الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«يحرم و لا يجوز الترحُّم على غير مسلم» : كيف يصدر هذا عمَّن يصف نفسه بالمسلم ؟

أحمد إدريس

2023 / 11 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(دعاء : اللهم أغث عبادك المَقهورين المُعذَّبين المَقصوفين المُنكَّل بهم في غزة. اللهم إرحمهم بعظيم رحمتك. يا رب !)


سُنة إلهية لا تعرف التبديل و لا التغيير في هذه الآية القرآنية : « إن الله لا يُغيِّر ما بِقَوْم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم. » أوَّل ما يَجِب أن نعمل على تغييره، بِحزمٍ، هو طريقةُ تفكيرنا و نظرتُنا للعالَم. تنصلح الأمور و الأحوال عندما تنصلح العقول و الأفكار. هذا بطبيعة الحال لا يكفي، فلا بد أيضاً أن تنصلح الضمائر و النفوس، و لكنه أكثر من ضروري. فَمِن غير إصلاحٍ فكري جاد و جذري، مُحال أن تنصلح أحوال البلاد و العباد. إصلاح التفكير و تصحيح التصورات هو أساس البناء الحضاري السليم للأمة. هكذا يُبنى الإنسان السَّوِي المستقيم، الذي يَبني حضارة الرحمة الشاملة : « و ما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالَمين » (قرآن).

« إذا لم تَكُن، أيها المسلم، في قلبك و فكرك و عملك، رحمة للعالَمين، فأنت على طريق غير طريق رسولك محمد - صلَّى الله عليه و سلَّم -، فقد قال له ربه الذي أرسله : "و ما أرسلناك إلاَّ رحمةً للعالَمين". » (عصام العطار)


الله أرسل الذي احتفلنا قبل أكثر من شهر بذكرى مَولده رحمةً للعالَمين. المسلم الحق لا يمكن إلاَّ أنْ يسعى في هذه الحياة ليكون رحمة للعالَمين : الرحمة صفة مُلازمة له فلا تنفك عنه أبداً، هي صِبغة راسخة في سُلوكه الراقي و هي عُنوان روحانيَّته الأصيلة العالية، و السِّمة الأولى التي يُعرَف بها بين الأنام. حتى المخلوقات الغير آدمية - حيوانات و جمادات - تطالُها و تشملها هذه الرحمة… هو إذن إنسان مُتشبِّع بثقافة اللاَّعُنف. ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻘﻮل ﺑﺼﺪد ثقافة اللاَّعُنف : أرى أنَّ وصفة علاج الأمراض المُتعدِّدة و المُزمنة التي تعاني منها هذه الأمة، يجب أنْ يتصدَّرها تمجيدُ و إشاعة و تفعيل ثقافة اللاَّعُنف و التسامح و المحبة. يلزمنا إطار فكري سليم. نريد ثقافة لا تُمجِّد الموت بل الحياة بكافة مظاهرها، نريد ثقافة خالية من بث الكراهية الطائفية أو الدينية. اللاَّعُنف الذي أقصد لا يعني اللاَّمُقاومة و الرضوخ للظلم… لكن المُقاومة الناجعة المُجدية و المحمودة هي التي تكون بذكاء - فالعالَم الواقعي قاس و في الغالب لا يرحم الضعفاء قليلي الذكاء. و هي التي يُحافظ فيها المُقاوم على إنسانيته. الأمر ليس باليسير و خاصة في بعض الأحيان و وَسَطَ ظروف استثنائية، لذلك فالمقاومة على هذا النحو تُمثل بنظري أعلى مراتب الجهاد الحقيقي.

المسلم الحقيقي إذن ينبغي أنْ يكون رحمةً للمخلوقات كافة، في كُل ما يفعله أو يصدر عنه، و مع ذلك يطلُع علينا بَيْن الحِين و الآخَر شيخ يُفتي للأمة : « حذار و إياكم أن تطلُبوا مِن ربكم الرحيم الكريم الوَدود الشَّفوق العَطوف الحليم اللطيف الرحمة لصالح مَوتى غيركم مِن بني آدم » ! ضلال ما بعده ضلال : الترحُّم على موتى نُظراء لنا في الخَلق، سيجلِب علينا غضب مَن إسمُه الرحيم ! و هكذا صِرنا أغرب أمة أُخرجت للناس : يموت الطالح مِن قومنا، فليس مُستبعَداً أن نجد مَن يُفتي عندنا، و لو أن هذا الذي مات قد أمضى حياته في ارتكاب جميع المنكرات و الأفعال الشريرة الحِسية و المعنوية : « يجوز أنْ ندعو له بالرحمة و المغفرة لأنه مات مُسلماً » ؛ يموت الصالح مِن غيرنا، فبكل تأكيد سنجد مَن يُفتي عندنا، و لو أن هذا الذي مات قد نذر حياته لخدمة قضايانا و أفنى عُمره في إطعام فُقرائنا و الدفاع عن جميع المقهورين في العالَم : « يَحرُم الدعاءُ له بالرحمة لأنه مات كافراً » ! أيُعقل أن يوصف شرير بالمسلم و مُحسن بالكافر يا معاشر الشيوخ ؟

شيوخ الدين عندنا في مُجملِهم بحاجة إلى طريقة تفكير جديدة تُمكِّنهم من استيعاب رحابة التجربة الإنسانية على مستوى العالَم، و تُخرجهم من قَوقعة التمايُز المَزهُوِّ عن الآخَر التي ما زالوا يتَمتْرسون بعناد وراءها إلى الفضاء الإنساني و الحضاري الواسع… و ليبدأوا بفتح قلوبهم لجميع الخلائق و تَوسيع آفاقهم و رفع حِسهم الإنساني، إن كانت تحدوهم رغبة صادقة و حقيقية في أن يصيروا للعالَم قاطبة رحمة ! إن كانت لديهم رغبة جادة بأن يكونوا مُساهمين بفاعِلية و إيجابية في صناعة المُستقبل. إن كانوا جادِّين صادقين في السعي لِبناء مجتمعات راقِية مُتوازِنة في جَوَانبها المادية و الروحية و أكثرَ إنسانِيَّة.

متى ترتقي فلسفتُنا الدينية إلى مستوى : « و ما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالَمين » ؟


« لا بُد من إعادة تقديم الدين في أصوله النقية، و بلُغة عالَمية عصرية تخاطب الكُل في كل مكان، و ليس بلُغة طائفية مُنغلقة متعصبة. لا بد من تقديم الدين في روحه و جَوهرِيَّته و ليس في شكلِيَّاته : الدين كتوحيد و خُلق و مسؤولية و عمل بالدرجة الأولى، الدين كحُب و وعي كَوني و علم و تقديس للخير و الجمال. » (مصطفى محمود، "نار تحت الرماد"، 1979)

« الإسلام بصفته دين الرحمة، هو أَولى من غيره بنشر ثقافة المحبة و التسامح و السلام، لتشمل الإنسانية جمعاء. » (محمد شحرور)

« لقد طرأ على المسلمين كثير من الدَّخن ذهب بجمال دينهم و طمس معالِم الإنسانية فيهم، فنريد أن نُصفِّي أذهاننا من الغَبَش و نطرُد القسوة من قلوبنا ؛ لِنَعلم، وَفق تعاليم ديننا الأصيلة، أنَّ لليد الممدودة قوة كبرى - و رُبَّ ابتسامة أقوى من السلاح -، و أنَّ ما يجمع البشر أكثر مِمَّا يفرِّقهم لأن الذي يُحاسبهم على عقائدهم - صحيحة أو فاسدة - هو الله تعالى يوم القيامة ؛ و (…) نُشعر الآخَر أننا نُحِس بفرحه و حزنه، نُحِب له ما نُحِب لأنفسنا، نحن و إياه في مركب واحد هو مركب الحياة الدنيا، يُمكن أنْ نقطع الرحلة معاً. » (عبد العزيز كحيل، "إنسانية المسلم" - مقال على الإنترنت -، 2017)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دعاء المسلمين زوبعة في فنجان
سهيل منصور السائح ( 2023 / 11 / 2 - 10:58 )
اخي الكريم بعد التحية . دعى المسلمون ام لم يدعوا سوى لهم او لغيرهم بالسلب او الايجاب فالله ليس اداة بيد احد ابدا والله ربط الاساب والمسببات فمن عرف تكييفها فهو القوي ومن لم يعرف فهو الضعيف. المسلمون يدعون على اليهود والنصارى وكلما دعوا ازدهرت بلدان اليهود والنصار واصبحت بلدان المسلمين قاحلة وهذا واضح وجلي.الاخذ بالسباب والمسببات ثم الدعاء ولا شيء غير ذالك.انهزم المسلمون في احد وانتصروا في بدر. فسوى دعى المسلمون ام لم يدعوا لايغير من الامر شيء. لا تقلق. سلام عليكم.


2 - دينهم هو اهم ما بأنفسهم
سرحان عبدالبصير ( 2023 / 11 / 3 - 13:48 )
الآية القرآنية : « إن الله لا يُغيِّر ما بِقَوْم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم. » هذا يعني إذا اراد المسلمون ان يغيروا ما بهم من سوء الاحوال فعليهم أن يغيروا دينهم ، دينهم هو اهم شيء في انفسهم ،و كل ما بأنفسهم هو نتاج دينهم ! انت لو تسأل اي مسلم ما هو الشيء الاهم في عقله و في نفسه يعتز به فسيقول لك انه دينه الاسلامي ، الاغلبية الساحقة من المسلمين يعتزون بدينهم و دينهم يتدخل في كل شيء و لايوجد مجتمع في العالم متمسك بدينها اكثر من المسلمين ، فأكيد السبب في تردي احوال المجتمعات المسلمة هو في دينهم، قل لي كيف هو مجتمعك اقول لك كيف هو دينك و كيف هو الإله الذي تعبده فاذا كان مجتمعك فيه خلل فمعناه الإله الذي تعبده و الدين الذي تعتنقه فيه خلل ، المسلمون لازم يغيروا دينهم يعني ينقحوه و ينظفوه من كل النصوص الكراهية و العنف والقتل التي تحرض على الكراهية و تحرض على قتل المختلفين و عدم مصادقتهم و عدم الولاء لهم و التي تتعارض مع كل التقدم الحاصل في الفكر الانساني و مباديء الامم المتحدة


3 - سرحان عبد البصير
على سالم ( 2023 / 12 / 8 - 17:56 )
انت امرك غريب وعجيب اكيد ؟ عندما تقول احذفوا النصوص التى تحض على القتل والكراهيه والعنف فى الاسلام ؟ هذه ايات صريحه وواضحه فى كتاب القرأن , هل انت تقصد حذف ايات من قرأن صلعم ؟ هذا فى عرف القرأن كفر بواح وخروج عن المله والواجب اقامه حد الرده على من يقول هذا الكلام , وضح وجهه نظرك


4 - التكفير و الاستعداء علي غير المسلم موجود بالقرآن
تحتمس الثالث ( 2023 / 12 / 10 - 08:41 )
ولا تصلِ على أحد منهم مات أبدا , ولا تقم على قبره إنهم . ‏إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [ التوبة: 84]
فهل توجد دعوة للكراهية والتكفير أكثر مما هو بالقرآن ؟؟؟

اخر الافلام

.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا


.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي




.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو