملك "سنحاريب" ابن الملك "سرگون الثاني" (عام 705-681 قبل الميلاد) ، وذلك من خلال بناء "نفق سلوام" و"الحائط العريض" ، اللذان لا يزالان موجودَين حتى اليوم . ولكن في النهاية دفعت أورشليم الإتاوة للآشوريين كأرض تابعة .

عندما سقطت الإمبراطورية الآشورية في عام 612 قبل الميلاد بتحالف بين البابليين والميديين ؛ استولى البابليون على المنطقة ونهبوا أورشليم ودمروا الهيكل في عام 598 قبل الميلاد . أمّا الملك البابلي "نبوخذ نصّر الثاني" (عام من 634 إلى 562 قبل الميلاد) ؛ فقد أخذ بترحيل كبار الكهنة والتجّار، والكتّاب ، والحرفيين المهرة إلى بابل ، وذلك في حدث عُرف باسم "السبي البابلي" . و في حملات عسكرية بابلية أخرى (عام 589-582 قبل الميلاد) ؛ أُطيح بمملكة يهوذا .

غزا الفرس بابل تحت حكم الملك "كورش" (المتوفي عام 530 قبل الميلاد) ؛الذي أجاز لليهود في العودة إلى مواطنهم عام 538 قبل الميلاد. و بتدمير مدنهم وترحيلهم من أرضهم التي وعدهم بها ربّهم؛ قد أجبر رجال الدين اليهود على إعادة التفكير في معتقداتهم الدينية .

الدين
طوال فترة تاريخ إسرائيل المبكر ؛ كان معتقد الإسرائيليين قبل تلك الأحداث من الغزو؛ هو "الهينوثنية". وعلى الرغم من أن الكتب التوراتية تعرض وبشكل عام صورة مشرقة عن الإسرائيليين على أن إيمانهم لم يتزعزع من عقيدة التوحيد ، بيد أن هناك أدلّة وحتى في تلك الروايات ؛ من أن الناس قد آمنوا وعبدوا آلهة أخرى غير( يهوه) مثل؛ الإلهة الأوغاريتية "عشيرة" ، والإله الفينيقي "بعل" ، وإله الشمس السومري "أوتو - شمش" وغيرهم من الآلهة. وفي الآخر ؛ أُعتبر إله الصحراء البدوي " يهوه" الإله الأعلى والأسمى في وقت مُبكر من عهد الملك شاول .

كما هو الحال في العديد من أنظمة المعتقدات القديمة (والحديثة) ، اعتمد الإيمان بـ (يهوه) على المقايضة أو الاتفاق ؛ سواء كان في العلن أو بنقيضه ؛ وذلك من خلال حصول الشخص على ما يرغب مقابل شيء آخر يقدّمه . وكان المتوقع من الناس أن يقدسّوا يهوه ويعبدوه ، ولكن في المقابل عليه أن يمنحهم الرعاية ويحفظ لهم الأمان .
وعندما دمر البابليون أورشليم ومعبدها وقيامهم بترحيل مواطنيها من الأعيان ، كان لا بدّ من إيجاد سبباً لتخلّي الرّب عنهم وسماحه بنفيهم إلى بابل . وقد خلص رجال الدين العبريون إلى أن السبب ؛ أنهم لم يعبدوا يهوه وحده فقط ؛ بل أشركوا معه آلهة أخرى . وعليه فقد كان السبي البابلي ، إذن ؛ نقطة تحوّل في المعتقد والممارسة الدينية الإسرائيلية في المضي قُدماً نحو عقيدة توحيد صارمة .

تُعرف الفترة التي شَهِدت عودة اليهود إلى مواطنهم ومراجعة معتقداتهم الدينية باسم "فترة الهيكل الثاني" (حوالي عام 515 قبل الميلاد - 70 م) ، وقد سُميت بهذا الاسم لإعادة بناء قصر أو هيكل سليمان الذي دمره البابليون عام 598 قبل الميلاد .

إن السبي البابلي وما نتج عنه من إصلاحٍ للعقيدة ؛ قد أدّى إلى تأسيس الدين اليهودي مثلما هو معروف اليوم . كما أن التحوّل الذي برز لأوّل مرّة عن بناء المعابد اليهودية والمدارس الحاخامية وتقديس الكتاب العبري ؛ يعود إلى تلك الفترة حصرياً ؛ على الرغم من ظهور تغييرات أخرى لاحقة أثناء وبعد الحروب اليهودية الرومانية .

ثورة المكابيين وسلالة الحشمونيين
سيطرت الإمبراطورية الأخمينية (الفارسية) على المنطقة حتى غزوها من قبل جيوش الإسكندر الأكبر عام 334 قبل الميلاد . وكما فعل في كل منطقة غزاها ، طرح الإسكندر( ليس فرضاً) فكرة المعتقدات الهلنستية والقيم الثقافية في أرض يهوذا التي قبلها بعض اليهود ورفضها آخرون . وبعد وفاة الإسكندر عام 323 قبل الميلاد ، استولى القائد العسكري "بطليموس الأول" على المنطقة التي كانت تُعرف سابقاً باسم "مملكة يهوذا" ، كما احتل بلاد النيل أيضاً ، إلاّ أنه تقهقر أمام السلوقيين في سوريا عام 198 قبل الميلاد . واحتفظ السلوقيون بالأرض حتى جاءتهم الأوامر من ملكهم "أنطيوخس الرابع" (عام 174-163 قبل الميلاد) في فرض الممارسات الدينية الهلنستية بالقوّة في المنطقة (وخاصة عند الهيكل في أورشليم) ، والتي أدت إلى ثورة المكابيين عام 168 قبل الميلاد .

انتهت ثورة المكابيين (حوالي عام 168-160 قبل الميلاد) بانتصار الميليشيات اليهودية وتطهيرها للهيكل (الاحتفال بعيد حانوكا) . وعلى الرغم من اعتبار تلك الثورة هو تحدّي تقليدي من قبل الثوّار من أجل الحرية الدينية بقيادة "يهوذا المكابي" ضد الاحتلال الأجنبي والاضطهاد الديني ، إلاّ أن بعض المؤرخين يرون أن بداية تلك الثورة كانت حرب أهلية بين اليهود الذين اعتنقوا الهيلينية للسلوقيين والآخرين الذين رفضوها . وعند هذا المفصل ؛ أصبح الملك أنطيوخس الرابع متورطاً في القتال كحليف لليهود الهلنستيين .

إن انتصار الإسرائيليين على السلوقيين مكّنهم من تأسيس سلالة الحشمونيين التي كانت آخر مملكة يهودية مستقلة في المنطقة. وقد انخرط الحشمونيون في سياسة التوسع والسيطرة على مناطق تجارية مهمة كانت ضمن حدود "مملكة النبط " الغنيّة . وقد أدّت تلك السياسة إلى صراعهم مع الملوك الأنباط ، وأيضاً مع بعضهم البعض للسيطرة على شؤون مملكتهم .

جذبت ثروة المملكة النبطية والحروب الأهلية للسلالة الحشمونية انتباه روما . ففي عام 64 قبل الميلاد ، استولى القائد الروماني "بومبي الكبير" على المملكة النبطية ، وفي العام الذي تلاه ، تدّخل بومبي في شؤون الحشمونيين وأشرك المنطقة بأسرها في صراعه الأخير على السلطة مع"يوليوس قيصر" . وعلى الرغم من أن الحكّام الحشمونيين قد حافظوا على العرش ، إلا أن تدّخل روما كان بمثابة إشارة إلى نهاية المملكة المستقلة. وعينّت روما فيما بعد "هيرودس الكبير" عام 37 قبل الميلاد ملكاً عليها ، وبذلك فقد أصبحت المنطقة كيان عميل تابع للإمبراطورية الرومانية .

قيام الثورات وتدمير يهوذا
قاوم اليهود الاحتلال الروماني ، مما أدّى إلى اندلاع الحرب اليهودية الرومانية الأولى (المعروفة أيضاً باسم الثورة الكبرى) عام 66-73 ميلادي ، والتي انتهت بتدمير أورشليم على يد القائد الروماني "تيتوس" ، وفرض الحصار على "قلعة متسادا" الجبلية . بيد أن المدافعين عن القلعة أقدموا على فكرة الانتحار بدلاً من أسرهم أو استسلامهم . وبسيطرة الرومان على القلعة ؛ انتهى عمل المقاومة وتشتت جزء كبير من اليهود ، والجزء الآخر بيعوا كعبيد .

كانت الثورة المهمة الثانية هي حرب كيتوس (عام 115-117 ميلادي) ، التي أُطلق عليها هذا الاسم بسبب قساوة القائد الروماني "لوسيوس كوايتوس" الذي استخدم القمع المفرط ضّد اليهود ، والمعروفة أيضاً باسم (الحرب اليهودية الرومانية الثانية) ، والتي نتج عنها المزيد من القتل والتهجير للسكان . كما سُميّت أورشليم باسمه أيضاً ، قبل أن يتحول اسمها إلى "القدس" بعد الغزو العربي الإسلامي لها في القرن السابع الميلادي .
أمّا الثورة الأخيرة والأكثر أهمية هي ثورة "بر كوخبا" (المعروفة أيضاً باسم ثورة بر كوخبا أو الحرب اليهودية الرومانية الثالثة) عام 132-136 ميلادي . وعلى الرغم من وجود العديد من الأسباب التي ساهمت في نشوب هذه الحرب ، إلا أن الشرارة التي أشعلت الحرب ؛ هو قرار الإمبراطور الروماني "هادريان" في تشييد مدينة جديدة أسماها "ايليا كابيتولينا" على أنقاض مدينة كيتوس (أورشليم) ، وبناء معبد للإله "جوبيتر" في جبل الهيكل ؛ المكان المقدّس عند اليهود . وقد كانت الثورة ناجحة في البداية بقيادة "شمعون بر كوخبا" ، حيث تمكن من تثبيت سلطته وحكمه المنطقة لمدة ثلاث سنوات حتى سُحقت الثورة وقادتها من قبل روما . وعلى أثرها فقد قُتل الآلاف من اليهود وتفريق الآخرين ، كما أخذ الإمبراطور هادريان بنفي جميع يهود المنطقة ومنعهم من العودة تحت عقوبة الإعدام .

بعد تدمير المنطقة وتهجير جميع مواطنيها من اليهود في القرن الثاني الميلادي ، لم تعد إسرائيل موجودة حتى تبنّي الأمم المتحدة بقرارها المرّقم (273 ) والمؤرّخ في 11 أيار/ مايو عام 1949 ميلادي ؛ قبول عضوية دولة إسرائيل الحديثة . ولكن هذا الارتباط بين مملكة إسرائيل القديمة والدولة الحديثة التي تحمل الاسم نفسه ؛ محل نزاع ساخن على مرّ السنين ؛ إذ لا تزال القضية موضع جدل عن الأحقية التاريخية على تلك الأرض .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويل ديورانت ـ تراثنا الشرقي ـ سايمون وشوستر للنشر ـ 1954 .
مايكل كريجان ـ القدماء في قولهم ـ مطبعة فول ريڤر ـ 2023 .
رونالد ميلر ـ مؤرخو روما القديمة ـ روتليدج للنشر ـ 2012 .
جي .ماكسويل ميلر & جون. اتش . هايز ـ تاريخ إسرائيل القديمة ويهوذا ـ مطبعة وستمنستر ـ 1986 .
توماس نيلسون ـ الكتاب المقدس ـ مطبعة توماس نيلسون ـ 2005 .
ولفرام ڤون سودن ـ الشرق القديم: مقدمة لدراسة الشرق الأدنى القديم ـ شركة إردمانز للنشر ـ 1994 .
سوزان وايز باور ـ تاريخ العالم القديم ـ دبليو دبليو نورتون وشركاه ـ 2007 .
الأسفار / التكوين ، الخروج ، يشوع ـ موقع الأنبا تكلاهيمانوت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران