الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 83

عبدالرحيم قروي

2023 / 11 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اَلنَّصُ اَلْمُؤَسِّسُ وَمُجْتَمَعُه
اَلسِفْرُ اَلأَوَّلُ وَاَلثَانِى
خليل عبد الكريم
الحلقة الثانية

التفاسير الحديث تفسير لكتب التراث
وترتيبًا عليه وكنتيجة حتمية له فإن التفاسير الحديثة ليست للقرآن المجيد إنما هى للتفاسير التراثية السلفية القديمة التى مرت عليها قرون والتى تُنعت بأن أمة لا إله إلا الله تلقتها بالقبول والترحاب والتجّلة.
ومن ثم فإن المفسرين المحدثين لايطرحون تفسرًا للنص الأصلى ولا يقدمون تأويلات للقرآن الكريم بل ينفخون قراءهم توضيحات وتعليقات وشروحًا وتلخيصات لما فى تفسير الطبرى والزمخشرى والرازى والكلبى وابن كثير والقرطبى والبيضاوى والتسترى والسيوطى ....... إلخ.
بل وحتى الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده مع أن العهد به قريب.
ولذا فإن القارئ غدا يعرف وإذا أحسنا الظن به قلنا إنه يعلم آراء أولئك الأكابر وأحكامهم ومذاهبهم وتنظيراتهم فحسب لا التى جاء بها الذكر الحكيم !.
وهى معضلة لايستهان بها ويتوجب الإلتفات إليها.
لماذا؟.
لأنه مع تقديرنا البالغ لأولئك المفسرين الأعاظم فإن مارقموه فى مؤلفاتهم شئ وما حمله مأدبة الله شئ آخر.
إن المفسر من أولئك الأفذاذ عاش فى قرن معين وبيئة محددة ومجتمع له أبعاده ومناحيه وأعرافه وموجباته وإكراهاته, وهو نفسه تملك ثقافة خاصة به تفترق بدرجة أو بأخرى عن ثقافة أقرانه المعاصرين, وله ذكاؤه وقريحته وذاكرته الحافظة ووعيه وذهنيته ومخيلته ومعتقده ومنحاه الفكرى وإتجاهه الأيديولوجى ومدرسته الفلسفية ونحلته الكلامية ( علم الكلام ) .... إلخ.
ومن خلال كل هذه القنوات العامة والخاصة تسرب تفسيره أو تأويله, ومن طبائع الأمور أن يتاثر بها ويتشكل بقسماتها ويحمل بصماتها ويتروح بريحها ويتزيأ بزيها ويبرز بآياتها ......... إلخ.
وفى نهاية الأمر وغاية الشوط وآخر المدى ينقلب التفسير إلى نص آخر مغاير للنص الأصلى ومفارق ومباين إياه.
[ 3 ]
ما حدث للفقه المالكى
حدث هذا بحذافيره فى الفقه المالكى فالمدونة التى أملاها عبد الرحمن بن القاسم على أسد بن الفرات ونقلها إلى إفريقيا ( تونس ) ولو أنها مروية عن شيخ المذهب نفسه إلا أنها ( = المدونة ) غدت هى المرجعية التى لا تقبل جدلاً أو مناقشة أو معارضة أو مُخاجة, و على جوانبها اُلفت الحواشى والتعليثات والمخترات والتهذيبات ... إلخ.
حتى يمكن أن نقرر أن مالكية محدثية أو مبتدعة ظهرت واستقرت هناك لا صلة بمذهب شيخها, وإذا أحسنا الظن ربطتها به علاقة واهية أشد رقة من خيوط العنكبوت.
وغضب مؤرخون وفقهاء عديدون واتهموا من أقدموا على ذلك بأنهم أفسدوا مذهب الأصبحى صاحب المؤطأ عالم المدينة مالك بن أنس .
ونطرح هذا المثل للتدليل على أن التيمم نحو النصوص الثانوية أو الجانبية أو الهامشية والإحتفاء والعناية بها ووضعها فى بؤبؤ العين ومركز الرعاية ودائرة الضوء, منحى له تاريخ عتيق وجذر غائر وأصل ثابت فى قضاء الفكر الإسلامى وليس أمرًا عارضًا أو شأنًا هزيلاً أو أو رافدًا محدثًا أو بدعة وافدة أو سحابة صيف عن قريب تنقشع.
وهنا مكمن الخطر وبيت الداء وجرثومة العلة وسبب الوهن ومنشأ المرض, إذ لو أنه على خلافه لما أثار الانتباه وشد البصر واستوقف التأمل واستدعى التفكر واستنفر التمعن, وميدان أهميته فسيح ومجال أثره وسيع, ويكفى فى هذه العجالة التمهيدية أن نورد شطرً نحيفًا, وهو أن يجر دارس القرآن العظيم والباحث فى علومه بعيدًا عن ركائزه الأساسية وعُمده الرواسخ وأصوله الثوابت إلى مجرد آراء وأنظار وأفكار فاه بها فلان, ويصرفه عن منابعه الصافية وعيونه النقية وموارده السائغة إلى مشارب لا تقاس ولا تقارن بها, فأين الأرض من السماء وأين الثرى من الثريا.
المفسرون المحدثون والتفسير
عندما أقدم المفسرون المحدثون علي الانصراف عن تفسير ( السبع المثانى ) ذاته والنهل من التفاسير التراثية يقتطعون منها فقرات كوامل قد تطول أو تقصر أو يهذبونها أو يختصرونها أو يعلقون عليها أو يُحَـلّون أعناقها بالحواشى والشروح والتوضيحات والتبيينات .... إلخ.
ولا بأس بإيراد بعض المفردات الغوامض من النص الأصلى لرفع الستار عن هذا الغموض.
والإجابة عن هذا التساؤل لا تحتاج إلى زكانة ولا تتطلب فطانة ولا تستدعى لقانة ولا تستحب لوذعية.
لأن الإتكاء على التفاسير القديمة أوالتراثية أو السلفية هو جواز المرور للحظوة برضى المنفذين فى رئاسة شئون التقديس الذين نصبوا أنفسهم حراسًا لأحسن القصص وهو درب الولوج إلى البوابة الملكية التى بدون المروق من عتبتها المهيبة يستحيل عليهم الحصول على الموافقة على نشر تصنيفاتهم وإن تقت إلى الإنضباط فهى تجميعاتهم.
إن من أصعب الأمور أن تُصدق أن المفسر المعاصر الحديث يجهل أن سلفه الصالح قد عاش فى زمان غير زمانه, وفى مجتمع مغاير لمجتمعه, وبيئة تخالف بيئته, وتسلح بثقافة مباينة لثقافته, وتزود بمعارف غير معارفه, وحصل على علوم تفاصل علومه, وواكبته أنساق إجتماعية وإقتصادية ومعرفية وسياسية وإعلامية وتعليمية ... إلخ. لا وجه للمقارنة بينها وبين أندادها من الأنساق التى تحايثه.
ومن أبعد الفروض أن نؤمن أنه ( = المفسر المعاصر ) لا يفقه أن تلك الإكراهات جميعها لابد أن تطبع تفسير سلفه بميسمها, وهذا ما يؤكده ويثبته علم اجتماع المعرفة, بل ما تدركه بداءة العقول إذ تقطع به شواهد الحال, وهذا الدمغ لا يظهر فى الأسلوب فقط: تراكيب الجمل, وصياغة العبارات, واختيار الألفاظ, وانتقاء الكلمات, بل تعداه إلى الأفكار والتنظيرات والحكم على الأمور وتقييم الوقائع, واستنباط القواعد ومن ثم قيل: إن الإنسان ابن عصره.
وللتدليل عليه نضرب مثلاً سريعًا: فعندما تقرأ ( عجائب الآثار فى الترجم والآثار ) المشهور ب ( تاريخ الجبرتى ) لمؤلفه عبد الرحمن بن حسن الجبرتى, وتطالع أى كتاب لسميه المؤرخ عبد الرحمن الرافعى تلقى بونًا شاسعًا فى كل المناحى التى ذكرناها, مع أن الفارق الزمنى بينهما ل ينيف على قرنين وربع قرن.
هنا قد ينبرى لنا قارئ فلحاس ويصيح ناعقًا: هناك بينونة بين التأريخ والتفسير, إذ إن الأخير يتمحور على نص ونص مقدس يتوجب على المفسر تراثيًا أو معاصرًا أن يلتزم به ويدور فى فلكه ولا يخرج عن نطاقه.
أما المؤرخ فهو يرصد الوقائع ويحللها دون مرجعية أمامه يضطر إلى أن يرتبط بها ويتقيد بلزومياتها.
ونعقب عليه فنسطر:
هذا دفعٌ فسيد, لأن وجود الأساس الذى ينبنى عليه التفسير لا يلغى خصوصية المفسر ولا ينفى كينونته ولا يُغرب هويته ولا يعدم شخصيته ..... إلخ.
وإلا غدت مدونات التفسير نسخة واحدة وهو ما لم يحدث, فضلاً عن أنه لايفوه به ذو لب صحيح وتفكير سديد وعقل سوى بل لا يدعيه من له ذرة من وعى أو مسكة من قريحة.
وكيما نوقف المراء الشكس وننهى الجدل العقيم ونضع حدًا للنقاش الفارغ, نهدى القارئ ما دبجه واحد من شوامخ مفسرى القرآن المجيد ومن أقدمهم, له فى فضاء الفكر الإسلامى مقام محمود ورتبة سامية, ولد فى قرية القداسة ـ بكة ـ فى منتصف القرن الهجرى الثانى وتلقى العلم عل يديه وحدث عن خلق لا يُحصى من الأثبات المحققين.
ويكفى أن تعرف أن ابن جرير الطبرى, شيخ المفسرين وعمدتهم وذروة سنامهم, نقل عنه الكثير فى تفسيره الذى لا ينتطح عنزان فى قيمته وأنه من أجلّ التفاسير, ويمكنك أن تصرح بأنه مقدمها دون معارضة وبلا مجادلة وبغير حجاج.
(5)
الخرافات فى كتب التراث والتقسير
فعندما فسر ابن جريج الآية الكريمة:
{ الله الذى خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير } [ سورة الطلاق : 12 ]. أورد ما يأتى: أخرج ابن المنذر, عن ابن جرير فى قوله : { سبع سموات ومن الأرض مثلهن } قال: بلغنى أن عرض كل أرض مسيرة خمسمائة سنة وأن بين كل أرضين مسيرة الثرى واسمها تخون, وأن أرواح الكفار فيها ولها منها اليوم حنين, فإذا كان يوم القيامة ألقتهم إلى بهوت فإجتمع أنفس المسلمين بالجابية والثرى فوق الصخرة التى قال الله فى صخرة, والصخرة خضراء مكللة والصخرة على الثور له قرنان وله ثلاث قوائم يبتلع ماء الأرض كلها يوم القيامة والثور على الحوت زذنب الحوت عند رأسه مستدير تحت الأرض السفلى وطرفاه منعقدان تحت العرش ويقال الأرض السفلى على عمد من قرنى الثور ويقال بل على ظهره واسمه بهموت ياثرون إنهما نزل أهل الجنة فيشبعون من زائد كبد الحوت ورأس الثور, وأخبرت أن عبد الله بن سلام سأل النبى ـ ص ـ علام الحوت قال على ماء أسود وما أخذ منه الحوت إلا كما أخذ حوت من حيتانكم من بحر من هذه البحار, وحدثت أن إبليس تغلغل إلى الحوت نفسه فعظم له نفسه وقال: ليس خلق بأعظم منك غنى ولا أقوى, فوجد الحوت نفسه فتحرك فمنه تكون الزلزلة إذا تحرك فبعث الله حوتًا صغيرًا فأسكنه فى أذنه فإذا ذهب يتحرك تحرك الذى فى أذنه فسكن. [ تفسير ابن جريج: جمع وتحقيق على حسن عبد الغنى ـ ص 333 ـ الطبعة الأولى 1413 هـ / 1992 م ـ مكتبة التراث الإسلامى ـ القاهرة ].
فهنا تجلى بوضوح شديد الأفق المعرفى ( الابستمولوجى ) للمفسّر ونضحت ثقافته عل ما خطه قلمه وتبدت معطيات بيئته وما حفل به مجتمعه من أساطير.
ونذكر أنه فى ذياك الوقت وجد قصاصون فى المساجد والتجمعات الشعبية درجوا على الخوض فى كافة المجالات الدينية وأخصها التى تصلح مجالاً للتهويلات والخوارق والمدهشات مثل ما حفل به هذا النص المعجب. ومن أغزر الأخبار دلالة أن الخليفة الثانى عمر بن الخطاب العدوىّ شجّع اولئك القصاصين ـ خاصة فى البلاد التى داسوها بسنابك خيولهم المباركة واستعمروها ونهبوا خيراتها بهدف التمكين للدين واللغة اللذين حملوهما للأراضى المغزوة التعيسة.
ومن الطريف أن محقق الكتاب, وهو كما سطر فى المقدمة عضو فى هيئة التدريس فى كلية جامعية, لم يعقب على هذا النص المدهش ولو بجملة واحدة أو شبه جملة.
وحراس ( العروة الوثقى ) من مؤسسة شئون التقديس يجيزون هذا النص وأمثاله, فى حين أنهم ينادون بمصادرة الآراء أوالأفكار أو المعطيات التى تهدى تجديداً للفكر الدينى الإسلامى وتنويرًا وتثويرًا.
ولكى لا نطيل على القارئ نكتفى بهذا النص, فهناك العشرات المشابهة التى تطفح بالأسطورة واللاعقلانية والخرافة فى التفاسير التراثية خاصة ما يسمى الإسرائيليات عند تفسير الآيات الكريمة التى تتناول القصص الواردة فى العهد القديم الذى يُقال عن مجازًا التوراة وكثير منها نقلها مصنفوها أو أوردوها عن عدد من مشاهير الصحابة وفى مقدمتهم عبدالله بن العباس وعبدالله بن عمرو ين العاص وأبو هريرة وغيرهم.
حقيقة أن المفسرين المحدثين أو المعاصرين تجنبوا ما استطاعوا الإسرائيليات والنوص المدهشة كالذى أتحفنا به ابن جريج ولكن فى نظرنا هذا المسلك لايغير من الأمر: إذ ثبوت " الإسرائيليات" و " المعجبات" فى أى تفسير من التفسيرات التراثية يكشف بدون لبس وبغير غموض عن المستوى الثقافى للمفسر الذى رقمها فى مؤلفه, ويوضح الرتبة الحضارية للمجتمع الذى شب فيه والبعد المعرفى للبيئة التى نشأ فيها. وبالتالى من الميسور عليه ( على المفسر الحديث / المعاصر ) أن يفطن إلى أن التعويل على ذياك المفسر والإتكاء على أطروحاته خطأ منهجى تمامًا كالطبيب المعاصر الذى يداوى مرضاه بالسنا والسنوت وحبة البركة والفصد والحجامة والرقى .... إلخ. وهذه واحدة.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب