الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الدخول الثقافي في المغرب

إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي

(Driss Lagrini)

2006 / 11 / 18
المجتمع المدني


يفترض في المشهد الثقافي لمجتمع ما أن يكون بمثابة مرآة تعكس أولوياته وتطلعاته، ويشكل عامل وحدة وانسجام بداخله، بحيث يطلع المثقف فيه بدور محوري في بلورة وعي المواطن وتربيته وتكوينه، بعيدا عن كل وصاية أو ضغط.
وإذا عدنا إلى المشهد الثقافي المغربي في سنوات السبعينيات من القرن المنصرم التي عرفت حركة ثقافية مهمة على الصعيد العالمي؛ نجد أنه كان متميزا بطابع النضال والحركية والتفاعل مع قضايا المجتمع والمحيط؛ بالشكل الذي أسهم في بلورة وعي مجتمعي واضح.
غير أنه في الوقت الراهن؛ وإذا استثنينا بعض الأصوات التي تتحمل مسوؤليتها وتناضل وتقاوم بفكرها وإبداعها التخلف والقهر والظلم.. رغم كل المعيقات والإكراهات، فإن المثقف المغربي؛ يبدو وكأنه قد ابتعد وغيب عن قضايا وتطلعات مجتمعه، وتخلى عن دوره التأطيري والمحرض على التغيير وتوعية المجتمع بقضاياه، وبخاصة وأن بعض المحسوبين على هذا الحقل؛ ممن أتيحت لهم شروط موضوعية وافرة، يكرسون ثقافة التعتيم تارة والتجميل تارة أخرى، وبين هذا وذاك فضل البعض الانعزال والانكفاء..
طبعا لا يمكن نكران الحراك الإيجابي الذي شهدته الساحة الثقافية المغربية في العقدين الأخيرين، نتيجة لتوسيع هامش الحريات، بالشكل الذي ظهرت معه ألوان مختلفة من الإبداع والفكر وبرزت معه أيضا طاقات إبداعية وفكرية عرفت بأهمية وعمق أعمالها؛ غير أن هناك غيابا لمجموعة من الشروط؛ لا زالت تقف حجرة عثرة وتحول دون تطور الشأن الثقافي ببلادنا؛ ذلك أن الممارسة الميدانية وبخاصة في البلدان التي يحظى فيها المشهد الثقافي بمكانة لائقة، تؤكد أن وجود استراتيجية ثقافية محددة المعالم أمر ضروري وملح لضمان أي حراك ثقافي حقيقي يعكس هموم المجتمع ويترجم انتظاراته، هذا بالإضافة إلى اعتماد واستثمار مختلف إنتاجات المفكرين والباحثين في شتى المجالات وبلورتها على ميدانيا..
وإذا كان البعض يتحدث بتفاؤل كبير عن تطور كبير للشأن الثقافي بالمغرب قياسا على تزايد عدد المنشورات من مجلات وجرائد وكتب..؛ فالواقع أن أهمية الشأن الثقافي لبلد ما تقاس بمدى ملامستها لمشاكل وقضايا الناس وبمدى وصول المنتجات الثقافية إلى القارئ سواء في الداخل أو الخارج.
إن أسباب هذا التراجع كثيرة ومتباينة؛ تتأرجح في مجملها بين عوامل ذاتية مرتبطة بالمثقف نفسه؛ وأخرى موضوعية يفرضها المحيط؛ ومن المؤكد أن هذه الوضعية لا يمكن فصلها عما لحق بقطاع التعليم من إهمال وتدهور.
فالدولة نجحت في استقطاب مجموعة من المثقفين لحسابها؛ سواء من خلال التعيين في مناصب رسمية عليا أو في مواقع قيادية داخل أحزاب وجمعيات إدارية.
وتتحمل قنوات التنشئة الاجتماعية مجتمعة(المدرسة، وسائل الإعلام؛ الجامعة..) مسؤوليتها الكبرى أيضا فيما وصل إليه الشأن الثقافي بالمغرب، فالعديد من الأحزاب السياسية التي تعيش أزمات ديموقراطية داخلية ملحوظة، واجهت المثقفين بداخلها بالتهميش تارة والإقصاء تارة أخرى، فيما ظلت نظرة صانع القرار السياسي للمثقف حذرة ومشوبة بالشك والارتياب.. ناهيك عن غياب سياسة ثقافية واضحة المعالم تعتمد دعم المنتوج الثقافي والإبداعي والترويج له عربيا ودوليا في زمن العولمة، وفي وجود أشكال مختلفة من الزبونية والاحتكارية والإقصاء داخل مختلف المؤسسات والمنتديات الرسمية والمدنية المحسوبة على هذا الحقل.
أما المنابر الإعلامية بكل أشكالها: المسموعة منها والمرئية والمقروءة ودور النشر..، تبدو وكأنها أجمعت على فتح أبوابها أمام عينة معروفة من المثقفين والمبدعين والمفكرين، فيما أوصدتها أمام جيل جديد من المبدعين الذين لم يجدوا أمامهم بدا من استثمار الإمكانية التي تتيحها بعض المنابر الإعلامية والثقافية والعلمية العربية والدولية المعروفة بمصداقيتها؛ أو بعض المواقع الإلكترونية؛ حيث عبروا عن إمكانيات إبداعية كبيرة جديرة بالتنويه والاحترام..؛ فيما فضلت فئة أخرى منهم - وتحت هذه الظروف - نهج خيار الانعزال والانكفاء..
إن أي حديث عن دخول ثقافي حقيقي في المغرب على غرار الدخول الجامعي أو السياسي.. في ظل هذه المعطيات يحمل قدرا كبيرا من المبالغة والمغالاة.
فهذا الدخول يظل رهينا باستراتيجية ثقافية؛ تروم إعطاء المثقف دوره الحقيقي داخل المجتمع، وتخليق الفضاء الثقافي؛ ليستأثر بدوره المحوري على مستوى التنشئة الاجتماعية، وترجمة هواجس المواطن، وهذا لن يتأتى طبعا إلا من خلال دمقرطة مختلف المؤسسات المحسوبة على هذا القطاع؛ باتجاه الانفتاح الحقيقي على كل المثقفين والمبدعين وإنتاجاتهم.. كما يتوقف أيضا على القضاء على ظاهرة الأمية المستشرية في جزء كبير من جسد المجتمع المغربي؛ وعلى إقرار برامج سنوية منتظمة ترتبط بترجمة كتب ورصد الإمكانيات الضرورية لضمان عدد معقول من الإصدارات الجديدة، والواقع أن المغرب وعلى غرار العديد من البلدان العربية؛ لا زال يتبوأ مكانة متدنية على مستوى النصيب الهزيل والمحتشم المخصص لهذا القطاع الحيوي.
وكباحث أكاديمي؛ أؤكد أن عدم الاهتمام بمراكز الأبحاث وعدم استثمار دراساتها- التي تظل في مجملها حبيسة الرفوف - وبلورة نتائجها ميدانيا من قبل صانعي القرار، يفوت فرصا مهمة على الدولة وعلى المجتمع برمته.
إن التحديات الداخلية والخارجية الحالية تفرض دخول المثقف معترك النضال والتغيير ليدلي بمواقفه وآرائه إزاء المتغيرات والأحداث والقضايا الإنسانية المرتبطة بالداخل أو الخارج.
كما أن قوة الدولة والمجتمع لا تنبني على العوامل الاقتصادية والسياسية والعسكرية.. بل ينبغي أن تستحضر أيضا العامل الثقافي؛ ذلك أن الاستثمار في حقل الثقافة رهان استراتيجي ورابح، وهذا ما ينبغي الاقتناع به من قبل صانعي القرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرا العربية ترصد أوضاع النازحين في مخيم المواصي


.. مستوطنون يعتدون على مقر وكالة الأونروا في حي الشيخ جراح بالق




.. بعد فض اعتصامهم.. طلاب من جامعة السوربون يتظاهرون أمام مقر ب


.. أميركا.. اعتقال 33 طالبا أثناء فض اعتصام مناهض للحرب في غزة




.. طيران الاحتلال يستهدف منزلا وسط خيام النازحين في مدينة رفح