الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيكولوجية الذات الزائفة

فراس الجندي

2023 / 10 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


رغم كل التطور الذي شهده العالم، مازال الإنسان العربي يعيش تحت وطأة العبودية والاستبداد، ولا يملك من القوة إلا ما يسمح به سيده. فالفرد في المجتمعات العربية يفتقد الشجاعة والقوة لكي ينتفض في وجه الاستبداد الديني، والأعراف والتقاليد التي تكبل حياته، يعيش كل يوم تحت رحمة السلطة والنير في عنقه، يتفاخر بالحرية والشرف والكرامة، في الوقت الذي لا يملك الشجاعة أن يعيش حريته، أو أن يكون شجاعاً برفض العادات والتقاليد التي انتجتها الطبقة الحاكمة عبر التاريخ. فإذا سألت الفرد لماذا تتقيد بالعادات والأعراف، وتضرب عرض الحائط الشرائع السماوية؟ الإجابة تكون بكل بساطة إن الأعراف أصبحت كالقانون، إذا خالفتها تعرضت للنبذ والاضطهاد من قبل المجتمع. والناس تنال من شرفي، وإذا سألته مرة أخرى أنت تحاف من الله أم من البشر؟ يهرب من الإجابة، أو يقول لك أخاف من الله، ولكن البشر سلطتهم أقوى من سلطة الله في هذا الزمن. بذات السياق يتحول الله إلى ستار يختبئ خلفه الفرد، لأنه لم يتعود أن يعيش حريته وأن يمارس سلوك إحكام العقل في الإجابة، أو التساؤل فهو مُسير وليس مُخير. فهو يرضى أن يعيش في ظل الاستبداد والاضطهاد ، ويعمل بجهد لإرضاء المجتمع الذي يعيش فيه، ويرضى أيضاً أن يعيش ببؤس ويجرجر خيباته كل يوم ، ويقبل أن يأكل طعامه المجبول بالقهر، يقبل الأغلال والسلاسل التي تقيده ،ولكنه لا يقبل العيش بحرية .هذه السلوكيات التي يعيشها الفرد في المجتمعات العربية تقودنا إلى الاستنتاجات التي توصل إليها سيغموند فرويد مبكرا أثناء عمله في العلاج النفسي ، والتي أظهرت له أن الفرد يتوهم العيش بحرية ولكن أحلامه لا تتطابق مع الواقع الذي يعيش فيه ،وإن معظم التصورات التي يعيشها الفرد لا تتطابق مع الواقع ،لأن البشر تعيش حالة من الغشية لأنها تخاف سلاح الحقيقة .أي أن الإنسان يعيش بحالة وهم ، والأوهام ليست إلا آلية دفاعية يمارسها الفرد لكي يستمر بالعيش وليخفف ألم الحياة والضغوط النفسية التي يعيشها الفرد، ويطور الفرد هذه الأوهام إلى حالة واقعية ، لأنه يخشى أن يصحو من خيبته وحلمه الزائف. هذا الوهم يغذي طاقة الفرد ويمنحه القوة، ويحاول تغيير الواقع من خلال الحلم والوهم. فالفرد الذي يعيش بالوهم يكون وعيه زائف. هذا الوعي الزائف، ليس إلا عبارة عن صورة مشوهة للواقع، فالفرد في المجتمعات العربية لا يتواصل مع الواقع بشكل مباشر، بل يتواصل معه من خلال أوهامه ويكون تصوراته عن الواقع من خلال وعيه الزائف. فالفرد في المجتمع العربي يختبئ خلف الأوهام والأيديولوجيات والأحزاب والطوائف والمذاهب، لأن الحقيقة تعني أن يكون الفرد قادراً على تغير المجتمع الذي يعيش فيه، فالحقيقة هي المنهج، والبوصلة لعملية التغيير، أما توصيف الواقع يكون ناتجاُ عن الوعي الزائف لوهم يعيشه الفرد، وكما قال كارل ماركس:" ليس مهمتنا توصيف الواقع، بل العمل على تغييره." إن التخلي عن الأوهام يتطلب الحرية والشجاعة في أن يحرر عقله من هذه الأوهام وأن يفك قيوده من سلاسل العبودية، وأن يتصرف كإنسان حر. إن جميع الناس في المجتمعات العربية لديهم نفس الدوافع اللاشعورية، وبالتالي نستطيع أن نفهم لماذا يقوم الفرد بسلوك الهروب من الواقع، إن سلطان الحقيقة بالنسبة للفرد في البيئة العربية هو الألم والوجع اليومي، لذلك يهرب من وعيه الحقيقي ويعيش الوعي الزائف ويتصور بأنه إنسان حر وسعيد، فالحياة بالنسبة إليه هي أن يعيش احتياجاته في أبسط مفاهيمها من أجل البقاء، كالطعام، والشراب، والنوم، ويبالغ في شراء الألبسة الفاخرة ويقلد المجتمعات المتقدمة فقط في طريقة العيش وليس في طريقة التفكير. فالاحتياجات الفيسيولوجية تعني له الأمان والخوف من الفقر والجوع، أما الفقر الثقافي، والفقر المعرفي، لا يدخل ضمن احتياجاته. فالفرد في المجتمعات العربية لا يهتم للاحتياجات الاجتماعية ، كالانتماء، والاندماج مع الآخرين، وتقبل الآخر المختلف عنه، هذه الاحتياجات يفتقدها الفرد في مجتمعنا، بسبب الاستلاب التي تعرض له أثناء عملية التنشئة الأولية، فعملية التربية والتعليم ساهمت في خلق سيكولوجية لها علاقة بالكراهية وتبخيس الآخر المختلف عنه، فالحاجة للانتماء تكون فقط من خلال الانتماء للطائفة أو العائلة أو الدين، أما الوطن فهو مفهوم غريب لا يندرج ضمن الاحتياجات الاجتماعية الأولية ، هذا الوعي الزائف والتجاهل للواقع يجعل الفرد في مجتمعنا يبالغ في مسألة التفاخر والادعاء بالحرية والشرف، لأنه يدرك تماماً افتقاده لمسألة تقدير الذات ، فتقديره لذاته يأتي من قبل الآخرين وليس نابعاً من الذات ، فالفرد الذي يفكر طلية الوقت كيف عليه أن يحظى بالاحترام من قبل الآخرين، مقابل عدم الاهتمام باحترامه لذاته، نجده يفتقد الثقة بالنفس ويشعر بالدونية ، ولأن وعيه الزائف والأوهام التي تسيطر عليه تفرض عليه أن يقوم بسلوك الادعاء بأنه سعيد وحر، لأنه لا يجرؤ على قول الحقيقة وما يدور في اللاشعور، فتقدير الذات يحتاج من المرء أن يدرك إمكاناته وأن يعيش جميع احتياجاته ويشعبها بنفس المستوى ، لكي يصل إلى مرحلة تقدير الذات ، إن عدم إشباع حاجة تقدير الذات تجعل الفرد يهرب للمبالغة في تعظيم نفسه الفارغة والاختباء وراء الألقاب ، وتقليد سلوكيات المجتمعات المتقدمة عليه . فالفرد في مجتمعنا العربي يفتقد المجال الحيوي، فهو يتفاعل مع محيطه المرتبط بالجاذبية الدينية والطائفية، لذلك تمارس سلطة الدين أو الطائفة استبدادها بحق من يخالفها من أفرادها وتكفره وتهدر دمه، وتطلب منه الخضوع التام لسلطتها وطاعتها، لذلك يصبح عاجزا ويعيش سلوك العجز. فسلطة الدين تقتل الذات المتمثلة بالاتحاد بين الوعي واللاوعي الذي يمثل التفرد والحرية، بينما تسعى السلطة الدينية والسياسية على ضرب منظومة الوعي الحقيقي من خلال القمع التي تمارسه، وبالتالي يتحول اللاشعور إلى خزان ممتلئ بالوحشية والانتقام، فالشخصية في ظل هذا النمط من التربية هو عبارة عن شخصية ظلامية وشهوانية ووحشية. فالتربية العربية تقوم على قتل صورة الأنثى في بنية الذكر ،وكذلك ق ت ل صورة الرجل في بنية الأنثى ، فمنذ الولادة يُنمط الذكر على أن يقمع مشاعره ، فالبكاء مرتبط بالنساء والضعف، فالرجال لا تبكي، وكذلك المرأة التي تطالب بحقوقها وبالمساواة تشبه بالرجال، هذه التربية تقتل الرابط المقدس بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بعملية التكامل بين الجانب الأنثوي والجانب الذكري المتعلق بالذات الحقيقية المثالية، والذات الحقيقية هي المصدر الأساسي للتواصل مع اللاوعي الجمعي حسب تعبير كارل غوستاف يونغ، لذلك منظومة التربية العربية القائمة على القمع والنظر إلى المراة بأنها أدنى من الرجل وبالتالي تسحق عملية التكامل بين الجانب الأنثوي والذكري التي تتشكل منها الذات الحقيقية ،فالاستبداد يسعى إلى تشكيل الوعي الزائف بدلاً من الوعي الحقيقي، لأن منظومة الاستبداد والقمع وإلغاء الاخر هو جوهر عملية التربية العربية. هذا الألم المتعلق بالوعي الزائف يجعل الفرد يعيش في عالم الظلمات، ويضع القناع على وجهه، ويخبئ الذات الحقيقية ويقدم الذات الزائفة، هذا القناع يقوم بدور الآلية الدفاعية الذي يخفف من حدة الصراعات النفسية والاضطرابات النفسية المتعلقة بالأوهام.
د. فراس الجندي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة هامة جدا
ماجدة منصور ( 2023 / 11 / 1 - 05:04 )
و بحاجة للتوسع و الدراسة
شكرا لك

اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف