الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنعود بالزمن

حنان بديع
كاتبة وشاعرة

(Hanan Badih)

2023 / 11 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


توفي والدي في ديسمبر سنة 1990، وبعدها بعام اخترع العالم الانجليزي (تيم بيرنرزلي) الانترنت الذي قلب حياتنا رأسا على عقب، يخطر لي أن أعود بالزمن إلى حيث كان يجلس أبي على مكتبه معتمداً على جهاز الفاكس للتواصل السريع ثم الذهاب إلى مبنى البريد لإرسال قصائده الشعرية ومقالاته الأدبية لنشرها في الصحف. ترى هل فكّر أو تخيل يوماً كيف أصبحت حياتنا بعد هذا الاختراع العظيم؟
لنعود بالزمن ونتخيل تفاصيل حياتنا بدون وجود الانترنت..
كانت ولا تزال الأخبار جزءاً مهماً من حياتنا اليومية، نجلس يومياً لنتابع أبرز ما حدث اليوم ثم لنغيّر المحطة ونتابع مسلسلاً درامياً أو فيلماً تعرضه القناة المحلية الوحيدة، لا خيارات.
كان للصحف والمطبوعات مكانة مميزة ومن يكتب فيها أو يتواجد على صفحاتها يصبح من نجوم المجتمع.
للجميع رأي واحد، فلا ناشطين من قلب الحدث يبثون لك ما يحدث في بقاع بعيدة ولا محللين يصدمونك بجرأة طرحهم. مصادرنا للمعرفة واحدة، قنوات إخبارية، راديو، صحف ومجلات، لا ناشطين ولا محللين ولا مهرجين على السوشال ميديا.
أعيادنا بهجة لا تخلو من مشقة، فالقيام بالزيارات العائلية ومعايدة الأصدقاء نشاط اجتماعي يأخذ وقتاً قد يصل لأسبوع، لا واتس أب نهنىء به نصف الكرة الأرضية بكبسة زر واحدة وبصورة معدة مسبقاً.
بطاقات المعايدة والزفاف لمناسباتنا الخاصة مطبوعة في كروت تحتاج أياماً لتوزيعها على أصحابها، وبالطبع لا ننسى الإتصالات الدولية المكلفة بالأقارب خارج الدولة، وربما نضطر لإعادة الاتصال مراراً وتكراراً، لأننا حقاً مشتاقين لسماع صوتهم دون صورتهم التي ربما تغيرت مع الأيام.
سنتابع الأخبار بصمت، ونتبنى رأياً جاهزاً لا يختلف عن رأي جميع من حولنا، فلا فيديو على الانترنت مع هاشتاغ يصدمنا بحقيقة مختلفة ولا تغريدة تجعلنا نعيد حساباتنا وترتيب آرائنا السياسية.
أما فرص التقائنا بشريك حياة فهي ضئيلة للغاية أو شبه معدومة، ربما في الجامعة، في الطريق، في العمل، في حفلة زفاف. وإن حالفنا الحظ سنلتقي صدفة في الأسواق، ببساطة لا يمكنك اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي باقتراح حساب شخص ما على فيسبوك أو انستغرام، وليس غريباً أن تحتفظ العلاقة بغموضها حتى ليلة الزفاف.
كان للهاتف الأرضي دليل مطبوع له رائحة خاصة في كل منزل، وكُتيّباً في المطبخ عفا عليه الزمن للوالدة، يحتوي كل الوصفات الأثرية التي جمعتها من جدّتها.
هل كان بالإمكان أن نتابع أشهر الطباخين بكبسة زر واحدة أو التأكد من وصفات أو فوائد الأطعمة أو نعود لخيار الديلفيري بكبسة زر؟
كان، وكان، هل كان بالإمكان الاستعانة بالمواقع المختصة لانجاز دراسة أو بحث ما؟ علينا أن نتعلم ونحفظ، لا خيارات. أما اليوم فالانترنت موجود للقيام بكل المهام. ليس علينا سوى التواصل مع دكتور غوغل!
إذا شعرنا بالمرض أو بعض التوعّك ليس علينا سوى دهن زيت زيتون على مكان الألم وشرب اليانسون والنوم! لا داعي لقراءة عشرات المقالات واللينكات عن أشخاص عاشوا هذه الحالة مثلنا، ولم تكن مجرد نزلة برد!
سيكون آخر الأسبوع مملاً في بيت الجدة بدون انترنت، نلعب على الأرجوحة أو نعدّ النجوم أو نتحدث مع أفراد العائلة حديث لا ملامح له أو هدف، وسنضطر إلى أن نلعب لعبة النرد أو ربما نبدأ بقراءة كتاب ما وجدناه على رفوف مكتبة عمنا أو خالنا المثقف.
لن نستطيع أن نلعب مع ناس مجهولين ألعاباً مختلفة حتى آخر الليل. أو نتصور السليفي بكل أنواع الفلاتر دون أن نمتلك البوماً واحداً للذكريات نورثه لأحفادنا.
لن نستطيع أن نتابع أخبار من نحب هنا وهناك على صفحات الانترنت لعله سعيداً في حياته بدوننا!
لن نستطيع أن نتسوق كل ما لذ وطاب دون أن نخرج من المنزل ونحن نأكل الفشار أمام شاشة الكمبيوتر.
لن نستطيع سوى أن نرضى بما لدينا من خيارات محدودة،، والغريب أننا كنا سعداء!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر