الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محطات الموت وميكانيزمات النجاة

إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة

(Ereiny Samir Hakim)

2023 / 11 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تمنحنا الحياة فرص الموت .. كي نحيا!

بداية مزعجة أليس كذلك؟!
أعلم .. ولكنّي جئت هنا لأقول .. الحقيقة المزعجة المُعيِنة وحسب.

والحقيقة هي أنَّ تعلُّم الحياة .. العَيش .. لا يأتي عادةً، إلا بالمرور على محطات الموت، فقطار الحياة لا ينتهي عند الموت الأخير وحسب، بل يَعلم كل منَّا جيداً، أنَّه قد اجتاز في الموت مرات عديدة، وأنَّ الحياة أتت به إلى وديان الموت المظلمة، في أوقاتٍ كثيرة.
لكن الحقيقة في وجهها الآخر أيضاً ، هي أنَّ هذه المحطات المُميتة، غير مُهلِكة، فهي غير قاصدة لموتنا نحن، بل "إماتة المُستحِق للموت فينا"!

حقاً هذا!

مثل ضعف سخيف .. أو قوة زائفة .. مشاعر قبيحة .. أو عاطفة وهمية غير صادقة!

وغيرها من الشوائب المُعطِلة للحياة .. تلك العيوب التي تُبطئ من مسار وجودك، كحيّ حقيقي على هذه الأرض، حيّ لا يدل على وجوده الأنفاس، وتفاعلات الحواس وحسب، بل ثمار إنجازاته في الحياة، إنجازاته المتمثلة في انتصاراته الداخلية على نفسهِ، وانتصاراته الخارجية على كل المعطيات المُعيقة لتقدمه، وترك بصمته الخاصة به فيها، مرتفعاً بكل معطيات المُساعِدة إلى تحقيق أهدافه، ومبتغاه الناضج في الحياة.

وبهذا فعلى المُجرَّب بالآلام في محطات الموت البائسة، أن يتحلى بالاستسلام الايجابي لهذا الموت الصديق، الذي تتبدى عذوبته، بمعرفة حقيقته، وهي أنَّه بوتقة لإعادة صياغة الإنسان المجرَّب من جديد، لتشذيبه وصقله، لتدريبه على ميكانيزمات متنوعة للنجاة، تجعل في نفسيته وروحه مهارات للتعايش والعَيش، لم يكن يحصل عليها سوى من خلال هذا الموت العابر، المؤقت.

حينها يستعلن هذا الموت عن ذاته، ليتضح أنَّه مجرد مَعبَر لضعفك، حتى يتثنى له التحول إلى قوة، والعجز إلى قدرة واستراتجيات للخلاص، والتعامل العملي مع المآسي والاحتياجات المُعطِّلة.

وميكانيزمات النجاة هذه، واستراتجيات الخلاص تلك، لا تتكوَّن ولا تتشكَّل، إلا بالمعرفة الحقَّة لمفاهيم الحياة والموت، والاقتيات اليومي الحكيم، لسُبل المساعدة السوية المُمكنة، الداخلية منها والخارجية، التي تعمل على تحفيز النفس وتطويرها، كما إنَّها تنمو من تبعيات الإدراك الواعي، لمدى سُلطة هذه المحطات الحياتية على الإنسان، والثقة بأنَّها مُقيدة ومحدودة، مهما زادت سطوتها، أو عَلى زئير حضورها، فما وضعه الله من سِر في روح الإنسان، قادراً على أن يتغلب وأن يتكيف، مع العوائق والمعطلات، حتى أنَّه منحه القدرة على تحقيق كثير من الأمور، قد بدت له سابقاً من المستحيلات.

لذا فالموت العابر في الحياة هذا، هو أيضاً محدود ومُقيَّد، طالما وثق الإنسان بمدى القدرة التي خُلق عليها وأودِعَت في روحه من خالقه، وأنَّ لا أحد يستطيع أن يجرده من قوة هذا السر الإلهي الساكن في روحه، إلا إذا تنازل هو عنها، وطمسها تحت سلبية الشفقة على الذات، وجلدات الخوف من محطات الموت في الحياة.

إذن فالمنوط به من العابرين في هذه المحطات، أن يُفعِّلوا ميكانيزمات النجاة، التي تتاح لهم بالفعل، في فرص الموت العابرة، من تجديد للذهن، وتطوير للقدرات النفسية والجسدية، والسعي نحو أعماق الحقيقة الروحانية، وممارسة النشاطات التحفيزية والمعلوماتية، التي تُغني بالمعرفة، وتَغني عن التلذذ بسُكنى دور الضحية، والثبوت غير المسؤول في أسرَّة سكرات الموت، حتى تُخلَق فيهم انتصارات على شوائب ذاتية، ما كانوا ليدركونها، أو يتغلبوا عليها، إلا في ظلال هذا الموت الرحّال، حتى يتمكنوا من أن يعيشوا في الحياة أحياء، مدركون لقيمة المحطات الأخرى، التي تمر حيواتهم بها، يتعلمون منها ويؤثرون فيها، فيحيون حقيقيون مثمرون، أصحاء بقدر ما أتاح لهم جهادهم النفسي، أن يُنتج لهم إتزاناً ورضاً، فيحيون بسلام صامدٍ أمام أهوال المحطات المؤلمة، وإن اهتز في حين سلامهم أو ارتبك، يكون واعٍ وعلى معرفة عملية، بكيفية التعامل بميكانيزمات النجاة، التي قد تعلَّمها مسبقاً، مع كل سهامٍ معنوية ومادية، تخترق صرح صموده، فيعود يُلملم ثغراته، ويرمم حصونه، مستمراً في جهاده السامي الأنيق، حتى المحطة الأخيرة حيث الموت الشريف!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو