الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجيال في الوحل

أبوبكر المساوي
باحث

(Aboubakr El Moussaoui)

2023 / 11 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بحسن نية أو بسوء نية ، بقصد أو بدون قصد وفي إطار الوصاية والتفكير بالنيابة ، يتحالف الآباء في كثير من الأحيان مع الموروث الفكري الخرافي الآتي من بعيد ليدمروا أبناءهم ويدمروا الحاضر والمستقبل بأكمله، ظنا منهم أن هذه الوصفة هي الحل السحري لكل مشاكل الحياة، والمخلص الوحيد من ذلك العذاب الخرافي بعد الموت، فتكون النتيجة هي تنشئة أفراد "مفرملين" معاقين ومغلولين فكريا، تائهين بين خرافات تنزل بكل ثقلها فتخنق الأنفاس، و التي تجر بقوة وعنف شديدين إلى سجون الماضي الحالكة السواد، وبين العقل الذي يتوق لنور الحرية ورحابة الحياة وسعة أفق المستقبل.
يصاب الولد المسكين بتمزق في دواخله وبتشتت في الفكر بين الماضي والحاضر، وتصاب شخصيته بالانفصام ويصاب بشلل في كل الوظائف العقلية وفي كل مظاهر الحياة الطبيعية، إلا ما تعلق منها بالحاجة للأكل والشرب ودورة المياه والجنس، فيسعى جاهدا إلى التوفيق بين الخرافة والعقل، لكن غالبا ما تكون نتيجة الزواج بين الرغبة في تلبية إملاءات الخرافات -الآتية من الماضي البعيد- ومعايير التفكير العقلاني -الناتجة عن رغبة الإنسان في حاضر ومستقبل أفضل- تنشئة أفراد من كائنات بشرية لا تعبر عن أي انسجام بين الشكل والمحتوى، إذ نجد مظاهر حياة من القرن الحادي والعشرين نابعة من رغبة طبيعية في مواكبة الشعوب المتقدمة، وطرقا في التفكير من القرن السابع التي تنم عن رغبة دفينة في الفوز بالنعيم الخرافي بعد الموت -إنه التيه عينه- وبناء على نصوص مقدسة مازال الكثير من هؤلاء الآباء والأوصياء يصرون على أن طريقة التفكير التي كانت سائدة في منطقة جغرافية وفي زمن بعيدين عنا صالحة لزمننا ولمكاننا -رغم أنها لم تكن صالحة لأي زمن ولا لأي مكان إلا بحد السيف- مع أن الفرق في الزمن هو أربعة عشر قرنا والفرق في المكان حوالي عشرة آلاف كيلومترات، وبعد هذا كله يتساءل الكل مع الكل في استغراب، ما الذي أصابنا؟ لماذا لم نتقدم مع الذين تقدموا؟
طبعا لا أحد يملك جوابا عن هذا السؤال، ولا أحد يستطيع مدنا بوصفة جاهزة للخروج من هذا الوحل الذي يتخبط فيه أبناء هذه المنطقة من الأرض، وأنا أيضا كبقية الناس لا أملك جوابا محددا واضحا لكني أطرح أسئلة في المقابل، لماذا الغوص عميقا جدا في أعماق التاريخ لدفن عقولنا في تابوت الخرافات والتخلف عوض تحرير عقولنا على غرار ما يوجد عند جيراننا وأقاربنا في جهة الشمال؟ ولماذا نترك بلادنا وما أنتجت، ونقطع كل هذه المسافة سعيا وراء فكر صدئ متعفن منتهي الصلاحية؟ لماذا نهجر بلاد الألوان والأنهار والغابات والطيور والبحار والأسماك والأراضي الخصبة وجميع أنواع الحيوانات وأنواع المشروبات من لبن وخمر وعسل، وبلاد الظل الممدود والخيرات، ونعبر إلى بلاد القحط واللون الواحد في الأرض وفي السماء وفي الحيوان والبشر، واللون الواحد حتى في الأسطورة والخرافة؟
إن كان ما بأيدينا من فكر لا يكفي لسد حاجاتنا فليس عيبا أن نلجأ للاستعارة أو لتبني فكر آت من زمن ومكان بعيدين عنا، بل من الواجب ومن الضروري فعل ذلك، لكن ليس من الأفقر منا فكريا وفي كل شيء. حتى أساطيرنا وخرافاتنا كانت أكثر تنوعا وأغنى، وإنجازاتنا وتاريخنا ومساهماتنا في بناء تاريخ الإنسانية من علوم وفنون وآداب وفكر، كان كل شيء أفضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة