الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ١ )
اسماعيل شاكر الرفاعي
2023 / 11 / 10المجتمع المدني
هوامش على الحرب في غزة ( ١ )
في الحروب الحديثة ، التي تشاهد البشرية وقائعها اولاً باول وهي مسترخية في غرف الاستقبال ، يلجأ طرفا النزاع الى تاكتيكات عسكرية وحيل اعلامية من احل كسب المشاهدين ، وتكوين رأي عام عالمي مناصٍر . وهذا اعتراف صريح من طرفي النزاع بأنّ ساحة المعركة لم تعد وحدها تقرر نتيجة الحرب ، وانما اصبح للرأي العام العالمي دوراً لا يستهان به في التأثير على مساراتها ونتائجها ...
ومثلما لم يعد انتاج البضاعة في عصر العولمة الرأسمالية يتم في دولة قومية واحدة ، وتوزع انتاجها على اكثر من دولة ، كذلك لم تعد الحروب : محلية الصنع ١٠٠٪ ، فقرار " طوفان الاقصى " لم يكن قراراً حمساوياً خالصاً ، وانما كانت لايران ولحزب الله : يد في تخطيطه وتوقيته ، وحاء الرد الاسرائيلي عليها بمشاركة امريكية واوربية واسعة وفاعلة ...
هكذا اصبح التشارك والشراكة والاستثمار هو الميل الاقتصادي الجديد . وقد اسقط هذا الميل الكثير من دروع القداسة التي وضعتها الاديان والطوائف في الماضي لمنع الاحتكاك بين الشعوب وتبادل التثاقف والتأثير . ففي شبه الجزيرة العربية ، ومنذ خلافة عمر بن الخطاب قبل ١٤٠٠ سنة : لم يسمح الاسلام بوجود دين آخر فيها الى جانبه ، ولم يسمح بوجود لغة اخرى الى جانب لغة القرآن ، ولم يجرأ احد على الاطاحة بهذا العرف الا قبل حفنة من السنوات من قبل امراء الخليج وملك السعودية . وقد حصلت هذه الجرأة التي تجاوزت الثابت الديني نتيجة ضغوط اقتصادية هائلة : اذ ان الاستمرار بالتنمية والتحديث لتنفيذ برامج واسعة ( مثلاّ رؤيا ٢٠٣٠ السعودية ) تتطلب ادخال مئات الشركات الاجنبية التي تدير هياكلها الادارية وانظمتها الداخلية بلغاتها الام . فتحت الصين هذا الطريق جاعلة من اراضيها وطناً لكل شركات العالم . وهكذا اثبت مبدأ الاستثمار ( بعد العولمة ) قدرته الخارقة على هدم المحرمات الدينية ، فبعد هدم سور الصين العظيم مع بداية العولمة : توجهت مدافع الاستثمار الى كنس الاعراف والتقاليد ، والقواعد الدينية والمحرمات التي كان الدين الاسلامي قد وضعها لادامة عزل الجزيرة ، وتأبيد عزلتها العالمية ...
في هذا العالم الذي يتشابك فيه الاقتصاد والسياسة والمعرفة والثقافة ، ويتطلب دخوله امتلاك تصور واضح عن آلياته وميوله المستقبلية : لا تملك ( المقاومة ) تصوراً واضحاً عما يجب ان يكون عليه مستقبل فلسطين ومستقبلنا لو حققت هي النصر ( المستحيل ) الذي تحلم به ، ومحت اسرائيل من الوجود . هل لديها خطة تتضمن قوانين للدولة القادمة في فلسطين تحفظ كرامة المواطن ، وتوفر له الحد الادنى من احتياجاته الاساسية ( بغض النظر عن دينه وجنسه ، ام ان النموذج الطائفي السائد في جميع البلدان العربية ، وتبلوره دستورياً وانتخابياً في ايران ، وعرفاً في العربية السعودية هو النموذج الذي سيُحتذى ) . لا تختلف حماس عن السلطة الفلسطينية في ان سجونها معبأة بمعتقلي الرأي . وكلاهما لا يختلفان عن صدام حسين الذي كان يفكر في نهاية الحرب العراقية الايرانية بشكل العربة الملكية التي سيركبها ، وليس بما يجب ان يكون عليه مستوى معيشة العراقي بعد حرب ضروس دامت ثماني سنوات . مهما اشتد زخم المدح الذي يزجيه ( وعاظ السلاطين ) من المحللين السياسيين لحماس : فان ذلك لا يخفي حقيقة ان الثمن الذي دفعه ويدفعه الفلسطينيون باهظ جد : اكبر بمئات المرات مما كانت تتصوره حماس ، وان تداعيات هذا الثمن المرتفع جداً بحسابات السياسة ، سيؤثر تأثيراً واضحاً على مستقبل القضية الفلسطبنية ، وعلى الشكل الذي ستأخذه علاقات العرب باسرائيل ...
لن تبلغ هذه الحرب اهدافها المعلنة ابداً : لا من قبل حماس و( المقاومة ) التي ترفع شعار : ازالة اسرائيل من الوجود ، ولا من قبل اسرائيل الطامحة الى القضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني . وستنتهي هذه الحرب ( كما انتهت حروب الشرق الاوسط القديمة والحديثة ) في الاعلاء من شأن اسم طاغية جديد ، وليس بالاعلاء من شأن انسان جديد ( يولد الانسان الجديد بولادة قوانين وتشريعات جديدة تتكفل حماية كرامته وانسانيته ، لكن لم يجدد الشرق الاوسط قانوناً او تشريعاً منذ ١٤٠٠ عام بحجة انها مقدسة ) ...
احد اسرار تاريخ الشرق الاوسط : تتمثل في ان دوله خاضت حروباً وستخوض اخرى : ليس على طريقة الاستعمار الاوربي ( من اجل نهب المواد الاولية وافتتاح الاسواق لبضائعها ، وهي الطريقة التي حاولها صدام في الكويت دون جدوى ، وتباشرها الآن ايران وتركيا بنجاح مدهش ) وانما من اجل فكرة في الماضي يسميها مرة : حقوقاً تاريخية ، ويسميها اخرى : اصالة ، وثالثة : يلبسها ثوب المقدس ، ويصفها بصحيح الدين ، وليس لديه ادنى فكرة عما يجب ان تكون عليه الحياة بعد انتهاء الحرب : هل ستكون رأسمالية ؟ لكن الاستعمار ولد من رحم الرأسمالية ، والاستعمار الاستيطاني في فلسطين وتشريد شعبها : حدث - ولا بد ان يحدث - كنتيجة طبيعية لاشتغال آليات التشكيلة الاقتصادية الرأسمالية ، لكن حماس وعموم المقاومة : ستكفر كل من يطالب باقتصاد غير رأسمالي ، اي غير استعماري وغير استغلالي ) لكن قادة الشرق الاوسط دائماً لدبهم فكرة واضحة عما يجب ان تكون عليه سلطاتهم السياسية ، فهم جميعاً ( من صلاح الدبن الايوبي الى عبد الناصر الى صدام حسين الى حافظ الاسد الى القذافي الى محمد بن سلمان ) كانت الحرب بالنسبة اليهم : نعمة ، هي فرصة للتخلص من منافسيهم المحليين ، وهي فرصة لشد قبصتهم على السلطة : اما شعارات ازالة اسرائيل من الوجود ، والقاء الاسرائيليين في البحر ، أو حرق نصف اسرائيل : فهي مجرد شعارات للاستهلاك المحلي . ( كان الجيش العراقي موجوداً عام ١٩٧١ في الاردن ، وحين تم تدمير فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في ايلول الاسود ١٩٧١ ، امام مرأى ومسمع من الجيش العراقي الذي كانت قواته تنتشر من المفرق الى اربد : لم يحرك ساكناً ، بل بدأَ ينسحب من اربد والمفرق الى داخل الحدود العراقية ) ، ...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ماذا كشف التقرير السنوي لمنظمة -مراسلون بلا حدود- عن حرية ال
.. استشهاد الطبيب عدنان البرش إثر التعذيب بعد اعتقاله
.. الأمم المتحدة: الدمار في غزة لم يحدث منذ الحرب العالمية الثا
.. Thailand: How online violence and Pegasus spyware is used to
.. مداخلة القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في غزة حول تطو