الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سليمان ومملكة سبأ

طلعت خيري

2023 / 11 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مملكة سليمان ، مملكة مسخرة من الله جنودها بعض الحيوانات والجن ، سخرها الله استجابة لدعائه ، في قوله ربي هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ، ولما حشر لسليمان الجن والأنس والطير ، لم يرى الهدهد من بينهم ، وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ، لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ، عذر مشروع ، فمكث غير بعيد ، تدل على قرب المسافة ما بين مملكة سليمان ومملكة سبأ ، بما ان المسافة قريبه إذن وقت الغياب كان قصيرا ، عَلَمَ الله سليمان فهم لغة الطير ، قال الهدهد أحطت لم بما تحط به ، وجئتك من سبا بنبأ يقين ، البعد العقائدية من حدث الهدهد إشارة من الله لسليمان ، على الاستعانة بما سخر الله له للدعوة إليه ، في مملكة سبأ

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ{20} لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{21} فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ{22}

يعود تاريخ مملكة سبأ الى 1500 .ق.م تقريبا ، وهي فترة النظام الملكي الذي حكم المنطقة العربية ما قبل التاريخ ، كملوك فارس وملوك أشور وبابل ومملكة تدمر وملوك الشام ، اسم المرأة غير معروف في القران ، فما نقلته المصادر التاريخية عن بلقيس اسم عابر ، قال الهدهد إني وجدت امراة تملكهم ، ملكة عليهم ، وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ، مملكة حضارية عمرانية زراعية صناعية عسكرية ، بالإضافة الى نظام سياسي ديمقراطي

أنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ{23}

أي مجتمع لم يكرس بدعوة دينية مغيرة للأفكار ، سيبقي خاضع فكريا وعقائديا لقطبية الفكر الواحد ، قال الهدهد وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ميثولوجيا الهة الشمس وزين لهم الشيطان أعمالهم ، منظري الفكر الميتافيزيقي فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون

وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ{24}

ربطت مملكة سبأ ميثولوجيا الهة الشمس بكل مفاصل الحياة ، كالرزق والسعادة والزواج والرفاهية ، على اعتقاد ان الشمس اللاعب الأساسي في التأثير على الكون بأكمله كاختلاف الليل والنهار وما يطرأ على حركتها الفصلية من تنوع في المحاصيل زراعية ، قال الهدهد إلا يسجدون لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تكتمون ، الخبء المدخر المخفي الذي لا يظهر إلا في وقته ، لماذا لا يسجدون لله الذي يخبء الشمس ، والتي بدورها تخبء الكواكب والنجوم والليل نهارا ، فالشمس أيضا تخبء محاصيل الأرض الصيفية شتاءا والعكس كذلك ، من هو القائم على إدارة ذلك العرش العظيم ، الله لا اله إلا هو رب العرش العظيم

أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ{25} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ{26}

تريث سليمان عن معاقبة الهدهد الى حين أثبات مصداقيته ، قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ، لم يختر سليمان مخلوقا أخر مسخرا لإثبات المصداقية ، إنما اختار الهدهد نفسه ، قال اذهب بكتابي هذا فالقه إليهم ثم تولى عنهم ، اتركهم ، فانظر ماذا يرجعون

قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ{27} اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ{28}

وصل كتاب سليمان الى الملكة ولم تتخذ أي قرار سياسي أو عسكري بشأنه ، بل عرضت الموضوع على حكومتها ، وقالت يا أيها الملا إني القي الي كتاب كريم من سليمان وانه باسم الله الرحمن الرحيم ، مفاده إلا تعلوا علي واتوني مسلمين ، إلا تعلوا علي ، تهديد للملكة بعدم رفض طلبه ، أو استخدام القوة العسكرية ، واتوني مسلمين بطريق سلمية – وهنا يبرز دور السياسية في تحليل الكلمات والعبارات وقراءة الأفكار من خلال الكتب المرسلة ، وهذا ما سوف نطلع عليه في الموضوع

قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ{29} إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{30} أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ{31}

قبل ان تتخذ الملكة اي قرارا سياسي أو عسكري بخصوص الوضع الجديد عرضت الموضوع على المستشارين للاطلاع على أرائهم ومقترحاتهم فلم تكن مستبدة في رأيها ، لان أي قرار انفرادي قد تكون تداعياته خطيرة على الشعب بأكمله ، قالت يا أيها الملا افتنوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ، تشهدون المشاركة الكاملة في اتخاذ القرار

قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ{32}

أبدت القيادة العسكرية رائيها مؤكدة على قدرتها العددية والتسليحية للتصدي لأي تهديد محتمل يتعرض له البلاد ، مع ذلك لم تفرض القيادة قرارها العسكري إلا بعد اخذ وجهة نظر الملكة ، قالوا نحن ألوا قوة وأولو باس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين

قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ{33}

رغم القدرات العسكرية إلا ان ذلك لم يدفع بالملكة على اتخاذ قرار الحرب ، بل طبقت المقولة التي تقول الحكمة قبل شجاعة الشجعان ، فلم تراهن على النصر بالقوة العسكرية بل راهنت على الخسارة وعواقبها على الشعب ، وهنا تكمن الحكمة ، قالت ان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة كذلك يفعلون

قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ{34}

بعد استبعاد الحل العسكري ، طرحت الملكة حلا سياسيا عن طريق الهبات المالية للتعرف على نوايا وتوجهات الملك سليمان ، مع انتظار الرد ، قالت وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون

وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ{35}

البعد السياسي من الهبات المالية للتعرف على توجهات الملك سليمان هل هي امبريالية رأسمالية استعمارية قائمة على السلب والنهب لمقدرات الشعوب كباقي الملوك ، أم هي دعوة دينية لإصلاح المعتقدات ، رد سليمان على الهبات المالية رد عقائدي ، قال أتمدونن بمال فما أتاني الله خيرا مما أتاكم وانتم بهديتكم تفرحون

فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ{36}

علم سليمان من خلال الهبات المالية ان الملكة تجنبت الحل العسكري ، واتجهت نحو الحل السياسي، فقابل الهبات المالية بالاجتياح العسكري ، للضغط عليها لقبول الحل السياسي، فلم يبقى أمام الملكة إلا الاستسلام ، قال سليمان ، ارجع إليهم فلناتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وعم صاغرون

ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ{37}

قال الرسول للملكة ، لا حل إلا الاجتياح العسكري علم سليمان ان الملكة ستأتي مستسلمة هي وقومها ، فبدء ببعض الإجراءات استعدادا لاستقبالها ، وقال يا أيها الملأ أيكم يأتني بعرشها تاج الملكة قبل ان يأتوني مسلمين، قال عفريت من الجن ، العفريت أقوى مخلوقات الجن، أنا أتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني علية لقوي أمين

قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ{38}قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ{39}

تظهر حكمة الملكة مرة أخرى ، عندما رهنت منصبها من اجل شعبها لتضع تاج عرشها رهينة في قصر سليمان في حالة إصراره على الحل العسكري ، فعندما حمل الرسول الهبات المالية من الملكة الى سليمان ، وضعت تاجها مع الأموال وأمرت الرسول بتسليمه الى كاتب الملك بطريقة سرية ، لأنه أكثر اطلاعا على الكتب والأوامر العسكرية ، ما ان انتهى العفريت من قوله ، قال الكاتب ، قال الذي عنده علم الكتاب أنا أتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك ، فأخرجه على الفور ووضعه أمامه ، فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم اكفر ، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فان ربي غني كريم

قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ{40}

طلب سليمان تنكير تاج الملكة قبل وصولها الى قصره ، بإجراء بعض التغيرات عليه ، ننظر أتهتدي تعرفه ، أم تكون من الذين لا يهتدون ، لا تعرفه

قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ{41}

لقد استجابت الملكة لدعوة سليمان وأمنت بالله منذ وصول أول كتاب منه ، لكنها لم تصرح به لشعبها خوفا على منصبها ، لان التغير العقائدي المفاجئ ليس بصالحها سياسيا ، لاسيما ان المملكة تتبع نظام برلماني ديمقراطي ، فالمناورة السياسية التي لعبتها على الصعيد الداخلي ، هددت الأمن القومي والأمن المجتمعي في حالة اجتياح سليمان للمملكة ، وقالت ان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة كذلك يفعلون ، المناورة الثانية ، وضعت اتخاذ القرار في ساحة الحكومة والشعب لإخلاء نفسها عن المسئولية والعواقب المترتبة ان كان القرار غير صائب ، قالت يا أيها الملا افتنوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ، تشهدون المشاركة الكاملة في اتخاذ القرار، ألقت القيادة العسكرية مسؤولية اتخاذ القرار في ساحة الملكة ، وقالوا نحن ألوا قوة وأولو باس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ، بما ان الشعب والحكومة والقيادة العسكرية وضعوا اتخاذ القرار في ساحة الملكة ، إذن أصبحت هي صاحبة القرار ، بما ان قرارها كان الاستسلام لدعوة سليمان اتجهت نحو مملكته ، ولما صلت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو ، هو بعينه ، وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين ، لا حاجة لدليل أخر على إسلامنا لقد أسلمنا منذ البداية ، وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين

فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ{42}وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ{43}

ولما وصلت الملكة الى قصر سليمان ، قيل لها ادخلي الصرح ، الصرح صالة لاستقبال الضيوف ، فلما رأته حسبته لجة ، أمواج ماء ، وكشفت عن ساقيها رفعت ثيابها للمرور عليه ، قال سليمان انه صرح ممرد من قوارير، ممرد تداخل بالألوان تعكس صوره للناظر على أنها أمواج ماء ، الأمواج تعكسها القوارير أنابيب زجاجية مرصوفة على أرضية الصرح يمر الماء من خلالها ، ألونها بين الأزرق الغامق الأزرق الفاتح ، فتتمرد الألوان على بعضها البعض مع جريان الماء تعطي شكل أمواج ، قالت الملكة إني ظلمت نفسي ، بعبادة الشمس ، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين

قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{44}








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من