الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطار الإسلام السياسي و الأنظمة

شروق أحمد
فنانة و كاتبة

(Shorok)

2023 / 11 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سقطت كافة الأقنعة أخيراً وسقطت معها كل المبادئ, وتلاقت كل الوجوه في نفس الطريق وتقاطعت المصالح مع بعضها, و كأنني أعود إلى ذالك الزمن الذي حدثني والدي عنه زمن الحروب الأهلية والقيادات العربية الإسلامية تستخدم الجماعات الإسلامية لأغراضهم السياسية, وهي نفس السياسات التي أدت إلى حروب مازلنا ندفع ثمنها إلى يومنا هذا, المشهد الحالي في الشرق الأوسط هو نفس المشهد الذي استحضره والدي لي من ذكرياته, لم أتصور يوماً أن تتحول ذكريات والدي إلى قطار عابر من الماضي جاء ليلحق بي ليحولني إلى مسافر آخر على هذا القطار القذر الراديكالي الذي لا يحمل سوى الألم و الأسلام السياسي, وللأسف من يقود هذا القطار هم مجموعة من الأشخاص لم يتفقوا يوماً على مسار القطار هناك من يريد القطار أن يذهب إلى الجنوب ومن يريده أن يذهب إلى الشمال, وهناك من على القطار لا يعلم ما الذي يحدث داخل قمرة القيادة, وعلى متن هذا القطار ايضاً من يريد أن يفجر القطار أو يأخذ من عليه هينة من أجل مصالحه الشخصية او الدينية و كل السبل تؤدي إلى انفجار القطار و من عليه أو أن يتحول هذا القطار إلى أداة لتدمير جميع المحطات التي يمر بها, ويقتل جميع من في الإنتظار.
لقد حاولت كل القيادات العربية ولإسلامية في الشرق الأوسط وبالذات في الوطن العربي أن تلبس ثوب الخطاب التجديدي الحديث, وكل قيادة أتت بثوب جديد أسمه قطار التغيير والحداثة, كل منهم كان يخطب في أول حكُمه بأنه محارب الإسلام السياسي والجماعات الإسلامية وأن المعركة هي مع العقول المتحجرة والعقول الرجعية, ومنذ سبعون عاماً حتى الآن فشل كل قائد عربي إسلامي في محاربة هذا الفكر إما بالتراجع عن الخطاب التنويري و حتى يصل منهم إلى مرحلة الخجل السياسي يتكلم بخطابين للغرب خطاب تنويري و علماني و تقدمي و في الداخل خطاب إسلامي ديني , أصولي يصل حتى مرحلة منع الأفلام و الفن وإعطاء الجماعات الدينية مساحة لا يحلمون بها حتى في أفغانستان , كل القيادات العربية الإسلامية أصبحت مفضوحة وخصوصا بعد هجوم حماس الإرهابي في السابع من أكتوبر, فجأة تحول الجميع إلى ناصري قومي و نهضت العروبة من نومها العميق, فجأة تسمع قمم إسلامية ومقاطعة إسلامية و حديث إسلامي على القنوات العربية, وفجأة كأننا عدنا إلى سبعينيات القرن الماضي وكأن القضية الفلسطينية هي قضية إسلامية بحته ولا يوجد هناك فلسطيني مسيحي يمثله أحد في هذه القضية, ومن المضحك المبكي أن جميع القمم التي قامت تمت دعوة رئيس كبشار الأسد و رئيس إيران. كنت أسمع من والدي كيف في الماضي قامت القيادات العربية بالتلاعب على شعوبها وركوب الموجة الفلسطينية لكن في حياتي لم أرَ غرابة مثل دعوة رئيس دولة قتل من شعبه مئات الألاف، وقتل من الفلسطينيين في مخيماتهم في بلده يأتي في قمة إسلامية يتحدث فيها عن الدم الفلسطيني، و رئيس آخر أشترك في قتل الشعب السوري بدم بارد بأسم الدين وباسم تحرير القدس. بأسم الدين تحلل كل الخرافات وبأسم الدين تعمى الشعوب العربية وباسم الدين تُقتل الشعوب العربية والقيادات العربية والإسلامية لوحداها قتلت بعضها البعض مئات الآلاف، والجميع اليوم يستنكر ويشجب لأن الذي يقتل هذه المرة ليس مسلم ولا عربي فيتوجب الوقوف بحزم في وجهه، هذه نفس القيادات اليوم وهي تخطب بغضب وحزم هم نفسهم لو تكلم مواطن واحد أو أشتكى من قانون أو الدين وطالب بحرية التعبير قتلوه واختفى عن وجه الأرض.

السؤال هو لماذا تحارب القيادات العربية منذ سبعون عاماً الإسلام السياسي في العلن وتهادنه في الخفاء؟ هل السر خلف هذه المهادنة هو الخوف على مناصبهم وعروشهم أو التخلص من صداع القضاء عليهم لفترة محدودة مع إلقاء مهمة القضاء عليهم على الجيل القادم وبذالك يحكمون بهدوء بدون أي صداع أو تشويش في فترة حكمهم. السؤال هنا, هل يجب على كل جيل شبابي علماني ليبرالي متنور في كل فترة معينة في تاريخ الشرق الأوسط ان يهاجر أو أن يدفع حياته ثمن هذه المعادلة القذرة, هل أصبح علينا كشباب حضاري متنور مثقف أن يقبل هذه المعادلة الأبدية في الصراع بين الحكم و جماعات الإسلام السياسي. وهل القيادات الحالية ستكون أقوى من الرئيس السادات و الملك الحسين و وصفي التل و شاه إيران و العديد من القيادات الآخرى التي أعتقدت أنها تستطيع السيطرة على هذه الجماعات التي نجحت في أختطاف الوطن العربي باسم قضية لا علاقة لها بشيء بأجنداتهم، حاول السادات و وصفي التل وشاه إيران اللعب معهم ومحاولة إسترضائهم وحاول جميع من بعدهم بفعل نفس الشيء و جميعهم انتهى بهم الأمر أكتشاف أن جماعات الإسلام السياسي لا ترضى سوى بالحكم و الوصول إلى دولة عربية أخوانية إسلامية تحكمها الخلافة، أما غير ذالك لن يقبلوا. و لكن الإختلاف بين الماضي و الحاضر هو أن القيادات العربية و لو بإستحياء أعترفت أن الصراع العربي الإسرائيلي هو مجرد ورقة تلعب بها الجماعات الإسلامية الإيرانية منها والداعشية منها على عقول الشعوب العربية وهذا ما حمل السادات و الملك حسين على توقيع أول معاهدة سلام بين العرب و إسرئيل لأنهم أدركوا أنهم لو ساروا خلف الجماعات الإسلامية لما استردوا شبرًا واحداً من أرضهم لأن السلام يجلب السلام هذا ماحدث مع مصر والأردن, و كما يحدث اليوم حدث في السابق قامت القيادات العربية الإسلامية في ذالك الوقت بقطع العلاقات مع مصر لأن رئيسها تحدى الجميع و مد يده للسلام, و اليوم القيادات العربية تأخذ موقف شرس متزمت و حاد في الظاهر خوفاً من جماعات الأخوان و الجماعات الإيرانية على الأمن الداخلي لذالك نرى الخطاب الحاد و المتهور و الأنياب التي يكشرون بها فقط لأسترضاء الجماعات الإسلامية في الداخل.
الإستنتاج الأخير الذي توصلت إليه هو أن الوطن العربي الإسلامي لديه فقدان ذاكرة جماعي, كل عشر سنوات نحتاج تذكير عن خطر هذه الجماعات أو هزيمة ساحقة بضربة عسكرية نحتاج بعدها عشرات السنين لنسترجع شبر من تلك الخسائر, هل ستكون قيادات اليوم أفضل و أقوى من السادات الذي عندما استوعب أن السلام يجلب السلام و الخطابات الرنانة و اللعب على مشاعر الشعوب و الرقص على هتافات الجماهير لا تأتي إلا بالهزائم و الركوع, وهل ستكون قيادات اليوم على قدر المسؤولية و الوعي في مواجهة أكبر موجة إسلام سياسية تعصف بالعالم العربي أم سوف يذهبون إلى الشعارات ومحابات والتفاوض مع الجماعات الإسلامية وإضافة الشرعية لجماعات الإسلام السياسي فقط للحفاظ كل منهم على كرسي الحكم؟

الجيل التنويري الجديد في الوطن العربي أصبح بين مهاجر أو مقموع أو ينتظر أي فرصة للهرب من الواقع المزري، حيثُ تحولت معظم الشوارع العربية الإسلامية تلبس لباس السلف والإخوان وشعار " حجابي هو تاجي" وحيثُ معظم اليسار العربي أصبح قومي عربي يلتقي مع الإسلام السياسي في خندق واحد عند اي منعطف. لقد فقدت الأمل ولم تعد هناك رؤية واضحة كلما شعرت بأمل جديد في غدٍ أجمل وأصبح النور قريب بسقوط الأنظمة الإسلامية الراديكالية يأتي أحد من الوطن العربي وينقذ ذالك النظام من السقوط في اللحظات الأخيرة، لم أستسلم من قناعاتي و لن أستسلم حتى آخر يوم في حياتي و لكني فقدت الأمل في وطن عربي بدون إسلام سياسي و خطب رنانة على واقع مزري. وفي النهاية توصلت أن القطار الذي تحدثت عنه في بداية المقال سوف يمر ايضاً على الجيل الذي بعدي ولن يتوقف لأنه قطار بلا قائد ولا أحد يعلم أين فرامله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ...
جوان علي ( 2023 / 11 / 22 - 19:18 )
صدقتي .. لا أظن ان حديثك موجها للمطحونين في غزة .. لقد انفجر بهم القطار فعلا .. ودون تنبيه مسبق .. زمان عاب احد النقاد على كاتب يساري بأن شخصياته متأرجحة .. لا يستقرون على موقف .. يجمعون بين جيفارا وباكونين ويسوع المسيح في آن واحد .. اما اليوم .. وعملا بمقولة من فات قديمه تاه .. رجعوا الى ( إن غوت غويت ) .. تحياتي


2 - شكرا استاذه شروق اسم على مسمى وعي اخاذ الجيل كله
المتابع ( 2023 / 11 / 23 - 05:07 )
محتاج له ولكن الاسلام الذي تسمينه السياسي بنى غشوه منذ 14قرنا على عيون وعقول ناسنا فاصبحوا لايرون حتى مصالحهم الحياتيه فاصبحت شعوبنا ومجتمعاتنا مضرب المثل في التخلف ومعاداة العلم والتنمية والثقافة الانسانية -تحياتي