الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب والعدمية

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 11 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا نعرف بالتحديد ما إذا كانت ظاهرة "الإرهاب" تعود تاريخيا إلى القرن الأول الميلادي ممثًلا بجماعة السيكاري زيلوت Sicarii Zealots اليهودية التي كانت تقوم بعمليات مسلحة ضد المحتلين الرومان، أو إلى القرن الحادي عشر ممثلًا بطائفة الحشاشين الإسلامية، أو إلى القرن التاسع عشر ومنظمة فينيان Fenian Brotherhood الإرلندية والتي تكونت في أمريكا، أو إلى منظمة الإرادة الشعبية "نارودنايا فوليا" السياسية الروسية، أو أن ظاهرة الإرهاب تعود إلى أزمنة أخرى، علما بأن مصطلح "الإرهاب - la Terreur " أو عهد الإرهاب هو اسم يطلق على فترة مليئة بالعنف شهدتها فرنسا بعد اندلاع الثورة الفرنسية بسبب الصراع بين الفصائل السياسية المتناحرة من الجيروندين واليعاقبة أستمرت من 5 سبتمبر 1793 إلى 28 يوليو 1794، راح ضحيتها عدة آلاف قطعت رؤوسهم بالمقصلة . ولكن من المؤكد أن هذه الظاهرة أرتبطت إرتباطا وثيقا بفكرة "العدمية" وعادة ما يتم الخلط بين المفهومين دون أي تمييز بينهما.
فكرة العدمية تظهر وتختفي حسب الظروف والأزمان والعصور، تظهر وتختفي ثم تعود للظهور ثانية متخذة وجوها وأقنعة متغايرة، تتقمص ألبسة وألوانا حسب درجة الحرارة والرطوبة وقوة الرياح واتجاهها، كالحرباء تتلون بمحيطها. هناك من يراها مثل الحية، ظهرت أول ما ظهرت في الجنة، ثم اختفت لأزمنة في رمال صحراء التاريخ تتغذى من ظلمات الروح وأشجان البشرية، ثم تبرز ثانية قوية عاتية كالإعصار، كالتنين تبث سمومها في قلب الأجيال، جيل بعد آخر حتى تستنفذ قوتها وتعود إلى باطن الأرض سنينا وقرونا تتهيأ الفرصة السانحة للعوة والظهور، وهكذا إلى مالا نهاية بلا انقطاع، ودوريا تكشر العدمية عن أنيابها وتظهر كفكرة سامة ومسمومة ضد الإنسانية، ضد العالم والتاريخ كديانة جديدة ترفض الحياة وتزرع الموت والدمار. وها هي اليوم هذه الفكرة تتخذ ثانية قناعا جديدا وتظهر في صورة داعشي ملثم يحمل سكينا وقرآنا وبندقدية ويذبح أعداء الله ويقطع رؤوسهم ويطلق الرصاص على من هب ودب في العواصم الأوربية ويفجر عبواته الناسفة في كابول وبغداد .. ومنذ بداية القرن الجديد وبعد الهجمات التي قادتها منظمة القاعدة على برجي نيويورك، أصبحت العدمية مقترنة وملازمة للحركات الإسلامية المتطرفة ودخل مفهوم " العدمية الإسلامية " و " العدمية الجهادية " قاموس الصحافة والمنشورات السياسية المختلفة للكتاب والصحفيين وعلماء الإجتماع والفلاسفة والمحللين وغيرهم من منتجي الثقافة. ومن المعلوم أن نيتشة أعتبر الديانة المسيحية مصدرا للعدمية الأوربية باعتبارها تبخس الحياة وتحتقرها وتنشر الضعف والتسامح، وبعد نيتشة أعتبرت النازية ذروة العدمية وأقصى ما يمكن أن تصل إليه عبثية الإنسان، وبعد ذلك اعتبرت الستالينية بدورها عدمية. أما جورجيو أغامبن Giorgio Agamben المفكر الإيطالي فهو يرى أن الرأسمالية هي دين العدمية، والكاتب المفكر الفرنسي مهدي بلحاج قاسم Mehdi Belhaj Kacem في كتابه " روح العدمية - L esprit du nihilisme, une ontologique de l Histoire " 2009 فإنه يحلل ظاهرة ما يسميه بـ " العدمية الديموقراطية ". وها هو ميشيل أونفري Michel Onfray المفكر الفرنسي في كتابه "كوسموس" Cosmos - الكون)، أو "في سبيل حكمة بمنأى عن الأخلاق"، الصادر عام 2015 عن "دار فلاماريون"، وهو الكتاب الأول من ثلاثية تحمل عنوان " موسوعة موجزة عن العالم " والتي تهدف حسب قوله " التعبير عن سقوط واندحار حضارتنا المحتضرة والوقوف ضد العدمية ". أما كتاب فرانسوا غيري " أركيولوجيا العدمية " والصادر عن دار غراسيه في نفس السنه فهو يهدف إلى تحليل ظاهرة العدمية من دوستوييفسكي حتى الجهاديين، ويعتبر هجوم 11 سبتمبر كعمل عدمي بامتياز ويقارن بين القاعدة والحركات الثورية الروسية في نهاية القرن التاسع عشر والتي نجحت في تفجير عربة القيصر أليكساندر الثاني في مارس سنة 1881. وبعد العمليات "الإرهابية" الأخيرة في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وألمانيا، لا يمر يوم دون أن نقرأ إفتتاحية أو مقالا أو كتابا يربط بين هذه العمليات وينعتها بالعدمية ويعتبرون مرتكبيها عدميون، بعضهم يربطها بالعدمية الجهادية وبعضهم بالعدمية الإسلامية وبعضهم يرون أنها عمليات إرهابية لا علاقة لها بالإسلام ولا بالمسلمين ولكنها عدمية على كل حال. أما بالنسبة للإنتاج العربي لنصوص تتحدث عن هذه الظاهرة، فيكفي إلقاء نظرة على محرك البحث في الحوار المتمدن لنكتشف العدد الكبير من المقالات والبحوث في هذا الصدد، وهذه بعض عناوين المقالات التي لها علاقة بموضوعنا : 
العلاقة بين العدمية والدين
الإنتحار وإهلاك الناس بتفجيرات " العدمية المطلقة "
وثيقة جنيف والنخب العدمية 
الرياضة الفلسفية في زمن العدمية
قمة الرياض والمبادرة السعودية : بين العدمية السياسية والعبثية التاريخية
عدمية فيض المعنى : نظرات في أصول العنف الإسلامي
الكراهية العدمية فيما بين الشيعة والسنة
صعود العدمية المقاتلة في سوريا
العلمانية العدمية
العدمية الجديدة ..العودة الى عصر ما قبل القانون 
لبير كامو: عدمي ضد العدمية 
محمود درويش عدميا
العدمية العلمية وتسويد الصفحات
الأسد أو لا أحد/الأسد أو نحرق البلد : نظام العدمية
فلسفة الفوضى و العدمية 
ممارسة النقد دون الانزلاق نحو العدمية السياسية 
الفلسفة العدمية جسر بين معنى الحياة العام و معنى الحياة الخاص
تجذير الإشكالية العدمية في رواية / سيرة العدم/ للأديب المصري محمد أمان الدين
كيف يكون التفلسف مع العدمية وضدها؟ 
قوة العدم أو عندما تصبح العدمية مع سيوران ضربًا من ضروب فهم العالم ذاته 
العدمية والثورة العدمية وأخلاق العبيد 
آفة العدمية السياسية في العالم العربي
النظام السياسي الفلسطيني بين الرؤية النقدية والنظرة العدمية.  
علامات غرق الحضارة الغربية في العدمية  
السلبية و العدمية في المواقع الالكترونية الاردني
العدمية وسواد الحياة  
العدمية كخادم للامبريالية في تقييم الفاشي اردوغان 
العدمية الجديدة ..العودة الى عصر ما قبل القانون 
العدمية بإعتبارها تحررًا - جياني فاتيمو
 فقهاء أم ثقوب سوداء أو العدمية بصيغة دينية. 
العدمية قد تكون حقيقة محبطة 
من الاستثنائية إلى العدمية
الرؤيا العدمية والرؤيا الواقعية في الحدث السوري 
ارادة الموت..تأملات فلسفية في العدمية!
الرياضة الفلسفية في زمن العدمية 
العدمية النقابية
عن العدمية المفلسة.. وبعض من تجلياتها
في أسباب العنف العلاقة بين العدمية و الدين
مطلب الإنسان بين الأزمات والسرديات - دراسة في العدمية والسخرية

وهناك عشرات وربما مئات أو آلاف العناوين الأخرى تتعلق بموضوع العدمية مما يجعلنا نعتقد بضياع المعنى الحقيقي لهذه المقولة وأنها أصبحت تستعمل خارج مضمونها الفلسفي والإجتماعي والتاريخي وذلك للتبخيس والحط من قيمة الموضوع المراد انتقاده والذي يعالجه الكاتب أو الكاتبة. ونحن بطبيعة الحال لانتفق مع أغلب هؤلاء المفكرين في إستعمال المفهوم بهذه الطريقة التضخمية أو نعت الجهاديين مرتكبي هذه الأعمال الإجرامية بالعدميين، ليس فقط لإرتباطنا الفكري والسياسي بالعدمية التاريخية وبالعدميين الروس ـ وفي هذا المقام ننوه ونذكر مقال مازن كم الماز في الحوار المتمدن، الذي يدافع عن العدمية التاريخية ويرفض المقارنة بين منظمة نارودنايا فوليا الثورية وداعش الظلامية الإسلامية ـ ولكن أيضا من الناحية الفلسفية نعتقد أن العدمية مفهوم ثوري يجب استعادته وتنقيته مما لحق به من تشويه وسوء فهم على مر العصور ابتداء من دوستوييفسكي وروايته "الشياطين أو الممسوسين - حسب الترجمة " مرورا بـألبير كامو ودراسته عن الإنسان المتمرد حتى الفلاسفة الجدد ثم البنوية وما بعد البنوية. مثال لسوء الفهم هذا، أو لسوء النية والرغبة في تشويه الحركات الثورية يمكننا أن نقرأ : " تجلت العدمية أكثر في المجال السياسي، وعبرت عنها النزعة الفوضوية، التي مثلها باكونين الذي نقل العدمية من حالة النقد الجذرى للقيم إلى حالة الإرهاب العملي، معتمدًا في ذلك على قاعدة : « تدمير أكثر ما يمكن وبأسرع ما يمكن »، وبذلك تماثلت العدمية مع الفوضوية من حيث تحول التدمير والخراب إلى غاية في حد ذاتها " ـ وهكذا يحاول هذا الكاتب تشويه باكونين وكل التيار الثوري الذي يمثله مستندا على فكرة خاطئة روج لها العديد من الرجعيين ومن ضمنهم دوستوييفسكي وألبير كامو وغيرهم وهي الربط بين فكرة العدمية وفكرة التدمير والتخريب. بالإضافة إلى إعتقادنا بأن فكر الحركات الإسلامية المتطرفة وغير المتطرفة تشارك وتشابه الفكر العالمي المسيطر، وأن الأيديولوجية الإسلامية لا تختلف في جوهرها عن الأيدولوجية الرأسمالية الليبرالية المحافظة أو غير المحافظة وأن مقاتلي داعش وغيرها من المنظمات الإسلامية لا يختلفون جوهريا عن جنود الدول الإستعمارية التي تحاول أن تتضاهر بنيّتها في محاربتهم والقضاء عليهم. وهذا ما يدفعنا لمناقشة فكرة العدمية وإلقاء الضوء عليها لمحاولة فهم أصولها الفكرية والإلمام بمعانيها المتعددة وبالذات إرتباطها بفكرة "الإرهاب" والتي عاودت ظهورها أخيرا بخصوص منظمة حماس الفلسطينية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باريس تسلم -بري- الورقة الفرنسية المتعلقة بوقف إطلاق النار ب


.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن| #أميركا_ال




.. الخارجية الأميركية: 5 وحدات في الجيش الإسرائيلي ارتكبت انتها


.. تراكم جثامين الشهداء في ساحة مستشفى أبو يوسف النجار برفح جنو




.. بلينكن: في غياب خطة لعدم إلحاق الأذى بالمدنيين لا يمكننا دعم