الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنيامين غونين كما عرفته، قائدًا نقابيًا مشاكسًا وداعمًا لحق الشعب العربي الفلسطيني

حسين سويطي

2023 / 11 / 17
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


كان العام ١٩٧٦، عامًا مفصليًا لمجموع شعبنا وجماهيرنا عامةً، وشخصيًا ايضًا في حياتي السياسية. ففيه ارتبطتُ سياسيًا وتنظيميًا بالشبيبة الشيوعية بعد احداث يوم الأرض وما تلى ذلك من نشاطات، وكان العام التالي ١٩٧٧ عام "التثبيت" اذا صح التعبير المجازي الذي يثبت فيه المؤمن على إيمانه وطريقه ففي نهايته انتسبت للحزب ( تمّ ترفيعي من صفوف الشبيبة الى صفوف الحزب)الذي لا أزال بكل فخر أحمل بطاقة انتسابه وفكره وطريقه السياسية والتنظيمية والفكرية. وعلى الصعيد العام شهد هذا العام (١٩٧٧) تأسيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وخاضت الجبهة لأول مرة الانتخابات البرلمانية (١٧ أيار ٧٧) ثم انتخابات الهستدروت (٢١ حزيران ٧٧).

في هذه الفترة بالذات تعرفت على الرفيق بنيامين غونين. كان نشاط الفروع غير عادي في تلك السنوات وكان محركنا الأول والأساس هو الانضباط عن وعي وبالتالي الالتزام لتنفيذ برنامج وقرارات الحزب/ والجبهة. شاركت كغيري من ابناء جيلي في تلك النشاطات عشية الانتخابات البرلمانية وخلالها والتي حققت فيها الجبهة إنجازًا غير مسبوق بفوزها بخمسة مقاعد وتخطيها حاجز الخمسين بالمئة في تمثيل المواطنين العرب ونيل ثقتهم، وفي المقابل انتقال الحكم لأول مرة من أيدي حزب العمل وشركائه الى أيدي الليكود وحلفائه. بعد أقل من شهر من انتخابات الكنيست التاسعة وبالتحديد ٢١ حزيران جرت الانتخابات للهستدروت والتي أخذت طابع التحدي كونها تأتي مباشرة بعد انهيار وتساقط " التجمع- المعراخ" بحزبيه العمل ومپام. وكان بنيامين عونين نجمًا نقابيًا في هذه الانتخابات وما تلاها.

انتدبني الحزب للعمل الانتخابي متابعةً لما قمت به في انتخابات الكنيست حيث عملنا مجموعة من رفاق الشبيبة والحزبيين الشباب "محترفي انتخابات" في تلك المعركة. ورافقت الرفيقين بنيامين غونين وجمال موسى في عدة اجتماعات في قرى المنطقة واللقاءات التي كانت تتم في مشاغل ومصانع النسيج في قرانا. اشترى الرفيقان رفيق نصرة وحسين غضبان طقم ميكروفونات من النوع الحديث في حينه مما دفعنا في الفرع الموحد (كفرياسيف - ابوسنان) للاستغناء عن خدمات المنطقة في هذا المجال وكنت اقوم بتشغيل هذه المعدات (ايضًا استعملناه في الأعراس). في إحدى الجولات الانتخابية انتقلت مع الرفيقين موسى وغونين بنفس اليوم بين يركا وابوسنان وجث الجليلية منذ ساعات ما قبل الظهر. كان رفاقنا في يركا بانتظارنا أمام أحد المشاغل ولم نكن بحاجة للميكروفون لأن اصحاب المصنع استقبلوا الوفد بالترحاب اليركاوي الأصيل خاصةً عندما يرافق الضيوف رفاق محليون لهم دورهم واحترامهم مثل الراحل صياح كنعان ورفاقه الأشاوس. طالت جولتنا في يركا ثلاثة مواقع استمعت خلالها العاملات الى شرح موسع ولأول مرة لقادة الطبقة العاملة من العرب واليهود يتحدثون نفس اللغة ويحملون نفس المواقف ويطرحون نفس الحلول لما تعانيه الطبقة العاملة من مآسٍ وعذابات.

ثم انتقلنا الى ابوسنان حيث كان مدير احد المشاغل نشيطًا في حزب العمل (المعراخ) ورأى حضرته أن يتعاون مع الجبهة الجديدة لمصلحة الوقوف في وجه الليكود، وتحدث الرفيقان بنيامين وجمال موسى كذلك. أما محطتنا التالية فكانت في قرية جث الجليلية. وهنا لا يوجد لنا عنوان سياسي او تنظيمي، فقد كنّا نزور هذه القرية (وغيرها في المنطقة) لتوزيع المنشورات الحزبية من جرائد ومجلات وغيرها مرةً في الشهر وكل مرة نحاول ان نلتقي في احد البيوت هناك. لكن قبل انتخابات الهستدروت بأيام وبتلك الظروف في تلك المرحلة لا مجال أمامنا لترتيب "قعدة". وصلنا القرية وتوجهنا الى مركزها حيث بيت "البيك" (سليم العباس) وبجواره محلقة القرية الوحيدة والحلّاق عقاب العباس، فيما يقابلهما مشغل نسيج في بيت من عائلة بيبار. اوقف الرفيق جمال السيارة (وكان يرافقه الرفيق باسل خوري ابن اخته وشقيق الرفيق عصام خوري) بينما كنت في سيارة الرفيق بنيامين. ظننا اننا سنقوم بزيارة لمشغلٍ ما كما فعلنا للتو في يركا وابوسنان، ففي المكان الذي توقفنا فيه لا يوجد اي مجال لنا او لغيرنا لأي شيءٍ آخر. الشارع ضيق والمكان خالٍ الا من بيوت اهله. نزلنا من السيارة وانتظرنا قليلًا وخرج البيك وطرح السلام علينا وتحدث معه الرفيق جمال بضع كلمات ثم قال لي الرفيق جمال "شغّل السماعات يا رفيق". ذُهلتُ لسماع طلبه، وابديتُ استغرابي فقال لي الرفيق بنيامين " الآن سترى العجائب، انت لا تعرف الرفيق جمال ولا تعرف قصة التوتة"!! فعلًا لم اكن اعرف شيئًا من ذلك. امسك الرفيق جمال الميكروفون وبدأ يخطب وما هي الاّ لحظات حتى وقف كلّ مَن كان في المشغل على الشبابيك يستمع الى الرفيقين جمال وبنيامين وامتلأ المكان وقال أحدهم معلقًا" أول مرة بسمع يهودي بحكي من هالشكل ضد الدولة"!! (المقصود ضد سياسة الحكومة). أنهينا اجتماعنا ولم يتركنا البيك نغادر المكان الّا بعد ان شربنا القهوة السادة والماء وزودنا بالدعاء بالنجاح.

السنة التي تلت كانت سنة انتخابات سلطات محلية ولأول مرة سيتم انتخاب الرؤساء بشكل مباشر (توفيق زياد كان اول رئيس انتخب مباشرة سنة ١٩٧٥). ورشحت الجبهة كلًا من الرفيقين نمر مرقس واحمد سعد للرئاسة في كفرياسيف وابوسنان وكان للرفيق بنيامين حضور في البلدين في الاجتماعات الشعبية الانتخابية واول ايار وغيرها من الفعاليات.

في أول أيار العام ١٩٨١ التقيته في موسكو حيث ترأس وفدًا جاء للمشاركة في احتفالات اول ايار. وبعدها بشهر انتدبني الحزب للعمل مراسلًا لصحيفة "الاتحاد" في منطقة عكا خلال المعركة الانتخابية للكنيست العاشرة في ٣٠ حزيران ١٩٨١، ورافقت الرفيق بنيامين في عدد من اللقاءات السياسية الجماهيرية في المنطقة وهكذا ايضًا كان في انتخابات الكنيست ال١١ سنة ١٩٨٤ حيث كانت "الاتحاد" قد أصبحت تصدر يومية ورافقت الرفيق بنيامين في عدد من اللقاءات منها على سبيل المثال لا الحصر جولة في الكريوت وبعض الأحياء اليهودية في مدينة حيفا وبمشاركة كلٍّ من الرفيق زاهي كركبي والنائب تشارلي بيطون وكانت مجموعة من المرافقين مكونة من الرفاق يوسف شحادة ورشيد الصلح وريمون كاردو.

وفي فترة الثمانينات المفعمة بالنشاط برز الدور القيادي النقابي للرفيق بنيامين في طول البلاد وعرضها فنجده مرافقًا للعمال في يروحام في الجنوب ونتيفوت ومتابعًا بشكل متواصل لنضال العمال العرب في ورشات البناء والفنادق في ايلات في آب وايلول ١٩٨٢ وينظم جولةً لوفد نقابي كبير مصحوبًا بمرافقة اعلامية من "الاتحاد" و" زوهديرخ" وغيرهما من الصحف حيث كان على علاقة وطيدة بالصحفيين العاملين بالصحف العبرية بشكل خاص هذا علاوةً على علاقته بالرفاق العاملين في الصحف الحزبية.

في العام ١٩٨٥ تفجرت أزمة مصانع النسيج في آتا التي كانت تعتبر رمزًا لصناعة النسيج في البلاد وذات شهرةٍ عالمية. ووصلت الأمور حد فصل العمال وعددهم فاق الألف وخمسمئة عامل وإغلاق المصنع أو بيعه. خاض العمال نضالًا صعبًا واضطروا الى المبيت في ارض المصنع وتحولت ساحاته الى مخيم للعمال والمتضامنين معهم. وكان لي شرف المشاركة مع رفاق من فرع الحزب في كفرياسيف وابوسنان في تنظيم التضامن مع عمال آنا (في الخمسينات من القرن الماضي كتب الرفيق توفيق زياد قصيدةً بعنوان "إلىعمال آتا المضربين")، وكان من بين العمال المضربين شقيقي ابراهيم، وعندما ذهبنا ذات ليلة للمشاركة في وقفة تضامنية في المصنع التقينا رفيقنا بنيامين وكان محاطًا بغددٍ من العمال يسألونه ويستفسرون عن بعض الأمور، ونظم جولةً لعدد من الصحفيين والرفيق ماير فلنر وكتلة الجبهة البرلمانية، ولم يتركهم طيلة فترة اعتصامهم وظل مقيمًا معهم حتى انتهت معركتهم بأن قررت حكومة اسرائيل يوم ٢ حزيران ١٩٨٥ بيع أرض المصنع وإغلاق ابوابه وفصل العاملين فيه.

في العام ١٩٨٨ بدأتُ العمل محررًا في مجلة الشبيبة "الغد" الصادرة في حيفا منتقلًا من مكتب "الاتحاد" في عكا، وكون الرفيق بنيامين آنذاك مشرفًا من قبل المكتب السياسي للحزب على عمل ونشاط الشبيبة فكان يحضر الى مكاتب الشبيبة بشكل شبه يومي حيث كان مكتب الأمين العام للشبيبة الرفيق محمد نفاع يقع في نفس البيت الذي تقيم فيه "الغد". وهكذا توطدت العلاقة الرفاقية والشخصية معه. في تلك السنة أجرت "الغد" مقابلة مطوّلة مع الرفيق الشاعر سميح القاسم وكان لا يزال رئيسًا لتحرير مجلة "الجديد" تمحورت المقابلة حول ما كان يجري في المعسكر الاشتراكي والحركة الشيوعية العالمية ونظريات غورباتشوف والموقف منها وتوجت المجلة غلافها بلوحةٍ فنية هي رسم لسميح القاسم بريشة الفنانة ايرينا كركبي. وأثار موضوع المقابلة نقاشًا داخل قيادة الحزب، وكون الرفيق بنيامين مشرفًا على عمل الشبيبة من قبل الحزب فقد جاءنا وطلب الاستماع من قيادة الشبيبة و"الغد" الى رأينا في النقاش. لم اشارك في الجلسة بينه وبين الرفيقين نفاع وبشارات كوني لست عضوًا في قيادة الشبيبة، لكن الرفيق بنيامين طلب ان يسمع رأيي في المقابلة. فقلت إنني لستُ مَن أجرى المقابلة لكنني حررتها. ولا أزال اذكر كلماته: "انا لستُ محققًا، كل ما ابحث عنه هو ان لا تكون المقابلة تسيئ للرفيق سميح ومواقفه ومكانته". وانتهت المقابلة بذلك ونُشرت دون اي تغيير او مسٍّ بحرف أو حركة..

تواصلت العلاقة بيننا وتعمقت خلال عملي محررًا في "الاتحاد" التي كان يزورها الرفيق بنيامين بشكل يومي، يتنقل بين الرفاق متحدثًا معهم ومحدثًا تلك الضحكة الرفاقية المنبعثة من صوته الجهوري "صوت الطبقة العاملة" كما كان يعلّق.

وفي "الاتحاد" نشرتُ مقالةً ردًّا على مَن إدعّى أن "لا يعرف عربي مكتب بنيامين غونين الا اذا كان موظفًا في الحزب الشيوعي" قلتُ فيها: "الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني العربي واليهودي أن غونين فعلًا لا يتواجد في مكتبه، ولذلك لا يعرف العمال (ليس العرب فقط بل واليهود ايضًا) مكتبه، يعرفونه قائدًا عماليًا من الطراز المتجدد دائمًا. يعرفونه عندما لازم عمال آتا المضربين. نام معهم وتقاسم الشقاء والسهر والتعب معهم. وتقلب مثلهم في البرد القارس على ارض حديقة المصنع المقفل وبين الآلات المعطّلة. يعرفه وزملاءه آلاف العمال المضربين في أحواض بناء السفن في حيفا، وفي مصانع نيشر للإسمنت وفي مصانع شطيحي هكرمل ومصانع النسيج التي تعج بمئات العاملات العربيات اللواتي يذقن الأمرّين" (الاتحاد ٤ أيار ١٩٩٤).

وفي " الاتحاد" اجريت معه المقابلة التي كشف لي فيها حقيقة اللقاء السري الرسمي الأول بين قيادة حزبنا وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. ففي إطار مهرجان الشباب الديمقراطي العالمي الذي جرى في برلين، عاصمة المانيا الديمقراطية تمّ اللقاء الذي رعته الدولة الراعية للمهرجان والذي ضم من حزبنا الرفاق بنيامين غونين وتوفيق زياد وجورج طوبي ومن الجانب الفلسطيني الرئيس ياسر عرفات ورئيس الدائرة السياسية للمنظمة فاروق القدومي والشاعر محمود درويش. تحدث غونين بأريحية عن هذا اللقاء الذي جرى قبل ثلاثين عامًا من لقاء القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية واتفاقهما على توقيع إعلان مبادئ وفتح الطريق لمفاوضات تهدف الى سلام بين الشعبين. (هذا كان زمان... أين نحن من هذا اليوم؟!).. بعد يومين من إجراء اللقاء اتصل معي الرفيق "ابو يوسف" (كان يقول فقط انتم هنا في "الاتحاد" تنادون عليّ ابو يوسف) سائلًا إن كنا قد اقفلنا العدد فهو يريد ان يضيف شيئًا آخر، فحضر وإذ به وبتأثر ظاهر يقص كيف التقى حيفاوي حيفاويًا في بلاد الغربة وكيف التقيا ثانيةً في تونس، كان هذا عن لقائه الشاعر الحيفاوي أحمد دحبور..

قبل الختام، بعد خروجه للتقاعد بسنوات التقيته ورفيقة دربه الرفيقة يوخيفيد في مناسبةٍ حزبية وتحدثنا عن الأحوال السياسية العامة وسألته عن إمكانية إجراء مقابلةٍ صحفية موسعة معه وقال لي إنه مشغول بإنجاز كتاب عن مسيرته السياسية والنقابية. وفجأةً كشف لي عن ورقةٍ يحملها في جزدانه البني الذي لا يفارق جيب بنطاله، فتحها وقرأ محتواها وقال لي "هذا ليس للنشر الآن" كانت هذه الورقة رسالةً من رئيس الهستدروت عمير بيرتس كتبها له يوم احتفال الهستدروت بتكريم الرفيق غونين. أمس الأول اتصلت مع عمير بيرتس وطلبت منه ان انشر محتوى الرسالة التي تقول من بين ما تقول "شكرًا رفيق بنيامين العزيز. شرّفني التعرف عليك والتعلم منك. كنتَ بالنسبة لي ولأبناء جيلي معلمًا وقائدًا".. هي كلمات حق يُراد بها حق.

شكرًا رفيق بنيامين على مسيرتك الحمراء المظفّرة ونعدك ان نواصل الطريق...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي