الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نيتشوية لفكر نيتشه.. من المرض السقراطي إلى الخطيئة المسيحية

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2023 / 11 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في قراءة (نيتشوية) لفكر نيتشه -و ناذرا ما يتحقق ذلك- تمكن الفيلسوف الفرنسي "جيل دولوز" عبر حفرياته بين طبقات المتن/المنهج النيتشوي من الكشف عن مركز التفلسف النيتشوي الذي يمتلك خصوصيته ضمن تاريخ الفلسفة الغربية.
النموذج الحداثي الغربي راكم أوهاما إيديولوجية عن الإنسان (المتحضر) الذي حقق طفرة بيولوجية عن الإنسان البدائي نتجت عنها قطيعة ابستملوجية مع الفكر ما-قبل الحداثي. لكن، العبقري "نيتشه" كان فطنا و لم ينطل عليه التزييف الحداثوي، لأنه يدرك نفسية الإنسان الغربي، ذلك المسيحي المحروم، ماديا و رمزيا، الذي يتصور الحياة مرضا يسعى إلى التخلص منها/منه بتناول السم على الطريقة السقراطية.
العبقري نيتشه يدرك، كذلك، تلك اليقظة المتأخرة (فاق معطل) للإنسان الغربي، التي حدثت على وقع رجة الإصلاح الديني البروتستانتي، يقظة غير طبيعية، بالتأكيد، (فاق مخلوع و جوعان !!!)
لنحك الحكاية في شبه-تناص مع العبقري نيتشه كي نفهم، جيدا، كيف أسس الإصلاح الديني البروتستانتي لمنظومة الرأسمالية، كما نظر لذلك "ماكس فيبر" في كتابه المؤسس "الأخلاق البروتستانتية و روح الرأسمالية":
" إنسان جائع محروم مكبوت.. فلسفيا يتصور الحياة مرضا على الطريقة السقراطية، و دينيا يتصور الحياة خطيئة على الطريقة المسيحية.. هذا الإنسان المختل (العدمي/المنحط بتعبير نيتشه ) يستفيق متأخرا على رجة الإصلاح الديني البروتستانتي ليكتشف الخديعة الكبرى التي كان ضحية لها طوال مساره التاريخي. خارج الخديعة، الحياة ليست مرضا بل عافية، و ليست خطيئة بل منحة !!!
الخلل الذي رافق هذه اليقظة المتأخرة، و اكتشفه نيتشه بعبقرية فذة، هو أن اليقظة لم تجبّ ما قبلها بمعنى أنها لم تتمكن من تخليص النفسية الغربية من الكبت و لم تخلصها من ذاكرة الحرمان، المادي و الرمزي، لذلك بالغ الإنسان الغربي في مراكمة الكلأ و جمع الأخضر و اليابس فأسس منظومة الرأسمالية على قاعدة مراكمة الإنتاج/الربح دون حاجة استهلاكية، لكنه لا يدري أنه يصفي الحساب مع ماضي الكبت/الحرمان ليس إلا ! فهو يتوهم أنه بمراكمة الإنتاج/الربح سيقتل في نفسه النزوع الفلسفي السقراطي الذي يتصور الحياة مرضا، و النزوع الديني المسيحي الذي يتصور الحياة خطيئة.. و أنى له ذلك !!!
العالم، منذ بزوغ فجر اليقظة/الحداثة الغربية، يؤدي ضريبة الكبت/الحرمان الغربي، دافع الشراهة لتغذية الحرمان/الكبت دمر الحياة الإنسانية على كوكب الأرض، فعم الاستغلال و الاستيلاب، استغلال الموارد الطبيعية بشراهة مفرطة تتجاوز الحاجة، و استيلاب (Aliénation هذا المصطلح لماركس) الإنسان، أفرادا و شعوبا، بهدف توظيفه في سلسلة الإنتاج.
لنعد، مرة أخرى، إلى القراءة النيتشوية التي قدمها "جيل دولوز" لفكر نيتشه و التي تدعم تحليلنا و تؤكد مُخرجاته. صاغ جيل دولوز مصطلح الفكر الرحّال/ Pensée Nomade، و لم يكن يقصد به التحرر الفكري كما قرأت ذلك في الكثير من التأويلات (الفلسفية) التي قدمها بعض الكَتَبة (les écrivants بتعبير R.Barthes)، بل كان يحيل به على نموذج الإنسان ما قبل الحداثي/البدائي الذي عاش مرحلة ما-قبل تدشين المدن/الحياة الحضرية (حياة البداوة/الترحال ). هذا الإنسان هو نموذج فكري/رؤية للعالم في نفس الآن.
ستسألون و ما علاقة ذلك باكتشاف نيتشه ؟
نيتشه، حسب قراءة دولوز، لم ينطل عليه التزييف الإيديولوجي الحداثوي الذي ينظٍٍر للإنسان الغربي (المتحضر) صنيعة الحداثة كما وجد تجسيده الأسمى في الفكر الكانطي ( ق 18)، بل كشف عن حقيقة الإنسان الغربي الذي لم ينفصل عن نفسية البدوي الرحّال الذي يجد تجسيده في النموذج الفكري الميكيافيلي (ق15) .
** تنبيه: لا داعي للنسخ هذا المقال سينشر حالا و سأشارككم الرابط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله