الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة72

عبدالرحيم قروي

2023 / 10 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مؤلف جناية البخاري إمام المحدثين
لزكريا أوزون
الحلقة الرابعة

النتيجة:
هناك عدد من الأحاديث فى صحيح البخارى-عرضنا بعضها-يبين أن آيات من القرآن الكريم قد نسخت وأن الرسول الكريم قد نسى بعضها وذكِّر بها من قبل أحد المصلين.
وإذا كان الإمام البخارى ومعه الكثير من الفقهاء قد تجاوزوا آيات من الكتاب العزيز بقوله تعالى: {ولا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه}(القيامة: 16-19).
ليستندوا إلى قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير} (البقرة 106).
فإن عليهم الإجابة على التساؤلات التالية:
1-ما المقصود بكلمة (النسخ) فى الآية الكريمة؟ هل هى بمعنى الإزالة أم الإبطال أم المسح أم النقل والكتابة؟! وكيف توصلوا إلى وجود مفهوم النسخ فى الحكم والنسخ فى اللفظ؟!
2-إن النسخ يأتى من الله-عز وجل-عن طريق الوحى الأمين جبريل-عليه السلام-(ننسخ) فهل لهم أن يحددوا أو يظهروا لنا آية فى الكتاب العزيز قال فيها الله-عز وجل-أو حتى رسوله أنها نسخت بآية أخرى مثلها؟! هل لهم أن يبينوا لنا من قوله تعالى بالذكر الحكيم آية (ناسخة ومنسوخة)؟ وإذا كان النسخ يعتمد على الاستدلال والاستنتاج من معانى النص القرآنى فلماذا لا ينسخون مثلا-حسب تعبيرهم-باللفظ الآية التالية من سورة البقرة: {تلك أمة قد خلت لهم ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} (الآية 134) حيث تتكرر ذاتها فى الآية رقم (141) من السورة نفسها؟
3-ما هو مفهوم كلمة الآية، هل هى الآية فى القرآن الكريم المحددة برقمين (دائرتين) أم هى بمعنى المعجزة كما فى قوله تعالى: {ومن آياته خلق السموات والأرض...}.
4-هل كلف الله-عز وجل -ورسوله بنص صريح غير مؤول أحدًا من الصحابة بتحديد الناسخ والمنسوخ فى الكتاب العزيز؟!
ثالثا: الأحاديث القدسية:
توطئة: تعرف الأحاديث القدسية بأنها قول رب العالمين غير القرآن الكريم-الذى نتعبد الله بتلاوته-وقد رواها الرسول (ص) عن ربه. وعدد الصحيح منها يقارب المائة، اتفق البخارى ومسلم على حوالى أربعين منها فى صحيحهما. وسأورد لاحقًا بعضًا منها مع ما تيسر من الشرح والمناقشة بغية التوصل إلى هدفها وأثرها فى الدين الحنيف.
متن الحديث (1):
حديث أبى هريرة، أن رسول الله (ص) قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعونى فأستجيب له، من يسألنى فأعطيه، من يستغفر فأغفر له". (أخرجه البخارى فى: 19-كتاب التهجد: 14-باب الدعاء والصلاة فى آخر الليل).
الشرح والمناقشة (1):
الحديث بسيط فى ألفاظه واضح فى معانيه ويحق للمرء أن يتساءل فيه عن كيفية نزوله جل وعلا إلى الأرض السابحة فى الفضاء الكونى والسماء فوقها وتحتها؛ وهل ينزل تعالى بذاته أم بعلمه؟!
وفى كلتا الحالتين هل يحتاج الله-عز وجل-إلى النزول للأرض فى الثلث الأخير من الليل كى يلبى دعوة عبده ليعطيه ويغفر له!!؟ وهو عالم السر وما أخفى والعالم لما فى الصدور والأقرب من حبل الوريد!! وهل يحق لنا أن نعتبر قوله عز وجل فى هذا الحديث مؤلفًا من ثلاث آيات؟!
متن الحديث (2):
حديث أَبِى هُرَيْرَةَ ‏قَالَ: ‏قَالَ النَّبِى ‏(ص): ‏يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ‏أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي. وَأَنَا مَعَهُ إذا ذَكَرَنِي. فَإِنْ ذَكَرَنِى فِى نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِي. وَإِنْ ذَكَرَنِى فِى مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِى مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ. وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَى بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا. وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَى ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ‏ ‏بَاعًا.‏ ‏وَإِنْ أَتَانِى يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. (أخرجه البخارى فى:97-كتاب التوحيد: 15-باب قول الله تعالى-ويحذركم الله نفسه).
الشرح والمناقشة (2):
سأورد هنا الشرح الوارد فى كتب الأثر، تاركًا للأخ القارئ الحكم والاستنتاج:
أنا عند ظن عبدى بى: قال الحافظ فى الفتح (قال ابن أبى جمرة: المراد بالظن هنا العلم. وهو كقوله-وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه. وقال القرطبى فى المفهم: قيل معنى ظن عبدى بى، ظن الإجابة عن الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسكًا بصادق وعده. قال: ويؤيده قوله فى الحديث الآخر "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة". قال: ولذلك ينبغى للمرء أن يجتهد فى القيام بما عليه، موقنا بأن الله يقبله ويغفر له، لأنه وعد بذلك، وهو لا يخلف الميعاد. فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه، فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وُكِل إلى ما ظن، كما فى بعض طرق الحديث المذكور "فليظن بى عبدى ما شاء". قال: وأما ظن المغفرة مع الإصرار، فذلك محض الجهل والغرة). وأنا معه إذا ذكرنى: أى بعلمى. وهو كقوله-أننى معكما أسمع وأرى-قال ابن أبى جمرة (معناه فأنا معه بحسب ما قصد من ذكره لى. قال: ثم يحتمل أن يكون الذكر باللسان فقط، أو بالقلب فقط، أو بهما، أو بامتثال الأمر واجتناب النهى) نقله الحافظ فى الفتح، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى: أى إن ذكرنى بالتنزيه والتقديس سرا، ذكرته بالثواب والرحمة سرا. وقال بن أبى جمرة (يحتمل أن يكون مثل قوله تعالى-اذكرونى أذكركم-ومعناه اذكرونى بالتعظيم أذكركم بالإنعام، وقال تعالى-ولذكر الله أكبر-أى أكبر العبادات. فمن ذكره وهو خائف، آمنه،أو مستوحش، آنسه، قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}). وإن ذكرنى فى ملأ: الملأ الجماعة. ذكرته فى ملأ خير منهم: قال بعض أهل العلم (يستفاد منه أن الذكر الخفى أفضل من الذكر الجهرى. والتقدير، إن ذكرنى فى نفسه، ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا. وإن ذكرنى جهرا، ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى).
وإن تقرب إلى بشبر، تقربت إليه ذراعًا وإن تقرب إلى ذراعا، تقربت إليه باعا، وإن أتانى يمشى، أتيته هرولة: قال الحافظ فى الفتح (قال ابن بطال: وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب إلى عبده. ووصف العبد بالتقرب إليه ووصفه بالإتيان والهرولة، كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز. فحملها على الحقيقة يقتضى قطع المسافات، وتدانى الأجسام. وذلك فى حقه تعالى محال. فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته فى كلام العرب. فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبرًا وذراعًا وإتيانه ومشيه، معناه التقرب إليه بطاعته، وأداء مفترضاته ونوافله. ويكون تقربه سبحانه من عبده، وإتيانه، والمشى، عبارة عن إثباته على طاعته،وتقربه من رحمته. ويكون قوله "أتيت هرولة" أى أتاه ثوابى مسرعا).
متن الحديث (3):
حديث أَبِى هُرَيْرَةَ ‏‏‏قَالَ: قَالَ النَّبِى (ص): تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتْ النَّارُ: ‏أُوثِرْتُ ‏بِالْمُتَكَبِّرِينَ ‏وَالْمُتَجَبِّرِينَ. ‏‏وَقَالَتْ الْجَنَّةُ: مَا لِى لا يَدْخُلُنِى إِلا ضُعَفَاءُ النَّاسِ ‏‏وَسَقَطُهُمْ. ‏‏قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِى أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى. وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِى أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى. وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ ‏وَيُزْوَى ‏‏بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ، وَلا يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ‏ ‏يُنْشِئُ‏ ‏لَهَا خَلْقًا. (أخرجه البخارى فى: 65-كتاب التفسير: 50-سورة ق: 1-باب قوله وتقول هل من مزيد).
الشرح والمناقشة (3):
سأبين هنا الشرح الوارد فى الأثر لذلك الحديث؛ بعد ذلك أقوم بالمناقشة والتعليق على ما جاء فيه فمعنى (تحاجت الجنة والنار): تخاصمتا بلسان الحال أو المقال، قال الإمام النووى: (هذا الحديث على ظاهره وأن الله جعل فى النار والجنة تمييزًا تدركان به، فتحاجتا، ولا يلزم من هذا أن يكون ذلك).
= أوثرت: اختصت. بالمتكبرين والمتجبرين: مترادفان لغة. فالثانى تأكيد لسابقه. والمتكبر هو المتعظم بما ليس فيه. والمتجبر هو الممنوع الذى لا يوصل إليه،أو الذى لا يكترث بأمر ضعفاء الناس وسقطهم. ضعفاء الناس: الذين لا يلتفت إليهم لمسكنتهم. وسقطهم: أى المحقرون بينهم، الساقطون من أعينهم. قال الحافظ (هذا بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس. وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء رفعاء الدرجات. لكنهم بالنسبة إلى ما عند أنفسهم، لعظمة الله عندهم وخضوعهم له، فى غاية التواضع لله والذلة فى عباده. فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح). حتى يضع رجله: قال محيى السنة (الرجل فى هذا الحديث من صفات الله تعالى المنزهة عن التكييف والتشبيه. فالايمان بها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجب. فالمهتدى من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ، والمنكر معطل، والمكيف مشبه. ليس كمثله شئ) قط قط قط: معنى (قط) حسبى، أى يكفينى هذا. ويزوى بعضها إلى بعض: أى تجتمع وتلتقى على من فيها. وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا: قال الإمام النووى (هذا دليل لأهل السنة أن الثواب ليس متوقفًا على الأعمال فإن هؤلاء يخلقون حينئذ، ويعطون فى الجنة ما يعطون، بغير عمل. ومثله، أمر الأطفال والمجانين الذين لم يعملوا طاعة قط، فكلهم فى الجنة برحمة الله تعالى وفضله. وفى هذا الحديث دليل على عظم سعة الجنة) -انتهى.
أعود الآن إلى الحديث وشرحه وأصحح بداية فى الشرح بعدم وجود ترادف فى اللغة. فالمتكبر غير المتجبر وليس الثانى مؤكدًا لسابقه؛ كما أن المساكين ليسوا دائما عظماء عند الله رفعاء الدرجات يؤكد ذلك قوله تعالى: {إن الذين توفَّاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} (النساء-97).
أما ما يتعلق بوصفه-سبحانه-رجله فى النار، فأننا نقول لمحيى السنة: الإيمان بذلك ليس فرضًا والخوض بالصفات واستنكارها ليس زوغا، ولا خير فى طريق التسليم إن لم يلتق مع العلم والبحث والمعرفة.
أما أن الله-عزوجل-ينشئ خلقًا جديدًا للجنه فإننا لا ندرى عندئذ ما الحكمة بالوعود بالجنة إذا كان خلقها جديدًا، وإذا كان الثواب فى الآخرة لا يتوقف على الأعمال (3)-حسب الإمام النووى.
النتيجة:
الأحاديث القدسية مصطلح أوجده السادة الفقهاء وأتباعهم ولا يوجد ما يؤكده فى كتاب الله وسنة رسوله المتواترة، وهو ليس قرآنا ولا يمكن قراءة ما تيسر منه فى الصلاة المكتوبة. وقد جاء على لسان بعض الصحابة؛ حيث نجد فى الأمثلة الثلاثة الواردة سابقًا أن الراوى هو أبو هريرة يتحدث مباشرة عن الرسول عن الله-عز وجل-من غير وحى منزل. وإذا كان الله-عز وجل-قد عصم رسوله الكريم فى كتابه المنزل من التحريف والسهو والنسيان والخطأ وتعهد بحفظ ذكره الطيب، فهل هناك ما يشير إلى عدم خطأ أو سهو أو تحريف أو نسيان أبى هريرة؟!
كما أن معظم ما جاء فيه من صفات-لله عز وجل-غير ملائمة لاعتمادها على المشخص وبعدها عن المجاز والمجرد على الرغم من محاولة معظم الفقهاء إقناعنا بغير ذلك!
فقد ورد فى صحيح البخارى أن الله له ساق يكشفها يوم القيامة ليعرفه المؤمنون وهو يحمل على كل أصبع من يده جزءًا من الكون كالسموات والشجر والأرض....الخ..... (راجع البخارى- كتاب التفسير).

الهوامش
(1) باب التفسير فى البخارى من أصغر الأبواب، يراجع الفصل الاول فى الكتاب.
(2) راجع كتاب المناقب (61) فى صحيح البخارى.
(3) يتساءل المرء عن: قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية