الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توظيف الخبرة السوسيولوجية في مشاريع التنمية المحلية من خلال نماذج حية

أسامة عريوي

2023 / 11 / 11
التربية والتعليم والبحث العلمي


صاحب المقال :عريوي أسامة
أصبحت الخبرة السوسيولوجية اليوم آلية أساسية في المساهمة في نجاح أو فشل أي مخطط تنموي وذلك من خلال مساهمتها في بلورة رؤية تنموية على المستوى المحلي، وذلك من خلال مراعاتها لجملة من المحددات على رأسها المتغيرات الثقافية والاجتماعية ،وهذا المنظور هو الذي سنحاول اعتماده في صياغة مشروع تنموي الغاية منه فك العزلة وتطوير مهارات النساء بإحدى القرى المعزولة نواحي مراكش .
وقبل الخوض في كيفية توظيف المقاربة السوسيولوجية على مستوى هذا المشروع التنموي ،جدير بنا أن نسلط الضوء على أهمية المقاربة السوسيولوجية في مشاريع التنمية عموما ،على اعتبار كون هذه المقاربة ستمكننا من فهم مجموعة من العوامل التاريخية والإجتماعية والسياسية و الاقتصادية والثقافية والجغرافية ،التي ستمنحنا رؤية واضحة المعالم حول الجوانب التي سنبني عليها مشروع التدخل التنموي في هذه القرية،وذلك من خلال اعتماد دورة المشروع .
إن الإعتماد على المقاربة السوسيولوجية في برامج المشاريع التنموية عموما هوعملية انتقالية مهمة فرضتها سياقات تاريخية عدة ،من أهمها الإختلالات الإجتماعية التي تنطوي عليها البرامج التنموية المدفوعة ماليا ،والتي انتشرت بشكل واسع بعد الحرب العالمية الثانية،وجلها برامج طغت عليها المقاربة الإقتصادية وذلك في تغييب تام للمتغيرات الإجتماعية والثقافية،بالإضافة إلى الإشكالات التي خلقها برنامج التقويم الهيكلي، وذلك من خلال تكريس نظريات التسلسل للأسفل،التي تولي أهمية للبرامج التنموية التي تتدخل فيها الدولة ،والتي تؤدي إلى تنمية متسارعة دون اعتماد أي مقاربة من شأنها فهم الهياكل والبنيات الإجتماعية والثقافية داخل المناطق المستهدفة ،وأمام كل هذا كان لابد من اعتماد المدخل السوسيولوجي ، من خلال مقاربة تشاركية تجعل من الموارد البشرية عصب التنمية المحلية ،وذلك بالاعتماد على دورة المشروع ،التي تقوم على المراحل التالية :
1- مرحلة تحديد المشروع
2- مرحلة إعداد المشروع
3- مرحلة تنفيذ المشروع
4- مرحلة التقييم والمتابعة
مراحل دورة المشروع هذه هي التي سنعتمدها في صياغة هذا المقترح الذي نرمي من خلاله إلى فك العزلة عن القرية وتطوير مهارات النساء بهذه المنطقة من مراكش وهي على الشكل التالي:
1- مرحلة تحديد المشروع
أما بخصوص مشروع فك العزلة وتطوير مهارات النساء بهذه القرية نواحي مراكش فإنه على مستوى هذه مرحلة سنعمل على معرفة المنطلقات والحيثيات التي أدت إلى هذه العزلة وإلى الأسباب الخفية التي حالت دون تطور مهارات النساء بالمنطقة،عملية التحديد والتشخيص هذه تمكننا من معرفة خصائص الناس بالمنطقة بشكل دقيق.
فيما يتعلق بفك العزلة عن القرية يجب التركيز على مشروع واحد وصغير من قبيل إنشاء طريق تؤدي إلى ربط القرية بالمناطق الحضرية،وتمكن من جدب مستثمرين في المجال السياحي للقرية ...إلخ،خلال هذه المرحلة يتم عرض المشروع على الساكنة المحلية بغية معرفة مدى تقبلهم للمشروع ،ولا يتم هذا إلا من خلال التدخل السوسيولوجي والذي من خلاله يلعب الخبير السوسيولوجي دورا مهما.
في هذه المرحل يقوم بتحديد الفاعلين الإجتماعيين المحتملين ويقوم كذلك بجمع البيانات حول المشروع ،هنا سيحدد المجوعات المستفيدة بشكل مباشر من هذا المشروع وكذلك معرفة المجموعات التي تتأثر سلبا، مشروع الطريق من دون شك سيخلق تفاعلات جديدة وسيؤدي إلى ظهور أنشطة جديدة ،خلق فرص عمل ،مما يعني خلق رواج اقتصادي داخل المنطقة ، خلال هذه المرحلة الأولى يتعين علينا كخبراء التوعية والتحسيس بوجود هذه المشاكل وجمع المعلومات الكافية حولها،وتحليلها،ومعالجتها،مع اقتراح حلول لها ومناقشة هذه الحلول مع سكان القرية ،و ليس من الضروري الحصول على إجابات حول كل هذه التساؤلات ،لكن ما يهم هو جمع البيانات التي ستساعدنا بشكل أو بآخر على إنجاح المشروع التنموي .
وعلاقة بمشروع تطوير مهارات النساء فالأمر يتعلق ببناء مركز نسوي يتعلمن فيه النساء القراءة والكتابة،وكيفية خلق تعاونيات محلية يستطيعون من خلالها تسويق منتجاتهم،وكل هذا لا يتم إلا من خلال الدراسة السوسيولوجية التي ترمي إلى خلق برامج تتماشى والثقافة المحلية للمجتمع الذي ينتمي إليه هؤلاء النساء،و نقوم كخبراء سوسيولوجيين بجمع المعطيات حول المشاكل التي تواجهها النساء في القرية ،وذلك من خلال العمل على تقاسم فكرة المشروع مع مع نساء القرية من أجل معرفة مدى توافق هذا المشروع مع خصائصهم الإجتماعية والثقافية ،وهل فعلا سيلبي المشروع حاجيات هؤلاء الشرائح؟
للإشارة لا يتوفر المحلل الإجتماعي خلال هذه المرحلة إلا على القليل من الوقت وبالتالي لا يكون التحديد شاملا وكاملا.
2- مرحلة إعداد المشروع
خلال هذه المرحلة يتم الإشارة إلى الأعمال التي سنقوم بها بشكل تسلسلي ففي مشروع إنشاء طريق بالمنطقة من أجل فك العزلة سنعتمد على المقابلة المباشرة مع السكان المستهدفين من أجل التحقق من الفرضيات التي انطلقنا منها حول إمكانية فك العزلة عن هذه القرية بإنشاء طريق بها ،هذا المشروع سيمكن من ربط القرية بالمناطق الحضرية مما سيجدب مستثمرين جدد في القطاع السياحي بالمنطقة مما يخلق رواجا اقتصاديا داخل القرية وتفاعلات اجتماعية جديدة وخلق فرص عمل في القطاع السياحي ،دورنا كخبراء يتمحور حول معرفة رأي السكان في المشرروع ودرجة تقبلهم له ،وتقبل هذه التحولات الجديدة التي ستخلقها هذه الطريق ،إن إنشاء الطريق كذلك هو إنشاء للعمل المشترك وللعمل التطوعي من خلال المساهمة بالمواد وبالجهد وكذلك تحريك دواليب العمل الجمعوي داخل القرية المعزولة .
وبالنسبة للمشروع الذي يستهدف تطوير مهارات النساء فإننا كخبراء سوسيولوجيين سنعمل في هذه المرحلة على محاولة معرفة المشاكل التي تعانيها النساء في القرية،وذلك من خلال جمع المعطيات الميدانية عبر مقابلة عينة من النساء ،بناءا على هذه المقابلات يمكننا فهم كيف تتوزع السلطة داخل هذه القرية ،لأنه في مناطق أخرى وبسبب عدم التواصل مع الجدات وإقناعهم بالمشروع فشل المشروع ،وبعد دراسات سوسيولوجية فهمو أن الجدات هم من يمتلكون السلطة ويتحكمون في كل النساء داخل البيت ،وعدم موافقتهم يعني عدم الذهاب إلى المركز النسوي للإستفادة من الخدمات التي يقدمها بمعنى الحكم على المشروع بالفشل. إن التدخل السوسيولوجي في هذه الحالة يستوجب النزول إلى المنطقة من أجل مباشرة عملية الفهم.
3- مرحلة تنفيذ المشروع
هذه المرحلة مهمة من خلالها نتمكن من معرفة مدى اشتغال المشروع ودرجة تفاعل المستهدفين، من خلالها يتبين لنا أن المشاريع عموما لا تشتغل بشكل خطي ،ولكن هناك تغيرات تطرأ على مستوى التنفيذ،ففي مثال إنشاء طريق، ربما تطفو بعض الصراعات بين السكان حول عملية البناء أو صراعات بخصوص تدبير الموارد المالية الخاصة بالمشروع،أو مشاكل مرتبطة بالصيانة المستقبلية أو حول تدبير التنقل إذا كانت الطريق جبلية ووعرة وضيقة، مما يفتح مجالا جديدا أمام التدخل السوسيولوجي والأنثروبولوجي ، بغرض إعادة التنظيم والتواصل وإدارة المشروع بطريقة تمكن من تجاوز هذه التأثيرات من أجل تجاوز المشكلات اليومية،إعادة الصياغة لا يعني تجاوز المقاربة التشاركية ،بل الإنطلاق من الإقتراحات التي يقترحها الناس وفي هذا إعطاء أهمية للبعد التشاكي في المشروع.
نفس الشيء بالنسبة للمشروع الخاص بتطوير مهارات النساء ،فإنه خلال مرحلة تنفيد المشروع ،تظهر كذلك مشاكل جديدة ،من بينها عدم إقبال النساء على المركز النسوي وهذا يعني عدم نجاح المشروع وعدم سيره بشكل يتماشى والتصميم الأولي للمشروع ، في هذه الحالة يجب علينا فهم أسباب هذا الفشل لنفترض أن وقت اشتغال المركز متزامن مع أوقات جلب الحطب أوجلب الماء ومن المحتملة كذلك أن المكان الذي تم فيه تشييد المركز النسوي يقع قرب المسجد ،ونظرا إلى كون هذه القرى من المغرب سكانها محافظين من العيب ومن العار خروج المرأة أمام الرجال ،إذا التدخل السوسيولوجي في هذه الحالة يحتم إما تغيير مكان المشروع وإما فتح المركز في أوقات زمنية مخالفة لوقت الصلاة وفي هذا إعادة لتنظيم المشروع.
4- مرحلة التقييم والمتابعة
كما هو معلوم أن هذه العملية يتم من خلالها مراعاة كل الملاحظات والتقييمات التي يتم إصدارها خلال هذه الفترة،ما يمكننا من التقليل من احتمالية إمكانية فشل المشروع أو المخاطرة بذلك ،وهي عملية تتم بشكل منتظم.
ففي مثال مشروع الطريق وعند بروز المشاكل التي تم الإشارة إليها في مرحلة التنفيذ فإنه من اللازمة العمل على حشد الأفكار الجديدة التي من شأنها دعم وتحقيق أهداف المشروع ،على الخبير أن يدرك المشاكل الأساسية من قبيل إيقاف العمل في تشييد الطريق من طرف سكان القرية ويعمل على اقتراح الحلول الممكنة،مع التحقق من فعالية المشروع بالنسبة لجميع سكان المنطقة ،في هذه نتأكد من أنه تم تنفيذ جميع عناصر المشروع مع إمكانية اقتراح تحسينات ،تقييم كذلك الأهداف العامة هل فعلا لعبت هذه الطريق دورا مهما في فك العزلة عن القرية ؟ دمج المنتفعين من المشروع في برامج أخرى من أجل زيادة الوعي بأهمية العمل التشاركي.
يقتضي كذلك تقييم المشروع التنموي المرتبط بتطوير مهارات النساء مراجعة دائمة الغاية منها معرفة مدي تحقق الأهداف المنشودة من خلال هذا المركز النسوي ،تمكن النساء من القراءة والكتابة و اكتساب وعي بأهمية الإنخراط في تعاونيات لتسويق الأركان ،إن وقع العكس يجب اقتراح حلول بديلة للمشاكل الأساسية التي حالت دون الوصول إلى هذه الأهداف ،معرفة فعالية المشروع لجميع النساء في الدوار أم أن هناك فئة لا تتفاعل ، تقييم كذلك تنفيد المشروع بأكمله ،النساء في المنطقة يستفدن من كل الخدمات أم أن بعض التكوينات الواردة في التصميم لا وجود لها في أرض الواقع ، العمل على دعم وعي هؤلاء النساء والعمل على إشراكهم في تصميم وتنفيذ المشروع مما ينعكس على استمرارية اشتغال هذا المركز النسوي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء تقارب السودان وروسيا؟


.. الاحتجاجات الداعمة لغزة: رئيسة جامعة كولومبيا تهدد بفصل طلاب




.. بلينكن: أمام حماس عرض -سخي- من قبل إسرائيل.. ماذا قال مصدر ل


.. الانتخابات الأميركية.. شعبية بايدن | #الظهيرة




.. ملك بريطانيا تشارلز يستأنف مهامه العامة | #عاجل