الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا قيمة للإنسان وحياة الإنسان

سالم جبران

2006 / 11 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا قيمة للإنسان وحياة الإنسان
في أنظمة الظلم والظلام!
بقلم سالم جبران
قبل عدة سنوات أبلغنا راديو دمشق أن وزير الخارجية آنذاك، السيد فاروق الشرع أصيب بجلطة قلبية حادة، نُقِل على أثرها، فوراً، بسيارة الإسعاف، إلى مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت!
وقبل سنوات قليلة سافر الرئيس حسني مبارك إلى ألمانيا للمعالجة. وخلال أكثر من شهر قضاها في المستشفى الألماني، كنا نشاهد الرئيس وهو في لباس المستشفى، يوجه التحيات الحارة إلى الشعب المصري..الوفي!
وقبل عامين سافر الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة إلى فرنسا للمعالجة، استمراراً لمعالجات سابقة، وبقي فترة طويلة نسبياً في فرنسا "الشقيقة"، حتّى نسينا أنه في الخارج للمعالجة، وتذكرنا فقط عندما عاد الرئيس بو تفليقة "على الطائر الميمون"، إلى أرض الوطن.
لو عدنا إلى الوراء وضبطنا سِجِّلاً دقيقاً موثقاً، لاكتشفنا أن كل الزعماء العرب، الملوك والرؤساء، لم يتعالجوا يوماً في المستشفيات العربية، بل في الديار الأوروبية والأمريكية!
أنا إنسان كثير حكي بطبيعتي، ولذلك اسمحوا لي أن أسأل سؤالاً صريحاً: لو أن مواطناً سورياً عادياً، معلماً أو فلاحاً، أو صاحب حانوت أو حمّالاً أصيب بالجلطة المفاجئة، هل كانت سيارة الإسعاف سوف تنقله فوراً إلى مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت؟ طبعاً لا، فهو يتعالج في المستشفى "الوطني" المحلي؟ الكل يعرف الجواب، والكل (في سورية) يخاف أن يقول الجواب، وكل العرب (خارج سورية أيضاً) يشعرون بالعار من وَقْع الجواب.
والكلام نفسه يندرج على مصر والجزائر، وعلى ليبيا وعلى اليمن، وعلى كل الديار العربية!
إن دولة إسرائيل هي دولة مهاجرين. وقد قامت، في البداية، على الشحادة من يهود العالم ومن تعويضات ألمانيا لضحايا النازية ومن مساعدات أمريكا. ومع هذا، فها هي إسرائيل، بعد حوالي ستين عاماً من قيامها، لديها شبكة خدمات طبية ذات مستوى عالمي، ولديها خدمات مجتمعية بمقاييس أوروبية وضمانات اجتماعية. لدينا الكثير الكثير ما نقوله ضد العنصرية الاقتلاعية في إسرائيل، ولكن حتّى المواطن العربي، العامل أو الفلاح أو التاجر أو العاطل عن العمل مُؤَّمَن تأميناً صحياً، ولذلك بإمكانه إجراء عملية جراحية في مستشفى "هداسا" مستشفى الجامعة العبرية في القدس.
إن العالم العربي سكت طويلاً طويلاً، حتّى صار يصعب عليه الكلام. ومع هذا، فإننا يجب أن نتكلم. يجب أن نسأل: لماذا تقدمت كل شعوب العالم وبقينا نحن مكانك قف؟ لماذا تتطور الجامعات في الدول النامية أيضاً، مثل الهند والصين وماليزيا وجامعاتنا هي "معسكرات " تُصَدِّر شهادات لا يحترمها أحد في العالم؟ لماذا شعوب أصغر منا تأخذ جائزة نوبل مرة ومرتين وثلاثاً، ونحن نكتفي بحصول الكاتب الخالد نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب، ولا نحصل على سواها؟ هل نحن شعب الجائزة الوحيدة اليتيمة ؟!
الاقتصاد في كل دولة في العالم هو اقتصاد وطني عام، توزعه حكومة "رشيدة" على الحاجات المختلفة للمجتمع، مثل التعليم والصحة والمواصلات ؟ّ!
أمّا عندنا فالاقتصاد هو للحكومة، للنظام للطبقة العليا الحاكمة، التي لا يجرؤ أحد أن يسألها أو يسائلها، وإذا "ثرثر" مناضل من نشطاء المجتمع المدني، مطالباً الحكومة بتقديم تقرير، فإنه يُساق إلى سجن، لا يخرج منه إلاّ في تابوت أو بدون تابوت!
ما هي جريمة عضوي "مجلس الشعب" (البرلمان) السوري رياض غيث ومأمون الحمصي؟قالا إن تعديل الدستور غير دستوري وقالا إن توريث الرئاسة للابن بعد أبيه مناقض للدستور ومناقض للديمقراطية. أين هما الآن؟ قلبي معهما. قلب الأمة العربية قاطبة معهما.
الإنسان يمكن أن "يختفي" في كل الدول العربية وحتّى أقاربه يخافون أن يسألوا أين هو حتّى يبعثوا له الملابس.
لا قيمة للإنسان في أنظمة القهر والظلم والظلام، لا قيمة لحياة الإنسان. إننا نعرف أن عشرات ألوف الجنود الذين استشهدوا في الحروب (مع ايران ومع إسرائيل) دُفنوا في أماكن مجهولة، لا قبور لهم، ولا نُصُب تذكارية وأهلهم لم يجرؤوا أن يسألوا، وربما أخذوا تعويضاً هزيلاً، مادياً، وربما لم يأخذوا.
إن نظاماً دكتاتورياً-عشائرياً، يقوم على القهر والبلطجية، هل يُمكن أن يهتم بإقامة مستشفيات عصرية، هل يُمكن أن يهتم بإقامة جامعات عصرية؟ هل يًمكن أن يقيم مكتبات عامة للشعب؟ هل يمكن أن يقيم نظاماً للتأمين الصحي العصري؟ هل يمكن أن يقيم نظاماً اقتصادياً يضمن لكل مواطن مخصصات شيخوخة منظمة؟ إذا كانت حياة الإنسان العادي لا قيمة لها، عند الانكشارية الدكتاتورية-العشائرية الطائفية, فهل يمكن أن تكون قيمة للثقافة والصحافة والديمقراطية وحقوق الإنسان؟
العالم، كل العالم، يتقدم ونحن مكانك قف، أو نتأخر إلى الوراء. هذه ليست كارثة طبيعية، نتيجة هزة أرضية أو "سونامي". هذه نتيجة مباشرة للنظام الفاسد، الظالم، الدكتاتوري، الوحشي، نتيجة النظام الذي يتعامل مع الشعب لا بصفته سيّد البلاد ومصدر كل السلطات، كما تقول الأنظمة الديمقراطية، بل بوصفه.. قطيعاً مطيعاً وظيفته أن يخدم العصابة الحاكمة، ويظل ساكتاً!
هل صدفة أنه لا يوجد وعي مدني كافٍ؟ هل صدفة أن الوطنية التي هي الانتماء الجماعي للمجتمع، هي ضعيفة وهزيلة، هل صدفة أن العشائرية والطائفية ترفعان رأسيهما كلما واجه المجتمع أصغر أزمة؟ هل صدفة أن كل الوظائف في الوطن، هي احتكار مطلق للمجموعة الحاكمة وأقربائها وطائفتها؟ هل صدفة أن الإعلام الرسمي في الدول الدكتاتورية فارغ ومتغطرس وأحادي الصوت. تنفيذاً لتوجيهات"السيد الرئيس" و"وزير الإرشاد القومي؟
نحن أمة في أزمة شاملة، وكل جانب من جوانب الأزمة مرتبط بالجوانب الأخرى، وكل الأزمات تعود إلى المشكلة الجوهرية الأساسية-اغتصاب طغمة دكتاتورية للسلطة كل السلطة، مما يُبْقي الشعب أسيراً عند هذه الطغمة.
هناك مَن يُبَسِّط الأمور ويتهم التعصب الديني بحالتنا المأساوية. ولكن الحقيقة أن استغلال الطغمة الحاكمة للدين، لمآربها الأنانية والفئوية، هو السلبي والمرفوض. وليس الدين بحد ذاته.
إن العولمة التي تفتح المجتمعات بعضها على بعض، تعمِّق من أزمة مجتمعاتنا العربية، خصوصاً عندما تقارن شعوبنا بين حالتها وحالة المجتمعات المتقدمة السابقة، لنا اقتصادياً وعلمياً.
كل هذا يعمق أزمتنا ويعمق حاجتنا العملية والتاريخية إلى ثورة المجتمع المدني والانفتاح على العصر وانطلاق الطاقات الإبداعية لشعوبنا. إن كل سنة من تأجيل التغيير الديمقراطي الشامل هي سنة من القحط والتخلف والمأساة. لذلك فإن المصلحة القومية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمصلحة في انطلاق المبادرات الخلاّقة للشعب تتطلب إسقاط نظام القهر والخنق والظلام الذي يخنق بلداننا وشعوبنا. لقد دقّت ساعة العمل، فلتتحد كل قوى التغيير الديمقراطي لصنع التغيير المنشود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل