الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-واقعية- اليسار أم تيهه؟

عبد الحسين شعبان

2023 / 11 / 8
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


قد يكون صادمًا القول أن الحلم اليساري، الذي كان واعدًا في القرن العشرين قد ولّى. ومثل هذا القول يتجاوز بعض الآراء السائدة، التي تعتبر أن النظرية صحيحة، لكن العيب في التطبيق، وأن الذي أفسدها، هم جماعة من المحرّفين والطغاة والحزبويين المأخوذين بالشمولية والواحدية وادّعاء الأفضليات والزعم بامتلاك الحقيقة.
علينا الاعتراف أن ثمّة إشكاليات ومشكلات فكرية وعملانية تحتاج إلى إعادة قراءة وتقويم، وباستثناء المنهج الذي جاء به كارل ماركس، والذي ما يزال حيويًا، خصوصًا بتعاشقه مع المناهج الاجتماعية الأخرى، فإن تعاليمه كانت تصلح لعصره وليس لعصرنا، لاسيّما ونحن في الطور الرابع للثورة الصناعية واقتصاد المعرفة والذكاء الاصطناعي. ولو جاء ماركس اليوم، لخالف الكثير من استنتاجاته وتعليماته، التي أثبتت الحياة عدم صحتها، ناهيك عن أن بعضها تجاوزه الزمن.
لقد حققت الأنظمة الاشتراكية بعض المنجزات التي لا يمكن إغفالها على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبشكل خاص في ميدان الصحّة والتعليم والعمل والضمان الاجتماعي، إلّا أنها وصلت إلى طريق مسدود، بل أفق مغلق، بسبب شحّ الحريّات، وخصوصًا حريّة التعبير، وعدم الاعتراف بالتعدّدية والتنوّع، فضلًا عن الاختناقات الاقتصادية التي عانت منها.
اعتمدت أطروحات اليسار على توجّهين أساسيين، الأول - تأميم أدوات ووسائل الإنتاج، والثاني - الهيمنة على جميع مرافق الدولة والمجتمع، والتي خضعت بالتطبيق العملي للبيرقراطية الحزبوية التسلطية، لدرجة أنها كانت تتجسس على الناس وتراقب حركاتهم وسكناتهم.
وحذت أنظمة العالم الثالث، التي أسميناها ﺑ "أنظمة التحرّر الوطني"، حذو الأنظمة الاشتراكية تقليدًا يكاد يكون أعمى، فلجأت إلى التـأميم شبه الشامل، وبنت أجهزة قمعية لا حدود لسلطتها، واعتمدت الديماغوجيا الإعلامية بدلًا من الإعلام الحر، وكان ذلك بمثابة عقيدة ثابتة لها.
لم يكن أحد يتصوّر أن جدار برلين سيسقط يومًا ما (9 نوفمبر / تشرين الثاني 1989)، بل كان مجرّد التفكير بذلك أقرب إلى الحلم أو الخيال، فكيف يمكن إزالة هذا "الصرح" الذي بناه خروشوف بالعام 1961 بسرعة فائقة ومباغتة للغرب لفصل برلين الشرقية عن برلين الغربية؟
وكان الاعتقاد السائد أن الأنظمة الاشتراكية منيعة ومحصّنة، فإذا بها تنهار مثل بيت من الورق، وقد سبقنا سارتر إلى ذلك، حين اعتبرها هشّة وخاوية من الداخل، على الرغم من مظاهر القوّة والبأس التي تبدو عليها من الخارج.
وحين نجحت المعارضة بعد حراك شعبي بالوصول إلى السلطة بفوز ليخ فاليسيا في بولونيا، وفاتسلاف هافل في تشيكوسلوفاكيا، وأرباد كونز في هنغاريا، وذلك قبيل تحلّل الاتحاد السوفيتي، لم يكن لديها أي تصوّر عن المستقبل، أو معرفة بحقيقة الرأسمالية. كلّ ما كان في جعبتها هو شعارات عامة وأحلام غامضة وتوقعات لم تخلو من طوباوية. وكان الثمن الذي على البلدان الاشتراكية دفعه مقابل الحريّات السياسية والانفتاح الاقتصادي، باهظًا وشروطه قاسية.
وظلّ اليسار تائهًا بين شمولية صارمة في الماضي، وليبرالية منفلتة في الحاضر، بل إن الأمر كان أكثر تعقيدًا، فالتغيير الذي سعت إليه بلدان أوروبا الشرقية، ليس هو ما كان يدور في خُلد الغالبية العظمى من الناس، مثلما لم يكن الناس في البلدان التي اندلعت فيها احتجاجات الربيع العربي لديها أية فكرة عن المستقبل، كلّ ما كانت تحلم به هو تغيير الأنظمة الفاسدة والاستبدادية، وإقامة أنظمة تحفظ لها شيئًا من العدالة والمساواة، وضمانًا اجتماعيًا، وحريّة خارج منظومات الرقابة والعسف، بعد معاناة مزمنة.
في أوروبا الشرقية، هيمنت اتّجاهات شعبويّة على مقاليد الأمور، بعد الترويج لليبرالية والتغنّي بفضائلها، وهو الأمر الذي اتّجهت إليه بعض البلدان في منطقتنا بضجيج عال، لاسيّما بإعلاء شأن القطاع الخاص وتنغيل القطاع العام، بزعم الواقعية والتجديد الديمقراطي، وغير ذلك من ادعاءات. وفي الواقع، لم يظفر الأوربيون الشرقيون بما أرادوا، مثلما لم تحصل شعوبنا على ما ابتغت، بعد تذرّر وتعصّب وتطرّف وعنف، حيث أخذ اليمين الشعبوي، والمضاف إليه الديني - الطائفي في بلداننا، يحصد نتائج ما حصل، وتلك إحدى المفارقات التاريخية.
صحيح أن دور اليسار قد أفل، لكن شيئًا واحدًا بقي عنده، وهو إمكانيته على تحويل السخط المختمر لدى الناس إلى برنامج عمل، حتى وإن بدا حالمًا... أولسنا نحلم، بل نغامر حين نبحث عن الحقيقة؟ ففي ذلك التعبير الأكثر واقعية عن ضمير الناس وهمومهم الجديدة – القديمة، والضمير هو القانون العام الأسمى حسب المفكر ثورو، فليست لحظة الانتشاء الجميلة، التي حصلت بعد سقوط الأنظمة، كافية لرسم صورة المستقبل، بل كان لا بدّ من التفكير في اختلال المعادلة خارج دوائر الوهم والتزوير والتواطؤ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اليسار اللاديمقراطي بات بلا موضوع
منير كريم ( 2023 / 11 / 8 - 20:05 )
الاستاذ المحترم عبد الحسين شعبان
تقول ان منهج ماركس صحيح لكن استنتاجاته خاطئة
طيب, ماهو منهج ماركس؟
النظم الشيوعية افتقرت الى الديمقراطية ليس بسبب التطبيق الخاطيء وانما الامر ناتج عن المنهج الماركسي الذي هومغاير للمنهج العلمي
اليوم اليسار اللاديمقراطي ليس له موضوع سوى العداء المجرد اللاعقلاني للنظم الديمقراطية
مما حدا به الى التحالف مع القوى الديكتاتورية والرجعية والقومية العنصرية كروسيا وايران وحماس وحتى كوريا الشمالية
يسار فقد مصداقيته
شكرا


2 - أنصار الليبرالية تعميق التبعية وتفاوت الطبقات
حميد فكري ( 2023 / 11 / 8 - 22:59 )
إذا فشل اليسار في تحرير بلداننا من التخلف ،وهو في جوهره علاقة تبعية بنيوية للرأسمال الإمبريالي المعولم ،فإن أنصار الليبرالية ،لم يتفوقوا على هذا اليسار ،سوى بتعميق تلك العلاقة. الشيء الذي عمق الهوة بين المركز والهامش، من جهة وبين مكونات مجتمعاتنا من جهة ثانية .
والنتيجة مزيد من التخلف.


3 - مفهوم اليسار عندنا غيره في العالم
د. لبيب سلطان ( 2023 / 11 / 9 - 01:23 )
عزيزي الدكتور عبد الحسين
اليسار في العالم يقوم على الدفاع عن الحقوق المدنية والحريات والاقليات وتعميق ممارسة الديمقراطية وبرامج العدالة الاحتماعية وهو لايحتاج للماركسية اساسا للقيام بها فهي من صلب مدرسته الحقوقية الليبرالية والماركسيون جزء صغيرا من اليسار وهم صنفان اغلبهم لايردد ولايؤمن بادلجة السوفيت لها ويعتبرونه دكتاتورية قمعية في السيطرة الديكتاتورية وهمها الوحيد معاداة الحضارة الغربية .واليسار في امريكا واوربا احرز انتصارات هائلة وتغلب على اليمين
القومي والديني وهزمه ديمقراطيا وفكريا واجتماعيا
اليسار في العالم يفتقد لليبرالية ومفاهيمها كونه ماركسي سوفياتي سلفي مردد لنصوص وادلجة السوفيت ومنه فهواليوم تائها وقع دوما في مطبات المصالح والطروحات السوفياتية ومنها التحالف مع النظم الديكتاتورية كونها تحالفت مع السوفيت ..انا شخصيا لا اعتبرت يسارا بل تاجر يساري يرفع الشعارات الليبرالية من جهة ويحارب الحضارة الغربية الاوربية الليبرالية من اخرى وهذا افقده مصداقيته وشعبيته ..وعموما معارك اليسارداخلية بينما معارك يسارنا خارجية ولا معركة له غير سب الامبريالية

اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من