الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المادة وخاصية قابلية الادراك

علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)

2023 / 11 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مهمة الباحثين بالفلسفة مراجعة ونقد افكار الفلاسفة وليس مهمتهم الغوص في تفرعات مباحث فلسفة اللغة وتبعاتها في منهجية البناء التجريدي اللغوي المنفصل عن حركة الواقع ومجرى الحياة المتجددة.
بيركلي وقابلية ادراك الوجود
من مقولات جورج بيركلي الفيلسوف المثالي (وجود الشيء هو قابليته ان يكون موضوعا لادراك).ناقشت المقولة في غير هذا المقال سابقا. وتكررت المقولة على لسان جورج مور فوجدت فيها اهمية توضيح ربما فاتني سابقا.
في البدء المادة موضوع للادراك في وجودها المتعيّن بابعاد لا خلاف عليها ضمن عالم الاشياء والطبيعة. ولا تمتلك المادة في وجودها الانطولوجي المستقل قابلية ادراك ذاتية متموضعة فيها تجلب اليها من يدركها (الحس والعقل).
وجود الشيء كموضوع للادراك الحسي والعقلي ليست خاصية موجوديته المادية في كينونة انطولوجية مستقلة تمتلك قابلية الادراك. وليس خاصية امتلاك الموجود صفة ليست له ولا متموضعة تكوينيا فيه تسمى (قابلية الادراك) تجعل منه موضوعا يكافيء الموجود الملازم له كما يذهب له جورج مور.
قابلية الادراك ليست موضوعا بل هي علاقة ترابطية تجمع بين سيرورة قائمة بين موضوع من جهة والوعي بالموضوع من جهة اخرى. ولا يمكن ان تتحول الصفة الكيفية قابلية الادراك الى موضوع لادراك حسّي او عقلي كمثل إدراك وجود الشيء المادي في واقعيته الكينونية ضمن عالم. السيرورة ونقصد بها هنا قابلية الادراك هي علاقة متغيرة لا تصلح ان تكون موضوعا ثابتا لادراك حسي – عقلي.
نقطة اخرى خاصية قابلية الادراك هي خاصية الحس والعقل فقط وليست خاصية تلازم المادة لا في ثباتها ولا في انتقالاتها كي يتم ادراكها وتصبح موضوعا يثبت موجوديته. وهي خاصية فعالة ايجابية في عملية الادراك العقلي وليس في المادة والاشياء ., ولو افترضنا خطأ أن خاصّية قابلية الادراك موجودة في تكوينات الموجودات الشيئية المادية بالفطرة الطبيعية والتكوينية الموجودية للمادة لكانت صفة ذاتية سلبية تستمد قيمتها من الموجود الشيئي التي هي جزءا متموضعا فيه وليس أهميتها في مرجعية إدراكها كموضوع مستقل لإدراك افتراضي يكون خارج إدراك الحس والعقل للموجود الشيئي في كينونته التامة الذي لا تنتسب له قابلية الادراك التي هي من خصائص الحس والعقل.
النقطة الاخرى من الذي يحدد ان يكون الموجود المادي أو أي شيء موضوعا لادراك؟ هل يحدد موضوعيته مضمونه المادي فيه ام يحدده شكله (الصفات الخارجية) المدركة له؟. نحن علينا قبل الاجابة عن التساؤل ضرورة التفريق بين الشيء كموجود مادي تدركه الحواس والعقل كمتعيّن انطولوجي بابعاد مادية بديهية وهو ما يهمنا هنا. والتفريق بين الموضوع الذي هو من تخليق العقل (خياليا) وليس موضوعا ادراكيا ماديا. وهذا الموضوع الخيالي الذي يبتدعه الخيال لا يتحول الى موجود مادي بل يعبّر عنه العقل بتجريد لغوي تعبيري تصوري غير موجود في عالم الواقع غير الافتراضي.
وتعبير اللغة التجريدي لا يخلق المادة ولا المواضيع في واقعيتها الانطولوجية الا بالاستعانة بتقنية آلية تصنيعية تتوسط بين تنظير الخيال بوسيلة لغوية وموضوعه كي تحوله الى واقع يدركه الوعي كما هو الحال في السينما او المسرح او الفنون وضروب الاجناس الادبية. فاللغة التخيلية المكتوبة لا تتحول فيها الاحداث والوقائع الى عالم مادي ما لم تتوسطه آلية تقنية تنجز تلك المهمة.
بالعودة الى السؤال هل الصفات الخارجية للموجودات المادية تجعل منها موضوعا تدركه الحواس ويتمّثله العقل. وهذه الصفات الخارجية تجعل من المدركات العقلية مواضيع لها صفات مادية. هذا يدخلنا في تساؤل اجدى منه كيف لنا حل معضلة علاقة الصفات الخارجية للاشياء او اشكالها المادية الموجودية مع الجوهر او الماهية التي يقول بها فلاسفة ماديون وفلاسفة مثاليون بوجهات نظر فلسفية مختلفة نعرض بعضها:
الفلاسفة الماديون وأبرزهم فلاسفة الماركسية وفلاسفة الوجودية يقولون ان ادراك الشيء في موجوديته الواقعية الكليّة كاف لأن يكون ادراك ذلك الشيء كاملا لكينونة مادية مستقلة الوجود. ولا يؤمنون بوجوب تقسيم كل موجود مدرك الى شكل هي صفاته الخارجية والى مضمون يدّخره داخله ليس من المؤكد إثبات موجوديته في المواضيع التي ندركها خارجيا بصفاتها ولا حاجة ضرورية لمعرفة هل تخفي مضامين جوهرية او ماهيات هي غير صفاتها الخارجية بداخلها ام لا..؟
الفلاسفة المثاليون من امثال ديكارت وكانط وبيركلي وديفيد هيوم وجون لوك يؤمنون بوجود ماهية او جوهر في كل شيء. لكن يجدون من العبث صرف الاهتمام عن اهمية اسبقية كيف نعرف الوجود موجود من عدم وجوده قبل الدخول بتفرعات جانبية في تجزئة الموجود إدراكيا الى شكل ومضمون او الى صفات وجوهر.
فلاسفة آخرون يتعاطف معهم الماركسيون والوجوديون قالوا لا توجد جواهر داخل الاشياء موجودة محتجبة خلف الصفات الخارجية لها التي هي الجوهر مثال ذلك الحيوانات هي بلا جواهر تميزها عن الصفات الخارجية لها. فصفاتها الخارجية هي جواهرها.
بعض الفلاسفة ذهبوا الى ان جوهر الشيء يسبق صفاته التكوينية الخارجية مثال ذلك ان النجار وقتما يصنع الكرسي يعرف ماهيته انه مقعد للجلوس عليه قبل ان يصنع مكوناته الشكلية ومن اي المواد يصنعه. وهذا يخلخل المقولة الفلسفية القارة في الماركسية والوجودية ان وجود الشيء يسبق ماهيته اولا بالمطلق.
عندما اجمعت الفلسفة الوجودية بزعامة هوسرل ابو الظاهراتية(الفينامينالوجيا) نقلا عن كانط قوله يمكننا تقسيم الوجود المدرك الى (نومين) بذاته غير مدرك والى (فينومين) لاجل ذاته ندركه كموضوع في ادراكنا صفاته الخارجية فقط ولا ندرك جوهره. وحين سئل كانط كيف تسنى لك اثبات امتلاك الموجودات جواهر او ماهيات لا ندركها لا بالحس الاولي ولا بالوعي العقلي بعديا تحتجب خلف صفات الموجودات الخارجية؟ كانت إجابته في وجوب التغاضي عن الجواهر واهمالها وعدم جدوى البحث بها واعتبارها من قضايا الميتافيزيقا العصيّة على ان تكون موضوعا ادراكيا للعقل والاكتفاء بادراك الصفات الخارجية فقط.. على خلاف فريد بتاريخ الفلسفة قال اسبينوزا بدلالة اسبقية الجوهر على الموجود ندرك الوجود.
امام هذه الاشكالية كانت الريادة مع سارتر في مقولتين اوقفتا الفلسفة على راسها بدلا من قدميها . مقولته الاولى (جوهر الانسان الحقيقي انه بلا جوهر) ومقولته الثانية (جوهر الانسان تخليق ذاتي يصنعه الانسان بنفسه لحظة يولد ونهايته بالموت ) ولا يستقبل الانسان جوهره لا معطى يلازم وجوده الكينوني ولا جوهر مكتسب بالفطرة كموروث. (سبق لي في مقال غيرهذا مناقشتي وتوضيحي للمقولتين.)
ليس من خاصية الادراك كوسيلة ان يتخلق عنها قيصريا مولودا يكون موضوعا لموجود خارج مدركه المادي. ولا ان يكون مضمونا منفصلا عن موجوديته غير مدرك حسب افتراضية جورج مور. ان يكون مضمون الشيء المدرك موضوعا مدركا منفصلا عن ذلك الشيء معناه لا يبقى لدينا كينونة موجودية يدركها العقل. الادراك لا يتجزأ في عملية إدراكه لموضوعه كما الموجود المدرك لا يتجزأ نتيجة إدراكه الى شكل ومحتوى منفصلين في استحالة تلغي حقيقة انهما متلازمين..
وخلاصة القول ان مقولة لماذا لا يكون مضمون الشيء منفصلا عن قابلية ادراكه التي يمتلكها الموجود المادي الشيئي؟ مقولة خاطئة وفرضية تعسفية تحاول وضع العربة امام الحصان لاسباب اوضحتها سابقا واوجزها بكلمات:
اولا قابلية الادراك هي كيفية وسيرورة تجمع بين المادة وادراكها كما هي وسيلة معرفية لا تمتلكها المدركات لاتموضعا ماديا فيها ولا تجريدا تعبيريا يصدر عنها. بل يمتلكها الحس والوعي العقلي لها فقط.
ثانيا مضمون الشيء لا يكون موضوعا لادراك قائم لوحده منفصلا عن موجوديته المادية الموحدة شكلا ومحتوى. المضمون يحتاج دائما لشكل يحتويه وبغير هذه الملازمة لا يمكننا تصور مضمون بلا شكل يحتويه. كما ولا يمكننا تصور شكلا خاليا من مضمون او محتوى دلالي عليه كما في مثال الرسوم الهندسية المجردة فالخطوط التي يتشكل منها الشكل الهندسي تحدد مضمونه الهندسي الذي ندركه للوهلة الاولى فارغا ما عدا محدداته المستقيمة. في أن يكون دلالة على مثلث او مستطيل او دائرة وهكذا. اي ان ابعاد اشكال الخطوط الهندسية المجردة اعطت للحيّز المكاني الذي احتوته مضمونا متفردا هندسيا. المثلث نقصده ادراكيا بالتسمية على اساس خطوطه الثلاث ونحن لا ندرك من الوهلة الاولى الادراكية ان للمثلث ثلاثة زوايا مقدارها 180 درجة احدها زاوية قائمة الا بمعرفة مضمون المثلث واستعمالاته وليس في ادركنا شكله التخطيطي كخطوط مجردة.
ثالثا الادراك لا يجزيء موضوع ادراكه الى شكل هو الصفات الخارجية والى مضمون او محتوى هو جوهره وماهيته. فالادراك هو وعي كينونة الشيء الموحد في كليته الكينونية الموجودية البائنة للادراك. ويكون معنا اعجاز عقلي ادراكي ان نتصور مضمونا لا يحتويه شكل يدركه العقل. وبالعكس ايضا استحالة ادراكية ان تجد شكلا مجردا بلا مضمون يحتويه يمكن للعقل ادراكه كموضوع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا الكاتب متطفل على الفلسفة
صباح كنجي ( 2023 / 11 / 24 - 11:58 )
يقول الكاتب الذي يذرف بما لا يعرف ونصحه الكثير بالتوقف عن الكتابة في الفلسفة -بعض الفلاسفة ذهبوا الى ان جوهر الشيء يسبق صفاته التكوينية الخارجية مثال ذلك ان النجار وقتما يصنع الكرسي يعرف ماهيته انه مقعد للجلوس عليه قبل ان يصنع مكوناته الشكلية ومن اي المواد يصنعه. وهذا يخلخل المقولة الفلسفية القارة في الماركسية والوجودية ان وجود الشيء يسبق ماهيته اولا بالمطلق.-
نقول هل النجار صنع كرسي عناصرة الاولية ليست من الواقع الموضوعي؟ هل النجار صنع شكل كرسي اشكالة ليست من الواقع الموضوعي؟ هل لو ان النجار صنع كرسي على شكل جان هل يقدر على صنعها بما لا تكون عناصرها من الواقع الموضوعي؟


2 - لمن يكتبون ؟!
زكري ( 2023 / 11 / 24 - 16:43 )
لغة المقالة ، بتقعرها المتكلَّف وبتراكيبها التعبيرية الهلامية ، التي تتحرش بالفلسفة ، ذكرتني بلغة كتابات إيمان بوقردغة الطسم جديسية ، التي تتحرش بالشعر .
لو كانت المقالة إلغازا لهان فك ألغازها ، ولو كانت عمق تفكير لأمكن سبر أغوارها العميقة ؛ لكنها هياكل لغوية لا تقول شيئا ، فتكلف التعمية هو دليل عوز لا دليل غنى .
وإلا فرجاءً ، أفيدونا بما تفهمونه من هذه الفقرة ، وأجركم على الله : «ليس من خاصية الادراك كوسيلة ان يتخلق عنها قيصريا مولودا يكون موضوعا لموجود خارج مدركه المادي. ولا ان يكون مضمونا منفصلا عن موجوديته غير مدرك حسب افتراضية جورج مور. ان يكون مضمون الشيء المدرك موضوعا مدركا منفصلا عن ذلك الشيء معناه لا يبقى لدينا كينونة موجودية يدركها العقل» .
رحم الله كنط (نقد العقل المجرد) و هيغل (أصول فلسفة الحق) و سارتر (الوجود والعدم) ؛ كم كانوا بسطاء !


3 - الوجودية والماركسية متمايزتان
منير كريم ( 2023 / 11 / 24 - 16:46 )
الاستاذ المحترم علي اليوسف
الوجودية فلسفة مادية احادية اي ان الجوهر النهائي للعالم المادة والوعي نوع من المادة
الماركسية مادية ثنائية ( مادة - وعي) اي ان العالم يختزل الى جوهرين مختلفين المادة والوعي
وتوجد فلسفات تعددية لاكثر من جوهر كفلسفة لايبنز , والفيلسوف برتراند رسل يمبل للفلسفة التعددية
المادية في الماركسية تقاس بدلالة الموضوعية وفي الوجودية بدلالة الوجود
المقولة الرئيسية للوجودية ان الوجود (الكينونة) تسبق الماهية (( طبيعة الشيء)ه
واذا ماطبقت على الانسان فان الذات المشخصة للفرد (انا . هو .هي .فلان) تسبق الماهية( الوظائف)
فتكون الوجودية فردية متطرفة والماركسية جماعية متطرفة , فلا التقاء
شكرا


4 - الفلسفة التجريبية لامادية ولا مثالية
منير كريم ( 2023 / 11 / 24 - 17:09 )
فاتني ان اذكر
ان الفلسفة التجريبية وخاصة عند هيوم تعتبر الجوهر مقولة ميتافيزيقة لايمكن اثباتها
وعليه تكون التجريبية لامادية ولا مثالية
وان تقسيم الفلسفة الى مادية او مثالية خاطيء ووهمي
شكرا

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -