الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة وأولياء الأمر

فاضل فضة

2006 / 11 / 14
المجتمع المدني


احاول بين فترة وأخرى التفاؤل في مستقبل هذا الوطن، خاصة عندما كانت تتعاقب جلسات حوار اسميناها ثقافة. لكن الصيف الذي فرّق الشباب وأنهى التلاقي، لم يكن السبب الوحيد في تمزق الكلمة ومن اجتمع حولها. فقد استطاعت الغرائز البشرية الراسخة ابداً في سلوك المناضلين ان تظهر على السطح، من خلال تجربة عدّة اشهر لسلوك سياسي، لم افهم مداه الإستراتيجي على الوطن حاضراً او مستقبلاً خاصة أن الأمور كانت وما زالت صغيرة جدّاً على أي مستوى.

وقررت منذ عدّة اشهر ان أبتعد عن الكتابة والسياسة، و التفرّغ إلى امور ادبية وفنية من نوع آخر. إلى ان اتصل بي احدهم منذ عدة أيام، وهو الذي جاء إلى كندا منذ عدّة سنوات مهاجراً كغيره. اتصل بالهاتف يسأل ويطالب العودة إلى المشاركة والمساهمة في هذا الحوار الفكري والسياسي الدائر بين مثقفي وسياسي الوطن السوري عبر الأعلام المقروء والمسموع وعبر مواقع الأنترنيت، مذكّراً أن الوطن يحتاج اليوم اكثر من أي وقت آخر إلى المشاركة في صناعة ثقافة التنوير ونشرها والبحث عن نوعية وطبيعة النظام المطالب به من الجميع.

ولإن الأمر يتجاوز الذات مراّت، فإن الشعور بالإحباط قد يكون له تأثير قلق لا جواب عليه ابداً، بل هو شعور يشابه سحابة مقيمة تدعو إلى الحيرة في أمر كبير جدّاً لاحل سحري أو آني أو مرئي في المدى المنظور أو غير المنظور له. وكأنك امام جدار املس في صحراء رملية، تحاول تجاوزه، فيصدك، بقوة، لا بل يلتف عليك محاولا دهسك حياً، لا بل كبث أنفاسك في عالمك الداخلي ايضاً.

في ظل هذا الواقع الفكري المكلس، والسياسي المحنط، والحقيقة القاسية، لا أدري إن كان يمكن لأي منا إن كان واضحاً امام القيم والمبادئ ان يقول كلماته ويكون لها صداها كما هو مطلوب.

فالمسألة السياسية في عالمنا العربي والسوري صعبة، لا بل قريبة من المستحيل. لإننا المنطقة الجغرافية الوحيدة في العالم تقريباً ، لا تعرف اسلوباً للحكم السياسي إلا باستخدام القوة، ومن الممكن لأي دولة اخرى بالعالم ان تتجاوز مسألة تعددها وتحكم بشكل مغاير وإن كان ظاهر حكم بعضها من دول العالم الثالث هو ايضاً القوة، لكنه لن يكون مثل الحكم عندنا، ابداً. خاصة في الزمن الحاضر. أما الماضي فإنه تاريخ.

لقد علمنا تاريخنا ان الحاكم "ولي الأمر"، هو الأمر الناهي، في الإقتصاد، لا بل يملكه، وفي الفكر، وهو يسيطر على مقولات الحياة العامة والسياسية، لا بل له الحق في النفاذ إلى عقل كل مواطن، ومحاسبته على افكار مخالفة لما يطرحه، حتى لو كان مايطرح خرافة، خارج عن زمنه، كاذب بظاهره وباطنه.
إنها مقولة تنفيذية بالقوة، أنا الحاكم الأمر الناهي، بالصرماية والجزمة، سأحكم وسأملك وسأسرق وانهب، ويحق لي ان اعاقب واسجن وإن اضطر مصلحة الحكم، ان اقتل من يخالفني الرأي علناً أو حتى في السر.

وشاءت الظروف أنني سافرت في الشهر الماضي إلى كراكاس عاصمة فنزويلا وشافيز "البوليفاري" المعادي لأمريكا، والمناصر لديكتاتوريات القرن الماضي، وعرفت من الأصدقاء وبعض ابناء الجالية، أنهم قد وقعوا على عريضة علنية، يطالبونه بها بالإستقالة، لكنني فوجئت أن شافيز لم يحاسبهم على تواقيعهم بسجنهم او تحديد حركتهم الإقتصادية او منعهم من السفر او العودة إلى بلادهم. لإن شافيز ابن ثقافة أخرى، وابن امريكا اللاتينية، وابن فنزويلا التي نهبها الحكم الديموقراطي السابق، كونها دولة منتجة للبترول، وهو يرغب ان يطور هذا البلد، ويعتقد ان السبب وراء التخلف الإقتصادي هو الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فهو بحاجة إلى حلفاء يعتقد انهم مثله في حربهم على الطغيان الأمريكي.

شافيز الذي لا تحبه طبقة التجار ويحبه الشعب الفنزويلي الفقير، يحاول ان يطور بلده مااستطاع؟ هل ينجح، لا أدري؟ لكن الزمن قد يظهر نتائج التجربة، وستسمح له المؤسسات الدستورية بالبقاء او عدمه عبر انتخابات حرة.

في العالم العربي، لو وقع أي مواطن على عريضة مشابهة لما وقعه اكثر من مليون فنزويلي، لكان البعض قد دخل السجن ثم خرج مصاباً بعاهة، او خرج للموت فقط، ولكان بعض آخر قد اختفى من الوجود، ولكان آخرين قد غادروا البلد هرباً من ملاحقة الأمن لهم. فما هو مسموح في كل دول الأرض لا يمكن السماح له في عقلية النظام العربي عامة. لأن المواطن والأرض ملك للحاكم المطلق، كما كان التاريخ السابق من آلاف السنين وإلى يومنا هذا، ثبتها في التاريخ أربعة قرون مريرة من الحكم التركي بإسم الخلافة العثمانية.

كيف نحرر الحاكم من عقدة التسلط المطلق كالولد الوحيد المدلل الذي يرغب بأنانيته ملك كلي، كيف نحرر مفهوم الفكر السياسي، المبني على خطاب اجوف، كأداة فقط لإمتطاء حصان هذا الكرسي السحري الذي يخرج كل الغرائز البدائية الجامحة في عقل من يجلس عليه ليمارسها بكل وحشية.

كيف نغير مفاهيم العنصرية المتفشية بين ابناء الوطن على اساس قومي او عرقي او ديني او مذهبي مخفية بشعارات خلابة كالشعر العربي لإفراغ الطاقات فقط.

كيف نتحرر من الأيديولوجيا ومسرحيات الشعارات التي ادّت إلى ماهو العالم العربي عليه اليوم، ليتم العمل من خلال قيم إنسانية يشترك بها الجميع (وهذه لها مقال مفصل).

كيف نقلب مفاهيم العلاقة مع الأخر على اساس الحروب الدون كيشوتية المبنية بالثقافة بيومات الحياة العادية لمجتمعاتنا إلى علاقات حضارية لا تدعي القيم المقننة نسبياً، بل قيماً مبنية على اساس قانوني واضح يساوي بين الجميع، ويحمل الدولة ومؤسساتها والمجتمع مسؤلية ممارستها.

كيف يتم تحويل صراع الشعارات إلى صراع مع التخلف في الداخل، في منهجية للتنوير بمناخ حرية مسؤول، يبحث عن مجتمع افضل اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

كيف نقنع من يبني احزاباً سياسية تفصل في اساسياتها بين المواطنين لن تؤدي في أي شكل من ممارساتها إلى عدالة إجتماعية، لا بل ستحاصر جزءاً كبيراً من ابناء الوطن في حظيرة مواطني الدرجة الثانية.

وكيف نقنع الجميع ان مبدأ فصل الدين عن الدولة هو حل إستراتيجي وأساس لبناء دولة حضارية، ترتبط بتاريخها وتحاكي العصر والحاضر بلغة الإبداع والتقدم والتطور.

لكل هذه الأسباب مازلت متشائماً، ومحبطاً، لإنني أرى ان الوعي السياسي مازال مرتبطاً بمعايير تمارس على اساس خطاب لا علاقة له بواقع متطابق مطلوب محاكاته ومعالجته من قبل كافة السياسيين والمثقفين والناشطين في أية بقعة جغرافية تمس في خطابها بلادنا الأصلية.
فالعمل السياسي والسلوك الذي لايعرف الشفافية ولا يحدد بقيم الحرية والمساواة وسيادة الدستور والقانون، والرغبة الحقيقية لبناء وطن لكل أبناءه، لن يؤدي إلى تغيير جذري في حياة أي وطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة يمزق ميثاق الأمم المتحدة قبل


.. الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا يوصي مجلس الأمن بإع




.. ماذا بعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لدعم العضوية الك


.. -بآلة لتقطيع الورق-.. سفير إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة




.. ماذا يعني تصويت الأمم المتحدة على الاعتراف بفلسطين كدولة؟