الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحروب وأدواتها في بلاد الرافدين القديمة

عضيد جواد الخميسي

2023 / 11 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تطورت جيوش بلاد الرافدين القديمة من فصائل صغيرة لمتطوعين في بقعة أرض من بلاد سومر إلى جيوش دائمة ومحترفة في كل من أكد ، بابل ، آشور ، وبلاد فارس ، وذلك بسبب النزاعات على ملكية الأرض أو حقوق المياه ؛ والتي عادة ما كانت تؤدي إلى نشوب حروب الغزو والتفوق السياسي . لذا فقد تطورت الأسلحة وخطط التدريب والاستراتيجيات العسكرية ، وبها أصبحت جيوش بلاد الرافدين من بين أكثر الجيوش المتفوقة في العالم القديم .
إن أحداث أول حرب مدوّنة في التاريخ كانت بين بلاد سومر وعيلام عام 2700 قبل الميلاد؛ رغم الاعتقاد في أنه كانت هناك مواجهات عسكرية لم يتم تدوينها قبل ذلك التاريخ . بيد أنه في عصر الأسرات المبكرة ( عام 2900-2334 قبل الميلاد) وحتى عصر الإمبراطورية الساسانية (عام 224-651 ميلادي )، أخذت النقوش والكتابات والأعمال الفنية والقطع الأثرية في تقديم الأدلّة عن نشوب نزاعات مسلّحة بانتظام في مناطق مختلفة من بلاد الرافدين . وقد كتب البروفيسور ستيفن بيرتمان المقطع التالي عن جغرافية البلاد :
" ان جغرافية بلاد الرافدين قد شجعت على نشوب الحروب في مناطقها . حيث تمّ تحديدها من خلال جبالها في الشمال، وسهولها الغرينية في الجنوب، والأنهار التي تربط ما بينها . كما إن وجود تفرّعات وروافد نهرية كثيرة ؛ قد شجّع على تطوير مستوطنات بشرية متعددة . وبسبب خصوبة تلك الأرض؛ جلبت الثروة لقاطنيها ؛ والتي بدورها أثارت المنافسة والطمع . وطالما كانت الأرض سهلية في غالبيتها ؛ فإن مجتمعاتها المنعزلة كانت عرضة للهجمات . وبالتالي فقد أدى هذا الوضع المُربك في الجنوب إلى اندماج المجتمعات مع بعضها ؛ حيث استوعبت كلاً من سومر وأكد ، ومن ثم بابل استوعبت كليهما. وفي الآخر، زحفت آشور الجبلية من الشمال الى الجنوب واحتلّته ، والتي كانت دائماً منفصلة عنه طوبوغرافياً ،وذلك بسبب تضاريسها الوعرة التي مكنّتها من تحصين قدراتها الدفاعية. ثم واصلت في بناء إمبراطوريتها الواسعة. لذلك، فقد كانت الحرب حالة طبيعية للحياة في بلاد الرافدين."(ص 262)

لقد أثبتت نقوش الملوك والأعمال الأدبية والفنيّة الأثرية ( بما في ذلك نموذج الحكم الملكي) والطراز المعماري ( الأسوار الدفاعية للمدن) في البلاد ؛ نظرية بيرتمان ، وذلك عندما أشار إلى تلك الأدلّة وبقوّة عن حالة من الحرب المستمرة لأكثر من 3000 عام تخللتها سنوات من السلام حافظ عليها المنتصرون لفترة وجيزة .

الحروب السومرية
من بين الأشياء الأولى للحضارة السومرية القديمة ؛ أول حرب مثبتة في السجلات التاريخية بالإضافة إلى أول نصب تذكاري لانتصار عسكري "نصب النسور"، الذي يرجع تاريخه إلى فترة أوائل الأسرة الثالثة (عام 2600-2334 قبل الميلاد). حيث يخلّد النصب ذكرى انتصار "إنّاتوم" ملك مدينة لگش على "أوش" ملك مدينة أومّا. وعن هذا النصب الذي اتخذ اسمه من تشكيلة النسور التي تحلّق فوق جثث القتلى ؛ يُظهر لنا الملك إنّاتوم يقود جيشه المنتصر مشياً فوق جثث قتلى مدينة أومّا . ويبدو أيضاً في الجهة الأخرى من النصب، إله الحرب "نينورتا" يقبض على أعداء الملك إنّاتوم ويضعهم في شبكته، والإلهة الأم نينهورساگ وهي تبارك ذلك الانتصار.
كما يوضّح وجها نصب النسور (المعروض حالياً بأجزاء منه في متحف اللوفر) ؛ ​​كيف نشبت الحروب في سومر القديمة ، بالإضافة إلى التبريرات المنطقية المقدّمة ؛ على أن الحرب لم تكن بين ملكين بل بين آلهتهما. وبذلك فقد كان التفسير؛ بأن "نينورتا" الإله الراعي لمدينة لگش، يتحارب مع "شارا"الإله الراعي لمدينة أومّا ؛ وكان "إنّاتوم" و "أوش" مجرّد أداتين لتحقيق مآربهما . وكان يُعتقد أن البشر قد خلقوا فقط لخدمة الآلهة ، والملوك (وكلاء الآلهة) . وبناء على ذلك، فقد تم تبرير الحرب على أنها إرادة الآلهة للحفاظ على النظام القائم .

كانت الحرب بين لگش وأومّا؛ بسبب قطعة أرض اروائية واقعة بين المدينتين والمفصولة بحجر على حدوديهما ، بيد أن مدينة أوش أزالت هذا الحجر ودخلت أراضي لگش . وقد كانت الأراضي المخصصة للرعي بعيدة عن المدينة والتي تعتبر مهمة لديمومة الحياة . امّا الحقول والبساتين ؛ فهي كانت تحيط بالمدينة أو ملاصقة لها . وطالما كانت مراعي المواشي بعيدة نسبياً ، فمن المؤكد أن العديد من النزاعات قد نشبت بسببها ولكنها غير مدوّنة ، وكذلك التجاوزات التي حصلت بسبب حقوق المياه .
أن سبب إزالة الحجر بين حدود المدينتين والذي يعني حسب الاعتقاد الديني؛ أن الملك أوش قد انتهك حرمة الآلهة التي خلقت النظام من الفوضى، ودليل فشله بتحمّل مسؤوليته في الحفاظ على هذا النظام . لذا فإن الملك إنّاتوم قد خاض تلك الحرب استجابة لإرادة نينورتا؛ حيث زعم في النصب أنه قد انتصر باسم العدالة واستعادة النظام . كما صُوّر الملك أوش على أنه قد أعطى وعداً أبدياً بعدم تهديد استقرار المنطقة مرة أخرى .
لم تكن حروب إنّاتوم ضد أومّا سوى واحدة من حروب عدة ؛ حيث أنه غزا سومر باستمرار لبناء إمبراطوريته؛ رغماً من أنه كان يعتقد قد فعل ذلك بقصد الحفاظ على النظام ، إلاّ أنه يبدو وعلى الأرجح ؛ كان من أجل السيطرة على مواقع الإنتاج وطرق التجارة المتقدمة والمنتشرة في عموم البلاد . وقد اتبع الملك لوگال ـ زاگيسي ملك أومّا (عام 2358-2334 قبل الميلاد) نفس المسار لاحقاً ، وربما لنفس الأسباب .
كانت جميع دويلات ـ المدن التي دافعت عن أراضيها ضد الملك إناتوم أو الملك لوگال ـ زاگيسي ؛ لديها ميليشيا خاصة بها يتم حشدها حسب ظروف الحاجة. فقد كان المحاربون يحملون رماحاً من البرونز للطعن، ورماحاً للرمي، وفؤوساً، وخناجراً، ومقاليع ، وأقواساً بدائية. أمّا العربات ذات العجلات الأربع والتي تجرها الحمير، فقد كانت عبارة عن مركبات ثقيلة وبطيئة ، ويبدو أنها كانت بمثابة مستودعات أسلحة متنقلة ، حيث يتم تصويرها وكأنها مخازن للرماح . وقد كانت الدروع والخوذ مصنوعة من الجلود في بدايتها ، ولكن بحلول عام 2500 قبل الميلاد، استُبدلت بالنحاس والبرونز. كما نال السومريون أيضاً شرف صناعة "الخوذة الأولى" أو ما يسمى بالشعر الذهبي المستعار (خوذة مسكالامدوگ) والتي يرجع تاريخها إلى عام 2500 قبل الميلاد .

الحروب الأكدية
يمكن أن يتراوح عدد أفراد الميليشيات أو فصائل المحاربين المتطوعين من بضع مئات إلى ستة آلاف أو أكثر، اعتماداً على حجم المدينة وثرواتها. ويصف البروفيسور پول كريڤاشيك القوات المحاربة وتشكيلاتها كما في المقطع التالي :
"يجب أن ننظر إلى الوحدة العسكرية السومرية على أنها تتكون من قوة هجوم رئيسية ، وهي كتيبة تتألف من عدة مئات ، وربما آلاف من حاملي الرماح . ولفرض السيطرة على تلك الجموع من المحاربين والتزامهم بخطط التدريب والحفاظ على الكفاءة العالية في المعارك ؛ كان الأمر يتطلب العديد من ضبّاط الصّف ذوي المهارات العالية والأصوات العالية ؛ لرّص الصفوف . وللسير بثبات إلى الأمام أو المناورة بترتيب متناسق ؛ كانوا بحاجة إلى صوت موسيقي ، وربما فرقة من قارعي الطبول . وخلف هذه القوة الضاربة الرئيسية ، هناك ألف أو نحو ذلك من المقلاعيين، أي ما يعرف اليوم بـ رماة المدافع ، والذين يمكن ضمّهم في تشكيلات واسعة ، حيث يطنّون مثل الدبابير الغاضبة ، ويرسلون وابلاً مميتاً من المقذوفات الصغيرة والكبيرة على حدٍ سواء إلى قلب تشكيلات العدو ، وكانت تدعمهم العربات القتالية التي تجرّها الحمير حاملة إمدادات من رماح الرمي وحجارة المقاليع ." (ص 93)
من المحتمل جداً أن هذا هو نوع الجيش الذي قاده إنّاتوم ضد الدويلات المدن الأخرى، والذي شكلّ النموذج الأساسي بعد ان طورّه الملك سرگون الأكدي (عام 2334 ـ 2279 قبل الميلاد) عندما غزا بلاد سومر في عام 2334 قبل الميلاد، و أسس أول إمبراطورية متعددة الأجناس والأعراق في العالم . كما بدأ سرگون غزواته بالقوات الموالية له ثم قام بتجنيد آخرين من المدن التي غزاها. وبمجرّد أن عزز سلطته على كامل الأرض ، أسس جيشاً مدرباً بشكل احترافي ، ثمّ وسع إمبراطوريته عبر أراضي سوريا الحديثة ، وصولاً إلى لبنان ، وحتى جبال زاگروس وأراضي إيران الحديثة . وللحفاظ على النظام في جميع أنحاء إمبراطوريته، قام بتنصيب مسؤولين موثوق بهم وأفراد من أسرته كحكّام ورؤساء ورئيسات كهنة وكاهنات وإداريين في جميع مدنها. وكانوا هؤلاء أشخاص موالون له بدلاً من موالاتهم للشعوب ومدنها ، وحصّن كل منهم بقوّات تابعة له بعد أن حُلّت مليشيات المدن . وكتب البروفيسور كريڤاشيك الآتي عن دور الجيش الذي لعبه في المدن ، كما في المقطع التالي :
"لا بد أن هذا المجتمع كان طابعه عسكري بشكل كبير، حيث كان المحاربون المسلحون يشاهَدون في كثير من الأحيان وهم يقومون بدوريات في الشوارع، وخاصة في المدن الإقليمية التي لم يكن المركز يُعتمد على ولائها دائماً. وذُكر في السجلات التاريخية أيضاً؛ أن كل يوم كان 5400 رجل، وهم نواة جيش دائم، يتناولون طعامهم أمام سرگون في أكد." (ص 125)

بعد أن استبدل سرگون الميليشيات المحلية بجيش محترف؛ قام بعد ذلك بتوسيع وتنويع تشكيلاته. فقد وضع خطة تدريب فصائل الجيش المحاربة في مجموعات صغيرة التشكيل مكونة من ستة رجال ؛ وذلك لحماية الخطوط الأمامية من قذائف العدو ( الحجارة وسهام الأقواس) بواسطة دروع طويلة ومستطيلة. وعندما كانت الفصائل في تقدمها نحو الجيش الخصم لكسر خط المواجهة؛ كان مطلقو قذائف الحجارة و الرماة الذين يقفون خلفها؛ يمطرون العدو بمقذوفاتهم المتطورة باستخدام "القوس المركّب"المُصنّع من طبقات الخشب والعظام (أو في بعض الأحيان من خشب بأنواع مختلفة من الأشجار) ملتصقة ببعضها البعض مع خيط وتري . وقد كان يمتاز بقوة أكبر ومدى أبعد وأكثر دقة من القوس البسيط للسومريين . ويقتبس البروفيسور بيرتمان تعليق المؤرّخ ييگيل يادين عن القوس المركّب :
"كان اختراع القوس المركّب ومداه البعيد نسبياً أعجوبة في حينه ، وبنفس طريقة عمله؛اُكتشف البارود بعد آلاف السنين." (ص 265)
عندما أخذ سرگون بتطوير أسلحته، حاول خصومه أن يقلدوه بأسلحتهم ، وأضاف بيرتمان بتعليقه عن الأسلحة ؛من خلال المقطع التالي :
"تطورت المعدات الهجومية والدفاعية بشكل متبادل ودعمت سباق التسلح المستمر، والذي بدوره قد أدى إلى اتخاذ تدابير مضادة من خلال الدروع. كما ألهمت الابتكارات في الدروع المزيد من التنوع في الأسلحة. فعلى سبيل المثال، أدى إدخال الخوذة المعدنية إلى اختراع فأس المعركة برأس يشبه الأزميل لإختراق الطبقة المعدنية للخوذة." (ص 264)
قام سرگون أيضاً بجعل عربات المقذوفات الثقيلة تبقى في الخلف واستخدامها لاغراض النقل فقط ، ومنع زجّها في تحركات المحاربين لأنه لم يعد بحاجة إلى مستودعات الأسلحة المتنقلة ؛ طالما كان لديه قوسه الجديد، والرماة يحملون سهامهم الخاصة.
كما ابتكر الرماة مقذوفاتهم الكروية الخاصة من الطين المتوفر في أية مدينة من بلاد الرافدين، والتي يمكن إطلاقها من المقلاع بدقة وسرعة كبيرتين . ويُشاهد في بعض هذه الكرات التي عُثرعليها في المواقع الأثرية ؛ أنها لم تكن مجففة بالكامل عند استخدامها في المعركة ؛ حيث وكما تبدو تحمل بقايا مواد صلبة حادة مخلوطة مع الطين ، على عكس الكرات المجففة بالكامل التي ليس فيها شوائب .
لقد كان الجيش الأكدي يرافق الكتّاب الذين كانوا مسؤولين عن حساب مقدار القوة اللازمة لهدم أسوار المدن أو مساحة الأرض اللازمة لتقدير قوة الهجوم . أيضاً ولغرض حساب عدد المحاربين الأعداء الذين تم أسرهم واستجوابهم ومن ثمّ بيعهم كعبيد ، أو سجنهم وإعدامهم حسب أوامر قادة الفصائل . وبهذا النوع من الجيش؛ فقد غزا سرگون بلاد الرافدين، حيث أمّن طرق التجارة ومواقع الإنتاج، كما فعل إنّاتوم من قبله ، ولكن على نطاق أوسع بكثير.

حروب أور الثالثة والغزو البابلي
تراجعت الإمبراطورية الأكدية وسقطت في أيدي الگوتيين ؛ الذين هزمهم وطردهم الملوك السومريون من المنطقة خلال فترة أور الثالثة (عام 2047-1750 قبل الميلاد). وقد ارتبط اسم الملك أورـ نمو ( عام 2047 ـ 2030 قبل الميلاد) مباشرة بالملك سرگون ومن جاء بعده ، ولكنه كان أكثر تسامحاً وتعاطفاً من أسلافه الملوك الأكديين . وكما يبدو أن ابنه شولگي أورـ نمو (عام 2029 ـ 1982 قبل الميلاد) قد اعتمد نفس الخطط العسكرية للملك سرگون في هزيمة الگوتيين؛ غير أنه كان مثل والده ، فقد عمل على تقديم صورة أكثر إشراقاً للملوكية مقارنة بـ الأكديين . وإذ تقدّم لنا المجموعة الشعرية " قضية أراتّا"المدونة خلال فترة أور الثالثة ؛ رؤية شاملة عن حلول لا تحمل طابع العنف في الصراعات السياسية .
بحلول القرن العشرين قبل الميلاد، كان الآموريون قد أثبتوا جدارتهم في المنطقة. فقد سيطروا على المراكز التجارية والثقافية المهمة بما في ذلك بابل. كما اعتمد الملك الآموري حمورابي (عام 1792 ـ 1750 قبل الميلاد ) أيضاً على خطط الملك سرگون العسكرية. وعندما وصل إلى السلطة لأول مرّة، قام بتدريب فصائل قتالية محترفة بتكتم شديد ، كما تحالف مع لارسا لهزيمة العيلاميين . وبمجرّد ما أن تمّ تحييد التهديد العيلامي؛ انقلب على حليفه في لارسا واستولى من خلالها على مدينتي أوروك و إيسين بالتحالف مع خصوم لارسا، بما في ذلك لگش ونيپور اللتين غزاهما بعد حين ، واستولى فيها على لگش . وبهذه الجرأة العسكرية والسياسية ؛ فقد أخضع الملك حمورابي جميع دويلات المدن في بلاد الرافدين عندما اتخذ من بابل عاصمة لعرشه .
لقد أتقن حمورابي تكتيك استراتيجي كان والده الملك سين ـ موبليت (عام 1812 ـ 1793 قبل الميلاد) قد اتبعه للاستيلاء على المدن، وذلك إما بقطع إمدادات المياه للمدينة لحين استسلامها، أو؛ حسبما تشيء الظروف بقطع المياه ثم إطلاقها فجأة لتغمر المدينة قبل هجومه المباشر عليها . وقد أثبت هذا التكتيك فعاليته ، وبعد غزوه للمنطقة ؛ حكم حمورابي مملكته بقبضة من حديد ، وأصدر دستوره الشهير" شريعة حمورابي" ، ثم أخذ يعيد بناء المدن التي دمرّتها حروبه .

الحروب الآشورية
بالكاد استمرت إمبراطورية حمورابي من بعده ، فقد استولى عليها الكيشيون (عام 1595 ـ 1155 قبل الميلاد). وبحلول ذلك الوقت؛كان الحثيون يضعون يدهم فعلياً على مدن مهمة ، ثم أخذوا يسيطرون على معظم أراضي المنطقة الواحدة تلو الأخرى ما بين عامي 1700 و 1200 قبل الميلاد، مستخدمين أيضاً جيشاً مدرّباً ومحترفاً يعتمد على الاستراتيجية البابلية .
لقد غزا ملك الحثيين" سابيليوليوما الأول" (عام 1344ـ 1322 قبل الميلاد) مملكة ميتاني التي جعلت الآشوريين تابعين لها، ومع انهيار سلطة ميتاني؛ تمكن الآشوريون تحت قيادة الملك أداد ـ نيراري الأول (عام 1307 ـ 1275 قبل الميلاد) من تأسيس الإمبراطورية الآشورية.
الملك توكولتي ـ نينورتا الأول (عام 1244-1208 قبل الميلاد) كان قد هزم الحثيين في معركة نهريا في عام 1245 قبل الميلاد، واستولى على بابل، ونهب ثرواتها لملء الخزائن الآشورية. وعلى الرغم من أنه أُغتيل لاحقاً بسبب تدنيسه مقدسات بلاد بابل ، إلا أن الثروة المتراكمة ساعدت في تمويل الجيش ، كما مكنّت الملك تگلث ـ فلاسر الأول (عام 1115-1076 قبل الميلاد) الذي جاء بعده ، من إعادة تنشيط الاقتصاد وتطوير الجيش .
توسعت الإمبراطورية الآشورية من خلال الغزو العسكري، وخلال حكم الملك آشورـ ناصربال الثاني (حكم 884-859 قبل الميلاد)، أُتقن فنّ الحصار في الاستيلاء على المدن . وقد كتب البروفيسور سايمون أنگليم عن احترافية الجيش الآشوري، كما في المقطع التالي :
"أكثر من أي شيء آخر؛ برع الجيش الآشوري في حروب الحصار، وربما كان أول قوة تحمل لواءً مستقلاً من المهندسين... كان الهجوم هو تكتيكهم الرئيسي ضد المدن الشديدة التحصين في الشرق الأدنى . لقد طوروا مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأساليب لاختراق أسوار العدو؛ حيث تم تكليف المهندسين لضعضعة الأسوار أو لإشعال النيران تحت بوّاباتها الخشبية، وكذلك لتسليط المنحدرات بغية السماح للمحاربين في العبور فوق الأسوار، أو لمحاولة اختراق الجزء العلوي الأقل سمكاً من الأسوار . كما سمحت السلالم المتحركة للمهاجمين بعبور الخنادق والانقضاض بسرعة على أية نقطة دفاعية. وتُغطّى تلك الفعاليات بفيلق من الرماة الذين كانوا يشكلّون نواة المحاربين من المشاة . لكن قطار الحصار الآشوري كان يعمل بمحرّكه البشري ذي الأبراج الخشبية المتعددة الطوابق والذي يتحرك بأربع عجلات بمنصّة في الأعلى ، ومقلاع واحد أو بعض الأحيان اثنين في قاعدته ." (ص 186)

لقد أتقن الآشوريون فنّ الحروب واستمروا في اتباع تبرير النزاعات باعتبارها إرادة الآلهة التي هي راعية للجيوش . فقد استحضر الملك إنّاتوم ؛الإله نينورتا، و سرگون؛ الإلهة إنانا / عشتار ، و حمورابي؛ الإله مردوخ ، ورفع الآشوريون إلههم آشور ( آشور ) إلى الإله الأوحد. وعندما هزم الملك سرگون الثاني (عام 722 ـ705 قبل الميلاد) مملكة أورارتو ( الهضبة الأرمينية) في عام 714 قبل الميلاد، ورغماً من كل الصعاب ؛ فلم يُنسب إليه الفضل في الانتصار؛ بل إلى الإله آشور .

في عام 612 قبل الميلاد ؛سقطت الإمبراطورية الآشورية الجديدة أمام تحالف البابليين والميديين والفرس، ثم أسس الملك الفارسي كورش الإمبراطورية الأخمينية (عام 550-330 قبل الميلاد) من خلال جيش مُدرّب ومحترف الذي قام بغزوات لأراضي مساحاتها أكبر مما تمكن الآشوريون من تحقيقه. بعد ذلك ، أطاح الإسكندر الكبير بالإمبراطورية الأخمينية التي حلّت محلها الإمبراطورية السلوقية (عام 312-63 قبل الميلاد) ، وذلك بعد وفاة الإسكندر ، والتي أفسحت المجال للإمبراطورية الپارثية (عام 247 قبل الميلاد-224 ميلادي)، في الظهور، بيد أنها سقطت في نهاية المطاف على يد الإمبراطورية الساسانية (عام 224-651 ميلادي) .
وعلى الرغم من التطورات المهمة على نوعية الجيوش وأدواتها منذ القدم ، بما في ذلك العربة ذات العجلتين الأسرع والأكثر قدرة على الحركة ، إلا أن نظام جميع هذه الجيوش كان يعتمد على النموذج الذي وضعه الملك سرگون الأكدي لأول مرّة .

سقطت الإمبراطورية الساسانية في أيدي العرب المسلمين الغزاة الذين استحضروا أيضاً إلههم لتبرير غزوهم للمنطقة. ولأن فكرة الإله الذي يقف إلى جانب المؤمنين في الحروب والمعارك ؛ كانت تلك حجة قد تمسّك بها جميع حكّام الأرض وعلى مدى التاريخ ، وصولاً إلى يومنا هذا . حيث كلمّا نشبت معركة ؛ يُعلن بأنها مقدّسة لنصرة الإله والوطن ، وعلى المؤمنين واجب الطاعة والثبات ، ولكن حقيقة هذا الادعاء ؛ هو مجرّد تكرار لتبرير العنف وسفك الدماء الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 4000 سنة .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سايمون أنگليم ـ تقنيات القتال في العالم القديم ـ گرين هيل للنشر ـ 2002 .
ستيفن بيرتمان ـ الحياة في بلاد الرافدين القديمة ـ مطبعة جامعة أوكسفورد ـ 2005 .
صموئيل نوح كريمر ـ السومريون : تاريخهم وثقافتهم وشخصياتهم ـ مطبعة جامعة شيكاغو ـ 1971 .
پول كريڤاشيك ـ بلاد الرافدين ومولد الحضارة ـ سانت مارتن كريڤن للنشر ـ 2012 .
أدولف ليو أوپنهايم ـ بلاد الرافدين القديمة ؛ صورة لحضارة ميتة ـ مطبعة جامعة شيكاغو ـ 1977 .
مارك ڤان دي ميروپ ـ تاريخ الشرق الأدنى القديم ـ وايلي ـ بلاكويل ـ 2015 .
ولفرام ڤون سودن ـ مقدمة لدراسة الشرق الأدنى القديم ـ أيرديمانز للنشر ـ 1994 .
سوزان وايز باور ـ تاريخ العالم القديم: من أقدم الروايات إلى سقوط روما ـ دبليو دبليو نورتون للنشر ـ 2007 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران