الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الأمومي لشعب التبو ومكانة ابن الأخت

السنوسي حامد وهلي
(Alsunousi Hamid)

2023 / 10 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


التبو شعب من الشعوب الأفريقية السوداء، سكان أصليين في مناطق تواجدهم في ليبيا وتشاد والسودان والنيجر، وبالتالي هم كأشقائهم الأفارقة الذين يتميزون بالنظام الأمومي في تكوين المجتمعات، علاقات القرابة في جوهرها قائمة على الأمومة وليست أبوية صرفة كما لدى الشعوب الأبوية القائمة على النسب الأبوي في بناء علاقات القرابة؛ ليست للأمومة دور في تكوينها.

المجتمعات الأفريقية بعضها تأثرت بالنظام الأبوي نتيجة الثقافات الوافدة؛ ورغم ذلك فإن النظام الأمومي هو جوهر التكوين وله تأثير كبير يظهر في صور مختلفة في بناء علاقات القرابة؛ كما أن انتساب الأبناء للأم هي صورة من صورها، هذا النظام خلق صلات وروابط اجتماعية بين المجتمعات العشائرية المتنوعة مما ساهمت في حدوث اشكال من التعاون الاقتصادي والتحالفات، وعلى مستوى السلطة نجد الخلافة الأمومية في نظام الحكم الأفريقي القديم بمعنى انتقال السلطة من الخال لإبن الأخت وكذلك تأثير الأم في السلطة.

فمثلا نجد في رواية اشياء تتداعى للروائي النيجيري (تشنوا أتشيبي) اشارة لهذا الجانب الأمومي بشكل عميق، اشارته إلى أن هناك عادة أن تُدفن الأم في أرض قرية أهلها عندما تكون قد توفت في أرض قرية زوجها؛ وبالتالي يُحمل جثمان الأم من هذه القرية إلى قرية أهلها، وهناك إشارة أخرى مرتبطة بهذه العادة حيث أنه عندما يتعرض شخص لمصيبة في قرية ابيه يهاجر لقرية أمه عند أخواله مثل جريمة القتل في الرواية؛ ونجد كيف أن الأخوال استقبلوا ابن اختهم وعائلته زوجتين واطفال، ومنحوه أرضا للزراعة وبنوا له أكواخا واعطوه بذورا لزراعتها وهذه المقومات التي منحوها له تعد اثمن الاشياء في ذاك الزمن، وعندما قال له الخال حكمة من تراثهم أن الأم هي الأسمى، وأن الرجل يلجأ إلى أرض أمه عند الشدة، حيث يبحث الطفل عن العطف في كوخ أمه عندما يضربه الأب، وأن امك مدفونة هنا في هذه الأرض.

كذلك نجد صور أخرى في الرواية في عملية الوساطة والسفارة، يتم أرسال شخص له علاقات قرائبية من قريته العشائرية الأب إلى القرية العشائرية الأم لحل مشكلة ما أو نقل رسالة، هذه الجزئية من الرواية وهناك أجزاء أخرى وعندما تقرأ روايته سهم الله تجد عادات وامثال عن الأم وطقوس الزواج و حكم وأمثال تبين دور الأمومة الأفريقية في ايجاد الترابط بين المجتمعات، وجعلت هناك انتشار افقي للعلاقات القرائبية ما بين القرى القريبة والبعيدة كل قرية لها حدود للأرض داخلها عشائر تربطها شبكة قرابات فيصبح اسم القرية القرابة الكبرى مثل حمل جنازة الأم من مكان لآخر وهذا يعني أن تحمل معها مجتمع الأب إلى أرض مجتمعها؛ يتعاونون معا في طقوس الدفن والعزاء مما يعزز العلاقات القرائبية بينهم.

أما على مستوى السلطة في الممالك القديمة مثل مملكة غانا ومالي والسونغاي نلاحظ تأثير الأمومة في نظام الحكم حيث أن السلطة كانت تنتقل من ناحية الأمومة أي كانت التقاليد تفرض على الملك ان يكون خليفته ابن اخته بناء على مثل أفريقي عندهم " أن الملك يمكن أن يتأكد من أن الإبن الحقيقي هو ابن اخته؛ لكن لا شيئ يؤكد له أن ابنه هو الابن الحقيقي" *، هذا المثل أيضا موجود في عرف التبو ويضربونه عندما يفتخرون بإبن اختهم، وكذلك في نظام تولي السلطة لدى التبو نجد وجود نمط الخلافة من الخال إلى ابن الأخت قديما، وهذه العادة تحدث حتى في الواقع الحالي في بعض الحالات بأن يتقلد ابن الأخت السلطة التقليدية عن خاله حيث يقدمه خاله ليتولى مكانه أو يكون ممثلا له، كما يُقدم ابن الأخت في المناسبات الاجتماعية أو القضائية العرفية ..إلخ مثل الابن، كذلك هناك عادة اتخاذ أكثر من زوجة لبناء علاقات قرابة متعددة فالابناء ذو الأخوال المختلفين تعني خلق قرابات افقية.

كما أنه في مملكة التبو الكانمية التاريخية التي حكمت المنطقة الموزعة حاليا من جنوب ليبيا لتشاد ودارفور بالسودان وصولا للنيجر كان لهذا التقليد وجود في الحكم ودور الأم في الحكم، وهذا الحديث ينقلنا إلى عرض بعض اشكال النظام الأمومي للتبو، حيث أن المرأة الأم لها دور جوهري في تكوين شعب التبو فمنذ القدم ومستمرة حاليا؛ علاقات القرابة مبنية على اختيار الزوجة غير القريبة اي التي لا تربطك بها قرابة من الجهتين الأب والأم لدرجة قرابة خامسة أو سادسة مثلا حسب الأحوال، والقرابة تسمى "توغو Tugu" بلغة التبو وكذلك نجد الثدي يسمى نفس الاسم "توغو Tugu"، وهذه التسمية تدل على أن الأمومة هي نواة علاقات القرابة.

كما أن عدم الزواج من القريبة يجبرك على معرفة نسبك افقيا بمعنى معرفة شجرة العائلات التي لك قرابة بها للأجداد والجدات المتعددة من جهة الأب والأم، وهذا عزز نمط القرابة الأمومية اي الأفقية وخلقت العلاقات المصاهرة والقرابة بين التكوينات الاجتماعية المختلفة وغاب النمط الأبوي الذي يشدد على ابناء العمومة والقبيلة مثل النظام الأبوي في الثقافة العربية وعلاقات القرابة تكون في هذا الإطار، فهذا النظام الأبوي ليس جزء من تكوين التبو، لذلك ابناء العم او الخال أو الخالات والعمات والدرجات القرائبية الأخرى لها مكانتها في التقاليد التباوية الأساس هو وجود قرابة؛ لذلك لا توجد في التقاليد التاريخية قبيلة وجد أبوي يكون أساسا للقرابة فقط وعلى رأسها شيخ.

مثلا نجد هناك مثل تباوي " إذا لم تتخذ قريب قريبك كقريب لا تستطيع أن تحمي رأسك من اشعة الشمس"؛ بلغة التبو يكتب:Ba numa baã bo di tommo, dahu yuzo di waduú، هذا المثل يتعمق إلى أن قريب قريبك اعتبره قريبك لكي تجد لك امتداد افقي اجتماعي يساعدك عند الحاجة.

كما أن هناك مثل تباوي آخر عن ابن الخال وابن العمة يقول "ليس ابن الخال أو العمة مثل بقية الأقارب وليس العين مثل بقية الجسد"؛ بلغة التبو يكتب: Binni bo gunu, soma kasar gunu، هذا المثل اعطى مكانة لهذين كمكانة أهمية العين للإنسان الذي يقدمه عن بقية جسده، ايضا مثل يقول " إذا اجتمع ابنا خالتين قتلا اسد"؛ بلغة التبو يكتب: dodomura ču hoktondu duguli četi ، هذا المثل التباوي يبين مكانة ابن الخالة بانه سند قوي.

ولو رجعنا لإبن الأخت هناك مثل تباوي يقول " ابن الأخت يتلقى عنك الرمح بصدره"؛ بلغة التبو يكتب: Kumji hi čoi Dikiŝi ôdi، وهذه مكانة كبيرة لابن الأخت يبين مدى جوهرية هذه العلاقة القرابية بين الخال وابن اخته، كما توجد عادات مرتبطة بابن الأخت مثل عند ذبح أضحية من الغنم يمنح الخال ابن اخته الصدر وإذا لم يكن موجود يمنحه لابن بنت عمه، وهذا لتأكيد أنه الصدر الحامي عن الخال، ويتم منح القلب للأخت واذا ليس لديه اخت يمنحه لبنت العم وإذا غير موجودة فلبنت الخال، وهذا يؤكد مركزية مكانة الأخت ومن في مستواها في العلاقة القرائبية، وابن الاخت يتحصل على المكانة عند الأخوال، كما احيانا ان الشخص التباوي ينادى بابن فلانة باسم امه ويشتهر به رغم أن والده موجود مثل ملوك التبو القدماء الذين كان بعضهم ينادى نسبة لأمه لمكانة هذه الأم.

إن هذه الأمثلة من عادات التبو تبين النظام الأمومي الذي يعد الأساس في الحفاظ على الثقافة والكيان التباوي وخلق شبكات ترابط افقية جغرافية في مناطق تواجد التبو المختلفة فالمرأة الأم هي المركزية وحامية الهوية في هذه العلاقة الأمومية، ورغم تأثر بعض التبو بالنظام الأبوي لاحقا إلا أن النظام الأمومي لا يزال مستمرا وهو نواة التكوين التباوي الأساسي؛ مكونا عبر الزمن تكوينات اجتماعية للتبو سميت حسب الجغرافية التباوية تيدا ودازا وكانوري وكانمبو متداخلة افقيا مكونة الهوية التباوية، وهذا النظام الأفقي هو أساس الحضارة التباوية.

الكاتب: السنوسي حامد وهلي
***********************************

*افريقيا السوداء قبل الاستعمار: شيخ انتا ديوب ترجمة ابكر اسماعيل 2023.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو