الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة71

عبدالرحيم قروي

2023 / 10 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مؤلف جناية البخاري إمام المحدثين
لزكريا أوزون
الحلقة الرابعة

ثانيا: النسخ فى آيات الكتاب
توطئة: هناك آيات نسخت آيات أخرى من الذكر الحكيم-حسب رأى معظم الفقهاء-وبالرغم من ضبابية ذلك المصطلح (النسخ) لأنه يمكن أن يكون فى اللفظ أو المعنى أو بإسقاط الآية (المعلمة بدائرتين)، فإنه يخضع للتحفظ الشديد، لأن الله-عز وجل-وهو العالم العليم لا يمكن أن ينزل فى كتابه العزيز أحكاما وشرائع ناسخة لما قبلها بفترة لا تتجاوز العقدين من الزمن.
والإمام البخارى هنا يطلعنا على أحاديث نسخت أو أسقطت آيات من القرآن الكريم لأسباب نجهلها ولم يستطع أحد من السادة العلماء إقناعنا بها كما سنجد فيما يلى:
متن الحديث (1):
حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ................ أن اللَّهَ بَعَثَ‏ ‏مُحَمَّدًا ‏(ص) ‏‏بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا. رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(ص) ‏‏وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى أن طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ، أن يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِى كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ. وَالرَّجْمُ فِى كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى، إذا أُحْصِنَ، مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إذا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أو كَانَ الْحَبَلُ أو‏ ‏الاعْتِرَافُ. (أخرجه البخارى: 86-كتاب الحدود: 31-باب رجم الحبلى من الزنى إذا احصنت).
الشرح والمناقشة (1):
سأورد هنا شرح ذلك الحديث حسب ما جاء فى الأثر وكتب التراث لأعود بعد ذلك إلى التعليق عليه ومناقشته، حيث نجد أن-آية الرجم وهى-الشيخ والشيخة إذا زنيًا فارجموهما البتة تم نسخ لفظها وبقى حكمها، والرجم فى كتاب الله حق: فى قوله تعالى-{أو يجعل الله لهن سبيلا}-بين النبى (ص) أن المراد به رجم الثيب وجلد البكر. ففى مسند أحمد من حديث عبادة بن الصامت قال: أنزل الله تعالى على رسوله (ص) ذات يوم، فلما أسرى عنه، قال "خذوا عنى، قد جعل لهن سبيلا، الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر جلد مائة ثم نفى سنة". ومعنى (أحصن) تزوج وكان بالغًا وعاقلا. وتقوم (البينة) بالزنا بشرطها المقرر فى الفروع أو كان (الحبل) أى وجدت المرأة الخلية من زوج أو سيد حبلى، ولم تذكر شبهة ولا إكراها. ويكون (الاعتراف) بالإقرار بالزنا والاستمرار عليه-انتهى.
ويتضح من نص الحديث السابق وشرحه التقليدى النقاط الرئيسية:
1-الحديث منسوب إلى الصحابى عمر بن الخطاب قولا لا إلى الرسول الكريم.
2-لا يوجد قول لرسول الله (ص)-وهو الموحى إليه-فى صحيح البخارى يؤكد بقاء حكم تلك الآية ونسخ لفظها، ولا ندرى ما الحكمة من نسخ اللفظ وبقاء الحكم!
3-لا يوجد آية فى كتاب الله-عز وجل-تتحدث عن عقوبة رجم الثيب حتى الموت، علما أن الأحكام الشرعية فى القرآن الكريم واضحة وجلية، ففى الآيات الواردة فى سورة النور (الآية السادسة حتى التاسعة) لا يوجد ما يشير إلى رجم الثيب بعد الزنا.
4-بالعودة إلى الآية الواردة فى شرح الحديث السابق (حسب مسند الإمام أحمد) نجدها فى سورة النساء كما يلى: {واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا * واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فان تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما أن الله كان توابًا رحيما}(النساء 15-16).
ولا يمكن-حسب الآية الكريمة الأولى السابقة-أن يكون السبيل بعد قوله تعالى-يتوفاهن الموت-هو الرجم، فالسبيل خلاص ونجاة ولا يكون الخلاص من الإمساك بالرجم.
كذلك نجد أن عقوبة الذكور (اللذان يأتيانها) هى بالإيذاء وأن باب التوبة والإصلاح مفتوح لهما بينما عقوبة النساء الرجم-حسب ما استنتج ابن الصامت فى حديثه-وهو ما يشير إلى تمييز الذكر عن الأنثى وفى ذلك إساءة لدين الإسلام الحنيف.
والحقيقة أننا نجد فى الآيتين السابقتين وصفًا للفاحشة فى حالات الشذوذ الجنسى حيث أن الخطاب فى الآية الأولى موجه للنساء (اللاتى-يأتين-من نسائكم...) بينما هو موجه للذكور فى الآية الثانية (اللذان... يأتيانها...) ويبين فى كلتا الآيتين عقوبة فاعليها ولا توجد حالة فاحشة لذكر مع أنثى والتى أوضحتها سورة النور (الآيات من 2-9).
5-اذا أخذنا نص الآية المنسوخة لفظا وهى: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة-نجد أن الحكم يجب تطبيقه على الشيخ والشيخة حكما وليس على غيرهما من النساء والرجال، مع الإشارة هنا إلى أن الشيخ هو المسن الذى لا يقوى على الأعمال الجسدية وعلى رأسها الجنس كما فى قوله تعالى: {قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخًا أن هذا لشئ عجيب} (هود الآية 72) وفى قوله: {قالوا يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين} (سورة يوسف الآية 78).
6-قد يكون الصحابة قد رجموا زمن الرسول (ص) مطبقين بذلك حكم الزنا فى التوراة على رجل وامرأة من اليهود زنيا(2). وهو ما ينسجم مع حديث عبد الله بن أبى أوفى الذى سأل فيه إذا كان الرسول قد رجم قبل أم بعد سورة النور التى لم تنص على الرجم-كما رأينا.
متن الحديث (2)
حديث أَنَسٍ، ‏قَالَ:‏ ‏بَعَثَ النَّبِى ‏(ص) ‏أَقْوَامًا مِنْ ‏‏بَنِى سُلَيْمٍ ‏إِلَى ‏بَنِى عَامِرٍ، ‏فِى سَبْعِينَ. فَلَمَّا قَدِمُوا، قَالَ لَهُمْ ‏‏خَالِي: ‏‏أَتَقَدَّمُكُمْ، فَإِنْ أَمَّنُونِى حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّه ‏(ص).‏ ‏وَإِلا كُنْتُمْ مِنِّى قَرِيبًا. فَتَقَدَّمَ فَأَمَّنُوهُ. فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنْ النَّبِى ‏(ص)،‏‏إِذْ ‏‏أَوْمَئُوا ‏‏إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ! فُزْتُ وَرَبِّ ‏‏الْكَعْبَةِ! ‏‏ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ، إِلا‏ ‏رَجُلا ‏‏أَعْرَجَ صَعِدَ الْجَبَلَ. ‏قَالَ ‏‏هَمَّامٌ (أحد رجال السند) ‏‏فَأُرَاهُ آخَرَ مَعَهُ؛‏ ‏فَأَخْبَرَ ‏‏جِبْرِيلُ ‏‏عَلَيْهِ السَّلام ‏النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ فَرَضِى عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. فَكُنَّا نَقْرَأُ-أن بَلِّغُوا قَوْمَنَا،أن قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِى عَنَّا، وَأَرْضَانَا. ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ. فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، عَلَى ‏رِعْلٍ،‏ ‏وَذَكْوَانَ، ‏‏وَبَنِى لَحْيَانَ، ‏وَبَنِى عُصَيَّةَ ‏‏الَّذِينَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏ ‏(ص). (أخرجه البخارى فى: 56-كتاب الجهاد والسير: 9-باب من ينكب فى سبيل الله).
الشرح والمناقشة (2)
يقصد (بالسبعين) سبعين رجلا، وهم المشهورون من القراء أنهم كانوا أكثر قراءة من غيرهم و(خال) المتحدث وهو حرام بن ملحان أما الفعل (أومئوا) فيفيد بالقيام بالإشارة الخفية و(الرجل) الذى أومئ إليه، هو عامر بن طفيل-حسب ما جاء فى الأثر.
وعليه فالحديث يفيد أن الرسول قد بعث بسبعين من قراء الصحابة إلى بنى عامر لهدايتهم وكان على رأسهم خال المحدث-حرام بن ملحان-الذى كان أول من قتل بطعنة غدر فحمد الله على نيله الشهادة، ثم قتل كل من كان معه عدا رجل أعرج صعد الجبل-وربما كان معه رجل آخر-وأنزل الله قرآنًا على رسوله نصه-أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا-وكان الصحابة يقرأون ذلك ثم نسخ من القرآن ولم يعد يقرأ، وقد تم الدعاء على أولئك الناس القاتلين أربعين صباحا.
ويتضح حسب نص الحديث أن المتحدث الصحابى أنس بن مالك قد عرف وقائع ما جرى بدقة تامة عبر ذلك الرجل الأعرج الناجى من الموت والذى لم يحدد اسمه ولم نعرف كيفية هروبه وتسلقه الجبل وهو أعرج، وهى أمور لن أقف عندها، كما إنى لن أقف عند نص الآية المنسوخة الذى تحول فيه كلام من قُتِل من الصحابة آنذاك بقولهم: أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا-إلى كلام الله-عز وجل.
ولكنى سأقف عند نسخ هذه الآية-حسب تعبيرهم-وعدم قراءتها وإسقاطها باللفظ والحكم والمكان من القرآن الكريم؛ كيف أسقطت؟! ولماذا أسقطت وأين رأى أو قول الرسول الكريم الموحى إليه فى إسقاطها؟! أمر كان على البخارى أن يتحراه قبل إثباته فى صحيحه.
متن الحديث (3):
حديث عائشة، قالت: سمع النبى (ص) قارئا يقرأ من الليل فى المسجد، فقال: "يرحمه الله لقد أذكرنى كذا وكذا، آية أسقطتها من سورة كذا وكذا". (أخرجه البخارى فى: 66-كتاب فضائل القرآن: 27-باب من لم يرى بأسًا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا).
الشرح والمناقشة (3):
الحديث يظهر تماما أن أحدهم قد ذكر الرسول (ص) بآية أسقطها من سورة لم يذكر اسمها (كذا). والإمام البخارى لم يهتم بأحاديث أوردها فى صحيحه بأن جبريل وحده كان صاحب الحق فى مراجعة الصادق الأمين وتذكرته بالقرآن الكريم، كما إنه لم يهتم بإسقاط آية من الذكر الحكيم،ولكنه أوجد بابًا لم ير بأسًا بأن يسمى سورة فى القرآن بكذا وكذا،ولا أدرى ما تعرفه عبارة كذا وكذا وما تحدده وتعطيه من معلومات أو دلالات حتى يفتح لها باب خاص بها.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية