الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصوص وهمية لتسييس الدين ارض الميعاد التوراتي مثالاً

صادق إطيمش

2023 / 10 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نصوص وهمية لتسييس الدين
ارض الميعاد التوراتي مثالاً
النزاع على الأرض يشكل ظاهرة تاريخية رافقت كثيراً من المجتمعات فاشعلت ما بينها الحروب التي قادت نحو القتل والخراب والتدمير. وفي كل هذه النزاعات كان المتقاتلون على الأرض يختلقون الأسباب المُبرِرة لنزاعاتهم حيث ينطلق كل فريق منهم من امتلاك الحقيقة المطلقة التي لا جدال فيها. ومن اهم واقسى، بل وابشع، هذه الأسباب التي لا يطالها الشك ابداً، حسب راي اصحابها، هي الاسباب التي تستند على نصوص مقدسة تشكل جانباً من عبادات دينية لا يجوز للمؤمن بالدين الذي تتبناه هذه النصوص ان يشك في صحتها وبالتالي يتمادى في تنفيذها الذي يشكل ركناً هاماً من اركان الثواب الإلهي الأخروي.
وهكذا رافقت هذه الظاهرة المجتمعات المختلفة ولا تزال ترافقها مسببة الويلات والدمار وفقدان القدرة على الحوار الذي قد ينهي هذه النزاعات اذا ما توفرت نيّة النزوع الى السلم وتثمين حياة البشر بما يتناسب وقيمة الإنسان الذي لاشك بانه اثمن رأسمال في الوجود.
وفي محيطنا الشرقي الذي تتنافس فيه الاديان الثلاثة ، اليهودية والمسيحية والإسلام ، تنافساً كما لو انها انطلقت من اسس مختلفة لا تتناسب والأسس التي تدعيها كونها جميعها على ملّة ابراهيم الذي اوصل لها رسالة إلهها الأوحد الذي لا شريك له. من خلال هذا التنافس جرى تبني كل الإجراءات التي قادت الى القمع والإضطهاد والتشرد والحروب، حيث يمثل النزاع على فلسطين مثله الأوضح بين كل النزاعات التي تمارسها هذه الاديان فيما بينها.
الأديان الأخوة الثلاثة تعتبر اليهودية هي الرسالة الاولى التي استلمها موسى من ربه لهداية البشرية ، وما المسيحية او الإسلام الا نسخة محورة من الرسالة الأولى اقتضى تحوير بعض اطروحاتها اختلاف الأزمان، اما اسس البناء فبقيت ثابتة تشير الى الرابطة الاخوية العقائدية بين هذه الاديان الثلاثة.وهذا ما يؤكده الإنجيل في انجيل متي "«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ." (مت 5: 17).وما يؤكده القرآن الذي جاء على ذكر موسى ورسالته ،على اعتبار انها رسالة ابراهيم الذي يتبناها الإسلام نفسه ، في عشرات المواقع ، واعطى موقعاً خاصاً للتوراة ككتاب هدى ونور من عند الله ،{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} (المائدة: 44).
فإذا ما انطلقنا من اطروحات الأساس التي اتت بها اليهودية وما تضمنته من اوهام، بل استنتاجات توحي بتوظيف هذه الأطروحات لإغتصاب الغير وقتله وتشريده واضطهاده، فسنستنتج الحقيقة التي تشير الى توظيف الدين، بل وتأهيله، ليكون اداة قمع لا يمكن الإعتراض على قدسيته التي ينص عليها الأساس المقدس في كتاب من إله واحد لكل هذه الأديان.
استناداً الى النصوص التوراتية تنطلق الحركة الصهيونية العالمية من تسييس الدين اليهودي ، وهي حركة سياسية يهودية، وضع اسسها التنظيمية هرتزل في مؤتمر بازل في سويسرا اواخر القرن التاسع عشر. وكانت بوادرها قد ظهرت في وسط وشرق قارة أوروبا من خلال دعواتها لليهود في هذه الدول للهجرة الى فلسطين باعتبار ان هذه الأرض هي أرض الآباء والأجداد . وقد عملت الحركة الصهيونية على صعوبة اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون معها لتسهيل امر هجرتهم متمسكين بالقناعة بالجانب الديني الذي يمهد لهذه الهجرة. وقد شكلت هذه الحركة بعدئذ منظمات عالمية اخذت على عاتقها التأثير على سياسات الدول المتنفذة على مسرح السياسة العالمية لتحقيق هذا الأمل الصهيوني.
يعتقد اليهود الصهاينة أن ارض الميعاد هي الأرض التي وعد الله بها نبيه يعقوب (إسرائيل). إذ كان هذا الوعد، بحسب أقوال كتب اليهود، في البدء إلى إبراهيم، وتجدد العهد بعد ذلك إلى إبنه إسحق، وإلى ابن إسحق (يعقوب)، حفيد إبراهيم. وأسندت أرض الميعاد لأولادهم.
" في ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام ميثاقاً قائلاً، لَنسِلك اعطي هذه الأرض من نهر مصر الى النهر الكبير نهر الفرات " آية (تك 15: 18)، والمقصود بابرام هنا ابراهيم الذي جاء بهذا الإسم في التوراة بعدئذ.
ويؤكد الرب التوراتي هذا الوعد في سفر التكوين ،الإصحاح 17، الفقرات 2ـ5 حيث يقول الرب التوراتي لإبراهيم:
" فاجعل عهدي بيني وبينك واكثرك كثيراً جداً ، اما انا فهو ذا عهدي معك وتكون اباً لجمهور من الأمم ، واثمرك كثيراً جداً واجعلك امماً، وملوك منك يخرجون ، واقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في اجيالهم عهداً ابدياً، لأكون الهاً لك ولنسلك من بعدك، واعطي لك ولنسلك من بعدك ارض غربتك كل ارض كنعان ملكاً ابدياً، واكون إلههم "
وعلى هذه النصوص التوراتية استند ايضاً موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي اثناء حرب الأيام الستة حينما اعلن قائلاً : " إذا كنا نملك كتاب التوراة وإذا كنا نعتبر انفسنا شعب التوراة ، يجب علينا ان نملك كل الأرض التوراتية "
إذاً هناك وعد رباني بامتلاك احفاد ابراهيم هذه الأرض التي تمتد من النيل الى الفرات. فمن هم احفاد ابراهيم هؤلاء الذين اكد عليهم النص التوراتي وكرر ذلك من خلال ترديد " لك ولنسلك من بعدك ؟ إذا صدقنا التاريخ الذي يتحدث عن ابراهيم كشخصية حقيقية وليس كرمز، فيجب علينا والحالة هذه ان نعتبر مؤسسي هذا النسل وهم اسماعيل ، وهو ابنه البكر من زوجته القبطية هاجر المصرية ، ثمّ جاء من بعده إسحق وقد أنجبته سارة ابنة عمّه، ثمَّ تزوّج ابراهيم من قنطورا الكنعانية وأنجبت له ستّة أبناء هم: مدين وزمران وسرج ويقشان ونشق ولم يُعلم اسم السادس، وكان لأبراهيم خمسة أبناء من زوجته حجون بنت أمين وهم: كيسان وسورج وأميم ولوطان ونافس. ، اي ان هؤلاء الأبناء هم الذين يشكلون النسل الإبراهيمي الذي يشملهم هذا الوعد التوراتي. لم يذكر التاريخ بوجود بنات لإبراهيم ، إلا ان ذلك ليس بالمهم إذا ما علمنا بان الأناث لم يكن يحسب لهن حساب في اقتسام الإرث في تلك العصور . فنسل ابراهيم من اولاده الذين انتشروا في الأرض هم الذين يجب ان يمتلكوا هذه الأرض حسب النص التوراتي نفسه . ولكن لماذا تنطلق هذه التوراة نفسها من اعطاء حق ملكية هذه الأرض لإسحق ونسله فقط وتحرم الآخرين منه وهم من نسل ابراهيم التراثي ايضاً ؟ الجواب على هذا السؤال نجده في التوراة ذاتها ومن الرب التوراتي نفسه الذي يبدو بانه غيَّر رأيه بعد ولادة اسحق وجعل اسحق ونسله هو صاحب وعد ملكية الأرض الكبرى من الفرات الى النيل ،وكأن هذا الرب العالم بكل شيئ لم يعلم بان ابراهيم سيكون له ولدا بعد ابنه البكر اسماعيل. فقد جاء:
"فَقَالَ اللهُ: «بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ." (تك 17: 19).
هل نفهم من ذلك ان الإله التوراتي قد نكث بوعده الذي اعطاه الى كل نسل ابراهيم بامتلاك الأرض وجعلها ملكاً لإسحق ونسله فقط ؟ هذا الإخلال بالعهد الذي يأتي في نصوص التوراة يذكرني بقصة ذلك السجين الذي حكمت عليه المحكمة بسنوات سجن طويلة لإرتكابه عدداً من الجرائم ، حيث تقدم هذا السجين الى نفس المحكمة التي حكمت عليه بشكوى على الله طالباً محاكمته على إخلاله بالعهد الذي تم بينه (اي بين السجين ) وبين الله . وذكر في حيثيات هذه الشكوى التي طالب فيها بمرافعة قضائية ، إذ انه من ضمن إجراءات التعميد التي جرت له في الكنيسة اثناء طفولته هو ان الله تكفل باحتضان هذا الإنسان الذي دخل دينه وحمايته من كل سوء قد يتعرض له في حياته ، واضاف الى حيثيات الدعوى القضائية قائلاً : إن دخولي الدين والتعميد الذي جرى لي هو بمثابة دخولي في بيت آمن يديره الله ولا يحدث فيه اي سوء . واضاف مبرراً دعوته القضائية هذه قائلاً : وبما انني اصبحت الآن مجرماً ومسيئاً الى المجتمع فإن ذلك يعني ان الله قد أخل بوعده تجاهي واطلب محاكمته بسبب نكث العهد الذي لا يجوز قانوناً . وحينما استلم الحاكم اوليات هذه القضية وضعها بحوزته بضعة ايام ثم ارسل رسالة الى السجين جاء فيها : لقد نظرت المحكمة في طلبك هذا واتخذت الإجراءات اللازمة للبدء في المحاكمة إلا انها لم تستطع تبليغ المدعى عليه بوقت المرافعة بالنظر لعدم وجود عنوان بريدي ثابت له، لذلك نعيد لك طلبك، اسفين لعدم استطاعة المحكمة تبليغ المدعى عليه.
حينما تحاول الصهيونية العالمية استعمال النص اعلاه من الإصحاح السابع عشر، لتأويلاتها السياسية وتفسيره من اجل ايجاد المبررات الدينية للأهداف السياسية ، فإن ذلك يشير وبكل وضوح الى نهج تسييس الدين ، ذلك النهج الذي اشتهر به كثير من اتباع الأديان الإبراهيمية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام ،
من خلال ذلك نرى ان الإدعاء الذي تقوم عليه الصهيونية العالمية باحتلال اراضي الغير ومصادرتها باعتبارها ملك الهي لها ، لا يستند إلا على نهج سياسي تأويلي لحمته وسداه توظيف الدين لتحقيق اهداف سياسية لحركة سياسية بذاتها. ومن هنا يأتي موقف الكثيرين ، خاصة من العرب والمسلمين ، الذين يعكسون هذا التوظيف السياسي للدين على الدين اليهودي نفسه ويبلورون من خلال ذلك موقفاً معادياً لليهودي كحامل لعقيدة دينية ، جاهلين ان ذلك لا يصب الا في التوجه الصهيوني الذي يرفضه الكثير من اليهود ايضاً . فليس كل يهودي صهيوني ، إلا ان كل صهيوني يبرر توجهه السياسي العنصري بالإنتماء للديانة اليهودية . وهذه هي الطبيعة الدائمة لاستغلال الدين للأهداف السياسية .
لم تقتصر الصهيونية على حقها الإلهي بامتلاك الأرض، بل انها سعت الى جعل الدين التزاماً روحياً وانتساباً قومياً ايضاً، حتى انها ركزت على مقولة الشعب اليهودي في الدولة اليهودية. وقد اكدت ذلك في كثير من قوانينها التي اعتبرت فيها دولة اسرائيل دولة يهودية لشعب الله المختار اليهودي. وهذا ما سنحاول ان نناقشه في القادم من الأيام.
الدكتور صادق إطيمش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت