الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هندسة الدين والعلم: عالمان منفصلان أم وجهان لعملة واحدة؟-

محمد الزمير
محمد زمير:باحث وكاتب وقارئ نقوش حضارات قديمة

(Mohammed Zumair)

2023 / 10 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


هل يمكن أن يكون الدين والعلم وجهين لعملة واحدة؟يدعي البعض ذلك؟ لماذا لا يمكن لزاهي حواس وأحمد الطيب أن يلتقيا على الرغم من أنهما يقومان بدور هندسي واحد؟ هذه بعض الأفكار المثيرة للتفكير والمناقشة.
#محمد_زُمير
مؤسسة الدين في بريطانيا متخصصة في دراسة المعارف الدينية والتاريخية في العالم بعد الميلاد. تملك المؤسسة خبراء متخصصين في هذا المجال. يجب على خبراء المؤسسة أن يظهروا بشكل مميز عن الآخرين من حيث الهيئة واللباس، حيث يتميزون بارتداء اللحى والشنب والعمائم والأثواب الطويلة وحمل الصولجان. كما يمتلكون ألقابًا مميزة مثل الشيخ والإمام والقس والبابا.

قرأت مرة قصة طريفة ذكرها أحد رجال الأزهر، حيث كان يقود عربة وكان هناك شخص يطارده. عندما توقف الرجل وسأله ماذا يريد، قال له إنه يريد أن يسأله سؤالًا دينيًا. فرد عليه الرجل قائلاً: "الله أعلم". فقال الشخص له: كيف لا تعلم، أليس لديك عمامة الأزهر؟ فقام رجل الأزهر بخلع العمامة وقال له: أنا الآن بدون عمامة.

توضح هذه القصة مدى تأثير المظهر على وعي الجماهير، وكيف أن المظهر يخلق هالة معرفية كبيرة للشخص أمام الناس. لذا، فإن الاختلاف في المظهر واللباس والألقاب عن بقية الناس له أهمية كبيرة لإبراز الهالة الدينية الكبيرة أمام الناس ومنحهم سلطة معرفية فوقية باسم الدين، مما يجعل الناس يصدقون ما يقولونه بسهولة. ولديهم جمهور يصدق كل ما يقولونه بسهولة جداً.

مؤسسة العلم في فرنسا متخصصة في دراسة المعارف الدينية والتاريخية في العالم قبل الميلاد. تملك المؤسسة خبراء متخصصين في هذا المجال. يجب على خبراء المؤسسة أن يظهروا بشكل مميز عن الآخرين من حيث الهيئة واللباس، حيث يتميزون بعدم ارتداء اللحى والشنب وبالأماكن العامة وبارتداء البدلات والكرافتات والقبعات. كما يمتلكون ألقابًا مميزة مثل الدكتور والبروفيسور.

تكمن أهمية هذا التمييز والاختلاف في المظهر واللباس والألقاب عن بقية الناس في خلق هالة علمية كبيرة أمام الناس، ومنحهم سلطة معرفية فوقية باسم العلم، مما يجعل الناس يصدقون ما يقولونه بسهولة. ولديهم جمهور يصدق كل ما يقولونه بسهولة جداً.

الاثنتين لهما بنية واحدة ووظيفة واحدة ونتائج واحدة وجمهور واحد، الشيء الوحيد المختلف هو الشكل فقط.

بالفعل، لا أرى فرقًا بين زاهي حواس وأحمد الطيب. فكلاهما في وظيفة أئمة دينيين. الفرق الوحيد هو أن الأول متخصص في الأديان قبل الميلاد ويستخدم القبعة ويفتي الجمهور، بينما يتخصص أحمد الطيب في الأديان بعد الميلاد ويستخدم العمامة ويفتي الجماهير.

قبل سنتين تقريباً، حدث جدال بين شيخ أزهري وزاهي حواس نشر دوره وسائل الإعلام ومواقع التواصل. عندما قال الشيخ الأزهري لوسيلة إعلامية إن تمثال أبو الهول يرمز إلى سيدنا إدريس، لم يتأخر زاهي حواس في الخروج لوسائل الإعلام وقول أن هذا الكلام غير صحيح وأن الحضارة المصرية لم تذكر أي اسم من الأنبياء أبدًا.

ولكن الشيء المهم في ذلك الجدال هو أنه عندما استضافته أحدى القنوات للرد على تصريحات الشيخ الأزهري، قال زاهي حواس جملة: "تاريخ مصر القديم تخصصي ولا يجب على أي شخص أن يفتي بعلم مصر القديمة إلا أنا، وعلى الشيخ الأزهر أن يهتم بتخصصه". لذا، فعلاً، زاهي حواس هو مفتي للديار المصرية القديمة وأحمد الطيب هو مفتي للديار المصرية الحديثة. إنهما عالمان منفصلان غير متقاطعان، ولكل عالم له نصوص ومعارف وأديان وشيخ ومفتي وجمهور مستمع.

قبل شهر ، كنت أتابع حديث أحد رجال هذه المؤسسة واسمه خزعل الماجدي في حواره على قناة روسيا اليوم وكنت أقرأ التعليقات على الفيديو ووجدت جمهورًا يمتلك نفس خصائص جمهور المؤسسة الدينية، نفس العقل ونفس المنطق ونفس الأدوات، يبتلع كل شيء باسم العلم و يصف هذه المواد بانها ما نحتاجه في واقعنا الثقافي .

خصائص جمهور المؤسسة الدينية، نفس العقل ونفس المنطق ونفس الأدوات، يبتلع كل شيء باسم العلم ويصف هذه المواد بأنها ما لا نحتاجه في واقعنا الثقافي.

لذلك، نحن نعتقد أن المؤسسة التي يديرها زاهي حواس وغيره في المنطقة، مثل خزعل الماجدي وفراس السواح، والتي يُطلق عليها المؤسسة العلمية أو الثقافية، تحتاج في هذه الفترة إلى نقد كبير جدًا أكثر من النقد الذي يوجه لمؤسسة الدين. ذلك لأنها تقوم بدور لا يقل خطورة عن دور رجال الدين، وذلك بسبب حجم الجمهور الذي بدأت تستقطبه، وبسبب حجم التضليل والمناهج غير العلمية التي يستخدمونها، ولأنهم يرتدون مظهرًا مختلفًا جديدًا يوحي بالعلم، الذي أصبح يمتلك سلطة فوقية على الجماهير.

هل زاهي حواس وخزعل الماجدي علماء؟
لا، لا يمكن اطلاق كلمة "علماء" أو "مفكرين" عليهم، فهؤلاء لم ينتجوا أي معرفة ذاتية. كل ما لديهم أنهم ذهبوا إلى الغرب ودرسوا فيها علومًا حديثة جدًا من تأليف علماء غربيين، ثم عادوا إلى بلادهم وحملوا ألقابًا مميزة عن الناس مثل دكتور وبروفيسور، ويُرتدون لباسًا غربيًا مثل الكرافتة والبدلة والقبعة. وأصبحت وسائل الإعلام تستضيفهم وتقدمهم للجماهير وتعطي لهم هالة علمية، ولم يتعرضوا أبدًا في أي استضافة لأي نقد علمي أبدًا.

ما يهمني في موضوع رجال هذه المؤسسة الآن هو نقطة واحدة:
إذا تابعت حوارات رجال هذه المؤسسة على القنوات الفضائية، ستجد أن معظمهم يمتلكون مقولات ثابتة، ويكررونها دائمًا من وقت لآخر للجماهير، وعلى وجوههم ابتسامة ساخرة تُظهر حالة الثقة المطلقة بما يقولونه. وهذه المقولات الثابتة هي:
- لم تذكر شخصيات قصص الأديان بعد الميلاد في كتابات حضارات الأديان قبل الميلاد.
- علم الآثار أثبت أن الأديان بعد الميلاد سرقت من قصص الأديان قبل الميلاد بعد تعديلها ونسبتها لنفسها، وصنعت قصصًا متشابهة مع قصص الأديان القديمة.

بخصوص المقولة الأولى وهي: "لم تذكر شخصيات قصص الأديان بعد الميلاد في كتابات حضارات الأديان قبل الميلاد"، مثال على ذلك هو أن الحضارة المصرية لم تذكر أسماء الأنبياء في نصوصها. وهذا هو اقتراح زاهي حواس الشهير وتجده يردده دائمًا في كل مناسبة ووقت.

بالنسبة للمقولة الثانية: "علم الآثار أثبت أن الأديان بعد الميلاد سرقت من قصص الأديان قبل الميلاد بعد تعديلها ونسبتها لنفسها، وصنعت قصصًا متشابهة مع قصص الأديان القديمة"، مثال على ذلك هو أن الديانة اليهودية سرقت من قصص الأديان السومرية، وقصة موشي في الديانة اليهودية ليست إلا قصة الملك سرجون العراقي.

تقريبًا، هذه هي العبارة الشهيرة التي يكررها خزعل الماجدي دائمًا، وتجدها على لسانه في كل مناسبة ووقت، وعندما سمعتها منه في حوار على قناة روسيا اليوم، رأيته يقولها وهو يبتسم ويظهر غرورًا علميًا، كما لو أنه حل معادلة رياضية تعود لـ200 سنة أو اكتشف نظرية فيزيائية خطيرة، أو اخترع جهاز يعمل بطاقة الجاذبية يحل مشكلة الطاقة. قال عبارته واستخدمها بنوع من الغرور العلمي: "يجب علينا استخدام العلم الحديث في فهم الدين الحالي، حتى نستطيع مواكبة الأمم. وأما مسك الأفواه، فلم يعد مجديًا لأن العلم يكشف".

منطلق هذه المقولة ؟كما ذكرنا سابقًا، عندما قررت فرنسا وبريطانيا صناعة عالمين منفصلين وغير متصلين، فقد اتفقتا على صناعة حالة من التشابه في الأحداث والقصص بين الأديان التي صنعوها لعالم ما قبل الميلاد وأحداث وقصص الأديان ما بعد الميلاد. لكن الاتفاق كان في الأحداث والقصص فقط، وليس في المسميات، وذلك من أجل إيجاد أصل للظواهر المستحدثة التي صنعوها حديثًا وقطع الاتصال مع الظواهر القديمة التي ما زالت باقية حتى اليوم، ودعم نظرية التطور التي يراد نشرها عالمياً.

وعلى ذلك، فإن العالم مقسم إلى أربعة أقسام تقريباً، يمين ويسار، يمين وسط، ويسار وسط. تقسيمات تشبه تقسيمات الأحزاب السياسية، حيث لا تلتقي اليمين واليسار أبدًا. وفي هذه المواقع، وضعت الإسلام الحالي والحضارة المصرية القديمة، حيث لا يوجد أي ذكر لأنبياء المسلمين المذكورين في القرآن الكريم (أبراهيم، نوح، يوسف، عيسى، موسى) في كتابات الحضارة المصرية أو الحضارة العراقية. وليس هناك أي تشابه بين دين حضارة مصر القديمة والإسلام. وهذه الأفكار يتبناها مؤسسة زاهي حواس.

أما فيما يتعلق باليمين والسط، فإنهما يقتربان من بعضهما. وفي هذه المواقع، وضعت ديانة الغرب والحضارة المصرية والعراقية. حيث دونت الحضارة المصرية والحضارة العراقية أسماء شخصيات مذكورة في الكتاب الكريم (سرجون، حمورابي، رمسيس)، ويوجد أيضًا تشابه بين دين حضارة مصر القديمة والمسيحية. وهذه الأفكار يتبناها مؤسسة زاهي حواس ومؤسسة خزعل الماجدي.

وبمعنى آخر، تجد أن الأسماء التي ذكرت في الكتاب الكريم ولم تذكر في القرآن قد سجلت في الحضارات القديمة، وتجد أيضًا قصص الأنبياء المذكورة في القرآن قد سجلت أحداثًا مشابهة في الحضارات القديمة ولكن بأسماء شخصيات مختلفة.

وعلى هذا، تجد النخبة المثقفة المصرية التابعة لمؤسسة زاهي حواس تقول دائمًا في كل المناسبات لإظهار ثقافتهم أن المسيحية انتشرت في مصر، لأن المصريين القدماء عبدوا إلهًا يشبه يسوع، وهذا صنع أرضية لدخول المسيحية إلى مصر وانتشارها. وأيضًا، تجد النخبة المثقفة العراقية التابعة لمؤسسة خزعل الماجدي، عندما يريدون إظهار ثقافتهم وبأنهم عباقرة، يريدون أن يقولوا بشدة أن الإسلام سرق قصص كتابه الديني (القرآن) من قصص حضارات العراق القديمة، ولكنهم يستبدلون هذا القول بمقولة أخرى وهي: اليهودية سرقت قصصها الدينية من حضارات العراق القديمة.

فهل يصف القرآن الكريم هذه العوالم؟ نعم، يصف القرآن الكريم العالمين المتقاربين (يمين وسط، يسار وسط) والذي تم تاليف قصتين متشابهتين لهما لكن بمسميات مختلفة بكلمة "يضاهون"، أي أنهم صنعوا عالم يضاهي عالم آخر من صناعتهم.
ويصف القرآن الكريم أيضًا العالمين المنفصلين (يمين-يسار) والذي تم صناعته لكن بقصص ومسميات مختلفة، ولا يوجد تقاطع بينهما بكلمة "ليسوا على شيء".

هل يصف القرآن الكريم زاهي حواس وخزعل الماجدي؟ نعم، يصف القرآن الكريم (زاهي حواس وخزعل الماجدي) بأنهما لا يعلمان وليسا علماء، بل يرددان فقط مثل أقوال الغرب.
{ كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون }








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكاء ومعاناة نفسية وذكريات جميلة.. تفاصيل مراحل مختلفة عاشته


.. فرنسا تدعم مسعى الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق قاد




.. ما رمزية وتداعيات طلب مذكرة توقيف بحق نتنياهو؟


.. إيران تبدأ تشييع رئيسي.. ومجلس خبراء القيادة يعقد أول اجتماع




.. الحوثيون يعلنون إسقاط مسيرة أمريكية في محافظة البيضاء| #الظه