الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-النحن- و -الأنا- و الفعل و رد الفعل

أبوبكر المساوي
باحث

(Aboubakr El Moussaoui)

2023 / 11 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الكل ينتظر الكل للمبادرة بالفعل...
الجملة الوحيدة التي يسمع كلنا من كلنا حين يشتد الخناق هي: يجب علينا أن نتحرك، يجب أن نفعل...دائما بصيغة ال"نحن" تفاديا لعبء الحرية والمسؤوليات المترتبة عنها، الكل يتحدث باسم الكل، لا أحد يجرؤ على الحديث بضمير ال"أنا" وأكثر من ذلك أننا تعلمنا أن نستعيذ بالله من قول "أنا" و كأنها خطيئة من الخطايا، أو واحدة من الكبائر التي توجب النفي أو الإعدام، فترى الواحد منا يمشي منكمشا على نفسه يكاد ينقرض من شدة الخجل من كينونته، ولا يشعر بالارتياح إلا حين يكون وسط الجماعة -فتجده منطلقا وقد حلت جميع عقده- لكن وبمجرد أن ينفض الجمع ويعود الفرد إلى فرديته حتى تعود إليه حالة الانكماش على الذات، والتقوقع والارتباك في الحركات والكلام والتصرفات مع الأفراد الآخرين الذين لا ينتمون إلى جماعته ومصدر أمانه ودفئه، ذلك الدفء الخداع الذي يغلف الحواس ويحبس الذات ويؤول بها إلى الزوال و الانطفاء، لا أحد يملك القدرة على المبادرة بالفعل لأننا اعتدنا على أن نكون قاصرين أمام كل معنى أو كائن يملك سلطة أو صفات كمال أو صفات مطلقة كالإله والحاكم والإمام والأب، ثم تليه سلطة الذكر على الأنثى ثم الأكبر سنا على الأصغر وهكذا دواليك في تسلسل لا ينتهي، كل تصرفاتنا عبارة عن ردود أفعال لا إرادية، حيوانية، لا ترقى إلى درجة الفعل الإرادي الاختياري، لا ترقى إلى درجة الإنسان العاقل، و لا يمكن الاعتماد عليها لإنتاج أفعال أخرى جادة و عقلانية، أو لبناء فكر جديد عبر مراكمة الفعل العقلاني، هي مجرد تعابير عن حالات الإعاقة الفكرية التي يعاني منها أغلب أفراد هذا المجتمع أو هي عبارة عن تنفيس أو محاولات "سيزيفية" لفك حالة الاختناق الفردي أو الجماعي والتي تتوقف بمجرد انتهاء دورها، ثم ينتقل الواحد منا أو كلنا إلى رد الفعل الموالي حسب الحاجة وحسب ما استجد من أوضاع .
الفيل ...
ما الفيل؟
ضخم ثقيل
كل منا صنع لنفسه فيلا ضخما يحمله على صدره، يقوم بتغذيته أكثر فأكثر مع مرور الأيام بما تعفن و بما نتن من زاد مقتنى من مزبلة تاريخ الإنسانية، و فيل آخر أكبر وأضخم نحمله بشكل جماعي نقوم بتسمينه والطبطبة عليه باستمرار وننتشي بزيادة شحمه و لحمه ، و نسعى جاهدين إلى أن يتربع على أنفاسنا و يخنقنا بشكل لائق، و نحرص على أن يكون دائما بصحة جيدة كي لا يصاب أحدنا بداء الحرية في غفلة منا، فيصاب الجميع بعدوى التحرر، و كي لا ننعم بنفَس سهل يسير ييسر علينا ما صعب على الذين سبقونا إلى يم هذه المزبلة التي تزداد نتانة و تعفنا، و يزداد معها إدماننا على روائحها الكريهة ومناظرها البشعة، والتي تستفز في حالات قليلة حواس الذين ذاقوا طعم الإنتاجات التي راكمتها المجتمعات التي آمنت بالإنسانية وبالعقل بعد أن تحررت من سلطة ووصاية المطلق و الأكبر والأعظم والأضخم، و التي يمكن تلخيصها في ما يسمى في الثقافة الشعبية ب"البعبع"
وتفاديا للإصابة برشاقة في خلايا المخ وحرية في التفكير - والعياذ بالله - نحرص على استهلاك فكر وتعليم وتقاليد وعادات نفذت صلاحيتها وتعفنت، وحتى لا تصاب عقولنا بالضلال والتيه، فتعبر الخطوط الحمراء وتخوض في المحرم والممنوع، قيل لنا أن السؤال وسواس من وحي الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، وأخبرونا عن وجود وصفة سحرية واحدة ووحيدة قادرة على تقديم أجوبة " شافية " " للأسقام الفكرية " وهذا مع الأسف تأسيس لبناء فكري أعوج مفاده ان السؤال مرض وأن النقد سب وازدراء، وأن الابتكار والاجتهاد خارج المسموح به بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وإن ظهر بيننا كائن قرر التحدث باسمه وبحرية تفننا في نعته بشتى أنواع النعوت التي تحط من قيمة الإنسان، هذا إن لم نرجمه أو نقطع أيديه وأرجله من خلاف ونطعمه إياها.
قد يكون كل هذا نوع من أنواع التهرب من تحمل المسؤولية التي تقتضيها حرية التصرف وحرية التفكير، وقد يكون احتماء بدفء ال"نحن" بدلا من صقيع ال"أنا"، و قد يكون ضربا من ضروب المقامرة و رهانا على تدخل كائنات غيبية لحل المشاكل التي اجتهدنا في مراكمتها، ولتخليصنا من الوحل الذي نزيده بلة جيلا بعد جيل، و قد تكون أشياء أخرى كثيرة لسنا مطالبين أن نعرفها أو نحل عقدها بشكل جماعي، فهل يستطيع كل منا أن يسأل نفسه إن كان بمقدوره التحدث بضمير ال"أنا" عوض ضمير ال"نحن"؟ وهل بإمكان كل واحد منا اتخاذ قرار الخروج من الوصاية -وصاية البعبع التي ورثناها- وتحمل مسؤولية ما يترتب عن ذلك من أعباء؟ هل بإمكاننا إيقاف هذا الإدمان على العفونة والنتن لتجنيب الأجيال القادمة دوام التشوهات الفكرية التي جعلت منا كائنات أقرب إلى "الزومبي" منها إلى الإنسان؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة