الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرعون وهامان

طلعت خيري

2023 / 11 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقد شهدت مصر تقدما وازدهارا واسعا على كافة الأصعدة ، بفضل الإدارة الرشيدة والعادلة التي اتبعها يوسف في فترة حكمة كوزير للاقتصاد ، مما انعكس ذلك إيجابا على حياة الفرد والمجتمع عموما ، ولكن سرعنما تلاشت تلك المبادئ والقيم ولانجازات مع ابتعاد المجتمع عن النظم الاقتصادية السلمية ، فأصابها التفكك والانحلال بسبب المؤامرات الداخلية والخارجية ، فنقلب نمط الحياة العام بما يتلاءم مع أهواء ورغبات ألأنظمة القمعية والاستبدادية المدعومة من الإقطاعية والرأسمالية ، مستغلة انجازات يوسف ومقدرات الشعب المصري لمصالحها الشخصية والسلطوية ، ونتيجة للتفكك والانحلال وصل فرعون الى سدة الحكم

من الناحية التاريخية يعتبر فرعون أول حاكم لمصر بعد يوسف حكم للفترة ما بين 700 الى 800 .ق.م تقريبا ، كان حاكما دكتاتوريا مستبدا ، قضى على ما بقي من ملامح دولة يوسف ذات الطابع الاقتصادي، فبدا بحملة أباده ضد الطوائف الدينية كإستراتيجية لإضعافهم للحيلولة دون وصول المتدينين الى حكم مصر من جديد ، فمن الإجراءات التعسفية التي اتبعها فرعون مع شعب مصر، إثارة النزعات العشائرية والعرقية والاثنية لتفكيك النسيج المجتمعي بالولاء والمصالح الشخصية ، وشراء ذمم أصحاب النفوس الضعيفة ليكنوا عونا له ، وعلى المغرر بهم من أصحاب المصالح الشخصية من أقطاعين ورأسماليين بنا فرعون دولته لينفرد بالطوائف الدينية ممارسا معهم أبشع الجرائم الإنسانية ، كاستئصال الذكور وترك الإناث

اتبع فرعون البراغماتية لتثبيت أركانه دولته بالقضاء على مكامن التهديد العقائدي الفاضح لظلمة وفساده في الأرض، فباشر بإضعاف الطوائف الدينية للوصول الى نتائج واقعية بان لا يظهر فيهم لا نبي ولا رجل صالح يعيد أمجاد يوسف ، ولكن إرادة الله العادلة في نصر المستضعفين والتمكين لهم في الأرض فوق إرادته، ليجعل منهم أئمة متقدمين بدلا من مستضعفين ، ووارثين بدلا من مضطهدين ، ففي الوقت الذي كان فيه فرعون يحشد كافة قدراته العسكرية والسياسية والاقتصادية والجاسوسية للحد من أعادة أمجاد يوسف ، تحركت إرادة الله بشكل خفي لتوفير كافة وسائل التمكين للمستضعفين في الأرض للإطاحة بما كان يحذر منه فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا

نقل التنزيل أحداث موسى من الماضي الغيبي الى حاضر الدعوة القرآنية في القرن السادس الميلادي ، لاطلاع طوائف بني إسرائيل على مجريات الأحداث التي منَّ الله بها على أسلافهم ، والكيفية التي فضلهم بها على العالمين ، طسيم حروف مقطعة إحدى مراحل نزول القران كسور كاملة في الكتاب ، تلك آيات الكتاب المبين نتلوا عليك يا محمد من نبا موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ، المؤمنون بالدعوة القرآنية من بني إسرائيل ، من الأساليب التي اتبعها فرعون لفرض سلطته بالقوة تفكيك النسيج المجتمعي ، باستقطاب الزعماء والشيوخ والرأسماليين لحكمه ، وتفعل دورهم المجتمعي بالصلاحيات السلطوية المدعومة من الحكومة ، ان فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا ، الأبعاد السياسية من التفكيك للانفراد بالطوائف الدينية التي تطالب بعادة أمجاد يوسف ، ولم يكتفي بإضعافهم ، بل اتبع معهم أبشع أنواع والقمع ، قتل الذكور وترك الإناث ، يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحيي نسائهم انه كان من المفسدين

طسم{1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ{2} نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{3} إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{4}

ونتيجة للقمع والاستبداد الفرعوني لبني إسرائيل ، تحركت إرادة الله لإنقاذهم من الاضطهاد الذي طال لعقود من الزمن ، وله غايات أخرى في إرادته ، بان يجعلهم أئمة يدعون باسمه بعد وراثة الأرض ، ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ، ونجعلهم امة ونجعلهم الوارثين ، ولا يتم ذلك إلا بعد توفير وسائل التمكين على الأرض بالأمن والاستقرار بعد إزالة قوانين التسلط التي وضعها فرعون وهامان بالقوة العسكرية ، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ{6}

موسى وأخاه هارون ليس من ذرية بني إسرائيل ، إنما من ذرية احد الناجين من غرق قوم نوح ، فطائفتهما أيضا من الطوائف المضطهدة دينيا ، فالإجراءات التعسفية كانت واحدة مع جميع الطوائف ، قتل الذكور وترك الإناث تطهير عرقي ينهي أصول الذرية بالكامل مع الزمن ، كما هو تهديد الأمن المجتمعي بالعدول عن الزواج ، وأوحينا الى أم موسى ان ارضعه ، في حالة ان كان الوضع مستقرا ، أما في حالة التهديد ، ضعيه في تابوت من الخشب والقيه في اليم ، اليم الجداول أو الترع الأروائية التي مصدر مائها النهر ، ولا تخافي ولا تحزني أنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ، فألقت به الى جدول يصب في ساحل منتجع فرعون ، فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا ، بسبب الاختلاف العقائدي ، وحزنا وسببا في النهاية المؤلمة ، ان فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ، اخطئوا في كافة التقديرات

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ{7} فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ{8}

عندما جيء بالرضيع الى قصر فرعون ، علمت امرأته انه يعود الى أحدى الطوائف المضطهدة ، فما لا يقبل الشك ان فرعون سوف يقوم بقتله ، وقالت أمرات فرعون قرت عين لي ولك ، لا تقتلوه عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون

وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{9}

بالرغم من اطلاع أم موسى على تفاصيل الخطوات التي ستتبعها لسلامة ابنها من كيد فرعون ، إلا ان فؤادها بات فارغا من الحنان والعطف على رضيعها ، فلم تتحمل فراقه كادت ان تكشف أمرها للناس ، لولا ان ربط الله على قلبها ، وأصبح فواد أم موسى فارغا ان كادت لتبدي به لولا ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{10}

خوف أم موسى على رضيعها دفعها الى التحري عنه ، فأرسلت ابنتها لتقصى أخباره ، وقالت لأخته قصه اتبعي أثره فبصرت به عن جنب ، بمعنى جمعت عنه معلومات بطريقة سرية دون ان تلفت انتباه أي اشخص على اهتمامها بالموضوع ، وهم لا يشعرون

وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{11}

من المعلومات التي جمعتها ، ان فرعون دعا النساء الى قصره لتكليف احدهن برضاعته ، فدخلت معهن من ضمن المشاركات ، وبعد رفضه لهن ، وحرمنا عليه المراضع من قبل ، بادرت أخته بإرشادهم على أهل بيت يكفلون تربيته وهم له ناصحون ، فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ، وبهذه الحكمة الربانية التي ألهمها الله لأم موسى بكتم سر ابنها ، وعدم مشاركتها مع المرضعات ، نجا موسى من كيد فرعون ، فرددناه الى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ، ولتعلم ان وعد الله حق ، وعد الله هو وعد الآخرة ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، لا يعلمون البعث والنشور

وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ{12} فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{13}








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -